كيف يكون ذلك ؟

ابن ماجد

New member
إنضم
28/12/2005
المشاركات
49
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
( يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا )

يستدل بهذه الآية الكريمة لمذهب أهل السنة والجماعة ويرد بها على مذهب المعتزلة

فكيف يكون ذلك ؟ جزاكم الله خيرًا
 
هذه الآية الكريمة هي الثامنة والخمسون بعد المائة من سورة الأنعام ، وتمام الآية :{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ } .
ومحل الشاهد في الآية هو قوله تعالى :{ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ } وليس الجزء الذي أورده الأخ السائل كما يبدو لي ، حيث إن الاختلاف في المقصود بـ {آيات ربك} بين المفسرين من باب اختلاف التنوع السائغ .
قال الشنقيطي في تفسيره لهذه الآية :( ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة إتيان الله جل وعلا وملائكته يوم القيامة ، وذكر ذلك في موضع آخر ، وزاد فيه أن الملائكة يجيؤون صفوفاً وهو قوله تعالى : { وَجَآءَ رَبُّكَ والملك صَفّاً صَفّاً } [ الفجر : 22 ] ، وذكره في موضع آخر ، وزاد فيه أنه جل وعلا يأتي في ظلل من الغمام وهو قوله تعالى : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغمام والملائكة } [ البقرة : 210 ] الآية ، ومثل هذا من صفات الله تعالى التي وصف بها نفسه يمر كما جاء ويؤمن بها ، ويعتقد أنه حق ، وأنه لا يشبه شيئاً من صفات المخلوقين . فسبحان من أحاط بكل شيء علماً { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } [ طه : 110 ] .)
وهذا هو تفسير السلف لهذه الآية ، إثبات صفة الإتيان والمجيء لله سبحانه وتعالى على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى ، دون الدخول في التكييف والتأويل لهذه الصفة .
وقد سئل العلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله عن مثل هذه المسألة فأجاب بقوله:
(أهل السنة والجماعة جعلنا الله منهم أشد الناس تعظيما لله عز وجل وأشد الناس احتراما لنصوص الكتاب والسنة فلا يتجاوزون ما جاء به القرآن والحديث من صفات الله عز وجل فيثبتون لله تعالى ما أثبته الله لنفسه وإن حارت العقول فيه وينفون ما نفى الله عن نفسه وإن توهمت العقول ثبوته مثال ذلك إن الله عز وجل فوق كل شيء فوق كل شيء أزلاً وأبدا وهو سبحانه وتعالى له العلو المطلق في كل وقت وحين فوق سماواته فوق مخلوقاته مستوي على عرشه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيأتي الشيطان لٌلإنسان ويقول كيف ينزل وعلوه لازم له كيف ينزل فنقول هذا يحار فيه العقل لكن يجب علينا أن نصدق ونقول الله أعلم بكيفية هذا نؤمن بأنه ينزل ولكن لا نعلم بالكيفية عقولنا تحار ولكن يجب أن نقبل لأن الله ليس كمثله شيء في جميع صفاته ولهذا قال بعضهم إن القرآن والسنة أتى بما تحار فيه العقول لا بما تحيله العقول فالواجب علينا في أسماء الله وصفاته تصديقها والإيمان بها وأنها حق وإن حارت عقولنا في كيفيتها فالجادة لأهل السنة والجماعة أن كل ما سمى الله به نفسه أو وصف به نفسه سواء في القرآن أو في السنة فإنه يجب الإيمان به وتصديقه.
قوله تعالى (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً) يأتي الإنسانَ الشيطانُ فيقول كيف يجيء فنقول يجيء على الكيفية التي أراد الله الكيف مجهول يجب عليك أن تؤمن بهذا حتى لو حار عقلك به مأمور بأن تصدق على كل حال ولذلك ضل قوم حكموا عقولهم في أسماء الله وصفاته فأنكروا ما أثبته الله لنفسه وحرفوا به نصوص الكتاب والسنة فقالوا إن معنى قوله تعالى استوى على العرش أي استولى على العرش فسبحان الله كيف يقول عز وجل خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش أفيمكن أن نقول إنه قبل ذلك ليس مستوياً عليه هذا أمر ينكره العامي فضلا عن طالب العلم لكن إذا حكم الإنسان عقله في الأمور التي تتوقع على الخبر المحض ضل وزل ولهذا ننصح إخواننا الذين يقولون استوي بمعنى استولي أن يتوبوا إلى الله عز وجل وأن يؤمنوا بأنه استوى على العرش إي علا عليه علوا خاصا يليق بجلاله وعظمته وليعلموا أن الله سائلهم يوم القيامة عما اعتقدوا في ربهم عز وجل وهل اعتقدوا ذلك بناء على كتاب الله وسنة رسوله أو بناء على ما تقتضيه أهواءهم وعقولهم إن نصيحتي لهؤلاء أن يتوبوا إلى الله وأسأل الله أن يتوب عليهم ويوفقهم للحق فليؤمنوا بما جاء في كتاب الله على مراد الله عز وجل وكذلك أيضا من قالوا أن الله ليس عاليا بذاته فوق المخلوقات وقالوا لا يجوز أن نقول إن الله فوق فنقول توبوا إلى ربكم أنتم الآن تدعون الله وتجدون قلوبكم مرتفعة إلى فوق وتمدون أيديكم أيضا إلى فوق دعوكم وفطرتكم فقط واتركوا عنكم الأوهام والأشياء التي تضلكم وإذا أنكرتم علو الله وقلتم إنه بذاته في كل مكان فكيف يليق هذا أيليق أن يكون الله تعالى في حجرة ضيقة ألا فليتق الله هؤلاء وليتوبوا إلى الله من هذه العقيدة الفاسدة الباطلة أخشى أن يموتوا فيلقوا ربهم على هذه العقيدة فيخسروا. )


