محمود عبدالله إبراهيم نجا
Member
كيف يكون للأرض عرض في القرآن وهي كروية؟
قال الله (سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).
■ تقول الشبهة (ذكر الله أن للسماوات والأرض عرض، كما للجنة عرض، والكرة لا يكون لها عرض، بل قطر، وهذا ينسف تماما فكرة الأرض الكروية، ويثبت أن الأرض مُسطحة).
■ الرد على الشُبهة
١. العرض بمعنى السعة
- العرض في اللغة العربية لا يُقصد به دائمًا البُعد الهندسي المقابل للطول، بل كثيرًا ما يُستخدم بمعنى السعة، والإنبساط، كقول العرب "بلاد عريضة" أي واسعة، دون أن تعني أنها بطول وعرض كالمستطيل، فالسعة لا تهتم بالشكل مسطح كان أو كروي. وهذا المعنى مُستخدم بالفعل في القرآن كما في قول الله " ذو دعاء عريض" أي واسع، لا أنه ذو بعد هندسي.
وهذا المعنى أشار له بعض المفسرين كالبغوي وغيره في تفسير عرض السماوات والأرض، فقالوا (وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أي سعتها).
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير (والعرض مستعمل في السعة وليس مقابل الطول لظهور أنه لا طائل في معنى ما يقابل الطول، وهذا كقوله تعالى وإن مسه الشر فذو دعاء عريض، وقول العديل لما فر من وعيد الحجاج : ودون يد الحجاج من أن تنالني بساط بأيدي الناعجات عريض. والهدف من تشبيه عرض الجنة بعرض السماء والأرض معاً، لتقريب المشبه بأقصى ما يتصوره الناس في الاتساع، وليس المراد تحديد ذلك العرض).
٢. كيفية حساب العرض عند السلف
وصف الله السماوات بأنها طباق بعضها فوق بعض، وجعل الأرضين سبع كالسماوات، والأرض في الآية (عرضها السماوات والأرض) اسم جنس يشمل السبع أرضين، والراجح عندي أن كل سماء فيها أرضها بخلقها وأمرها الذي يتنزل بين السماء والأرض، كما هو الحال على أرضنا.
ولكي نحسب عرض السبع سماوات والسبع أرضين، ينبغي ضمهم وفرشهم كالثوب، ثم نقيس العرض، وهذا ليس قولي، ولكن قول المفسرين:
يقول الطبري والقرطبي نقلاً عن ابن عباس (تُقرن السموات السبع والأرضون السبع بعضها إلى بعض، كما تبسط الثياب وتُقرن بعضها لبعض، فذاك عرض الجنة، ولا يعلم طولها إلا الله). وزاد القرطبي أن هذا هو قول الجمهور.
■ لماذا ذكر الله عرض الأرض مع الجنة وليس الشمس، مع أن الشمس علمياً أكبر؟
الأرض هي محور حديث القرآن والسنة لأنها سكن الإنسان، ولم يُشاهد من الأجرام سواها، ولا يعرف اتساع باقي الأجرام، فلو قال الله لوصف سعة الجنة (جنة عرضها السماوات والشمس) لاستغرب السامع هذا الوصف لأنه لا يعرف حجم الشمس، ولذا ذكر الله الأرض مع السماء ليبين لخلقه عظمة اتساع الجنة، فيقول لهم؛ أنتم تعلمون سعة أرضكم ولو كانت الجنة بحجمها لكفتكم ومع ذلك ضممت لها ما هو أعظم في السعة وهو السماء، وعظيم حجم السماء أمر تشهده العيون. وقد سبق بينت في بحث سابق أن السماء أعظم حجماً من الأرض بأقوال السلف والكثير من الأدلة النقلية المتفقة مع العقل والعلم الحديث، وتجدون البحث في أول تعليق.
■ بعض أدلة القُرآن على كروية الأرض وحركتها وجاذبيتها؟
بالنسبة لمد الأرض وبسطها في كل اتجاه بلا إنتهاء، وتكوير الليل والنهار، وتقليبهما، فهي أدلة غير مباشرة على تكوير الأرض. وهناك أدلة غير مباشرة تنفي ثبات الأرض وتثبت حركتها مثل آية كل في فلك يسبحون، وآية كل يجري لأجل مسمى، ويدخل في هذا الكل الليل والنهار، والزمن لا يجري ولا يسبح وإنما محل الزمن وهو الأرض هو الذي يسبح ويجري، وأيضاً آية تقليب الليل والنهار فالذي يتقلب هو محل الليل والنهار، أي الأرض، وآيات تثبيت الأرض بالجبال لمنع الميد، فلو كانت الأرض مسطحة ثابتة لما مادت، ولا احتاجت للجبال، وأما المتحركة فتميد في الحركة وتحتاج لتثبيت.
