لام التعليل والعاقبة فی القرآن الكريم

إنضم
31/10/2015
المشاركات
2,088
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
مصر
بسم الله الرحمن الرحيم

سوف نتناول فی هذا البحث بعض لطائف اللام فی القرآن الكريم

والاختلاف فی لام العاقبة والتعليل وتعلقات اللام فی كتاب الله

ارجو من الله أن يكون ثمرة للتعمق فی تدبر حرف اللام فی كتاب الله

الجوهرة الأولي

فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون:

قوله: { لِيَكُونَ }: في اللامِ الوجهان المشهوران:

العِلِّيَّةُ المجازيةُ بمعنى: أنَّ ذلك لَمَّا كان نتيجةَ فِعْلِهم وثمرتَه، شُبِّه بالداعي الذي يفعلُ الفاعلُ الفعلَ لأجله،

أو الصيرورةُ

وقال ابن كثير

قال محمد بن إسحاق وغيره: اللام هنا لام العاقبة، لا لام التعليل، لأنهم لم يريدوا بالتقاطه ذلك، ولا شك أن ظاهر اللفظ يقتضي ما قالوه،

ولكن إذا نظر إلى معنى السياق، فإنه تبقى اللام للتعليل، لأن معناه أن الله تعالى قيضهم لالتقاطه، ليجعله عدواً لهم وحزناً، فيكون أبلغ في إبطال حذرهم منه، ولهذا قال تعالى: { إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَـٰطِئِينَ }
 
الجوهرة الثانية

أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }

قال ابن عاشور فى التحرير والتنوير:

والسخريّ بضم السين وبكسرها وهما لغتان (ولم يقرأ في القراءات المشهورة إلا بضم السين. وقرأ ابن محيصن في الشاذّ بكسر السين): اسم للشيء المسخر، أي المجبور على عملٍ بدون اختياره، واسمٌ لمن يُسْخَر به، أي يستهزأ به كما في «مفردات» الراغب و«الأساس» و«القاموس». وقد فُسر هنا بالمعنيين كما قال القرطبي.

وقال ابن عطية: هما لغتان في معنى التسخير ولا تدخُّلَ لمعنى الهُزء في هذه الآية. ولم يَقل ذلك غيره وكلام الراغب محتمل.

واقتصر الطبري على معنى التسخير.

فالوجه في ذلك أن المعنيين معتبران في هذه الآية.

وإيثار لفظ { سخرياً } في الآية دون غيره لتحمُّله للمعنيين وهو اختيار من وجوه الإعجاز فيجوز أن يكون المعنى ليتعمل بعضهم بعضاً في شؤون حياتهم فإن الإنسان مدني، أي محتاج إلى إعانة بعضه بعضاً، وعليه فسّر الزمخشري وابن عطية وقاله السُّدي وقتادة والضحاك وابن زيد، فلام { ليتخذ } لام التعليل تعليلاً لفعل { قسمنا } ، أي قسمنا بينهم معيشتهم، أي أسبابَ معيشتهم ليستعين بعضهم ببعض فيتعارفوا ويتجمعوا لأجل حاجة بعضهم إلى بعض فتتكون من ذلك القبائل والمدن.

وعلى هذا يكون قوله: { بعضهم بعضاً } عاماً في كل بعض من النّاس إذ ما من أحد إلا وهو مستعمِل لغيره وهو مستعمَل لغيرٍ آخر.

ويجوز أن تكون اسماً من السُّخرية وهي الاستهزاء. وحكاه القرطبي ولم يعيّن قائله

وبذلك تكون اللام للعاقبة مثل
{ فالتقطة آل فرعون ليكون لهم عدوّاً وحَزَناً }
 
الجوهرة الثالثة

شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون:


قوله: { وَلِتُكْمِلُواْ } في هذه اللام ثلاثةُ أقوالٍِ،

أحدُها: أنها زائدةٌ في المفعولِ به كالتي في قولك: ضَرَبْتُ لزيدٍ، و " أَنْ " مُقَدَّرةٌ بعدَها تقديرُه: " ويريد أنْ تُكمِلوا العِدَّة " أي: تكميلَ، فهو معطوفٌ على اليُسْر. ونحوُه قولُ أبي صخر:850 ـ أريدُ لأَنْسَى حُبَّها فكأنَّما تَمَثَّلُ لي ليلى بكلِّ طريقِ
وهذا قولُ ابن عطية والزمخشري وأبي البقاء، وإنما حَسُنَتْ زيادةُ هذه اللام في المفعولِ - وإنْ كان ذلك إنما يكونُ إذا كان العاملُ فرعاً أو تقدَّمَ المعمولُ - من حيث إنه لمَّا طالَ. الفصلُ بين الفعلِ وبين ما عُطِفَ على مفعوله ضَعُفَ بذلك تَعَدِّيه إليه فَعُدِّي بزيادة اللام قياساً لضَعْفِه بطولِ الفصلِ على ضَعْفِه بالتقديم.

الثاني: أنَّها لامُ التعليل وليسَتْ بزائدةٍ،

واختلَفَ القائلون بذلك على ستةِ أوجه

أحدُها: أن يكونَ بعدَ الواوِ فعلٌ محذوفٌ / وهو المُعَلَّل تقديرُه: " ولِتُكْمِلوا العِدَّة فَعَلَ هذا " ، وهو قولُ الفراء.

الثاني - وهو قولُ الزجاج - أن تكونَ معطوفةً على علة محذوفةٍ حُذِفَ معلولُها أيضاً تقديرُه: فَعَلَ الله ذلك لِيُسَهِّل عليكِم ولِتُكْمِلوا.

الثالث: أن يكونَ الفعلُ المُعَلَّلُ مقدراً بعد هذه العلةِ تقديرُه: " ولِتُكْمِلوا العدَّةَ رخَّص لكم في ذلك " ونَسبه ابن عطية لبعض الكوفيين.

الرابع: أنَّ الواوَ زائدةٌ تقديرُه: يريد الله بكم كذا لِتُكْمِلوا، وهذا ضعيفٌ جداً.

الخامسُ: أَنْ يكونَ الفعلُ المُعَلَّلُ مقدراً بعدَ قولِه: " ولَعَلَّكم تَشْكُرون " ، تقديرُه: شَرَعَ ذلك، قاله الزمخشري، وهذا نصُّ كلامِه قال: " شَرَعَ ذلك، يَعني جُملةَ ما ذَكَر من أمرِ الشاهدِ بصومِ الشهرِ وأمرِ المرخَّصِ له بمراعاةِ عِدَّةِ ما أَفْطَر فيه ومن الترخيص في إباحةِ الفطر، فقولُه: " ولِتُكْمِلوا " علَّةُ الأمر بمراعاةِ العدَّة، و " لِتُكَبِّروا " علةُ ما عُلِم من كيفية القضاءِ والخروج عن عُهْدةِ الفِطْر و " لعلَّكم تَشْكرون " علةُ الترخيصِ والتيسير، وهذا نوعٌ من اللفِّ لطيفُ المَسْلَكِ، لا يهتدي إلى تبينُّه إلا النُّقَّابُ من علماءِ البيانِ ".

السادس: أن تكونَ الواوُ عاطفةً على علةٍ محذوفةٍ، التقديرُ: لتعملوا ما تعلَمون ولِتُكْملوا، قاله الزمخشري، وعلى هذا فالمعلَّلُ هو إرادةُ التيسيرِ. واختصارُ هذه الأوجهِ أَنْ تكونَ هذه اللامُ علةً لمحذوفٍ: إمّا قبلَها وإمَّا بَعدَها، أو تكونَ علةً للفعلِ المذكور قبلَها وهو " يُريد ".

الثالث: أنَّها لامُ الأمرِ، وتكونُ الواوُ قد عَطَفَتْ جملةً أمريةً على جملةٍ خبريَّةٍ، فعلى هذا يكونُ من بابِ عطفِ الجملِ، وعلى ما قبلَه يكونُ من عَطْفِ المفردات كما تقدَّم تقريرُه، وهذا قولُ ابنِ عطية، وضَعَّفه الشيخُ بوجهَيْنِ،

أحدُهما: أنَّ أَمْرَ المخاطبِ بالمضارع مع لامِه لغةٌ قليلةٌ نحوُ: لِتَقُمْ يا زيد، وقد قرىء شاذاً: { فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } [يونس: 58] بتاء الخطاب.

والثاني: أن القُرَّاءَ أَجْمَعُوا على كسرِ هذه اللامِ، ولو كانَتْ للأمرِ لجاز فيها الوجهان: الكسرُ والإِسكانُ كأخواتها.
 
الجوهرة الرابعة

وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } * { وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ }

قال الرازى فى تفسيره:

المسألة الثانية: «اللام» { وَلِتَصْغَى } لا بد له من متعلق. فقال أصحابنا: التقدير: وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من شياطين الجن والإنس، ومن صفته أنه يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، وإنما فعلنا ذلك لتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون أي وإنما أوجدنا العداوة في قلب الشياطين الذين من صفتهم ما ذكرناه ليكون كلامهم المزخرف مقبولاً عند هؤلاء الكفار، قالوا:

وإذا حملنا الآية على هذا الوجه يظهر أنه تعالى يريد الكفر من الكافر


أما المعتزلة فقد أجابوا عنه من ثلاثة أوجه.

الوجه الأول: وهو الذي ذكره الجبائي قال: إن هذا الكلام خرج مخرج الأمر ومعناه الزجر، كقوله تعالى:
{ وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ }
[الإسراء: 64] وكذلك قوله: { وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ } [الأنعام: 113] وتقدير الكلام كأنه قال للرسول: فذرهم وما يفترون ثم قال لهم على سبيل التهديد ولتصغى إليه أفئدتهم وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون.

والوجه الثاني: وهو الذي اختاره الكعبي أن هذه اللام لام العاقبة أي ستؤل عاقبة أمرهم إلى هذه الأحوال. قال القاضي: ويبعد أن يقال: هذه العاقبة تحصل في الآخرة، لأن الإلجاء حاصل في الآخرة، فلا يجوز أن تميل قلوب الكفار إلى قبول المذهب الباطل، ولا أن يرضوه ولا أن يقترفوا الذنب، بل يجب أن تحمل على أن عاقبة أمرهم تؤل إلى أن يقبلوا الأباطيل ويرضوا بها ويعملوا بها.

والوجه الثالث:

وهو الذي اختاره أبو مسلم. قال: «اللام» في قوله: { وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ } متعلق بقوله:
{ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً }[الأنعام: 112] والتقدير أن بعضهم يوحي إلى بعض زخرف القول ليغروا بذلك { وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالأَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ } الذنوب ويكون المراد أن مقصود الشياطين من ذلك الإيحاء هو مجموع هذه المعاني. فهذا جملة ما ذكروه في هذا الباب.

أما الوجه الأول:

وهو الذي عول عليه الحبائي فضعيف من وجوه ذكرها القاضي. فأحدها: أن «الواو» في قوله: { وَلِتَصْغَى } تقتضي تعلقه بما قبله فحمله على الابتداء بعيد.

وثانيها: أن «اللام» في قوله: { وَلِتَصْغَى } لام كي فيبعد أن يقال: إنها لام الأمر ويقرب ذلك من أن يكون تحريفاً لكلام الله تعالى وأنه لا يجوز.

وأما الوجه الثاني:

وهو أن يقال: هذه اللام لام العاقبة فهو ضعيف، لأنهم أجمعوا على أن هذا مجاز وحمله على «كي» حقيقة فكان قولنا أولى

وأما الوجه الثالث:

وهو الذي ذكره أبو مسلم فهو أحسن الوجوه المذكورة في هذا الباب: لأنا نقول: إن قوله: { يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً } يقتضي أن يكون الغرض من ذلك الإيحاء هو التغرير. وإذا عطفنا عليه قوله: { وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } فهذا أيضاً عين التغرير لا معنى التغرير، إلا أنه يستميله إلى ما يكون باطنه قبيحاً. وظاهره حسناً، وقوله: { وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } عين هذه الاستمالة فلو عطفنا لزم أن يكون المعطوف عين المعطوف عليه وأنه لا يجوز، أما إذا قلنا: تقدير الكلام وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من شأنه أن يوحي زخرف القول لأجل التغرير وإنما جعلنا مثل هذا الشخص عدواً للنبي لتصغى إليه أفئدة الكفار، فيبعدوا بذلك السبب عن قبول دعوة ذلك النبي، وحينئذ لا يلزم على هذا التقدير عطف الشيء على نفسه. فثبت أن ما ذكرناه أولى.

وقال السمين الحلبى فى الدر المصون:


قوله تعالى: { وَلِتَصْغَىۤ }: في هذهِ اللامِ ثلاثةُ أوجهٍ،

أحدها: أنها لامُ كي والفعلُ بعدها منصوبٌ بإضمار أَنْ. وفيما يتعلَّق به احتمالان:

الاحتمال الأول أن يتعلق بيُوحي على أنها نَسَقٌ على " غروراً " ، وغروراً مفعول له والتقدير: يُوحي بعضُهم إلى بعضٍ للغرور وللصَّغْو، ولكن لمَّا كان المفعول له الأول مستكمِلاً لشروط النصب نُصِب، ولما كان هذا غيرَ مستكملٍ للشروط وَصَلَ الفعلُ إليه بحرف العلة، وقد فاته من الشروط كونُه لم يتَّحد فيه الفاعل، فإنَّ فاعلَ الوحي " بعضهم " وفاعلَ الصَّغْو الأفئدة، وفات أيضاً من الشروط صريحُ المصدرية.

والاحتمالُ الثاني: أن يتعلَّق بمحذوف متأخرٍ بعدها، فقدَّره الزجاج: ولتَصْغى إليه فَعَلُوا ذلك، وكذا قدَّرَه الزمخشري فقال: " ولتصغى جوابُه محذوف تقديره: وليكونَ ذلك جَعَلْنا الزمخشري فقال: " ولتصغى جوابُه محذوف تقديره: وليكونَ ذلك جَعَلْنا لكلِّ نبيّ عدُوَّاً، على أن اللام لام الصيرورة ".

الوجه الثاني:/ أن اللام لام الصيرورة وهي التي يعبرون عنها بلام العاقبة، وهو رأيُ الزمخشري كما تقدَّم حكايته عنه أيضاً.

الوجه الثالث: أنها لامُ القسم. قال أبو البقاء: " إلا أنها كُسِرَتْ لمَّا لم يؤكِّد الفعل بالنون " وما قاله غيرُ معروفٍ، بل المعروفُ في هذا القول أنَّ هذه لامُ كي، وهي جواب قسم محذوف تقديره: والله لَتَصْغَى فوضع " لِتَصْغَى " موضع لَتَصْغَيَنَّ، فصار جواب القسم من قبيل المفرد كقولك: " واللهِ لَيقومُ زيدٌ " أي: أحلفُ بالله لَقيامُ زيد، هذا مذهبُ الأخفش وأنشد:2034ـ إذا قلتُ قَدْني قال بالله حَلْفَةً لِتُغْنِيَ عني ذا إنائك أجمعا
فقوْله " لتُغْني " جوابُ القسم، فقد ظهر أن هذا القائل يقول بكونها لامَ كي، غايةُ ما في الباب أنها وقعت موقع جواب القسم لا أنها جواب بنفسها، وكُسِرَتْ لَمَّا حَذَفَتْ منها نون التوكيد، ويدلُّ على فساد ذلك أن النونَ قد حُذِفَتْ، ولامَ الجواب باقيةٌ على فتحها قال:2035ـ لَئِنْ تَكُ قد ضاقَتْ عليكم بيوتُكُمْ لَيَعْلَمُ ربِّي أنَّ بيتيَ واسعُ
فقوله " لَيَعْلَمُ " جوابُ القسم الموطَّأ له باللام في " لِئنْ " ، ومع ذلك فهي مفتوحةٌ مع حَذْفِ نون التوكيد، ولتحقيقِ هذه المسألةِ مع الأخفش موضوعٌ غيرُ هذا.
 