في حين ذهب كثير من المفسرين الذين يذهبون إلى تأويل مثل هذه الصفات ، من أجل لوازم زعموا أنها تلزم من إثبات مثل هذه الصفة لله سبحانه وتعالى إلى القول بأن معنى { أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ } أي : إتيان أمره بالعذاب . فيجعلون هذا من باب حذف المضاف وهذا ليس منهج السلف .
وهذا القول ليس قول المعتزلة فحسب ، بل قولهم وقول الجهمية النفاة للصفات وكثير من الطوائف والفرق التي تنفي مثل هذه الصفات فراراً من التشبيه فيقولون: نحن نفر من التشبيه فلا نصفه بأي شيء، وهذا هو حقيقة التعطيل ،لأن التعطيل هو نفي الصفات وجحودها ، وتفصيل مثل هذه المسألة محله كتب العقيدة المطولة . بارك الله فيك ، ونفعنا وإياك بالعلم .
 
في الآية كما أشار السائل رد على المعتزلة في مسألةٍ تسمى عندهم (الإيمان الضروري) , وهو الكائن بعد معاينة الآيات والمعجزات , فهم أخذوا بظاهر هذه الآية وهو حق ثم عمَّموا ذلك على جميع الآيات وهذا محل الخلاف ,فهم يعتقدون أن من آمن بعد معاينة الآيات لا يستحق الجزاء بالجنة على إيمانه ,وهذا غير صحيح لأن إطلاق منع قبول الإيمان بعد مشاهدة الآيات في كل زمان يتنافى وإسلام من أسلم بعد انشقاق البحر والقمر ونبع الماء وتكثير الطعام وإحياء الموتى .
وقيل للمعتزلة أنه لا يجوز لهم التساؤل كيف يقبل الله إيمان قوم بعد مشاهدة الايات مثل قوم يونس , ولا يقبله من آخرين كفرعون ومن تقوم عليهم الساعة , لأن الله تعالى لا يُسأل عما يفعل فيقبل الإيمان ممن شاء ويرده على من شاء سبحانه وتعالى وتقدس.
وقد قرأت كلاما قبل فترة لابن حزم رحمه الله يتعلق بهذه المسألة واستدلالهم بنفس الآية ولعله يتيسر لي نقله لتعم الفائدة والله تعالى أعلم
 
