علي المالكي
Member
كَرَّةٌ جديدةٌ على منكري أحكام التجويد
لم يكن هناك من يشكك في أصالة أحكام التجويد طَوال التاريخ الإسلامي، لكن في زماننا وقبل زماننا خرجَت أصواتٌ وأقلامٌ تناهضُ علمَ التجويد، وتُنَدِّدُ به، وتثير حولَه الإشكالاتِ والشبهاتِ؛ فمِن قائلٍ منهم بأن هذه الأحكام بدعةٌ أحدثَها المتأخرون من علماء التجويد، وقائلٍ بأنّ علمَ التجويد ليس من العلوم الإسلامية، بل وصل الشَّطَطُ ببعضهم إلى أنْ أَخْرَجَه عن كونه عِلْمًا أصلًا!
وإنّ وصولَ أحكام التجويد إلينا بالتواتر -لفظًا وكتابةً- دليلٌ يُسقِطُ قولَهم رأسًا، ولا يبقي لهم حجة؛ لأن التواتر حجة يقينية.
واما قولهم: (لا يوجد في دواوين السنة المشهورة من الصحاح والسنن والمسانيد وغيرِها أحاديثُ تدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يطبق شيئًا من هذه الأحكام في قراءته، ولو كان كذلك لاشتهر أمرُها ووُجدت نصوصٌ كثيرة تدل على أنه ﷺ كان يُدغِم أو يخفي أو يَمُدّ أو يطيل الغنة... إلخ).
فهذه حجة أوهى من بيت العنكبوت؛ لأن علم القراءة له كتب متخصصة ألَّفها أئمةٌ في هذا العِلْم ثقاتٌ مشهودٌ لهم، بعضهم معاصرٌ لمصنِّفين مِن أصحاب أُمَّاتِ دواوينِ السنّة، وبعضهم جاء مِن بعدهم، وقد وَرَد في تلك الكتب وصْفُ القراءةِ التي تلقاها هؤلاء الأئمة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بعباراتهم الواضحةِ الدقيقةِ، وفيها الإخفاءُ والإدغامُ والمدودُ وغيرُ ذلك من الأحكام المعروفة.
قال أبو الكرم الشهرزوري (ت550هـ): «اعلم -علمك الله الخيرات، وأعاننا وإياك على درك المطلوبات- أن الأئمة الماضين، والسلف الصالحين -رضي الله عنهم أجمعين- قد أوضحوا في كتبهم وبيّنوا في مصنفاتهم في التجويد في القراءة والتحقيق في التلاوة، ولم يتركوا لغيرهم في ذلك مسلكًا، ولا فيما أوردوه تشككًا، وليس لنا فيما نورده في ذلك إلا التقريب والترتيب».
فليُرجَع إلى تلك الكتب، وفيها مئات الأسانيد التي أدت إليهم القراءة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الصفة التي ذكروها في كتبهم ورووها بالتلقي الشفهي عن شيوخهم وأدَّوْها إلى تلاميذهم، وهذه الأسانيد تبلغ مبلغ التواتر، وهو وحده كافٍ لإثبات ذلك إثباتًا قطعيًّا، فلا يبقى معها مَدْخَلٌ لمُشَكِّكٍ في ثبوت هذه الأحكام البتَّة.
لكن وقفتُ على بحثٍ ماتع لأستاذنا الدكتور غانم قدوري الحمد عنوانه: (دلالة رسم المصحف على أصالة أحكام التجويد في أداء الصحابة)، تتبَّع فيه مواضعَ رسم المصحف التي تعبّر عن أحكام التجويد.
فذكر أن رسم المصحف يقدَّم في ظواهره المتعددة دليلًا ملموسًا على أصالة أحكام التجويد منذ العهد النبوي، وثبوتِها في القراءة.
فمثلًا لو تأملنا رسم هذه الكلمات: {ألَّن نجمع}، {ومما رزقناهم}، {عما يعملون}، {وإما نرينّك}، {ألَّا يقيما}، ونحو ذلك من الكلمات، نجد أن هذه الكلمات رسمت بطريقة تعبِّر عن الإدغام –كما صرح بذلك جماعة من العلماء-، كالأنباري في إيضاح الوقف والابتداء (1/ 146)، والداني في المقنع (ص73).
والإدغام من أبرز قضايا التجويد التي ينكرها بعضُ الجهَلَةِ اليوم بحجة أن فيها إسقاطًا لحرف من القرآن الكريم!
قال الداني: «كان قوم لا علم عندهم، ولا دراية لهم، ينكرون القراءة بالإدغام، ويزعمون أنه يؤول إلى تغيير ألفاظ الحروف، ويُزيلُ معاني الكلِم، وأنَّ ذلك مما انفرد به أبو عمرو، ولا مادّةَ له، وأنه عن قراءة أهل الأثر بمعزل، وهذا قولُ مَن لم تتحقّق معرفتُه، ولا استكملَ درايتَه، ولا لقي العلماء، ولا شاهد الفقهاء، ولا روى الآثار، ولا قيّد الأخبار؛ إذِ الأمرُ بخلاف ما قاله، وعلى غير ما ظنه وقدّرَه».