وأما الدليل المباشر على كروية الأرض وتقلبها نجده في وصف الأرض بكلمات مثل دحاها (والأرض بعد ذلك دحاها)، وكفاتا (ألم نجعل الأرض كفاتا)، وهي كلمات تصف الشكل والحركة أيضا، ودلالتها كالآتي:
دحاها، المفعول به هو الأرض، ومن معاني الدحو المد والبسط، والمد دال على التكوير، طالما الأرض ممتدة بلا نهاية، فلو كانت مسطحة لوصلنا لأطرافها ولانتهى المد.
ومن معاني الدحو التي تشير للتكوير، هو هذا التشبيه الجميل جدا بلعبة شهيرة عند العرب اسمها المداحي، وهي شبيهة بلعبة البلي في زماننا، حيث كان الأطفال يحفرون حفرة في الأرض (مدحاة) ويستخدمون قطع خشبية أو حجرية أقرب للتكوير، فيرمونها (يدحونها) على الأرض في اتجاه المدحاة (الحفرة)، فتدور حول محورها أثناء حركتها على الأرض، وعليه فدحو الأرض فيه تشبيه بحركة القطع الخشبية والحجرية عند القاءها، فنرى جسم فيه تكوير يدور حول محوره أثناء حركته.
يقول الزمخشري في الفائق في غريب الحديث، قال أبو رافع رضي اللّٰه عنه- كنت ألاعِبُ الحَسَن و الحسين (عليهما السلام) بالمَداحي وهي أحجار أمثال القِرَصَة يحفِرون حَفِيرة فَيَدْحُون بها إليها، و تسمى المَسَادِي و المرَاصِيع. و الدَّحْو: رَمْيُ الملاعب بالجوز أو غيره، و كذلك الزَّدْو، و السَّدْو.
وعليه فالدحو لم يثبت الشكل الكروي فقط، بل أثبت أيضاً حركة الأرض، ففي الدحو إلقاء وحركة تقلب حول محور، وهذا التقلب حول محور هو ما أشار الله في الدليل غير المباشر في تقليب الليل والنهار، وتكوير الليل والنهار.
وإليكم وصف الأرض باللفظ المعجز (كفاتا)، وقد استعملته العرب للدلالة على جذب الشيء وامساكه، وأيضا ليدل على الحركة بسرعة والدوران والتقلُب، فمن معانيها التي تذكرها المعاجم اللغوية كلسان العرب وتاج العروس:
١. معنى الدوران والتقلُب: الكفتُ تقلُب، وكَفَتَ الشيءُ: تقلَّب ظهرًا لبطن وبطنًا لظهر.
٢. معنى التحرك السريع: كَفَتَ الطائرُ وغيرُه: أَسرع في الطير وتقبَّض فيه. وتقول العرب مَرٌّ كَفِيتٌ وكِفاتٌ: يعني سريعٌ
وكَفَتَ يَكْفِتُ كَفْتاً وكِفاتاً: أَسْرَع في العَدْوِ والطَّيَران.
مما سبق يتبين لنا أن المعنى اللغوي لكلمة كفاتا يدل على الجاذبية، كما يدل على تقلُب الأرض وتحركها بسرعة كتقلب الكرة أثناء جريانها، وفي هذا جواب شافي لمن سأل كيف لا يسقط الناس والماء عن الأرض إذا كانت كرة مُتحركة، فنقول له قد جعلها الله كفاتا لكل ما عليها من الأحياء والأموات، وإذا كانت قادرة على جذب الحي المتحرك فهي أقدر على جذب الساكن، ولعل هذا هو السبب الذي جعل الله لا يذكر أن الأرض كفاتا للجمادات الساكنة، فكل ما على الأرض مكفوت أي أسير للأرض وممسوك بها، أثناء تقلبها بسرعة، وما يمنع ميدها أثناء التقلب بسرعة هو الجبال الرواسي.
■ ملحوظة
هذا الرد كان على عُجالة، وإن شاء الله هناك بحث تفصيلي لشكل الأرض في القُرآن، وآخر لحركتها، أسأل الله أن يعين على نشرهما قريباً.