جزاك الله خيراً يا شيخ محمود على هذه الفائدة ، فلم أطلع على هذه المسألة إلا الآن منك بارك الله فيك ، ولا حرمنا فوائدكم ، وليتك تزيدنا بياناً حول هذه المسألة . وجزى الله أخانا ابن ماجد خيراً على إثارته لهذه المسألة ابتداءً .
 
وفيك بارك الله يا دكتور/ عبد الرحمن.
أما الكلام الذي أردت نقله فقد تأخرت عن إضافته بسبب عدم توفرالكتاب حيث بحثت عنه في عدة مكتبات في الرياض ولم أجده , وأنا مررت بهذا الكلام في مكتبة الحرم النبوي منذ زمن, ثم تيسر لي الحصول عليه وسأنقل ما يخص مسألتنا بنصه والله المعين.

قال الإمام ابن حزم رحمنا الله تعالى وإياه في كتابه (الفصل في الملل والنحل)في باب سماه (الكلام في هل شاء الله عز وجل كون الكفر والفسق , وأراده من الكافر والفاسق أم لم يشأه ذلك ولا أراد كونه)
{قال أبو محمد:تباً لمن عارض أمر ربه تعالى واحتج عليه بل لله الحجة البالغة ولوشاء لأطعم من ألزمَنَا إطعامه , ولو شاء لهدى الكافرين فآمنوا ولكنه تعالى لم يرد ذلك , بل أراد أن يعذب من لا يطعم المسكين ومن أضله من الكافرين , لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون وحسبنا الله ونعم الوكيل , وقالت المعتزلة: معنى قوله تعالى {ولوشاء الله لجمعهم على الهدى }و {لآمن من في الأرض} وسائر الآيات التي تلوتهم : إنما لو شاء الله لاضطرهم إلى الإيمان فآمنوا مضطرين فكانوا لا يستحقون الجزاء بالجنة.
قال أبو محمد: وهذا تأويل جمعوا فيه بلايا جمة, أولها:أنه قول بلا برهان ودعوى بلا دليل وما كان هكذا فهو ساقط , ويقال لهم : ما صفة الإيمان الضروري الذي لا يُستَحق عليه الثواب عندكم ؟ وما صفة الإيمان غير الضروري الذي الذي يُستَحق به الثواب عندكم ؟
فإنهم لا يقدرون على فرق أصلاً , إلا أن يقولوا هو مثل ما قال الله عزوجل إذ يقول تعالى{يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها.....} ومثل قوله {قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم يُنظَرون} ومثل حالة المحتضر عند المعاينة التي لا يقبل فيها إيمانه وكما قيل لفرعون{آلآن وقد عصيت قبلُ}.
قال أبو محمد: فيقال لهم: كل هذه الآيات حق , وقد شاهدت الملائكة الآيات وتلك الأحوال ولم يبطل بذلك قبول إيمانهم .
فهلاَّ على أصولكم صار إيمانهم إيمان اضطرار لا يستحقون عليه جزاءاً في الجنة ؟
أم صار جزاؤهم عليه أفضل من جزاء كل مؤمن دونهم؟ وهذا لا مخلص لهم منه أصلاً.