فإذا كانت هذه صفات من ينكر الإدغام وحالَه، فما بالك بمن ينكر كل الأحكام جملةً؟!
كذلك لو بحثنا في سبب كتابة {الصلوة} و{الزكوة} ونحوها بالواو، لوجدنا أن هناك مَن قال مِن العلماء بأنها كتبت كذلك على لفظ التفخيم؛ لأن الألف إذا فُخّمت نُحِيَ بها نحو الواو، كما في المقنع (ص60).
وذكروا أيضًا -كما في مختصر التبيين (ص69- 70)- أن سبب كتابة {أقصا المدينة}، {المسجد الأقصى}، {طغا الماء}، ونحوها بالألف كان على مراد التفخيم.
كما ذكروا أن إثبات الألف في {الضالين} و{للطائفين} ونحوِها دون {العلَمين} و{العكفين} وغيرها من نظائرها – أن ذلك كان بسبب أنها تمد مدًّا زائدًا عن المد الأصلي.
ولا شك في أن رسم المصحف سابق لنشأة علوم القرآن وتدوين علم التجويد، بل سابق لزمن تدوين قواعد اللغة العربية، بالإضافة إلى أنه لم يتعرض للتغيير والتبديل، وهذا يؤكد أصالة تلك الأحكام، وهو دليل ينضاف إلى التواتر السابق -مع أن التواتر كافٍ لمن كان له قلب-.
وإنَّ المنكِرَ لأحكام التجويد يلزمه إنكار ما ثبت بالتواتر، كما يلزمه تكذيب الأئمة الكبار مثل: الخليل بن أحمد، وسيبويه، ومكي بن أبي طالب، وأبي عمرو الداني، وعبد الوهاب القرطبي وغيرَهم من علماء العربية والقراءة الذين دوَّنوا هذه الأحكام ورووها مشافهة!
فقولهم هذا هو البدعةُ بعينها!
وبهذه الأدلة (اصَّكّرت ملفات)1 هؤلاء الناس!
---------------------------------
1 هذه عبارة عامّيّة نقولها عند إفحام الخصم وإسكاتِه ونحو ذلك.
لم يكن هناك من يشكك في أصالة أحكام التجويد طَوال التاريخ الإسلامي، لكن في زماننا وقبل زماننا خرجَت أصواتٌ وأقلامٌ تناهضُ علمَ التجويد، وتُنَدِّدُ به، وتثير حولَه الإشكالاتِ والشبهاتِ؛ فمِن قائلٍ منهم بأن هذه الأحكام بدعةٌ أحدثَها المتأخرون من علماء التجويد، وقائلٍ بأنّ علمَ التجويد ليس من العلوم الإسلامية، بل وصل الشَّطَطُ ببعضهم إلى أنْ أَخْرَجَه عن كونه عِلْمًا أصلًا!
وإنّ وصولَ أحكام التجويد إلينا بالتواتر -لفظًا وكتابةً- دليلٌ يُسقِطُ قولَهم رأسًا، ولا يبقي لهم حجة؛ لأن التواتر حجة يقينية.
واما قولهم: (لا يوجد في دواوين السنة المشهورة من الصحاح والسنن والمسانيد وغيرِها أحاديثُ تدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يطبق شيئًا من هذه الأحكام في قراءته، ولو كان كذلك لاشتهر أمرُها ووُجدت نصوصٌ كثيرة تدل على أنه ﷺ كان يُدغِم أو يخفي أو يَمُدّ أو يطيل الغنة... إلخ).
فهذه حجة أوهى من بيت العنكبوت؛ لأن علم القراءة له كتب متخصصة ألَّفها أئمةٌ في هذا العِلْم ثقاتٌ مشهودٌ لهم، بعضهم معاصرٌ لمصنِّفين مِن أصحاب أُمَّاتِ دواوينِ السنّة، وبعضهم جاء مِن بعدهم، وقد وَرَد في تلك الكتب وصْفُ القراءةِ التي تلقاها هؤلاء الأئمة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بعباراتهم الواضحةِ الدقيقةِ، وفيها الإخفاءُ والإدغامُ والمدودُ وغيرُ ذلك من الأحكام المعروفة.
قال أبو الكرم الشهرزوري (ت550هـ): «اعلم -علمك الله الخيرات، وأعاننا وإياك على درك المطلوبات- أن الأئمة الماضين، والسلف الصالحين -رضي الله عنهم أجمعين- قد أوضحوا في كتبهم وبيّنوا في مصنفاتهم في التجويد في القراءة والتحقيق في التلاوة، ولم يتركوا لغيرهم في ذلك مسلكًا، ولا فيما أوردوه تشككًا، وليس لنا فيما نورده في ذلك إلا التقريب والترتيب».