الجوهرة الخامسة

{ وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

هل اللام فى ليحاجوكم للتعليل ام للعاقية ؟

قال السمين الحلبى فى الدر المصون:

وهذه اللامُ متعلقةٌ بقوله: " أَتُحَدِّثُونهم ". وذهب بعضُهم إلى أنَّها متعلقةٌ بـ " فَتَحَ " ، وليس بظاهرٍ، لأنَّ المُحاجَّةِ ليست علة للفتح، وإنما هي نَشَأَتْ عن التحديث، اللهم إلا أَنْ يُقالَ: تَتَعَلَّقُ به على أنها لامُ العاقبة، وهو قولٌ قيل بهِ فصارَ المعنى أنَّ عاقبةَ الفتحِ ومَآلَة صارَ إلى أَنْ حاجُّوكم، أو تقول: إنَّ اللام لامُ العِلَّة على بابِها، وإنَما تَعَلَّقَتْ بفَتْحِ لأنه سببٌ للتحديث،
 
الجوهرة السادسة

{ قَالَ ٱدْخُلُواْ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مِّن ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ فِي ٱلنَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّىٰ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ ٱلنَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون:

وقوله: { لأُولاَهُمْ } اللامُ للتعليل أي لأجل، ولا يجوز أن تكون التي للتبليغ كهي في قولك: قلت لزيدٍ افعل. قال الزمخشري: " لأنَّ خطابَهم مع الله لا معهم

" وقد بَسَط القولَ قبله في ذلك الزجاج فقال: " والمعنى: وقالت أخراهم: يا ربَّنا هؤلاء أضلونا، لأولاهم " فَذَكَرَ نحوه. قلت

: وعلى هذا فاللامُ الثانيةُ في قوله " أُولاهم لأخراهم " يجوز أن تكون للتبليغ، لأنَّ خطابَهم معهم بدليل قوله: " فما كان لكم علينا مِنْ فضلٍ، فذوقوا بما كنتم تَكْسِبون ".
 
الجوهرة السابعة

{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }



قال ابو حيان فى بحره:

ومعنى التقديس كما ذكرنا التطهير، ومفعوله أنفسنا لك من الأدناس، قاله الضحاك وغيره،

أو أفعالنا من المعاصي، قاله أبو مسلم،

أو المعنى: نكبرك ونعظمك. قاله مجاهد وأبو صالح، أو نصلي لك، أو نتطهر من أعمالهم يعنون بني آدم. حكى ذلك عن ابن عباس، أو نطهر قلوبنا عن الالتفات إلى غيرك،

واللام في لك فيل زائدة، أي نقدّسك.

وقيل: لام العلة متعلقة بنقدّس، قيل: أو بنسج وقيل: معدية للفعل، كهي في سجدت لله،

وقيل: اللام للبيان كاللام بعد سقياً لك، فتتعلق إذ ذاك بمحذوف دلّ عليه ما قبله، أي تقديسنا لك. والأحسن أن تكون معدية للفعل، كهي في قوله:
{ يسبح لله }


وقال الرازى فى تفسيره:

التقديس التطهير، ومنه الأرض المقدسة ثم اختلفوا على وجوه:

أحدها: نطهرك أي نصفك بما يليق بك من العلو والعزة،

وثانيها: قول مجاهد نطهر أنفسنا من ذنوبنا وخطايانا ابتغاء لمرضاتك.

وثالثها: قول أبي مسلم نطهر أفعالنا من ذنوبنا حتى تكون خالصة لك

. ورابعها: نطهر قلوبنا عن الالتفات إلى غيرك حتى تصير مستغرقة في أنوار معرفتك
 
الجوهرة الثامنة

{ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُنزَلِينَ } * { بَلَىۤ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُسَوِّمِينَ } * { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } *{ لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون:

قوله تعالى: { لِيَقْطَعَ }: في متعلَّق هذه اللام سبعةُ أوجه:

أحدها: أنها متعلِّقة بقوله: { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ } قاله الحوفي، وفيه بُعْدٌ لطولِ الفصلِ.

الثاني: أنها متعلقةٌ بالنصر في قوله: { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } وفيه نظرٌ من حيث إنه قد فُصِل بين المصدر ومتعلَّقه بأجنبي وهو الخبر.

الثالث: أنها متعلقة بما تعلق به الخبر وهو قوله: { مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } والتقدير: وما النصر إلا كائن ـ أو إلا مستقر ـ من عند الله ليقطع.

والرابع: أنها متعلقة بمحذوف تقديره: أمدَّكم ـ أو نصركم ـ ليقطع.


الخامس: أنها معطوفةٌ على قوله: " ولتطمئِنَّ " ، حَذَفَ حرف العطف لفهم المعنى كقوله:
{ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ }
[الكهف: 22]، وعلى هذا فتكونُ الجملةُ من قولِه: { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } اعتراضيةً بين المعطوفِ والمعطوفِ عليه، وهو ساقِطٌ الاعتبارِ.

السادس: أنها متعلقةٌ بالجَعْل قاله ابن عطية.

السابع: أنها متعلقةٌ بقولِه: " يُمْدِدْكم " ، وفيه بُعْدٌ للفواصلِ بينهما.
 
الجوهرة التاسعة



{ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } *{ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِيۤ أُخْرَٰكُمْ فَأَثَـٰبَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَآ أَصَـٰبَكُمْ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون:

قوله: { لِّكَيْلاَ } هذه لامُ " كي " ، وهي لام جر، والنصبُ هنا بـ " كي " لئلا يلزمَ دخولَ حرفِ جر على مثله.

وفي متعلَّق هذه اللامِ قولان،

أحدُهما: أنه " فأثابكم " ، وفي " لا " على هذا وجهان،

أحدهما: أنها زائدةٌ، لأنه لا يترتَّبُ على الاغتمام انتفاءُ الحزنِ، والمعنى: أنه غَمَّهم ليُحْزِنَهم عقوبةً لهم على تركِهم مواقعَهم، قاله أبو البقاء.

الوجه الثاني: أنها ليست زائدةً، فقال الزمخشري: " معناه: لكي لا تحزنوا لتتمرَّنوا على تَجَرُّعِ الغُموم، وتَضْرَوا باحتمالِ الشدائدِ فلا تحزنوا فيما بعدُ على فائتٍ من المنافع، ولا على مصيبٍ في المضارِّ " وقال ابن عطية: " المعنى: أنَّ ما وقع بكم إنما هو بجنايتكم، فأنتم وَرَّطْتُم أنفسَكم، وعادةُ البشرِ أن يصبرَ للعقوبة إذا جنى، وإنما يكثُرُ قَلَقُه إذا ظَنَّ البراءةَ من نفسه.

والثاني: أنَّ اللامَ تتعلَّق بـ " عَفا " لأنَّ عَفْوَه أذْهَبَ كلَّ حزنٍ. وفيه بُعْدٌ من جهةِ طولِ الفصلِ.
 
الجوهرة العاشرة

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا

ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

قال الالوسي فى تفسيره:

واللام تعليلية أي قالوا لأجلهم، وجعلها ابن الحاجب بمعنى عن، ولا يجوز أن يكون المراد مخاطبة الإِخوان كما هو المتبادر لدلالة ما بعد على أنهم كانوا غائبين حين هذا القول، وقول بعضهم: يصح أن يكون جعل القول لإخوانهم باعتبار البعض الحاضرين والضرب الآتي لضرب آخر تكلف لا حاجة إليه سوى كثرة الفضول.

وقال السمين الحلبى فى الدر المصون:

واللامُ في " لإِخوانهم " للعلةِ، وليسَتْ هنا للتبليغ كالتي في قولِك: " قلت لزيدٍ: افعل كذا ".

ملحوظة

انظر الجوهرة السادسة من نفس الموضوع

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون:

قوله: { لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ } في هذه اللام قولان،

أحدهما: أنها لام " كي "

والثاني: أنها لام العاقبة والصيرورة،

وعلى القول الأول فبِمَ تتعلَّق هذه اللام؟ وفيه وجهان،

فقيل: التقدير: أَوْقَعَ ذلك أي القول ـ أو المُعْتَقَد ـ ليجعلَه حسرةً، أو نَدَمُهم، كذا قَدَّره أبو البقاء،

وأجاز الزمخشري: أن تتعلَّقَ بجملة النهي،

وذلك على معنيين

باعتبارِ ما يرُاد باسمِ الإِشارة على ما سيأتي بيانُه في كلامِه: أمَّا الاعتبارُ الأول فإنه قال: " يعني: لا تكونوا مثلَهم في النطق بذلك القول واعتقادِه ليجعله اللهُ حسرةً في قلوبِهم خاصة، ويصونَ منها قلوبَكم " فجعل " ذلك " إشارةً إلى القولِ والاعتقادِ.

وأمَّا الاعتبارُ الثاني فإنه قال: " ويجوزُ أَنْ يكونَ " ذلك " إشارةً إلى ما دَلَّ عليه النهيُ أي: لا تكونوا مثلَهم ليجعلَ اللهُ انتفاءَ كونكم مثلَهم حسرةً في قلوبهم، لأنَّ مخالَفَتهم فيما يقولون، ويعتقدون مِمَّا يَغُمُّهُمْ ويَغيظهم "...

وعلى القولِ الثاني ـ أعني كونَها للعاقبةِ ـ تتعلَّقُ بـ " قالوا " والمعنى: أنَّهم قالوا ذلك لغرضٍ من أغراضِهم، فكانَ عاقبةُ قولِهم ومصيرُه إلى الحسرةِ والنَّدامَةِ كقولِه:
{ فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً }
[القصص: 8]، لم يلتِقطوه لذلك، لكنْ كان مآلُه لذلك، ولكنَّ كونَها للصيرورةِ لم يَعْرِفْه أكثرُ النحويين، وإنما هو شيء يَنْسِبونَه للأخفش، وما وَرَدَ من ذلك يؤولونه عَلى العكسِ من الكلام نحو:
{ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ }
[آل عمران: 21]، وهذا رأي الزمخشري، فإنه شَبَّه هذه اللام باللام في { لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً } ، ومذهبُه في تَيْكَ أنها للعلة بالتأويل المذكور. والجَعْلُ هنا بمعنى التصيير،
 
الجوهرة الحادية عشر

{ فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً }

قال القرطبي فى تفسيره:

وقرأ حمزة والكسائي «لِيَغْرَقَ» بالياء «أَهْلُهَا» بالرفع فاعل يغرَق، فاللام على قراءة الجماعة في «لُتغرِقَ» لام المآل مثل

{ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً }
[القصص: 8]. وعلى قراءة حمزة لام كي، ولم يقل لتغرقني؛ لأن الذي غلب عليه في الحال فرط الشفقة عليهم، ومراعاة حقهم

وقال السمين الحلبى فى الدر المصون:

قوله: { لِتُغْرِقَ }: في اللام وجهان، أحدُهما: هي لامُ العلة. والثاني: هي لامُ الصَّيْرورة...
 
الجوهرة الثانية عشر


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }*{ لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون:

قوله: { لِّيَجْعَلَ }: في متعلَّق هذه اللامِ ثلاثةُ أوجهٍ،

أظهرُها: أنها متعلقةٌ بـ " يُحْكِم " أي: يُحْكِم اللهُ آياتِه ليجعلَ. وقولُه: { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } جملةُ اعتراضٍ. وإليه نحا الحوفيُّ.

والثاني: أنها متعلقةٌ بـ " يَنْسَخُ " وإليه نحا ابن عطية. وهو ظاهرٌ أيضاً.

الثالث: أنها متعلقةٌ بأَلْقَىٰ، وليس بظاهر.

وفي اللامِ قولان، أحدهما: أنها للعلةِ، والثاني: أنها للعاقبةِ
 
الجوهرة الثالثة عشر


{ إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُأُخْفِيهَالِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ }

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط

وقرأ أبو الدرداء وابن جبير والحسن ومجاهد وحميد أَخْفِيها بفتح الهمزة ورويت عن ابن كثير وعاصم بمعنى أظهرها
أي إنها من صحة وقوعها وتيقن كونها تكاد تظهر، ولكن تأخرت إلى الأجل المعلوم وتقول العرب: خفيت الشيء أي أظهرته. وقال الشاعر:خفاهن من إيقانهن كأنما خفاهن ودق من عشي مجلبوقال آخر:فإن تدفنوا الداء لا نخفه وإن توقدوا الحرب لا نقعد
ولام { لتجزَى } على هذه القراءة متعلقة بأخفيها أي أظهرها { لتجزَى } كل نفس.


وقرأ الجمهور { أُخْفِيها } بضم الهمزة وهو مضارع أخفي بمعنى ستر،
والهمزة هنا للإزالة أي أزلت الخفاء وهو الظهور، وإذا أزلت الظهور صار للستر كقولك: أعجمت الكتاب أزلت عنه العجمة. وقال أبو علي: هذا من باب السلب ومعناه، أزيل عنها خفاءها وهو سترها،

واللام على قراءة الجمهور.قال صاحب اللوامح متعلقة بآتية كأنه قال { إن الساعة آتية } لنجزي ........

ملحوظة

ذكرنا الاية فی موضوع القراءات وعلم التفسير الجوهرة 44

http://vb.tafsir.net/forum20/thread45498-2.html
 
جائت العلة مضاده لعلة ففرعون اراد من موسى ان يكون ولدا نافعا له فكان له عدوا
ومن امثلة العلل غير الام(ان)
ومن امثلة التعبير بمثل هذا الأسلوب البلاغي قوله تعالى(وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ)العلة حتى لا تميد بكم أو قوله تعالى(وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ)أي حتى لاأذكره،وقوله تعالى( وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ)بمعنى حتى لاتقع وقد شكك المبطلون في ان هذا خطأ لغوي
جزاك خيرا استفدت كثير
 
اشكرك علي المرور العطر اخی عبد الرحمن

الجوهرة الرابعة عشر

{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون:

قوله: " ليَغيظَ " فيه أوجهٌ،

أحدُها: أنه متعلِّقٌ بـ " وَعَدَ "؛ لأنَّ الكفارَ إذا سَمِعوا بعِزِّ المؤمنين في الدنيا وما أُعِدَّ لهم في الآخرة غاظَهم ذلك.

الثاني: أَنْ يتعلَّق بمحذوفٍ دَلَّ عليه تشبيهُهم بالزَّرْعِ في نَمائِهم وتَقْويتِهم. قاله الزمخشري أي: شَبَّههم اللَّهُ بذلك ليَغيظَ.

الثالث: أنه متعلِّقٌ بما دَلَّ عليه قولُه: { أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ } إلى آخره أي: جعلهم بهذه الصفاتِ ليَغيظَ.
 
الجوهرة الخامسة عشر

{ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ ٱلَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون:

قوله: { رَدِفَ لَكُم }: فيه أوجهٌ، أظهرُها: أنَّ " رَدِفَ " ضُمِّن معنى فِعْلٍ يتعدَّى باللامِ. أي: دنا وقَرُب وأَزِفَ. وبهذا فسَّره ابنُ عباس و " بعضُ الذي " فاعِلٌ به وقد عُدِّي بـ " مِنْ " أيضاً على تَضْمينِه معنى دَنا، قال:
3580ـ فلمَّا رَدِفْنا مِنْ عُمَيْرٍ وصَحْبِه توَلَّوْا سِراعاً والمنيَّةُ تُعْنِقُ
أي: دَنَوْنَا مِنْ عُمَيْر.