ثم نقول لهم: أخبرونا عن إيمان المؤمنين إذا صح عندهم صدق النبي بمشاهدة المعجزات من شق القمر وإطعام النفر الكثير من الطعام اليسير ونبعان الماء الغزير من بين الأصابع وشق البحر وإحياء الموتى , وأوضح كل ذلك بنقل التواترالذي به صح ما كان قبلنا من الوقائع والملوك وغير ذلك مما يصير فيه من بلغه كمن شاهده ولافرق في صحة اليقين لكونه هل إيمانهم إلا إيمان يقين قد صح عندهم وأنه حق لم يتخالجهم فيه شك فإن علمهم به كعلمهم أن ثلاثة أكثر من اثنين, وكعلمهم ما شاهدوه بحوسهم في أنه كله حق وعلموه ضرورة أم إيمانهم ذلك ليس يقينا مقطوعا بصحة ما آمنوا به عنده كقطعهم على صحة ما علموه بحواسهم؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث .
فإن قالوا: بل هو الآن يقين قد صح علمهم بأنه حق لامدخل للشك فيه عندهم كتيقنهم صحة ما علموه بمشاهدة حواسهم , قلنا لهم: نعم هذا هو الإيمان الاضطراري بعينه , وإلا ففرقوا هذا الذي موهتم بأنه لا يُستَحق عليه من الجزاء كالذي يستحق على غيره , وبكل تمويهكم بحمد الله تعالى إذ قلتم إن معنى قوله تعالى{لجمهم على الهدى}و{لآمن من في الأرض} انه كان يضطرهم إلى الإيمان فإن قالوا: بل ليس إيمان المؤمنين هكذا ولا علمهم بصحة التوحيد والنبوة على يقين وضرورة . قيل لهم: قد أوجبتم أن المؤمنين على شك في إيمانهم وعلى عدم يقين في اعتقادهم ,وليس هذا إيمانا بل كفر مجرد ممن كان دينه هكذا ,فإن كان هذا صفة إيمان المعتزلة فهم أعلم بأنفسهم , وأما نحن فإيماننا ولله الحمد إيمان ضروري لا مدخل للشك فيه كعلمن أن ثلاثة أكثر من اثنين ,وإن كان بناءاً فمبني , وكل من أتى بمعجزة فمُحِقٌّ في نبوته ولا نبالي إن كان ابتداء علمنا استدلالاً أم مدركا بالحواس إذا كانت نتيجة كل ذلك سواء في صحة الشيء المعتقد وبالله تعالى التوفيق.
ثم نسألهم عن الذين يرون بعض آيات ربنا يوم لا ينفع نفسا إيمانها , أكان الله تعالى قادراً على أن ينفعهم بذلك الإيمان ويجزيهم عليه جزائه لسائر المؤمنين أم هو تعاى غير قادرٍ على ذلك؟؟
فإن قالوا:بل هو قادرٌ على ذلك رجعوا إلى الحق والتسليم لله عز وجل ,وأنه تعالى منع من شاء وأعطى من شاء , وأنه تعالى أبطل إيمان من آمن به عند رؤية بعض آياته , ولم يبطل إيمان من آمن به عند رؤية آية أخرى ,وكلها سواءٌ في باب الإعجاز.
وهذا هو المحاباة المحضة والجور البين عند المعتزلة , فإن عجزوا ربهم تعالى عن ذلك أحالوا وكفروا وجعلوه تعالى مضطراً مطبوعاً محكوماً عليه تعالى الله عن ذلك.
قال أبو محمد: وقد قال عز وجل{إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} فهؤلاء قوم يونس لما رأوا العذاب آمنوا فقبل الله عز وجل إيمانهم , وآمن فرعون وسائر الأمم المعذبة لما رأوا العذاب فلم يقبل الله عز وجل منهم , ففعلَ اللهُ تعالى ما شاء لا معقب لحكمه, فظهر فساد قولهم في أن الإيمان الاضطراري لا يستَحَق عليه جزاءٌ جملةً , وصحَّ أن الله تعالى يقبل إيمان من شاء ولا يقبل إيمان من شاء ,ولا مزيد..
}3/88-89
 
عودة
أعلى