د. محمود عبدالله نجا
قال الله (سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).
■ تقول الشبهة (ذكر الله أن للسماوات والأرض عرض، كما للجنة عرض، والكرة لا يكون لها عرض، بل قطر، وهذا ينسف تماما فكرة الأرض الكروية، ويثبت أن الأرض مُسطحة).
■ الرد على الشُبهة
١. العرض بمعنى السعة
- العرض في اللغة العربية لا يُقصد به دائمًا البُعد الهندسي المقابل للطول، بل كثيرًا ما يُستخدم بمعنى السعة، والإنبساط، كقول العرب "بلاد عريضة" أي واسعة، دون أن تعني أنها بطول وعرض كالمستطيل، فالسعة لا تهتم بالشكل مسطح كان أو كروي. وهذا المعنى مُستخدم بالفعل في القرآن كما في قول الله " ذو دعاء عريض" أي واسع، لا أنه ذو بعد هندسي.
وهذا المعنى أشار له بعض المفسرين كالبغوي وغيره في تفسير عرض السماوات والأرض، فقالوا (وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أي سعتها).
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير (والعرض مستعمل في السعة وليس مقابل الطول لظهور أنه لا طائل في معنى ما يقابل الطول، وهذا كقوله تعالى وإن مسه الشر فذو دعاء عريض، وقول العديل لما فر من وعيد الحجاج : ودون يد الحجاج من أن تنالني بساط بأيدي الناعجات عريض. والهدف من تشبيه عرض الجنة بعرض السماء والأرض معاً، لتقريب المشبه بأقصى ما يتصوره الناس في الاتساع، وليس المراد تحديد ذلك العرض).
٢. كيفية حساب العرض عند السلف
وصف الله السماوات بأنها طباق بعضها فوق بعض، وجعل الأرضين سبع كالسماوات، والأرض في الآية (عرضها السماوات والأرض) اسم جنس يشمل السبع أرضين، والراجح عندي أن كل سماء فيها أرضها بخلقها وأمرها الذي يتنزل بين السماء والأرض، كما هو الحال على أرضنا.
ولكي نحسب عرض السبع سماوات والسبع أرضين، ينبغي ضمهم وفرشهم كالثوب، ثم نقيس العرض، وهذا ليس قولي، ولكن قول المفسرين:
يقول الطبري والقرطبي نقلاً عن ابن عباس (تُقرن السموات السبع والأرضون السبع بعضها إلى بعض، كما تبسط الثياب وتُقرن بعضها لبعض، فذاك عرض الجنة، ولا يعلم طولها إلا الله). وزاد القرطبي أن هذا هو قول الجمهور.
■ لماذا ذكر الله عرض الأرض مع الجنة وليس الشمس، مع أن الشمس علمياً أكبر؟
الأرض هي محور حديث القرآن والسنة لأنها سكن الإنسان، ولم يُشاهد من الأجرام سواها، ولا يعرف اتساع باقي الأجرام، فلو قال الله لوصف سعة الجنة (جنة عرضها السماوات والشمس) لاستغرب السامع هذا الوصف لأنه لا يعرف حجم الشمس، ولذا ذكر الله الأرض مع السماء ليبين لخلقه عظمة اتساع الجنة، فيقول لهم؛ أنتم تعلمون سعة أرضكم ولو كانت الجنة بحجمها لكفتكم ومع ذلك ضممت لها ما هو أعظم في السعة وهو السماء، وعظيم حجم السماء أمر تشهده العيون. وقد سبق بينت في بحث سابق أن السماء أعظم حجماً من الأرض بأقوال السلف والكثير من الأدلة النقلية المتفقة مع العقل والعلم الحديث، وتجدون البحث في أول تعليق.
■ بعض أدلة القُرآن على كروية الأرض وحركتها وجاذبيتها؟
بالنسبة لمد الأرض وبسطها في كل اتجاه بلا إنتهاء، وتكوير الليل والنهار، وتقليبهما، فهي أدلة غير مباشرة على تكوير الأرض. وهناك أدلة غير مباشرة تنفي ثبات الأرض وتثبت حركتها مثل آية كل في فلك يسبحون، وآية كل يجري لأجل مسمى، ويدخل في هذا الكل الليل والنهار، والزمن لا يجري ولا يسبح وإنما محل الزمن وهو الأرض هو الذي يسبح ويجري، وأيضاً آية تقليب الليل والنهار فالذي يتقلب هو محل الليل والنهار، أي الأرض، وآيات تثبيت الأرض بالجبال لمنع الميد، فلو كانت الأرض مسطحة ثابتة لما مادت، ولا احتاجت للجبال، وأما المتحركة فتميد في الحركة وتحتاج لتثبيت.