والثاني: أنَّ مفعولَه محذوف، واللامُ للعلةِ أي: رَدِفَ الخَلْقُ لأَجْلكم ولِشُؤْمِكم.

والثالث: أنَّ اللامَ مزيدةٌ في المفعولِ تأكيداً لزيادتِها في قولِه:
3581ـ......................... أَنَخْنا لِلكَلاكِلِ فارْتَمَيْنا
وكزيادةِ الباء في قولِه تعالىٰ:
{ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ }
[البقرة: 195] وعلى هذه الأوجهِ الوقفُ على " تَسْتَعجلون ".

والرابع: أنَّ فاعل " رَدِفَ " ضميرُ الوعدِ أي: رَدِفَ الوعدُ أي: قَرُبَ ودَنا مُقْتضاه. و " لكم " خبرٌ مقدمٌ و " بعضُ " مبتدأ مؤخرٌ. والوقفُ على هذا على " رَدِفَ " وهذا فيه تفكيكُ للكلامِ.

والخامس: أنَّ الفعلَ محمولٌ على مصدرِه أي: الرَّدافةُ لكم، و " بعضُ " على تقديرِ: رَدافةِ بعضٍ، يعني حتى يتطابقَ الخبرُ والمخبرُ عنه. وهذا أضعفُ مِمَّا قبله.
 
الجوهرة السادسة عشر

وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ }


قال السمين الحلبى فى الدر المصون:

قوله: { لَمَآ آتَيْتُكُم } العامةُ: " لَما " بفتح اللام وتخفيف الميم، وحمزةُ وحده على كسر اللام، وسعيد بن جبير والحسن: لَمَّا بالفتح والتشديد.

فأمَّا قراءة العامة ففيها خمسة أوجه:

أحدُها: أن تكون " ما " موصولةً بمعنى الذي وهي مفعولةٌ بفعل محذوف، وذلك الفعلُ هو جوابُ القسم، والتقدير: والله لَتُبَلِّغُنَّ ما آتيناكم من كتابٍ، قال هذا القائل: لأنَّ لام القسم إنما تقع على الفعل، فلما دَلَّت هذه اللامُ على الفعل حُذِف، ثم قال تعالى: " ثم جاءكم رسول وهو محمد صلى الله عليه سلم " قال: " وعلى هذا التقدير يستقيم النظم ". قلت: " وهذا الوجه لا ينبغي أن يجوزَ البتة، إذ يمتنع أن تقولَ في نظيرِه من الكلام: " واللهِ لزيداً " تريد: والله لتضرِبَنَّ زيداً.

الوجه الثاني: ـ وهو قول أبي عليّ وغيره ـ أن تكونَ اللامُ في " لَما " جوابَ قوله: { مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ } لأنه جارٍ مَجْرَى القسم، فهي لامُ الابتداء المُتَلَقَّى بها القسمُ، و " ما " مبتدأةٌ موصولة و " آتيناكم " صلتُها، والعائد محذوف تقديره: آتيناكموه، فَحُذِفَ لاستكمال شروطه، و " من كتاب " حال: إمَّا من الموصول وإمَّا من عائده، وقوله: { ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ } عطفٌ على الصلة، وحينئذ فلا بُدَّ من رابطٍ يربطُ هذه الجملةَ بما قبلَها فإنَّ المعطوفَ على الصلة صلةٌ، واختلفوا في ذلك: فذهب بعضهم إلى أنه محذوفٌ تقديره: " ثم جاءكم رسول به " فَحُذِف " به " لطول الكلام ولدلالة المعنى عليه، وهذا لا يجوزُ؛ لأنه متى جُرَّ العائدُ لم يُحْذَفْ إلا بشروطٍ تقدَّمت، هي مفقودةٌ هنا، وزعم هؤلاء أن هذا مذهب سيبويه، وفيه ما قد عرفته، ومنهم مَنْ قال: الربطُ حصل هنا بالظاهر، لأن هذا الظاهر وهو قوله: " لِما معكم " صادقٌ على قوله: " لِما آتيناكم " فهو نظير: " أبو سعيد الذي رَوَيْتُ عن الخِدْريّ، والحَجَّاج الذي رأيتُ ابنُ يوسف " ، وقال:
1348ـ فيا رَبَّ ليلى أَنْتَ في كلِّ موطن وأنت الذي في رحمةِ اللهِ أَطْمَعُ
يريدون: عنه ورأيته وفي رحمته، وقد وَقَع ذلك في المبتدأ والخبر نحو قوله تعالى:
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً }
[الكهف: 30] وهذا رأي أبي الحسن وتقدَّم فيه بحث. ومنهم مَنْ قال: إنَّ العائدَ يكون ضميرَ الاستقرارِ العامل في " مع " ، و " لتؤمِنُنَّ به " جوابُ قسمٍ مقدرٍ، وهذا القسمُ المقدَّرُ وجوابهُ خبرٌ للمبتدأ الذي هو " لَما آتيتكم " ، والهاء في به تعود على المبتدأ ولا تعودُ على " رسول " ، لئلا يلزَمَ خُلُوُّ الجملةِ/ الواقعةِ خبراً من رابطٍ يَرْبِطُها بالمبتدأ.

الثالث: كما تقدم إلا أن اللام في " لما " لامُ التوطئة، لأنَّ أَخْذَ الميثاق في معنى الاستحلاف، وفي " لتؤمِنُنَّ به " لامٌ جوابِ القسم، هذا كلام الزمخشري ثم قال: " وما " تحتمل أن تكون المتضمنة لمعنى الشرط، و " لتؤمِنُنَّ " سادٌّ مسدَّ جوابِ القسم والشرط جميعاً، وأن تكون بمعنى " الذي ". وهذا الذي قاله فيه نظرٌ من حيث إنَّ لام التوطئة إنما تكون مع أدوات الشرط، وتأتي غالباً مع " إنْ " ، أما مع الموصول فلا، فلو جَوَّز في اللام أن تكون موطئةً وأن تكونَ للابتداء، ثم ذكر في " ما " الوجهين لحَمَلْنَا كلَّ واحد على ما يليق به.

الرابع: أن اللامَ هي الموطئة و " ما " بعدَها شرطيةٌ، ومحلها النصب على المفعول به بالفعل الذي بعدها وهو " آتيتكم " ، وهذا الفعلُ مستقبلٌ معنًى لكونِه في حَيِّز الشرط، ومَحلُّه الجزم والتقدير: والله لأَيَّ شيء آتيتُكم مِنْ كذا وكذا لتكونن كذا.


وقوله: { مِّن كِتَابٍ } كقوله:
{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ }
[البقرة: 106] وقد تقدَّم تقريرُه. وقوله: { ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ } عطفٌ على الفعلِ قبلَه فيلزُم أَنْ يكون فيه رابطٌ يربطُه بما عُطِف عليه. و " لتؤمِنُنَّ " جوابٌ لقوله: { أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ } ، وجوابُ الشرط محذوفٌ سَدَّ جوابُ القسم مَسَدَّه، والضميرُ في " به " عائدٌ على " رسول " ، كذا قال الشيخ، وفيه نظر لأنه عَوْدُه على اسمِ الشرط، ويَسْتَغني حينئذ عن تقديره رابطاً، وهذا كما تقدَّم في الوجهِ الثاني، ونظيرهُ هذا من الكلام أن تقول: " أَحْلِفُ باللهِ لأَيَّهم رأيتُ ثم ذهب إليه رجلٌ قُرَشي لأُحْسِنَنَّ إليه " تريدُ إلى الرجل، وهذا الوجهُ هو مذهبُ الكسائي.

وقال سأل سيبويه الخليلَ عن هذه الآية فأجابَ بأنَّ " ما " بمنزلة الذي، ودَخَلَتِ اللامُ على " ما " كما دخلت على " إنْ " حين قلت: واللهِ لَئِنْ فَعَلْتَ لأفعلنَّ، فاللامُ التي في " ما " كهذه التي في إنْ، واللام التي في الفعل كهذه التي في الفعل هنا " هذا نصٌّ الخليل. قال أبو علي: " لم يُرِد الخليل بقوله " إنها بمنزلة الذي " كونَها موصولةً بل أنها اسمٌ كما أن الذي اسم، وقرر أن تكونَ حرفاً كما جاءت حرفاً في قوله:
{ وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ }
[هود: 111]
{ وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ }
[الزخرف: 35] وقال سيبويه: " ومثلُ ذلك:
{ لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ }
[الأعراف: 18] إنما دَخَلَتْ اللامُ على نِيَّة اليمين ".

وإلى كونِها شرطيةً ذهب جماعةٌ كالمازني والزجَّاج والزمخشري والفارسي، قال الشيخ: " وفيه حَدْسٌ لطيف، وحاصلُ ما ذكر أنهم إن أرادوا تفسيرَ المعنى فيمكن أن يُقال، وإنْ أرادوا تفسير الإِعراب فلا يَصِحُّ؛ لأنَّ كلاً منهما ـ أعني الشرط والقسم ـ يطلُب جواباً على حِدة، ولا يمكن أن يكونَ هذا محمولاً عليهما؛ لأنَّ الشرطَ يقتضيه على جهة العملِ فيكونُ في موضع جزم، والقسمُ يطلبُه من جهة التعلق المعنوي به من غير عمل فلا موضع له من الإِعراب، ومُحالٌ أن يكونَ الشيء له موضعٌ من الإِعراب ولا موضع له من الإِعراب " قلت: تقدَّم هذا الإِشكالُ والجوابُ عنه.

الخامس: أنَّ أصلَها " لَمَّا " بتشديدِ الميم فخففت، وهذا قول ابن أبي إسحاق، وسيأتي توجيهُ قراءة التشديد فَتُعْرَفُ مِنْ ثَمَّة.

وقرأ حمزة: " لِما " بكسرِ اللامِ خفيفةَ الميم أيضاً، وفيها أربعةُ أوجه،

أحدهما: ـ وهو أغربُها ـ أن تكونَ اللام بمعنى " بعد " كقوله النابعة:
1349ـ تَوَهَّمْتُ آياتٍ لها فَعَرَفْتُها لستةِ أعوامٍ وذا العامُ سابعُ


يريد: فَعَرَفْتُها بعد ستة أعوام، وهذا منقولٌ عن صاحب النظم، ولا أدري ما حَمَله على ذلك؟ وكيف يَنْتظم هذا كلاماً، إذ يصير تقديرُه: وإذ أخذ اللهُ ميثاقَ النبيين بعدَما آتيناكم، ومَنِ المخاطبُ بذلك؟

الثاني: أن اللامَ للتعليل، وهذا الذي ينبغي ألاَّ يُحادَ عنه وهي متعلقة بـ " لتؤمِنُنَّ " ، و " ما " حينئذٍ مصدريةٌ، قال الزمخشري: " ومعناه لأجلِ إيتائي إياكم بعضَ الكتابِ والحكمة، ثم لمجيء رسولٍ مصدِّقٍ لتؤمِنُنَّ به، على أنَّ " ما " مصدريةٌ، والفعلان معها أعني: " آتيناكم " و " جاءكم " في معنى المصدرين، واللامُ داخلةٌ للتعليل، والمعنى: أخَذَ الله ميثاقَهم لتؤمِنُنَّ بالرسول ولتنصُرُنَّه لأجل أن آتيتكم الحكمة، وأنَّ الرسول الذي أمركم بالإِيمان ونصرتِه موافقٌ لكم غيرُ مخالِفٍ. قال الشيخ: " ظاهر هذه التعليل الذي ذكره والتقدير الذي قدره أنه تعليلٌ للفعلِ المُقْسَم عليه، فإنْ عَنَى هذا الظاهرَ فهو مُخالِفٌ لظاهر الآية، لأنَّ ظاهرَ الآيةِ يقتضي أن يكونَ تعليلاً لأخْذِ الميثاق لا لمتعلَّقه وهو الإِيمان، فاللامُ متعلقةٌ بأخذ، وعلى ظاهر تقدير الزمخشري تكون متعلقةً بقوله: لتؤمِنُنَّ به " ، ويمتنع ذلك من حيث إنَّ اللام المتلقَّى بها القسمُ لا يعمل ما بعدَها فيما قبلها، تقول: والله لأضربَنَّ زيداً، ولا يجوزُ: والله زيداً لأضربنَّ، فعلى هذا لا يجوزُ أن تتعلق اللام في " لِما " بقوله: " لتؤمِننَّ ". وقد أجاز بعضُ النحويين في معمول الجواب ـ إذا كان ظرفاً أو مجروراً ـ تقدُّمَه، وجَعَلَ من ذلك:
1350ـ......................... ...... عَوْضُ لا نَتَفَرَّقُ
وقولَه تعالى:
{ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ }
[المؤمنون: 40] فعلى هذا يجوز أن تتعلق بقوله: " لَتُؤْمِنُنَّ " وفي هذ المسألةِ تفصيلٌ يُذْكَرُ في علم النحو، قلت: أمَّا تعلُّق اللامِ بلتؤمِنُنَّ من حيث المعنى فإنَّه أظهرُ مِنْ تعلُّقِها بأخذ، وهو واضحٌ فلم يَبْقَ إلاَّ ما ذَكَر مِنْ مَنْع تقديمِ معمولِ الجواب المقترنِ باللام عليه وقد عُرف، وقد يكون الزمخشري مِمَّن يرى جوازه.

والثالث: أن تتعلَّقَ اللام بأخذ أي: لأجل إيتائي إياكم كيتَ وكيتَ أخذْتُ عليكم الميثاق، وفي الكلامِ حذفُ مضافٍ تقديرُه: لرعاية ما أتيتكم.

الرابع: أن تتعلَّقَ بالميثاق لأنه مصدر، أي توثَّقْنا عليهم لذلك. هذه الأوجهُ بالنسبة إلى اللام،

وأمَّا [ما] ففيها ثلاثةُ أوجه،

أحدُها: أَنْ تكونَ مصدرية وقد تقدَّم تحريرُه عند الزمخشري.

والثاني: أنها موصولة بمعنى الذي وعائدُها محذوفٌ و " ثم جاءكم " عطف على الصلة، والرابط لها بالموصول: إمَّا محذوفٌ تقديره: " به " وهو رأيُ سيبويه، وإمَّا لقيامِ الظاهر مقامَ المضمرِ وهو رأيُ الأخفش، وإِمَّا ضميرُ الاستقرار الذي تضمَّنه " معكم " وقد تقدَّم تحقيق ذلك.

والثالث: أنها نكرةٌ موصوفة، والجملةٌ بعدها صفتُها وعائدُها محذوف، و " ثم جاءكم " عطفٌ على الصفة، والكلامُ في الرابطِ كما تقدَّم فيها وهي صلة، إلا أنَّ إقامة الظاهر مُقام الضمير في الصفة ممتنع، لو قلت: " مررت برجلٍ قام أبو عبد الله " على أن يكون " قام أبو عبد الله " صفة لرجل، والرابطُ أبو عبد الله، إذ هو الرجل في المعنى لم يَجُز ذلك، وإن جاز في الصلة والخبر عند مَنْ يرى ذلك، فيتعيَّن عَوْدُ ضمير محذوف.