فليُرجَع إلى تلك الكتب، وفيها مئات الأسانيد التي أدت إليهم القراءة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الصفة التي ذكروها في كتبهم ورووها بالتلقي الشفهي عن شيوخهم وأدَّوْها إلى تلاميذهم، وهذه الأسانيد تبلغ مبلغ التواتر، وهو وحده كافٍ لإثبات ذلك إثباتًا قطعيًّا، فلا يبقى معها مَدْخَلٌ لمُشَكِّكٍ في ثبوت هذه الأحكام البتَّة.
لكن وقفتُ على بحثٍ ماتع لأستاذنا الدكتور غانم قدوري الحمد عنوانه: (دلالة رسم المصحف على أصالة أحكام التجويد في أداء الصحابة)، تتبَّع فيه مواضعَ رسم المصحف التي تعبّر عن أحكام التجويد.
فذكر أن رسم المصحف يقدَّم في ظواهره المتعددة دليلًا ملموسًا على أصالة أحكام التجويد منذ العهد النبوي، وثبوتِها في القراءة.
فمثلًا لو تأملنا رسم هذه الكلمات: {ألَّن نجمع}، {ومما رزقناهم}، {عما يعملون}، {وإما نرينّك}، {ألَّا يقيما}، ونحو ذلك من الكلمات، نجد أن هذه الكلمات رسمت بطريقة تعبِّر عن الإدغام –كما صرح بذلك جماعة من العلماء-، كالأنباري في إيضاح الوقف والابتداء (1/ 146)، والداني في المقنع (ص73).
والإدغام من أبرز قضايا التجويد التي ينكرها بعضُ الجهَلَةِ اليوم بحجة أن فيها إسقاطًا لحرف من القرآن الكريم!
قال الداني: «كان قوم لا علم عندهم، ولا دراية لهم، ينكرون القراءة بالإدغام، ويزعمون أنه يؤول إلى تغيير ألفاظ الحروف، ويُزيلُ معاني الكلِم، وأنَّ ذلك مما انفرد به أبو عمرو، ولا مادّةَ له، وأنه عن قراءة أهل الأثر بمعزل، وهذا قولُ مَن لم تتحقّق معرفتُه، ولا استكملَ درايتَه، ولا لقي العلماء، ولا شاهد الفقهاء، ولا روى الآثار، ولا قيّد الأخبار؛ إذِ الأمرُ بخلاف ما قاله، وعلى غير ما ظنه وقدّرَه».
فإذا كانت هذه صفات من ينكر الإدغام وحالَه، فما بالك بمن ينكر كل الأحكام جملةً؟!
كذلك لو بحثنا في سبب كتابة {الصلوة} و{الزكوة} ونحوها بالواو، لوجدنا أن هناك مَن قال مِن العلماء بأنها كتبت كذلك على لفظ التفخيم؛ لأن الألف إذا فُخّمت نُحِيَ بها نحو الواو، كما في المقنع (ص60).
وذكروا أيضًا -كما في مختصر التبيين (ص69- 70)- أن سبب كتابة {أقصا المدينة}، {المسجد الأقصى}، {طغا الماء}، ونحوها بالألف كان على مراد التفخيم.
كما ذكروا أن إثبات الألف في {الضالين} و{للطائفين} ونحوِها دون {العلَمين} و{العكفين} وغيرها من نظائرها – أن ذلك كان بسبب أنها تمد مدًّا زائدًا عن المد الأصلي.
ولا شك في أن رسم المصحف سابق لنشأة علوم القرآن وتدوين علم التجويد، بل سابق لزمن تدوين قواعد اللغة العربية، بالإضافة إلى أنه لم يتعرض للتغيير والتبديل، وهذا يؤكد أصالة تلك الأحكام، وهو دليل ينضاف إلى التواتر السابق -مع أن التواتر كافٍ لمن كان له قلب-.
وإنَّ المنكِرَ لأحكام التجويد يلزمه إنكار ما ثبت بالتواتر، كما يلزمه تكذيب الأئمة الكبار مثل: الخليل بن أحمد، وسيبويه، ومكي بن أبي طالب، وأبي عمرو الداني، وعبد الوهاب القرطبي وغيرَهم من علماء العربية والقراءة الذين دوَّنوا هذه الأحكام ورووها مشافهة!
فقولهم هذا هو البدعةُ بعينها!
وبهذه الأدلة (اصَّكّرت ملفات)1 هؤلاء الناس!
---------------------------------
1 هذه عبارة عامّيّة نقولها عند إفحام الخصم وإسكاتِه ونحو ذلك.