عيسى السعدي
New member
بسم1
روى أبو داود بسند جيد عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا ، وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا ، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ ) ؛ فنهى صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره عيدا ، ويدخل في ذلك سائر القبور بطريق الأولى ؛ واتخاذ القبر عيدا يشمل عدة صور ؛ منها :-
أ-----_ اعتياد زيارته على وجه مخصوص ؛ ككل جمعة أو شهر ، أو كلما دخل المسجد ، أو كلما صلى الفجر مثلا ؛ لأن العيد اسم لما يعتاد مجيئه وقصده من زمان أو مكان .
ب- تحري الدعاء عند القبر ؛ لما رواه ضياء الدين المقدسي في المختارة بسند جيد عن علي بن الحسين رحمه الله ، أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها ، فيدعو ، فنهاه ، وقال : ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تتخذوا قبري عيداً ، ولا بيوتكم قبوراً ، وصلوا علي ، فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم ) ؛ قال عبد الرحمن بن حسن : ( هذا يدل على النهي عن قصد القبور والمشاهد لأجل الدعاء والصلاة عندها . قال شيخ الإسلام رحمه الله : ما علمت أحدا رخص فيه ؛ لأن ذلك نوع من اتخاذها عيدا ) . فتح المجيد ( 270 ) .
ج - شد الرحل لمجرد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أوغيره من القبور والمشاهد ؛ لأن ذلك من اتخاذها أعيادا ، قال عبد الرحمن بن حسن : (وهذه هي المسألة التي أفتى بها شيخ الإسلام - رحمه الله - أعني من سافر لمجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين - ونقل فيها اختلاف العلماء ، فمن مبيح لذلك كالغزالي وأبي محمد المقدسي . ومن مانع لذلك كابن بطة وابن عقيل ، وأبي محمد الجويني ، والقاضي عياض . وهو قول الجمهور ، نص عليه مالك ولم يخالفه أحد من الأئمة ، وهو الصواب ؛ لما في الصحيحين عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى . فدخل في النهي شدها لزيارة القبور والمشاهد ... ؛ ولهذا فهم منه الصحابة - رضي الله عنهم - المنع ؛ كما في الموطأ والمسند والسنن عن بصرة بن أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه أنه قال لأبي هريرة رضي الله عنه - وقد أقبل من الطور - : لو أدركتك قبل أن تخرج إليه لما خرجت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد ؛ المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى ". وروى الإمام أحمد وعمر بن شبّة في أخبار المدينة بإسناد جيد عن قزعة قال: " أتيت ابن عمر فقلت : إني أريد الطور. فقال : إنما تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد ؛ المسجد الحرام ، ومسجد المدينة ، والمسجد الأقصى . فدع عنك الطور ولا تأته . فابن عمر وبصرة بن أبي بصرة جعلا الطور مما نهي عن شد الرحال إليه ؛ لأن اللفظ الذي ذكراه فيه النهي عن شدها إلى غير الثلاثة مما يقصد به القربة ، فعلم أن المستثنى منه عام في المساجد وغيرها ، وأن النهي ليس خاصا بالمساجد ، ولهذا نهيا عن شدها إلى الطور مستدلين بهذا الحديث . والطور إنما يسافر من يسافر إليه لفضيلة لبقعة. فإن الله سماه الوادي المقدس والبقعة المباركة . وكلّم كليمه موسى عليه السلام هناك ، وهذا هو الذي عليه الأئمة الأربعة وجمهور العلماء ، ومن أراد بسط القول في ذلك والجواب عما يعارضه ، فعليه بما كتبه شيخ الإسلام مجيبا لابن الأخنائي فيما اعترض به على ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة ، وأخذ به العلماء ... وقد بسط القول في ذلك الحافظ محمد بن عبد الهادي في كتاب الصارم المنكي في رده على السبكي ، وذكر فيه علل الأحاديث الواردة في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وذكر هو وشيخ الإسلام -رحمهما الله تعالى - أنه لا يصح منها حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه ، مع أنها لا تدل على محل النزاع ؛ إذ ليس فيها إلا مطلق الزيارة ، وذلك لا ينكره أحد بدون شد الرحال ، فيحمل على الزيارة الشرعية التي ليس فيها شرك ولا بدعة ) . فتح المجيد ( 271 ، 272 ) . وذكر ابن عبد الهادي في مواضع من كتابه المذكور أن شيخ الإسلام رحمه الله لم يحرم زيارة القبور على الوجه المشروع في شيء من كتبه ، بل استحبها وحض عليها ، ومناسكه ومصنفاته طافحة بذكر استحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وسائر القبور . انظر : الصارم المنكي ( 24 ، 41 ، 42 ) ؛ ثم نقل عنه أنه قال في منسك له صنفه في أواخر عمره : ( وإذ دخل المدينة قبل الحج أو بعده فإنه يأتي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي فيه والصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ولا تشد الرحال إلا إليه ، وإلى المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، هكذا ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي سعيد ، وهو مروي من طرق أخرى ، ومسجده كان أصغر مما هو اليوم وكذلك المسجد الحرام لكن زاد فيهما الخلفاء الراشدون ومن بعدهم ، وحكم الزيادة حكم المزيد في جميع الأحكام ، ثم يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فإنه قد قال : (ما من رجل يسلم علي إلا رد الله عليه روحي حتى أرد عليه السلام ) رواه أبو داود وغيره ، وكان عبد الله بن عمر إذا دخل المسجد قال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبت ، ثم ينصرف وهكذا كان الصحابة يسلمون عليه r ) . الصارم المنكي ( 64 ، 65 ) .