وجوابُ قوله: { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ } قوله: { لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ } كما تقدم، والضمير فيه " به " عائدٌ على " رسول " ، ويجوز الفصلُ بين القسم والمقسم عليه بمثلِ هذا الجار والمجرور لو قلت " أقسمتُ للخير الذي بلغني عن عمرٍو لأحْسِنَنَّ إليه " جاز.

وقوله: { مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ }: إمَّا حالٌ من الموصول أو من عائده، وإمَّا بيانٌ له فامتنع في قراءةِ حمزة أن تكونَ " ما " شرطيةً كما امتنع في قراءة الجمهورِ أن تكونَ مصدريةً.

وأمَّا قراءةُ سعيد والحسن ففيها أوجه،

أحدها: أَنَّ " لَمَّا " هنا ظرفيةٌ بمعنى حين فتكونُ ظرفية. ثم القائلُ بظرفيتها اختلف تقديرُه في جوابها، فذهب الزمخشري إلى أن الجوابَ مقدرٌ من جنس جواب القسم فقال: " لَمَّا " بالتشديد بمعنى حين، أي: حين آتيتكم بعض الكتاب والحكمة ثم جاءكم رسولٌ مصدِّق وَجَبَ عليكم الإِيمانُ به ونصرتُه ". وقال ابن عطية: " ويظهر أن " لمَّا " هذه الظرفيةُ أي: لَمَّا كنتم بهذه الحالِ رؤساءَ الناس وأماثِلَهم أخذ عليكم الميثاق، إذ على القادة يُؤْخَذ، فيجيء على هذا المعنى كالمعنى في قراءة حمزة " فقدَّر ابن عطية جوابَها من جنس ما سبقها، وهذا الذي ذهبا إليه مذهب مرجوح قال به الفارسي، والجمهور: سيبويه وأتباعُه على خلافه، وقد تقدم تحقيق هذا الخلاف فلا حاجة لذكره. وقال الزجاج: " أي لَمَّا آتاكم الكتاب والحكمة أخذ عليكم الميثاق، وتكون " لمَّا " تَؤُول إلى الجزاء كما تقول: لَمّا جِئْتني أكرمتُك " وهذه العبارةُ لا يؤخذ منها كونُ " لَمّا " ظرفيةً ولا غير ذلك، إلا أن فيها عاضداً لتقدير ابن عطية جوابَها من جنس ما تقدمها بخلاف تقدير الزمخشري.

الثاني: أن " لَمَّا " حرفُ وجوبٍ لوجوبٍ، وقد تقدَّم دليله وأنه مذهب سيبويه، وجوابُها كما تقدَّم مِنْ تقديري ابن عطية والزمخشري. وفي قول ابن عطية: " فيجيء على المعنى كالمعنى في قراءة حمزة " نظر؛ إذ قراءة حمزة فيها تعليل وهذه القراءةُ لا تعليل فيها، اللهم إلا أن يقال: لَمَّا كانت " لَمَّا " تحتاجُ إلى جوابٍ أشبه ذلك العلةَ ومعلولَها، لأنك إذا قلت: " لَمَّا جِئْتَني أكرمتُك " في قوةِ: أكرمتُك لأجلِ مجيئي إليك، فهي من هذه الجهةِ كقراءة حمزة.

والثالث: أنَّ الأصلَ: لَمِنْ ما فأدغمت النون في الميم لأنها تقاربُها، والإِدغامُ هنا واجب،/ ولما اجتمع ثلاثُ ميمات، ميمِ مِنْ، وميمِ " ما " والميمِ التي انقلبت من نون " من " لأجل الإِدغام فحصل ثقل في اللفظ.


قال الزمخشري: " فحذفوا إحداها ". قال الشيخ: " وفيه إبهامٌ " ، وقد عَيَّنها ابن عطية بأن المحذوفة هي الأولى، قلت: وفيه نظر، لأنَّ الثقلَ إنما حصل بما بعد الأولى، ولذلك كان الصحيح في نظائره إنما هو حَذْفُ الثواني نحو: " تَنَزَّل " و " تَذَكَّرون " ، وقد ذكر أبو البقاء أنّ المحذوفة هي الثانية، قال: " لضَعْفها بكونِها بدلاً وحصولِ التكرير بها ".

و " مِنْ " هذه التي في " لَمِنْ ما " زائدة في الواجب على رأي أبي الحسن الأخفش. وهذا تخريج أبي الفتح، وفيه نظرٌ بالنسبة إلى ادعائه زيادة " مِنْ " فإن التركيب يقلق على ذلك، ويبقى المعنى غيرَ ظاهر.

الرابع: أنَّ الأصل أيضاً: لَمِنْ ما، فَفُعِل به ما تقدم من القلب والإِدغام ثم الحذفِ، إلا أن " مِنْ " ليست زائدةً بل هي تعليليَّةٌ، قال الزمخشري: " ومعناه لمِنْ أجل ما أتيتكم لتؤمنُنَّ به، وهذا نحو من قراءة حمزة في المعنى " قلت: وهذا الوجه أوجهُ ممَّا تقدَّمه لسلامته من ادِّعاء زيادة " مِنْ " ولوضوح معناه. قال الشيخ: " وهذا التوجيهُ في غاية البُعْد ويُنَزَّه كلامُ العرب أن يَأْتيَ فيه مثلُه فكيف في كتاب اللهِ عز وجل! وكان ابن جني كثيرَ التمحُّلِ في كلام العرب، ويلزم في " لَمّا " هذه على ما قرره الزمخشري أن تكونَ اللامُ في " لِمنْ ما آتيناكم " زائدةً، ولا تكونُ اللامَ الموطئة، لأنَّ الموطئةَ إنما تدخل على أدوات الشرط لا على حرف الجر، لو قلت: " أٌقسم بالله لمِنْ أجلك لأضربن زيداً " لم يَجُزْ، وإنما سُمِّيت موطئةً لأنها تُوَطِّىء ما يَصْلُح أن يكونَ جواباً للشرط للقسم، فيصيرُ جوابُ الشرط إذ ذاك محذوفاً لدلالةِ جواب القسم عليه " قلت: قد تقدَّم له هو أنَّ " ما " في هذه القراءة يجوز أن تكونَ موصولة بمعنى الذي، وأن اللام معها موطئةٌ للقسمِ، وقد حصر هنا أنها لا تدخل إلا على أدوات الشرط فأحدُ الأمرين لازمٌ له، وقد قَدَّمْتُ أنَّ هذه هو الإِشكالُ على مَنْ جَعَلَ " ما " موصولةً وجَعَلَ اللامَ موطئةً.
 
الجوهرة السابعة عشر

{ وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون:

قوله: " ولِيقولوا " الجمهور على كسرِ اللامِ، وهي لام كي، والفعلُ بعدها منصوب بإضمار " أَنْ " فهو في تأويل مصدر مجرور بها على ما عُرِف غيرَ مرة، وسمَّاها أبو البقاء وابن عطية لام الصيرورة كقوله تعالى:
{ فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً }
[القصص: 8] وكقوله:
2026ـ لِدُوا للموتِ وابنُوا للخَراب ..................
أي: لمَّا صار أمرُهم إلى ذلك عبَّر بهذه العبارة، والعلة غير مرادة في هذه الأمثلة، والمحققون يأبَوْن جَعْلَها للعاقبة والصيرورة، ويُؤَوِّلون ما وَرَدَ من ذلك على المجاز. وجَوَّز أبو البقاء فيها الوجهين: أعني كونَها لامَ العاقبة أو العلة حقيقةً فإنه قال: " واللام لام العاقبة أي: إن أمرَهم يَصير إلى هذا " وقيل: إنه قصد بالتصريف أن يقولوا دَرَسَتْ عقوبةً لهم " يعني فهذه علة صريحة وقد أوضح بعضهم هذا فقال: " المعنى: يُصَرِّف هذه الدلائل حالاً بعد حال ليقولَ بعضُهم دارَسَتْ فيزدادوا كفراً، وتنبيهٌ لبعضهم فيزدادوا إيماناً، ونحو:
{ يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً }
[البقرة: 2]. وأبو علي جعلها في بعض القراءات لام الصيرورة، وفي بعضها لام العلة فقال: " واللام في ليقولوا في قراءة ابن عامر ومَنْ وافقه بمعنى: لئلا يقولوا أي: صُرِفَت الآيات وأُحْكِمَتْ لئلا يقولوا هذه أساطير الأولين قديمة قد بَلِيَتْ وتكرَّرَتْ على الأسماع، واللام على سائر القراءات لام الصيرورة ". قلت: قراءة ابن عامر دَرَسَتْ بوزن أَكَلَتْ وسَرَقتْ فعلاً ماضياً مسنداً لضمير الآيات، وسيأتي تحقيق القراءات في هذه الكلمة متواتِرها وشاذِّها. قال الشيخ " وما أجازه من إضمارِ " لا " بعد اللام المضمر بعدها " أَنْ " هو مذهب لبعض الكوفيين كما أضمروها بعد " أَنْ " المظهرة في
{ أَن تَضِلُّواْ }
[النساء: 176]، ولا يجيز البصريون إضمار " لا " إلا في القسم على ما تبيَّن فيه ".

ثم هذه اللام لا بدَّ لها من مُتَعَلَّق، فقدَّره الزمخشري وغيره متأخراً. قال الزمخشري: " وليقولوا جوابه محذوف تقديره: وليقولوا دَرَسَتْ نُصَرِّفها. فإن قلت: أيُّ فرق بين اللامين في لِيَقُولوا ولنبيِّنه؟ قلت: الفرق بينهما أن الأولى مجاز والثانية حقيقة، وذلك أن الآيات صُرِفَت للتبيين، ولم تُصْرَفْ ليقولوا دارست، ولكن لأنه لمَّا حصل هذا القولُ بتصريف الآيات كما حصل للتبيين شَبَّهَ به فَسِيْق مَساقَه، وقيل: ليقولوا كما قيل لنبيِّه ". قلت: فقد نص هنا على أن لام " ليقولوا " علة مجازية.

وجَوَّز بعضهم أن تكون هذه اللام نسقاً على علةٍ محذوفة. قال ابن الأنباري: " دخلت الواو في " وليقولوا " عطفاً على مضمر، التقدير: وكذلك نصرف الآيات لنُلْزِمَهم الحجةَ وليقولوا ". قلت: وعلى هذا فاللامُ متعلقةٌ بفعلِ التصريف من حيث المعنى ولذلك قَدَّره مَنْ قدَّره متأخراً بـ " نُصَرِّف ".

وقال الشيخ: " ولا يتعيَّن ما ذكره المُعْرِبون والمفسِّرون من أن اللامَ لامُ كي أو لامُ الصيرورة، بل الظاهر أنها لام الأمر والفعل مجزوم بها، ويؤيده قراءة مَنْ سكن اللام، والمعنى عليه يتمكن، كأنه قيل: وكذلك نُصَرِّف الآياتِ وليقولوا هم ما يقولون مِنْ كونها دَرَسْتَها وَتَعَلَّمتها أو دَرَسَت هي أي: بَلِيَتْ وقَدُمَتْ، فإنه لا يُحْتَفَلُ بهم ولا يُلْتفت إلى قولهم، وهو أمرٌ معناه الوعيدُ والتهديدُ وعدمُ الاكتراث بقولهم أي: نُصَرِّفها وليدَّعُوا فيها ما شاؤوا، فإنه لا اكتراث بدعواهم ".

وفيه نظر من حيث إن المعنى على ما قاله الناس وفهموه، وأيضاً فإنَّ بعده/ ولنبيِّنَه وهو نصٌّ في لام كي، وأمَّا تسكين اللام في القراءة الشاذة فلا يدلُّ لاحتمال أن تكون لام كي سُكِّنت إجراءً للكلمة مُجْرى كَتِف وكَبِد. وقد ردَّ الشيخ على الزمخشري حيث قال: " وليقولوا جوابه محذوف " فقال: " وتسميتُه ما يتعلَّق به قوله " وليقولوا " جواباً اصطلاحٌ غريب، لا يقال في " جئتَ " من قولك " جئت لتقوم " إنه جواب ". قلت: هذه العبارة قد تكررت للزمخشري وسيأتي ذلك في قوله
{ وَلِتَصْغَىۤ }
[الأنعام: 113] أيضاً. وقال الشيخ هناك: " وهذا اصطلاحٌ غريب " ، والذي يظهر أنه إنما يُسَمِّي هذا النحوَ جواباً لأنه يقع جواباً لسائل. تقول: أين الذي يتعلَّق به هذا الجارُّ؟ فيُجاب به، فسُمِّي جواباً بهذا الاعتبار، وأضيف إلى الجارِّ في قوله " وليقولوا " جوابه، لأن الإِضافة [تقع] بأدنى ملابسة وإلا فكلامُ إمامٍ يتكرَّر لا يُحمل على فساد.
 
الجوهرة الثامنة عشر

{ وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَٰدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }

قال الالوسي فى تفسيره:

وقيل: المعنى ليوقعوهم في دين ملتبس، واللام للتعليل إن كان التزيين من الشياطين لأن مقصودهم من إغوائهم ليس إلا ذلك، وللعاقبة إن كان من السدنة إذ ليس محط نظرهم ذلك لكنه عاقبته

وقال ابن الجوزى فى زاد المسير:

قوله تعالى: { ليُرْدوهم } أي: ليهلكوهم. وفي هذه اللام قولان.

أحدهما: أنها لام «كي».

والثاني: أنها لام العاقبة كقوله:
{ ليكون لهم عدواً }
[القصص: 8] أي: آل أمرهم إلى الردى، لا أنهم قصدوا ذلك.
 
الجوهرة التاسعة عشر

{ وَجَعَلُواْ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون:

قوله تعالى: { لِّيُضِلُّواْ }: قرأ ابن كثير وأبو عمرو هنا: { وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً لِّيَضِلُّواْ } بفتح الياء، والباقون بضمِّها، مِنْ " أَضَلَّه ". واللامُ هي لامُ الجرِّ مضمرةً " أنْ " بعدها، وهي لامُ العاقبةِ لمَّا كان مآلُهم إلى كذلك. ويجوز أن تكونَ للتعليل. وقيل: هي مع فتحِ الياءِ للعاقبةِ فقط، ومع ضمِّها محتملةٌ للوجهين، كأنَّ هذا القائلَ تَوَهَّم أنهم لم يجعلوا الأندادَ لضلالِهم، وليس كما زَعَم؛ لأنَّ منهم مَنْ كفر عناداً، واتخذ الآلهةَ ليضلَّ بنفسِه.
 
الجوهرة العشرون

{ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } * {لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}

قال السمين الحلبى فى الدر المصون:

قوله تعالى: { لِيَكْفُرُواْ }: في هذه اللامِ ثلاثةُ أوجهٍ،

أحدُها: أنها لامُ كي، وهي متعلقةٌ بـ " يُشْركون " ، أي: إنَّ إشراكهم سببُه كفرُهم به.

الثاني: أنها لامُ الصيرورةِ، أي: صار أمرُهم إلى ذلك.

الثالث: أنها لامُ الأمرِ، وإليه نحا الزمخشريُّ.
 
الجوهرة الواحدة والعشرون

{ وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون:

قوله تعالى: { لِكَيْ لاَ }: في هذه اللامِ وجهان،

أحدهما: أنها لامُ التعليل، و " كي " بعدها مصدريةٌ ليس إلا، وهي ناصبةٌ بنفسِها للفعلِ بعدَها، وهي ومنصوبُها في تأويلِ مصدرٍ مجرورٍ باللام، واللامُ متعلقةٌ بـ " يُرَدُّ ". وقال الحوفيُّ: " إنها لامُ كي، وكي للتأكيد " وفيه نظرٌ؛ لأنَّ اللامَ للتعليلِ و " كي " مصدريةٌ لا إشعارَ لها بالتعليل والحالةُ هذه، وأيضاً فعلمُها مختلفٌ.