وأما الدليل المباشر على كروية الأرض وتقلبها نجده في وصف الأرض بكلمات مثل دحاها (والأرض بعد ذلك دحاها)، وكفاتا (ألم نجعل الأرض كفاتا)، وهي كلمات تصف الشكل والحركة أيضا، ودلالتها كالآتي:
دحاها، المفعول به هو الأرض، ومن معاني الدحو المد والبسط، والمد دال على التكوير، طالما الأرض ممتدة بلا نهاية، فلو كانت مسطحة لوصلنا لأطرافها ولانتهى المد.
ومن معاني الدحو التي تشير للتكوير، هو هذا التشبيه الجميل جدا بلعبة شهيرة عند العرب اسمها المداحي، وهي شبيهة بلعبة البلي في زماننا، حيث كان الأطفال يحفرون حفرة في الأرض (مدحاة) ويستخدمون قطع خشبية أو حجرية أقرب للتكوير، فيرمونها (يدحونها) على الأرض في اتجاه المدحاة (الحفرة)، فتدور حول محورها أثناء حركتها على الأرض، وعليه فدحو الأرض فيه تشبيه بحركة القطع الخشبية والحجرية عند القاءها، فنرى جسم فيه تكوير يدور حول محوره أثناء حركته.
يقول الزمخشري في الفائق في غريب الحديث، قال أبو رافع رضي اللّٰه عنه- كنت ألاعِبُ الحَسَن و الحسين (عليهما السلام) بالمَداحي وهي أحجار أمثال القِرَصَة يحفِرون حَفِيرة فَيَدْحُون بها إليها، و تسمى المَسَادِي و المرَاصِيع. و الدَّحْو: رَمْيُ الملاعب بالجوز أو غيره، و كذلك الزَّدْو، و السَّدْو.
وعليه فالدحو لم يثبت الشكل الكروي فقط، بل أثبت أيضاً حركة الأرض، ففي الدحو إلقاء وحركة تقلب حول محور، وهذا التقلب حول محور هو ما أشار الله في الدليل غير المباشر في تقليب الليل والنهار، وتكوير الليل والنهار.
وإليكم وصف الأرض باللفظ المعجز (كفاتا)، وقد استعملته العرب للدلالة على جذب الشيء وامساكه، وأيضا ليدل على الحركة بسرعة والدوران والتقلُب، فمن معانيها التي تذكرها المعاجم اللغوية كلسان العرب وتاج العروس:
١. معنى الدوران والتقلُب: الكفتُ تقلُب، وكَفَتَ الشيءُ: تقلَّب ظهرًا لبطن وبطنًا لظهر.
٢. معنى التحرك السريع: كَفَتَ الطائرُ وغيرُه: أَسرع في الطير وتقبَّض فيه. وتقول العرب مَرٌّ كَفِيتٌ وكِفاتٌ: يعني سريعٌ
وكَفَتَ يَكْفِتُ كَفْتاً وكِفاتاً: أَسْرَع في العَدْوِ والطَّيَران.
مما سبق يتبين لنا أن المعنى اللغوي لكلمة كفاتا يدل على الجاذبية، كما يدل على تقلُب الأرض وتحركها بسرعة كتقلب الكرة أثناء جريانها، وفي هذا جواب شافي لمن سأل كيف لا يسقط الناس والماء عن الأرض إذا كانت كرة مُتحركة، فنقول له قد جعلها الله كفاتا لكل ما عليها من الأحياء والأموات، وإذا كانت قادرة على جذب الحي المتحرك فهي أقدر على جذب الساكن، ولعل هذا هو السبب الذي جعل الله لا يذكر أن الأرض كفاتا للجمادات الساكنة، فكل ما على الأرض مكفوت أي أسير للأرض وممسوك بها، أثناء تقلبها بسرعة، وما يمنع ميدها أثناء التقلب بسرعة هو الجبال الرواسي.
■ ملحوظة
هذا الرد كان على عُجالة، وإن شاء الله هناك بحث تفصيلي لشكل الأرض في القُرآن، وآخر لحركتها، أسأل الله أن يعين على نشرهما قريباً.
د. محمود عبدالله نجا