الثاني: إنها لامُ الصَّيْرورةِ.
 
الجوهرة الثانية والعشرون

{ وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون:

قوله: " ليتساءَلُوا " اللامُ متعلقةٌ بالبعث، فقيل: هي للصَّيْرورة، لأنَّ البَعْثَ لم يكنْ للتساؤلِ. قاله ابنُ عطيةَ.

والصحيحُ أنَّها على بابِها مِن السببية.
 
الجوهرة الثالثة والعشرون

{ فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ }

قال الالوسي فى تفسيره:

وجوز أن تكون اللام للتعليل و(ما) موصولة و(من) للبيان والتنكير في (خير) لإفادة النوع والتعظيم، وصلة (فقير) مقدرة أي إني فقير إلى الطعام أو من الدنيا لأجل الذي أنزلته إليَّ من خير الدين وهو النجاة من الظالمين فقد كان عليه السلام عند فرعون في ملك وثروة وليس الغرض عليه التعريض لما يطعمه ولا التشكي والتضجر بل إظهار التبجح والشكر على ذلك،
 
الجوهرة الرابعة والعشرون

{ إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ }

قال ابن عاشور فى التحرير والتنوير:

واللاّم في { لِذِكْرِي } للتّعليل، أي أقم الصلاة لأجل أن تذْكُرني، لأنّ الصلاة تذكّر العبد بخالقه. إذ يستشعر أنه واقف بين يدي الله لمناجاته. ففي هذا الكلام إيماء إلى حكمة مشروعية الصلاة وبضميمته إلى قوله تعالى:
{ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر }
[العنكبوت: 45] يظهر أن التقوى من حكمة مشروعية الصلاة لأنّ المكلّف إذا ذكر أمر الله ونهيه فعل ما أمره واجتنب ما نهاه عنه والله عرّف موسى حكمَة الصلاة مُجملةً وعرّفها محمداً - صلى الله عليه وسلم - مفصّلة.

ويجوز أن يكون اللام أيضاً للتوقيت، أي أقم الصلاة عند الوقت الذي جعلتُه لذِكري.
 
الجوهرة الخامسة والعشرون

{ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ }

قال ابن الجوزى فى زاد المسير:

قوله تعالى: { ليَضلُّوا عن سبيلك } وفي لام «ليَضِلُّوا» أربعة أقوال:

أحدها: أنها لام «كي» والمعنى: آتيتهم ذلك كي يضلوا، وهذا قول الفراء.

والثاني: أنها لام العاقبة، والمعنى إِنك آتيتهم ذلك فأصارهم إِلى الضلال، ومثله قوله:
{ ليكون لهم عدوَّاً وَحَزَناً }
[القصص: 8] أي: آل أمرهم إِلى أن صار لهم عدواً، لا أنهم قصدوا ذلك، وهذا كما تقول للذي كسب مالاً فأدَّاه إِلى الهلاك: إِنما كسب فلان لحتفه، وهو لم يكسب المال طلباً للحتف، وأنشدوا:
وللمنايا تُربِّي كلُّ مُرْضِعَةٍ وللخراب يُجِدُّ الناسُ عمرانا
وقال آخر:
وللموتِ تغذُو الوالداتُ سِخالَها كما لخراب الدُّور تُبنى المساكِنُ
وقال آخر:
فإن يكُنِ الموتُ أفناهم فللموت ما تَلِدُ الوالده
أراد: عاقبة الأمر ومصيره إِلى ذلك، هذا قول الزجاج.

والثالث: أنها لام الدعاء، والمعنى: ربنا ابتلهم بالضلال عن سبيلك، ذكره ابن الأنباري.

والرابع: أنها لام أجْل، فالمعنى: آتيتهم لأجل ضلالتهم عقوبةً منك لهم، ومثله قوله:
{ سيحلفون بالله لكم إِذا انقلبتم إِليهم لتُعرضوا عنهم }

وقال السمين فی دره

قوله تعالى: { لِيُضِلُّواْ }: في هذه اللامِ ثلاثةُ أوجه، أحدها: أنها لامُ العلة، والمعنىٰ: أنك أتيتَهم ما أتيتهم على سبيل الاستدراج فكان الإِيتاءُ لهذه العلة. والثاني: أنها لام الصيرورة والعاقبة كقوله:
{ فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً }
[القصص: 8]. وقولِه:
2622 ـ لِدُوا للموت وابنُوا للخراب .................
وقولِه:
2623 ـ فللموتِ تَغْذو الوالداتُ سِخالَها كما لخرابِ الدُّوْرِ تُبْنَى المساكنُ
وقوله:
2624 ـ وللمنايا تُرَبِّى كلُّ مُرْضِعَةٍ وللخرابِ يَجِدُّ الناسُ عِمْرانا
والثالث: أنها للدعاء عليهم بذلك، كأنه قال: ليثبتوا على ما هم عليه من الضلال وليكونوا ضُلاَّلاً، وإليه ذهب الحسن البصري وبدأ به الزمخشري.

وقد استُبْعِد هذا التأويلُ بقراءة الكوفيين " ليُضِلُّوا " بضم الياء فإنه يَبْعُد أن يَدْعُوَ عليهم بأن يُضِلُّوا غيرهم، وقرأ الباقون بفتحها، وقرأ الشعبي بكسرها، فوالى بين ثلاث كسَرات إحداها في ياء. وقرأ [أبو] الفضل الرياشي " أإنك أَتَيْتَ " على الاستفهام. وقال الجبائي: إنَّ " لا " مقدرةٌ بين اللام والفعل تقديره: لئلا يَضِلوا " ، ورأيُ البصريين في مثل هذا تقديرُ " كراهةَ " أي: كراهة أن يَضِلُّوا.
 
الجوهرة السادسة والعشرون

{ وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}

قال السمين الحلبي فى الدر المصون:

قوله: { لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } في هذه اللامِ أربعةُ أوجه، أحدها: أن اللامَ مقويةٌ للفعل، لأنه لمَّا تقدَّم معمولُه ضَعُفَ فقوي باللام كقوله: { إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } وقد تقدم أن اللامَ تكونُ مقويةً حيث كان العامل مؤخراً أو فرعاً نحو:
{ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ }
[هود: 107]، ولا تُزاد في غير هذين إلا ضرورةً عند بعضهم كقوله:
2305ـ ولمَّا أن تواقَفْنا قليلاً أَنَخْنا للكلاكل فارْتَمَيْنا
أو في قليل عند آخرين كقوله تعالى:
{ رَدِفَ لَكُم }
[النمل: 72].

والثاني: أن اللامَ لامُ العلة، وعلى هذا فمفعولُ " يرهبون " محذوفٌ تقديره: يرهبون عقابَه لأجله، وهذا مذهب الأخفش./

الثالث: أنها متعلقةٌ بمصدرٍ محذوف تقديره: الذين هم رهبتهم لربهم، وهو قول المبرد، وهذا غير جارٍ على قواعد البصريين لأنه يَلْزَمُ منه حَذْفُ المصدر وإبقاءُ معموله وهو ممتنعٌ إلا في شعر، وأيضاً فهو تقديرٌ مُخْرِجٌ للكلام عن وجه فصاحته.

الرابع: أنها متعلقةٌ بفعلٍ مقدر أيضاً تقديره: يخشعون لربهم. ذكره أبو البقاء وهو أولى ممَّا قبله.
 
الجوهرة السابعة والعشرون

{ وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } * { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }

قال القرطبي فى تفسيره:

قوله تعالى: { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ } قرأ الأعمش وحمزة بنصب الفعل على أن تكون اللام لام كي. والباقون بالجزم على الأمر؛

فعلى الأول تكون اللام متعلقة بقوله: «وَآتَيْنَاهُ» فلا يجوز الوقف؛ أي وآتيناه الإنجيل ليحكم أهله بما أنزل الله فيه

. ومن قرأه على الأمر فهو كقوله: { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ } فهو إلزام مستأنف يبتدأ به؛ أي ليحكم أهل الإنجيل أي في ذلك الوقت، فأما الآن فهو منسوخ

وقال الرازى فى تفسيره:

ثم قال تعالى: { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ } قرأ حمزة { وَلْيَحْكُمْ } بكسر اللام وفتح الميم، جعل اللام متعلقة بقوله
{ وآتيناه الانجيل }
[المائدة: 46] لأن إيتاء الإنجيل إنزال ذلك عليه، فكان المعنى آتيناه الإنجيل ليحكم،

وأما الباقون فقرؤا بجزم اللام والميم على سبيل الأمر، وفيه وجهان: الأول: أن يكون التقدير: وقلنا ليحكم أهل الإنجيل، فيكون هذا إخباراً عما فرض عليهم في ذلك الوقت من الحكم بما تضمنه الإنجيل، ثم حذف القول لأن ما قبله من قوله { وَكَتَبْنَا وَقَفَّيْنَا } يدل عليه، وحذف القول كثير كقوله تعالى:
{ وَالمَلَـٰئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمُ }
[الرعد: 23] أي يقولون سلام عليكم، والثاني: أن يكون قوله { وَلْيَحْكُمْ } ابتداء أمر للنصارى بالحكم في الإنجيل.

فإن قيل: كيف جاز أن يؤمروا بالحكم بما في الإنجيل بعد نزول القرآن؟

قلنا: الجواب عنه من وجوه: الأول: أن المراد ليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه من الدلائل الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهو قول الأصم.
والثاني: وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه، مما لم يصر منسوخاً بالقرآن،

والثالث: المراد من قوله { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ } زجرهم عن تحريف ما في الإنجيل وتغييره مثل ما فعله اليهود من إخفاء أحكام التوراة، فالمعنى بقوله { وَلْيَحْكُمْ } أي وليقر أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه على الوجه الذي أنزله الله فيه من غير تحريف ولا تبديل.
 
الجوهرة الثامنة والعشرون

{ وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ}

قال الشيخ الالوسي فى تفسيره:

واللام ظاهرة في التعليل وهي متعلقة بفتنا وما بعدها علة له. والسلف ـ كما قال شيخنا إبراهيم الكوراني وقاضي القضاة تقي الدين محمد التنوخي وغيرهما ـ على إثبات العلة لأفعاله تعالى استدلالاً بنحو عشرة آلاف دليل على ذلك. واحتج النافون لذلك بوجوه ردها الثاني في «المحتبر»، وذكر الأول في «مسلك السداد» ما يعلم منه ردها، وهذا بحث قد فرغ منه وطوي بساطه، وقال غير واحد: هي لام العاقبة، ونقل عن «شرح المقاصد» ما يأتي ذلك وهو أن لام العاقبة إنما تكون فيما لا يكون للفاعل شعور بالترتب وقت الفعل أو قبله فيفعل / لغرض ولا يحصل له ذلك بل ضده فيجعل كأنه فعل الفعل لذلك الغرض الفاسد تنبيهاً على خطئه ولا يتصور هذا في كلام علام الغيوب بالنظر إلى أفعاله وإن وقع فيه بالنظر إلى فعل غيره سبحانه كقوله عز وجل:
{ فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً }
[القصص: 8] إذ ترتب فوائد أفعاله تعالى عليها مبنية على العلم التام، نعم إن ابن هشام وكثيراً من النحاة لم يعتبروا هذا القيد، وقالوا: إنها لام تدل على الصيرورة والمآل مطلقاً فيجوز أن تقع في كلامه تعالى حينئذ على وجه لا فساد فيه، ومن الناس من قال: إنها للتعليل مقابلاً به احتمال العاقبة على أن { فَتَنَّا } متضمن معنى خذلنا أو على أن الفتن مراد به الخذلان من إطلاق المسبب على السبب.

واعترض بأن التعليل هنا ليس بمعناه الحقيقي بناء على أن أفعاله تعالى منزهة عن العلل فيكون مجازاً عن مجرد الترتب وهو في الحقيقة معنى لام العاقبة فلا وجه للمقابلة. وأجيب بأنهما مختلفان بالاعتبار فإن اعتبر تشبيه الترتب بالتعليل كانت لام تعليل وإن لم يعتبر كانت لام عاقبة. واعترض بأن العاقبة أيضاً استعارة فلا يتم هذا الفرق إلا على القول بأنه معنى حقيقي وعلى خلافه يحتاج إلى فرق آخر، وقد يقال في الفرق إن في التعليل المقابل للعاقبة سببية واقتضاء وفي العاقبة مجرد ترتب وإفضاء وفي التعليل الحقيقي يعتبر البعث على الفعل وهذا هو مراد من قال: إن أفعال الله تعالى لا تعلل، وحينئذ يصح أن يقال: إن اللام على تقدير تضمين { فَتَنَّا } معنى خذلنا أو أن الفتن مراد به الخذلان للتعليل مجازاً لأن هناك تسبباً واقتضاء فقط من دون بعث، وعلى تقدير عدم القول بالتضمين وإبقاء اللفظ على المتبادر منه هي لام العاقبة وهو تعليل مجازي أيضاً لكن ليس فيه إلا التأدي فإن ابتلاء بعضهم ببعض مؤد للحسد وهو مؤد إلى القول المذكور وليس هناك تسبب ولا بعث أصلاً.

والحاصل أن كلاً من العاقبة والتعليل المقابل لها مجاز عن التعليل الحقيقي إلا أن التعليل المقابل أقرب إليه من العاقبة ومنشأ الأقربية هو الفارق، والبحث بعد محتاج إلى تأمل وإذا فتح لك فاشكر الله سبحانه.
 
الجوهرة التاسعة والعشرون

{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

قال السمين الحلبي فى الدرالمصون:

قوله: " ليَغيظَ " فيه أوجهٌ،

أحدُها: أنه متعلِّقٌ بـ " وَعَدَ "؛ لأنَّ الكفارَ إذا سَمِعوا بعِزِّ المؤمنين في الدنيا وما أُعِدَّ لهم في الآخرة غاظَهم ذلك.

الثاني: أَنْ يتعلَّق بمحذوفٍ دَلَّ عليه تشبيهُهم بالزَّرْعِ في نَمائِهم وتَقْويتِهم. قاله الزمخشري أي: شَبَّههم اللَّهُ بذلك ليَغيظَ.

الثالث: أنه متعلِّقٌ بما دَلَّ عليه قولُه: { أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ } إلى آخره أي: جعلهم بهذه الصفاتِ ليَغيظَ.
 
الجوهرة الثلاثون

قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون:
قوله: { لَّمَن تَبِعَكَ } في هذه اللامِ وفي " مَنْ " وجهان أظهرهما: أن اللام لامُ التوطئة لقسم محذوف و " مَنْ " شرطية في محل رفع بالابتداء و " لأملأنَّ " جواب القسم المدلول عليه بلام التوطئة، وجواب الشرط محذوف لسدِّ جوابِ القسم مسدَّه.

وقد تقدم إيضاح ذلك غير مرة. والثاني: أن اللامَ لامُ ابتداء، " مَنْ " موصولة و " تبعك " صلتها، وهي في محل رفع بالابتداء أيضاً، و " لأملأنَّ " جواب قسم محذوف، وذلك القسمُ المحذوفُ وجوابُه في محلِّ رفع خبراً لهذا المبتدأ، والتقدير: للذي تبعك منهم والله لأملأنَّ جهنم منكم. فإن قلت: أين العائد من الجملة القسمية الواقعة خبراً عن المبتدأ؟ قلت: هو متضمِّنٌ في قوله " منكم " لأنه لمَّا اجتمع ضميرا غيبة وخطاب غَلَّب الخطاب على ما عُرِف غير مرة.

وفَتْحُ اللام هو قراءةُ العامَّة. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر من بعض طرقهِ والجحدري: " لِمَنْ " بكسرها، وخُرِّجتْ على ثلاثة أوجه

أحدها: - وبه قال ابن عطية - أنها تتعلق بقوله " لأَملأنَّ " فإنه قال: " لأجل مَنْ تبعك منهم لأملأنَّ " ، وظاهر هذا أنها متعلقةٌ بالفعل بعد لام القسم. قال الشيخ: " ويمتنع ذلك على قول الجمهور أن ما بعد لام القسم لا يعمل فيما قبلها ".

والثاني: أن اللام متعلقةٌ بالذَّأْمِ والدَّحْر، والمعنى: اخرج بهاتين الصفتين لأجل تُباعك. ذكره أبو الفضل الرازي في كتاب " اللوائح على شاذ القراءة ". قلت: ويمكن أن تجيء المسألةُ من باب الإِعمال لأن كلاً من مذؤوماً ومدحوراً يطلب هذا الجارَّ عند هذا القائل من حيث المعنى ويكون الإِعمال للثاني كما هو مختار البصريين للحذف من الأول.

والثالث: أن يكون هذا الجارُّ خبراً مقدماً والمبتدأ محذوف تقديره: لمن تبعك منهم هذا الوعيدُ، ودلَّ على قوله " هذا الوعيد " قولُه " لأملأن جهنم " ، لأن هذا القسمَ وجوابَه وعيدٌ، وهذا أراده الزمخشري بقوله: " بمعنى لمن تبعك منهم الوعيد وهو قوله " لأملأن جهنم " على أنَّ " لأملأنَّ " في محل الابتداء و " لمن تبعك " خبره. قال الشيخ: " فإن أراد ظاهر كلامه فهو خطأ على مذهب البصريين لأنَّ قولَه " لأملأنَّ " جملةٌ هي جوابُ قسم محذوف، من حيث كونُها جملةً فقط لا يجوز أن تكون مبتدأة، ومن حيث كونها جواباً للقسم المحذوف يمتنع أيضاً؛ لأنها إذ ذاك من هذه الحيثيَّة لا موضع لها من الإِعراب، ومن حيث كونُها مبتدأ لها موضع من الإِعراب، ولا يجوز أن تكون الجملة لها موضع من الإِعراب لا موضع لها من الإِعراب، وهو محال لأنه يلزم أن تكون في موضع رفع لا في موضع رفع، داخلٌ عليها عاملٌ غيرُ داخل عليها عاملٌ، وذلك لا يُتَصَوَّر ".

قلت: بعد أن قال الزمخشري: " بمعنى لِمَنْ تبعك الوعيد وهو لأملأنَّ " كيف يحسن أن يُتردد بعد ذلك فيُقال: إن أراد ظاهر كلامه، كيف يريده مع التصريح بتأويله هو بنفسه؟ وأمَّا قوله " على أن لأملأنَّ في محل الابتداء " فإنما قاله لأنه دالٌ على الوعيد الذي هو في محل الابتداء، فنسب إلى الدالِّ ما يُنْسب إلى المدلول من جهة المعنى.

وقول الشيخ أيضاً " ومن حيث كونُها جواباً/ للقسم المحذوف أيضاً إلى آخره كلامُ متحمِّلٍ عليه، لأنه يريد جملة الجواب فقط البتة، إنما يريد الجملة القسمية برُمَّتها، وإنما استغنى بذكرها عن ذكر قسيمها لأنها ملفوظ بها، وقد تقدَّم لك ما يشبه هذا الاعتراضَ الأخير عليه وجوابه. وأمَّا قولُ الشيخ: " ولا يجوز أن تكون الجملةُ لها موضعٌ من الإِعراب لا موضعَ لها من الإِعراب " إلى آخر كلامه كله شيءٌ واحدٌ ليس فيه معنى زائد.
 
الجوهرة الواحدة والثلاثون

{ وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ المَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

قال الرازى فى تفسيره:

أما «اللام» في قوله: { سُقْنَـٰهُ لِبَلَدٍ } ففيه قولان:

قال بعضهم هذه «اللام» بمعنى إلى يقال هديته للدين وإلى الدين.

وقال آخرون: هذه «اللام» بمعنى من أجل، والتقدير سقناه لأجل بلد ميت ليس فيه حياً يسقيه
 
الجوهرة الثانية والثلاثون

{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ }
قال السمين الحلبي فى الدر المصون
قوله تعالى: { لِجَهَنَّمَ }: يجوز في هذه اللام وجهان، أحدهما: أنها لامُ الصيرورة والعاقبة، وإنما احتاج هذا القائلُ إلى كونها لامَ العاقبة لقوله تعالى
{ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ }
[الذاريات: 56] فهذه علةٌ معتبرةٌ محصورة، فكيف تكون هذه العلةُ أيضاً؟ وأوردوا من ذلك قول الشاعر:
2344ـ لِدُوا للموت وابْنُوا للخراب
..............
وقول الآخر:
2345ـ ألا كلُّ مولودٍ فللموتِ يُوْلَدُ
ولستُ أرى حَيّاً لحيٍّ يُخَلَّدُ
وقول الآخر:
2346ـ فللموتِ تَغْذُو الوالداتُ سِخالَها
كما لخرابِ الدور تُبْنَى المساكنُ
والثاني: أنها للعلةِ وذلك أنهم لمَّا كان مآلُهم إليها جعل ذلك سبباً على طريق المجاز.

وقد ردَّ ابن عطية على مَنْ جعلها لامَ العاقبة فقال: " وليس هذا بصحيح، ولامُ العاقبة إنما تُتَصَوَّر إذا كان فعل الفاعل لم يُقْصد مصيرُ الأمر إليه، وأما هنا فالفعل قُصِد به ما يصير الأمر [إليه] مِنْ سُكْناهم لجهنم " ، واللام على هذا متعلقة بـ " ذَرَأْنا ". ويجوز أن تتعلق بمحذوف على أنه حال من " كثيراً " لأنه في الأصل صفة لها لو تأخر. ولا حاجة إلى ادعاء قلب وأن الأصل: ذَرَأْنا جهنم لكثير لأنه ضرورةٌ أو قليلٌ.

وقال الالوسي فى تفسيره:

واللام للعاقبة عند الكثير كما في قوله تعالى:
{ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ }
[يونس: 88] وقول الشاعر:
له ملك ينادي كل يوم لدوا للموت وابنوا للخراب
وفي «الكشاف» ((أنهم جعلوا لإغراقهم في الكفر وشدة شكائمهم فيه وأنه لا يتأتى منهم إلا أفعال أهل النار مخلوقين للنار دلالة على توغلهم في الموجبات وتمكنهم فيما يؤهلهم لدخولها))، وأشار إلى أن ذلك تذييل لقصة اليهود بعد ما عد من قبائحهم تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه قيل: إنهم من الذين لا ينجع فيهم الإنذار فدعهم واشتغل بأمر نفسك ومن هو على دينك في لزوم التوحيد، والآية على ما قال من باب الكناية الإيمائية عند القطب قدس سره ويفهم كلامه أن الذي دعا الزمخشري إلى ذلك لزوم كون الكفر مراداً لله تعالى إذا أريد الظاهر وهو خلاف مذهبه، وأنت تعلم أن الكثير من أهل السنة تأولوا الآية بحمل اللام على ما علمت لقوله تعالى:
{ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون }
[الذاريات: 56] فإن تعليل الخلق بالعبادة يأبـى تعليله بجهنم ودخولها، نعم ذهب ابن عطية منا إلى الحمل على الظاهر وكون اللام للتعليل، وادعى أناس أن التأويل مخالف للأحاديث الواردة في الباب كبعض الأحاديث السابقة في آية أخذ الميثاق، وما أخرجه الإمام أحمد في «»مسنده» عن عبد الرحمن بن قتادة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله تعالى خلق آدم عليه السلام ثم أخذ الخلق من ظهره فقال هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي قال قائل: فعلى ماذا العمل؟ قال: على موافقة القدر " وما أخرجه محي السنة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها قالت: أدرك النبـي صلى الله عليه وسلم جنازة صبـي من صبيان الأنصار فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم طوبـى له عصفور من عصافير الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وما يدريك إن الله تعالى خلق الجنة وخلق لها أهلاً وهم في أصلاب آبائهم وخلق النار وخلق لها أهلاً وهم في أصلاب آبائهم " إلى غير ذلك. وإلى هذا ذهب الطيبـي وأيده بما أيده وادعى أن فائدة القسم التنبيه على قلع شبه من عسى أن يتصدى لتأويل الآية وتحريف النص القاطع، ونقل عن الإمام ((أن الآية حجة لصحة مذهب أهل السنة في مسألة خلق الأعمال وإرادة الكائنات لأنه سبحانه وتعالى صرح بأنه جل وعلا خلق كثيراً من الجن والإنس لجهنم ولا مزيد لبيان الله تعالى))، ولا يخفى أن الحمل على الظاهر مخالف لظاهر الآية التي ذكرناها، وفي الكتاب الكريم كثير مما يوافقها على أن التعليل الحقيقي لأفعاله تعالى يمنع عنه في المشهور الإمام الأشعري وأصحابه.....
 
الجوهرة الثالثة والثلاثون

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } * { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ }

قال ابن الجوزى فى زاد المسير:

وفي لام «ليميز» قولان.

أحدهما: أنها متعلقة بقوله: «فسيُنفقونها» قاله ابن الأنباري.

والثاني: أنها متعقلة بقوله: { إلى جهنم يحشرون } قاله ابن جرير الطبري. وفي معنى الآية ثلاثة أقوال.

أحدها: ليميز أهل السعادة من أهل الشقاء، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. وقال السدي، ومقاتل: يميز المؤمن من الكافر.

والثاني: ليميِّز العمل الطيب من العمل الخبيث، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثالث: ليميز الإنفاق الطيب في سبيله، من الانفاق الخبيث في سبيل الشيطان، قاله ابن زيد، والزجاج.

قوله تعالى: { ويجعل الخبيث بعضه على بعض } أي: يجمع بعضه فوق بعض، وهو قوله: { فيركمه }. قال الزجاج: الركم: أن يُجعَل بعضُ الشيء على بعض، يقال: ركمت الشيء أركُمه رَكماً، والركام: الاسم؛ فمن قال: المراد بالخبيث: الكفار، فانهم في النار بعضهم على بعض؛ ومن قال: أموالهم، فله في ذلك قولان.

أحدهما: أنها أُلقيت في النار ليعذَّب بها أربُابها، كما قال تعالى:
{ فتكوى بها جباهُهُم }
[التوبة: 35].

والثاني: أنهم لمَّا عظَّموها في الدنيا، أراهم هوانها بالقائها في النار كما تُلقى الشمس والقمر في النار، لَيرى مَن عبدهما ذُلَّهما.

وقال ابو حيان فى بحره

ولام { ليميز } متعلقة بقوله { يحشرون } ، و { الخبيث } و { الطيب } وصفان يصلحان للآدميين وللمال وتقدّم ذكرهما في قوله { إن الذين كفروا ينفقون أموالهم } فمن المفسرين من تأوّل { الخبيث } و { الطيب } على الآدميين، فقال ابن عباس: { ليميز } أهل السعادة من أهل الشقاوة ونحوه، قال السدّي ومقاتل قالا: أراد المؤمن من الكفار وتحريره ليميز أهل الشقاوة من أهل السعادة والكافر من المؤمن، وقدّره الزمخشري: الفريق الخبيث من الكفار من الفريق الطيّب من المؤمنين، ومعنى جعل الخبيث بعضه على بعض وركمه ضمّه وجمعه حتى لا يفلت منهم أحد واحتمل الجعل أن يكون من باب التصيير ومن باب الإلقاء.

وقال ابن القشيري: { ليميز الله الخبيث من الطيب } بتأخير عذاب كفار هذه الأمة إلى يوم القيامة ليستخرج المؤمنين من أصلاب الكفار انتهى، فعلى ما سبق يكون التمييز في الآخرة وعلى القول الأخير يكون في الدنيا

ومن المفسرين من تأوّل { الخبيث } و { الطيب } على الأموال، فقال ابن سلام والزجاج: المعنى بالخبيث المال الذي أنفقه المشركون كمال أبي سفيان وأبي جهل وغيرهما المنفَق في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم والإعانة عليه في الصد عن سبيل الله و { الطيب } هو ما أنفقه المؤمنون في سبيل الله كمال أبي بكر وعمر وعثمان ولام { ليميز } على هذا متعلقة بقوله { يغلبون } قاله ابن عطية، وقال الزمخشري بقوله { ثم تكون عليهم حسرة } والمعنى { ليميز } الله الفرق بين { الخبيث والطيب } فيخذل أهل الخبث وينصر أهل الطيب ويكون قوله { فيجعله في جهنم } من جملة ما يعذبون به كقوله
{ فتكوى بها جباههم }
[التوبة: 35] - إلى قوله -
{ فذوقوا ما كنتم تكنزون }
[التوبة: 35] قاله الحسن، وقيل الخبيث ما أُنفق في المعاصي والطيب ما أنفق في الطاعات، وقيل المال الحرام من المال الحلال، وقيل ما لم تؤدّ زكاته من الذي أُدِّيت زكاته، وقيل هو عامّ في الأعمال السيئة وركمها ختمها وجعلها قلائد في أعناق عمالها في النار ولكثرتها جعل بعضها فوق بعض وإن كان المعنى بالخبيث الأموال التي أنفقوها في حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: الفائدة في إلقائها في النار أنها لما كانت عزيزة في أنفسها عظيمة بينهم ألقاها الله في النار ليريهم هو أنها كما تلقى الشمس والقمر في النار ليرى من عبدهما ذلهما وصغارهما والذي يظهر من هذه الأقوال هو الأول، وهو أن يكون المراد بالخبيث الكفار وبالطيب المؤمنون إذ الكفار أولاهم المحدّث عنهم بقوله ينفقون أموالهم،


وقال الرازى فى تفسيره:
ثم قال: { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيّبِ } وفيه قولان:

القول الأول: ليميز الله الفريق الخبيث من الكفار من الفريق الطيب من المؤمنين فيجعل الفريق الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً وهو عبارة عن الجمع والضم حتى يتراكموا كقوله تعالى:
{ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا }
[الجن: 19] يعني لفرط ازدحامهم فقوله: { أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى الفريق الخبيث.

والقول الثاني: المراد بالخبيث نفقة الكافر على عداوة محمد، وبالطيب نفقة المؤمن في جهاد الكفار، كإنفاق أبي بكر وعثمان في نصرة الرسول عليه الصلاة والسلام فيضم تعالى تلك الأمور الخبيثة بعضها إلى بعض فيلقيها في جهنم ويعذبهم بها كقوله تعالى:
{ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ }
[التوبة: 35]

واللام في قوله: { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ } على القول الأول متعلق بقوله: { يُحْشَرُونَ } والمعنى أنهم يحشرون ليميز الله الفريق الخبيث من الفريق الطيب،

وعلى القول الثاني متعلق بقوله: { ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً } ثم قال: { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } وهو إشارة إلى الذين كفروا.
 
الجوهرة الرابعة والثلاثون

{ رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىۤ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ }

قال ابن الجوزى فى زاد المسير:
قوله تعالى: { ربنا ليُقيموا الصلاة } في متعلَّق هذه اللام قولان:

أحدهما: أنها تتعلق بقوله: { واجنبني وبنيَّ أن نعبد الأصنام } ، فالمعنى: جنَبهم الأصنام ليُقيموا الصلاة، هذا قول مقاتل.

والثاني: أنها تتعلق بقوله: { أسكنت } ، فالمعنى: أسكنتُهم عند بيتك ليُقيموا الصلاة، لأن البيت قِبلة الصلوات، ذكره الماوردي.
 
الجوهرة الخامسة والثلاثون

{ فَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ } * { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } * { وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } * { سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ } * { لِيَجْزِىَ ٱللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون:
قوله تعالى: { لِيَجْزِيَ }: في هذه الآيةِ وجهان. أولاهما: أن يتعلَّق بـ " بَرَزُوا " ، وعلى هذا فقولُه " وَتَرَى " جملةٌ معترضةٌ بين المتعلِّق والمتعلِّق به. والثاني: أنها تتعلَّقُ بمحذوفٍ، أي: فَعَلْنا بالمجرمين ذلك ليَجْزي كلَّ نفس؛ لأنه إذا عاقب المجرمَ أثاب الطائعَ.
 
الجوهرة السادسة والثلاثون

وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

قوله: { لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ } في هذه اللامِ قولان، أحدُهما: - وهو الظاهرُ عند النحويين - أنها لامُ الابتداءِ المعلِّقةِ لـ " عَلِم " عن العملِ كما تقدّم، و " مَنْ " موصولةٌ في محلِّ رفعٍ بالابتداءِ، و " اشتراهُ " صلتُها وعائدُها. و { مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } جملةٌ من مبتدأٍ وخبرٍ ومِنْ زائدةٌ في المبتدأ، والتقديرُ: ما له خلاقٌ في الآخرةِ. وهذه الجملةُ في محلة رفعٍ خبراً لـ " مَنْ " الموصولةِ فالجملةُ من قوله: " ولقد عَلِموا " مقسمٌ عليها كما تقدَّم، و " لَمَن اشتراه " غيرُ مقسمٍ عليها، هذا مذهبُ سيبويه والجمهور.

الثاني - وهو قول الفراء، وتَبِعه أبو البقاء -: أن تكونَ هذه اللامُ هي الموطئةَ للقسَمِ، و " مَنْ " شرطيةٌ في محلِّ رفعٍ بالابتداءِ، و { مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } جوابُ القسمِ، فـ " اشتراه " على القولِ الأولِ صلةٌ وعلى هذا الثاني هو خبرٌ لاسمِ الشرطِ. ويكونُ جوابُ الشرطِ محذوفاً؛ لأنه إذا اجتمع شرطٌ وقَسَمٌ ولم يتقدَّمْهما ذو خبر أُجيب سابقُهما غالباً، وقد يُجاب الشرطُ مطلقاً كقوله:
662 ـ لَئِنْ كان ما حُدِّثْتُه اليومَ صادِقاً أَصُمْ في نهارِ القَيْظِ للشمسِ باديا
ولا يُحْذَفُ جوابُ الشرطِ إلاَّ وفعلُه ماضٍ، وقد يكونُ مضارعاً كقوله:
663 ـ لَئِنْ تَكُ قَدْ ضاقَتْ عليكم بيوتُكُمْ لَيَعْلَمُ ربِّي أنَّ بيتيَ واسِعُ
فعلى قولِ الفراء تكونُ الجملتان من قوله: { وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ } مُقْسَماً عليهما، ونُقِل عن الزجاج مَنْعُ قولِ الفراءِ فإنه قال: " هذا ليس موضعَ شرط " ولم يُوجِّهْ مَنْعَ ذَلك. والذي يَظْهَرُ في مَنْعِهِ، أنَّ الفعل بعد " مَنْ " وهو " اشتراه " ماضٍ لفظاً ومعنىً فإنَّ الاشتراءَ قد وَقَعَ وانفصَلَ، فَجَعَلُه شرطاً لا يَصِحُّ؛ لأنَّ فعلَ الشرطِ وإنْ كان ماضياً لفظاً فلا بدَّ أن يكونَ مستقبلاً معنىً.
 
الجوهرة السابعة والثلاثون

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون
قوله تعالى: { لِيَحْمِلُواْ }: في هذه اللام ثلاثةُ أوجه، أحدها: أنها لامُ الأمرِ الجازمةُ على معنى الحَتْمِ عليهم، والصِّغارِ الموجبِ لهم، وعلى هذا فقد تَمَّ الكلامُ عند قولِه " الأوَّلين " ، ثم اسْتُؤْنِف أَمْرُهم بذلك.

الثاني: أنها لامُ العاقبة، أي: كان عاقبةُ قولِهم ذلك، لأنهم لم يقولوا " أساطير " لِيَحْمِلوا، فهو كقولِه تعالى
{ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً }
[القصص: 8]، وقوله:
2970- لِدُوا للموتِ وابْنُوا للخرابِ ...................................
الثالث: أنَّها للتعليل، وفيه وجهان: أحدهما: أنه تعليلٌ مجازيٌّ. قال الزمخشري: " واللامُ للتعليلِ مِنْ غيرِ أن يكونَ غرضاً نحو قولِك: خرجْتُ من البلد مخافةَ الشرِّ ". والثاني: أنه تعليلٌ حقيقةً. قال ابن عطية: - بعد حكاية وجهِ لامِ العاقبة - " ويُحتمل أن تكونَ صريحَ لامِ كي، على معنى: قَدَّر هذا لكذا " انتهى. لكنه لم يُعَلِّقُها بـ " قالوا " إنما قَدَّرَ لها علةَ " كيلا " ، وهو قَدَّر هذا، وعلى قول الزمخشري يتعلَّقُ بـ " قالوا "؛ لأنها ليست لحقيقةِ العلَّةِ. و " كاملةً " حالٌ.
 
الجوهرة الثامنة والثلاثون


{ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَىٰ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلْنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

قوله تعالى: { لِيُبَيِّنَ }: هذه اللامُ متعلقةٌ بالفعلِ المقدَّرِ بعد حرفِ الإِيجاب، أي: بلى يَبْعثهم لِيُبَيِّنَ.

{ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } * { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }

قال السمين الحلي فى الدر المصون:

قوله تعالى: { لِيَكْفُرُواْ }: في هذه اللامِ ثلاثةُ أوجهٍ،

أحدُها: أنها لامُ كي، وهي متعلقةٌ بـ " يُشْركون " ، أي: إنَّ إشراكهم سببُه كفرُهم به.

الثاني: أنها لامُ الصيرورةِ، أي: صار أمرُهم إلى ذلك.

الثالث: أنها لامُ الأمرِ، وإليه نحا الزمخشريُّ.

وقال الرازى فى تفسيره

ثم قال تعالى: لآليكفروا بما آتيناهم } وفي هذه اللام وجهان: الأول: أنها لام كي والمعنى أنهم أشركوا بالله غيره في كشف ذلك الضر عنهم. وغرضهم من ذلك الإشراك أن ينكروا كون ذلك الإنعام من الله تعالى، ألا نرى أن العليل إذا اشتد وجعه تضرع إلى الله تعالى في إزالة ذلك الوجع، فإذا زال أحال زواله على الدواء الفلاني والعلاج الفلاني، وهذا أكثر أحوال الخلق. وقال مصنف هذا الكتاب محمد بن عمر الرازي رحمه الله: في اليوم الذي كنت أكتب هذه الأوراق وهو اليوم الأول من محرم سنة أثنتين وستمائة حصلت زلزلة شديدة، وهذه عظيمة وقت الصبح ورأيت الناس يصيحون بالدعاء والتضرع، فلما سكتت وطاب الهواء، وحسن أنواع الوقت نسوا في الحال تلك الزلزلة وعادوا إلى ما كانوا عليه من تلك السفاهة والجهالة، وكانت هذه الحالة التي شرحها الله تعالى في هذه الآية تجري مجرى الصفة اللازمة لجوهر نفس الإنسان.

والقول الثاني: أن هذه اللام لام العاقبة كقوله تعالى:
{ فاتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً }
[القصص: 8] يعني أن عاقبة تلك التضرعات ما كانت إلا هذا الكفر.

وقال ابن الجوزى فى زاد المسير:

قوله تعالى: { ليكفروا بما آتيناهم } قال الزجاج: المعنى: ليكفروا بأنّا أنعمنا عليهم، فجعلوا نِعَمَنا سبباً إِلى الكفر، وهو كقوله تعالى: { ربنا إِنك آتيت فرعون } إِلى قوله:
{ ليضلوا عن سبيلك }
[يونس 88]، ويجوز أن يكون «ليكفروا»، أي: ليجحدوا نعمة الله في ذلك.
 
الجوهرة التاسعة والثلاثون

يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

قوله تعالى: { يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ }: في مثلِ هذا التركيبِ للناسِ مذاهبُ:

مذهب البصريين أن مفعول " يريد " محذوف تقديره: يريد الله تحريمَ ما حَرَّمَ وتحليلَ ما حَلَّل وتشريعَ ماتقدَّم لأجلِ التبيين لكم، ونَسَبه بعضُهم لسيبويه، فمتعلَّقُ الإِرادة غيرُ التبيين وما عُطِف عليه، وإنما تأولوه بذلك لئلا يلزَم تعدِّيَ الفعلِ إلى مفعولِه المتأخر عنه باللام وهو ممتنعٌ، وإلى إضمارِ " أَنْ " بعد اللام الزائدة.

والمذهب الثاني: ـ ويُعْزىٰ أيضاً لبعض البصريين ـ أَنْ يُقَدَّر الفعلُ الذي قبل اللام بمصدرِ في محل رفع بالابتداء، والجار بعده خبره، فيقدر { يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ } إرادةُ الله للتبيين، وقوله:
1575ـ أريــــدُ لأنْسَـــى ذِكْـــرَها........
أي: إرادتي، وقوله تعالى: { وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ } أي: أُمِرْنا بما أُمِرْنا [به] لنسلمَ، وفي هذا القولِ تأويلُ الفعل بمصدر من غير حرف مصدر، وهو ضعيف نحو: " تَسْمَعُ بالمُعَيْدَيِّ خيرٌ مِنْ تراه " قالوا: تقديره: " أنّْ تسمعَ " فلمَّا حَذَفَ " أن " رَفَع الفعل، وهو في تأويل المصدر لأجل الحرف المقدر فكذلك هذا، فلامُ الجر على الأول في محل نصب لتعلُّقها بـ " يريد " وعلى هذا الثاني في محلِّ رفع لوقوعها خبراً.

الثالث: ـ وهو مذهب الكوفيين ـ أن اللامَ هي الناصبة بنفسها من غير إضمار " أَنْ " ، وهي وما بعدها مفعول الإِرادة، ومنع البصريون ذلك؛ لأن اللامَ ثَبَت لها الجر في الأسماء، فلا يجوز أن يُنْصَبَ بها، فالنصب عندهم بإضمار " أن " كما تقدم.

الرابع: وإليه ذهب الزمخشري وأبو البقاء أن اللامَ زائدة، و " أَنْ " مضمرة بعدها، والتبيينُ مفعولُ الإِرادة. قال الزمخشري: { يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ } يريد اللهُ أن يبيِّن، فزيدت اللامُ مؤكدة لإِرادة التبيين، كما زيدت في " لا أبا لك " لتأكيد إضافة الأب ". وهذا ـ كما رأيت ـ خارجٌ عن أقوال البصريين والكوفيين، وفيه أنَّ " أنْ " تضمر بعد اللام الزائدة، وهي لا تُضْمر ـ فيما نص النحويون ـ بعد لامٍ وتلك اللامُ للتعليل أو للجحود.

وقال بعضهم: اللامُ هنا لام العاقبة كهي في قوله:
{ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً }
[القصص: 8]، ولم يَذْكُر مفعولَ التبيين، بل حَذَفه للعلم به، فقدَّره بعضهم: " ليبين لكم ما يقرِّبكم " ، وبعضُهم: " أن الصبر عن نكاح الأماء خيرٌ " ، وبعضُهم: " ما فَصَّل من الشرائع " ، وبعضهم: " أمرَ دينكم " وهي متقاربة.
 
الجوهرة الاربعون

كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

قوله: لتنذرَ به " في متعلَّق هذه اللامِ ثلاثةُ أوجه

أحدها: أنها متعلقة بـ " أُنْزِل " أي: أُنْزِلَ إليك للإِنذار، وهذا قول الفراء قال: " اللام في " لتنذرَ " منظوم بقوله " أُنْزِل " على التقديم والتأخير، على تقدير: كتابٌ أُنزل إليك لتنذرَ به فلا يكن ". وتبعه الزمخشري والحوفي وأبو البقاء. وعلى هذا تكونُ جملةُ النهي معترضةً بين العلة ومعلولها، وهو الذي عناه الفراء بقوله " على التقديم والتأخير ".

والثاني: أن اللامَ متعلقةٌ بما تعلَّق [به] خبر الكون، إذ التقديرُ: فلا يكنْ حرجٌ مستقراً في صدرك لأجل الإِنذار. كذا قاله الشيخ عن ابن الأنباري، فإنه قال: " وقال ابن الأنباري: التقدير: " فلا يكنْ في صدرك حرجٌ منه كي تنذرَ به فَجَعَلَه متعلقاً بما تعلَّق به " في صدرك " ، وكذا علَّقه به صاحب " النظم " ، فعلى هذا لا تكونُ الجملةُ معترضةً ". قلت: الذي نقله الواحدي عن نص ابن الأنباري في ذلك أن اللامَ متعلقةٌ بالكون، وعن صاحب " النظم " أن اللام بمعنى " أن " وسيأتي بنصَّيْهما إن شاء الله، فيجوز أن يكون لهما كلامان.

الثالث: أنها متعلقةٌ بنفس الكون، وهو مذهب ابن الأنباري والزمخشري، وصاحب/ " النظم " على ما نقله الشيخ.
قال أبو بكر ابن الأنباري: " ويجوز أن تكونَ اللامُ صلةً للكون على معنى: فلا يكن في صدرك شيءٌ لتنذر، كما يقول الرجل للرجل: لا تكن ظالماً ليقضي صاحبك دَيْنَه، فَتَحْمِل لامَ كي على الكون ". وقال الزمخشري: " فإن قلت: بمَ تَعَلَّق به " لتنذر "؟ قلت بـ " أُنْزِل " أي: أُنْزل لإِنذارك به، أو بالنهي، لأنه إذا لم يُخِفْهم أنذرهم، وكذا إذا علم أنه من عند الله شَجَّعه اليقين على الإِنذار ". قال الشيخ: " فقوله بالنهي ظاهره أنه يتعلَّق بفعل النهي، فيكون متعلقاً بقوله " فلا يكن " ، وكان [عندهم] في تعليق المجرور والعمل في الظرف فيه خلافٌ، ومبناه على أنَّ " كان " الناقصة هل تدلُّ على حَدَثٍ أم لا؟ فمن قال إنها تدلُّ على الحدث جوَّز ذلك، ومَنْ قال لا تدلُّ عليه مَنَعَه ". قلت: فالزمخشري مسبوقٌ إلى هذا الوجهِ، بل ليس في عبارته ما يدل على أنه تعلُّق بـ " يكون " بل قال " بالنهي " فقد يريد بما تضمَّنه من المعنى، وعلى تقدير ذلك فالصحيحُ أن الأفعالَ الناقصة كلَّها لها دلالةٌ على الحدث إلا " ليس " ، وقد أقمت على ذلك أدلةً وأَثْبَتُّ من أقوال الناس بما يشهدُ لصحة ذلك كقول سيبويه وأضرابه، في غير هذا الموضوع.

وقال صاحب " النظم ": " وفيه وجهٌ آخرُ وهو أن تكونَ اللامُ بمعنى أَنْ والمعنى: لا يَضِقْ صدرُك ولا يضعُفْ عن أن تنذرَ به، والعرب تضعُ هذه اللامَ في موضع " أَنْ " كقوله تعالى:
{ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ }
[التوبة: 32] وفي موضع آخر:
{ لِيُطْفِئُواْ }
[الصف: 8] فهما بمعنى واحد " قلت: هذا قول ساقط جداً، كيف يكون حرفٌ يختصُّ بالأفعال يقع موقع آخرَ مختصٍ بالأسماء؟
 
الجوهر الواحدة والاربعون

{ فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون:
قوله: { لِيُبْدِيَ }

في هذه اللام قولان أظهرهما: أنها لامُ العلة على أصلها، لأنَّ قَصْدَ الشيطان ذلك.

وقال بعضهم: اللام للصيرورة والعاقبة، وذلك أن الشيطان لم يكن يعلم أنهما يعاقبان بهذه العقوبة الخاصة، فالمعنى: أن أمرهما آيل إلى ذلك. والجواب: أنه يجوزُ أن يُعْلم ذلك بطريق من الطرق المتقدمة في قوله
{ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }
[الاعراف: 17].
 
الجوهرة الثانية والاربعون


{ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ }

قال الالوسي فى تفسيره

{ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ } أي الناس، والإشارة ـ كما روي عن الحسن وعطاء ـ إلى المصدر المفهوم من
{ مُخْتَلِفِينَ }
[هود: 118] ونظيره.

إذا نهى السفيه جرى إليه
كأنه قيل: وللاختلاف خلق الناس على معنى لثمرة الاختلاف من كون فريق في الجنة وفريق في السعير خلقهم، واللام لام العاقبة والصيرورة لأن حكمة خلقهم ليس هذا لقوله سبحانه:
{ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ }
[الذاريات: 56] ولأنه لو خلقهم له لم يعذبهم على ارتكاب الباطل كذا قال غير واحد، وروي عن الإمام مالك ما يقتضيه، وعندي أنه لا ضير في الحمل على الظاهر ولا منافاة بين هذه الآية والآية التي ذكروها لما ستعلمه إن شاء الله تعالى من تفسيرها في الذاريات، وما يروى فيها من الآثار وأن الخلق من توابع الإرادة التابعة للعلم التابع للمعلوم في نفسه والتعذيب أو الإثابة ليس إلا لأمر أفيض على المعذب والمثاب بحسب الاستعداد الأصلي، وربما يرجع هذا بالآخرة إلى أن التعذيب والإثابة من توابع ذلك الاستعداد الذي عليه المعذب أو المثاب في نفسه، ومن هنا قالوا: إن المعصية والطاعة أمارتان على الشقاوة والسعادة لا مقتضيتان لهما، وبذلك يندفع قولهم: ولأنه لو خلقهم له لم يعذبهم، ولما قررناه شواهد كثيرة من الكاتب والسنة لا تخفى على المستعدين لإدراك الحقائق، وقيل: ضمير { خَلْقَهُمْ } لمن باعتبار معناه، والإشارة للرحمة المفهومة من { رَّحِمَ } ، والتذكير لتأويلها بأن والفعل أو لكونها بمعنى الخير، وروي ذلك عن مجاهد وقتادة. وروي عن ابن عباس أن الضمير للناس والإشارة للرحمة والاختلاف أي لاختلاف الجميع ورحمة بعضهم خلقهم، وجاءت الإشارة لاثنين كما في قوله تعالى:
{ عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ }
[البقرة: 68] واللام على هذا قيل: بمعنى / مجازي عام للمعنى الظاهر والصيرورة وعلى ما قبله على معناها، وأظهر الأقوال في الإشارة والضمير ما قدمناه، والقولان الآخران دونه، وأما القول بأن الاشارة لما بعد، وفي الكلام تقديم وتأخير أي وتمت كلمة ربك لأملان جهنم الخ ولذلك أي لملء جهنم خلقهم فبعيد جداً من تراكيب كلام العرب

وقال ابو حيان فى بحره

وهذه اللام في التحقيق هي لام الصيرورة في ذلك المحذوف، أو تكون لام الصيرورة بغير ذلك المحذوف، أي: خلقهم ليصير أمرهم إلى الاختلاف. ولا يتعارض هذا مع قوله:
{ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }
[الذاريات: 56] لأنّ معنى هذا الأمر بالعبادة. وقال مجاهد وقتادة: ذلك إشارة إلى الرحمة التي تضمنها قوله: إلا من رحم ربك، والضمير في خلقهم عائد على المرحومين. وقال ابن عباس، واختاره الطبري: الإشارة بذلك إلى الاختلاف والرحمة معاً، فيكون على هذا أشير بالمفرد إلى اثنين كقوله:
{ عوان بين ذلك }
[البقرة: 68] أي بين الفارض والبكر، والضمير في خلقهم عائد على الصنفين: المستثني، والمستثنى منه، وليس في هذه الجملة ما يمكن أن يعود عليه الضمير إلا الاختلاف كما قال الحسن وعطاء، أو الرحمة كما قال مجاهد، وقتادة، أو كلاهما كما قال ابن عباس. وقد أبعد المتأولون في تقدير غير هذه الثلاث، فروي أنه إشارة إلى ما بعده.

وفيه تقديم وتأخير أي: وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجِنة والناس أجمعين، ولذلك خلقهم أي لملء جهنم منهم، وهذا بعيد جداً من تراكيب كلام العرب. وقيل: إشارة إلى شهود ذلك اليوم المشهود، وقيل: إلى قوله:
{ فمنهم شقي وسعيد }
[هود: 105] وقيل: إشارة إلى أن يكون فريق في الجنة وفريق في السعير، وقيل: إشارة إلى قوله:
{ ينهون عن الفساد في الأرض }
[هود: 116] وقيل: إشارة إلى العبادة، وقيل: إلى الجنة والنار، وقيل: للسعادة والشقاوة. وقال الزمخشري: ولذلك إشارة إلى ما دل عليه الكلام، أولاً من التمكين والاختيار الذي عنه الاختلاف، خلقهم ليثيب مختار الحق بحسن اختياره، ويعاقب مختار الباطل بسوء اختياره انتهى. وهو على طريقة الاعتزال. ولولا أن هذه الأقوال سطرت في كتب التفسير لضربت عن ذكرها صفحاً.
 
الجوهرة الثالثة والاربعون

{ وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

قوله: { لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } في هذه اللام أوجه،

أحدها: قال الزمخشري: " مثلُها في قولك: جِئْتُ لخمسٍ خَلَوْنَ من الشهر، ومنه بيتُ النابغة.
3345ـ تَوَهَّمْتُ آياتٍ لها فَعَرَفْتُها لستةِ أعوام وذا العامُ سابعُ

والثاني: أنها بمعنى في. وإليه ذهب ابن قتيبة وابن مالك. وهو رأيُ الكوفيين ومنه عندهم:
{ لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ }
[الأعراف: 187] وكقول مسكين الدارمي:
3346ـ أولئك قومي قد مضَوْا لسبيلِهم كما قد مضى مِنْ قبلُ عادٌ وتُبَّعُ
وكقول الآخر:
3347ـ وكلُّ أبٍ وابنٍ وإنْ عُمِّرا معاً مُقِيْمَيْنِ مفقودٌ لوقتٍ وفاقدُ

والثالث: أنَّها على بابِها مِنَ التعليل، ولكنْ على حَذْفِ مضاف.

أي: لحسابِ يومِ القيامة.
 
الجوهرة الرابعة والاربعون

{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَـظ°ئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { وَإِذَا تُتْلَىظ° عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا وَلَّىظ° مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }

قال ابن كثير

وقوله: { لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ } أي: إنما يصنع هذا للتخالف للإسلام وأهله، وعلى قراءة فتح الياء تكون اللام لام العاقبة، أو تعليلاً للأمر القدري، أي: قيضوا لذلك؛ ليكونوا كذلك

وقال السمين الحلبي في الدر المصون

قوله: " لِيُضِلَّ " قرأ ابن كثير وأبو عمروٍ " لِيَضِلَّ " بفتح حرفِ المضارعةِ. والباقون بضمِّه، مِنْ أضَلَّ غيرَه، فمفعولُه محذوفٌ. وهو مُسْتَلْزِمٌ للضلالِ؛ لأنَّ مَنْ أضَلَّ فقد ضَلَّ مِنْ غيرِ عكسٍ. وقد تقدَّمَ ذلك في سورة إبراهيم. قال الزمخشري هنا: " فإنْ قلت: القراءةُ بالرفعِ بَيِّنَةٌ؛ لأنَّ النَّضِرَ كان غرضُه باشتراءِ اللَّهْوِ أن يَصُدَّ النَاسَ عن الدخولِ في الإِسلام واستماعِ القرآن ويُضِلَّهم عنه فما معنى القراءةِ بالفتح؟ قلت: معنيان، أحدُهما: ليَثْبُتَ على ضلالِه الذي كان عليه ولا يَصْدِفَ عنه، ويَزِيدَ فيه ويَمُدَّه؛ فإن المخذولَ كان شديدَ الشَّكيمةِ في عداوةِ الدين، وصَدِّ الناسِ عنه. الثاني: أَنْ يُوْضَعَ " لِيَضِلَّ " موضعَ ليُضِلَّ؛ مِنْ قِبَلِ أنَّ مَنْ أَضَلَّ كان ضالاًّ لا محالةَ فدَلَّ بالرَّديفِ على المَرْدُوف "
 
الجوهرة الخامسة والاربعون

{ لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً }

قال السمين الحلبي فی دره

قوله: { لِّيَسْأَلَ }: فيها وجهان، أحدُهما: أنها لامُ كي أي: أَخَذْنا ميثاقَهم ليَسْأل المؤمنين عن صدقهم، والكافرين عن تكذيبهم، فاستغنى عن الثانِي بذِكْر مُسَبِّبه وهو قولُه: " وأَعدَّ ".

والثاني: أنها للعاقبة أي: أَخَذَ الميثاقَ على الأنبياء ليصيرَ الأمرُ إلى كذا. ومفعولُ " صدقِهم " محذوفٌ أي: صِدْقِهم عهدَهم. ويجوز أن يكون " صِدْقِهم " في معنى " تَصْديقهم " ، ومفعولُه محذوفٌ أيضاً أي: عن تصديقِهم الأنبياءَ
 
الجوهرة السادسة والاربعون

{ لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }

قال السمين الحلبي في الدر المصون
قوله: { لِّيَجْزِيَ اللَّهُ }: في اللام وجهان، أحدهما: أنها لامُ العلة. الثاني: أنها لامُ الصيرورةِ. وفي ما تتعلَّقُ به أوجهٌ: إمَّا بـ " صَدَقوا " ، وإمَّا بـ " زادهم " ، وإما بـ " ما بَدَّلُوا " وعلى هذا قال الزمخشري: " جُعِل المنافقون كأنهم قَصَدوا عاقبةَ السوءِ، وأرادُوها بتبديلهم، كما قَصَدَ الصادقون عاقبةَ الصدقِ بوفائِهم؛ لأنَّ كلا الفريقَيْنِ مَسُوقٌ إلى عاقبتِه من الثوابِ والعقاب، فكأنَّهما اسْتَوَيا في طلبهما والسَّعْيِ لتحصيلهما

وقال القرطبي

لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ } أي أمر الله بالجهاد ليجزي الصادقين في الآخرة بصدقهم.

وقال الالوسي

والظاهر أن اللام في { لِيَجْزِىَ } للتعليل، والكلام عند كثير تعليل للمنطوق من نفى التبديل عن الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه والمعرض به من إثبات التعريض لمن سواهم من المنافقين فإن الكلام على ما سمعت في قوة وما بدلوا تبديلاً كما بدل المنافقون فقوله: (لِيَجْزِىَ وَيُعَذّبَ) متعلق بالمنفي والمثبت على اللف والنشر التقديري، وجعل تبديل المنافقين علة للتعذيب مبني على تشبيه المنافقين بالقاصدين عاقبة السوء على نهج الاستعارة المكنية والقرينة إثبات معنى التعليل، وقيل: إن اللام للعلة حقيقة بالنظر / إلى المنطوق ومجازاً بالنظر إلى المعرض به ويكون من باب الجمع بين الحقيقة والمجاز وقد جوزه من جوزه.

وقيل: لا يبعد جعل { لِيَجْزِىَ } الخ تعليلاً للمنطوق المقيد بالمعرض به فكأنه قيل: ما بدلوا كغيرهم ليجزيهم بصدقهم ويعذب غيرهم إن لم يتب، وأنه يظهر بحسن صنيعهم قبح غيره، وبضدها تتبين الأشياء، وقيل: تعليل لصدقوا وحكي ذلك عن الزجاج، وقيل: لما يفهم من قوله تعالى:

وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيماً }
[الأحزاب: 22]

وقيل: لما يستفاد من قوله تعالى:
{ وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ }
[الأحزاب: 22] كأنه قيل: ابتلاهم الله تعالى برؤية ذلك الخطب ليجزي الآية، واختاره الطيبـي قائلاً: إنه طريق أسهل مأخذاً وأبعد عن التعسف وأقرب إلى المقصود من جعله تعليلاً للمنطوق والمعرض به. واختار شيخ الإسلام كونه متعلقاً بمحذوف والكلام مستأنف مسوق بطريق الفذلكة لبيان ما هو داع إلى وقوع ما حكى من الأقوال والأفعال على التفصيل وغاية [له] كما في قوله تعالى:
{ لِّيَسْأَلَ ٱلصَّـٰدِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ }
[الأحزاب: 8] كأنه قيل: وقع جميع ما وقع ليجزي الله الخ، وهو عندي حسن وإن كان فيه حذف فتأمل ذاك والله تعالى يتولى هداك
 
الجوهرة السابعة والاربعون

{ إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَظ°وَظ°تِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } * { لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

قال ابن عطية في المحرر

وقوله { ليعذب الله } اللام لام العاقبة لأن الإنسان لم يحمل ليقع العذاب لكن حمل فصار الأمر وآل إلى أن يعذب من نافق ومن أشرك وأن يتوب على من آمن وقرأ الجمهور و " يتوب " بالنصب عطفاً على قوله { ليعذب } وقرأ الحسن بن أبي الحسن و " يتوبُ " بالرفع علىالقطع والاستئناف، وباقي الآية بين

وقال ابو حيان فی بحره

واللام في { ليعذب } لام الصيرورة، لأنه لم يحملها لأن يعذب، لكنه حملها فآل الأمر إلى أن يعذب من نافق وأشرك، ويتوب على من آمن. وقال الزمخشري: لام التعليل على طريق المجاز، لأن نتيجة حمل الأمانة العذاب، كما أن التأديب في: ضربته للتأديب، نتيجة الضرب. وقرأ الأعمش: فيتوب، يعني بالرفع، بجعل العلة قاصرة على فعل الحامل، ويبتدىء ويتوب. ومعنى قراءة العامة: ليعذب الله حامل الأمانة ويتوب على غيره ممن لم يحملها، لأنه إذا ثبت على أن الواو في وكان ذلك نوعان من عذاب القتال. انتهى. وذهب صاحب اللوامح أن الحسن قرأ ويتوب بالرفع.
 
عودة
أعلى