كيف يكون الغم بعد غم ثوابا في قوله تعالى: [فأثابكم غما بغم]؟

د محمد الجبالي

Well-known member
إنضم
24/12/2014
المشاركات
400
مستوى التفاعل
48
النقاط
28
الإقامة
مصر
قال الله عز وجل:
(فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ)
كيف يكون الغم بعد غم ثوابا؟!

إن الثواب إنما يكون عطاء خير ومكافأة.
فلماذا استعمل لفظ (أثابكم) ولم يقل جازاكم أو عاقبكم وهو الملائم للغم بعد غم؟

ذهب بعض المفسرين إلى أن هذا من باب التهكم والسخرية من المؤمنين،
وإن قلبي يأبى ويرفض هذا التأويل؛
لأن المخاطبين في الآية هم الثلة المؤمنة المنتصرة لله ولرسوله وإن أخطئوا.

وإني أرى حكمة بالغة لاستعمال فعل (أثاب) بدلا من جازى أو عاقب وهي:

إن الحادث (هزيمة أحد) وإن كان عقابا، فهو تربية وتدريب وتهذيب للمؤمنين، فاشتد عليهم ربهم في الحال والحادث والعقاب وخفف عنهم في الخطاب.

ونلاحظ ذلك في ألفاظ وتعبيرات ومعاني هذه الآية وما قبلها وما بعدها رغم معصيتهم ومخالفتهم إلا أن الله عز وجل تلطف بهم في الخطاب تلطفا عظيما،
فالحال والحادث شديد لكن الله برحمته بهم لم يشتد عليهم في التعنيف والتأنيب.

وتأملوا معي تعبيرات الآيات:
(وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ ۚ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)
[سورة آل عمران 152]

تأملوا ألفاظ الآية ورقتها، فلا زجر ولا شدة ولا تعنيف إنما هو تأنيب رقيق،
ثم تختم الآية ب: (وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)

ثم تأتي الآية موضع البحث:
(إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ ۗ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)

الآية تصف الحال والحادث دون اشتداد ودون تعنيف وإنما تأنيب رقيق لطيف رغم قسوة الحدث،
ثم نجد الله الرحيم بالمؤمنين يخاطبهم قائلا: (فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ)
فمن رحمة الله بهم أن جعل الغم الذي تتابع عليهم (هزيمة أحد، وضياع الغنائم التي انشغلوا بها، ثم خبر كاذب (قتل رسول الله) كان عليهم كالصاعقة،
جعل الله هذه الغموم المتتابعة ثوابا أذهب به عنهم كل الغموم.

ثم اسمع لربك ماذا يقول لهم: (لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ)
ما أجمل ذلك!
وما أعظم العقاب الذي يُذْهِبُ الحزن ويُذْهِبُ أثر وألم المصيبة، فحين يكون العقاب على هذه الهيئة فهو إذن ثواب وليس عقابا، فكان اللائق به أن يقال: (أثابكم).

ثم انظروا معي للآية التالية وبما بدأت:

(ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِنْكُمْ)
[سورة آل عمران 154]

إنها رحمة أنزلها عليهم رأفة بهم بعدما تتابعت عليهم الغموم والآلام فرزقهم النوم حتى يستريحوا من عناء التعب والهم والغم والجراح.

وكل ذلك لا يلائمه إلا الفعل: (أثابكم)
والله أعلم.

أخوكم د. محمد الجبالي
 
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
من نعم الله علينا أن رزقنا الإسلام و هدانا للإيمان فله الحمد و له الثناء الحسن.
فمع أن كتاب الله هو كتاب له بداية و له نهاية إلا أنه معجز ليس كأي كتاب من حيث أن كلماته أكثر مما يحتويه أي كتاب !
( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مددا)
فسبحان الله الذي علم الإنسان ما لم يكن يعلم و فقه الناس لاستنباط المعاني الجميلة التي يسرها الله للذكر لعل الناس تتذكر.
جزاك الله خيرا دكتور محمد الجبالي و بارك الله بك إذ عشت مع هذه الكلمات لحظات جميلة شعرت فيها بما شعر به صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم من تأنيب نفس لفوات نصر بسبب أن منهم من أراد الدنيا و منهم من أراد الآخرة .
لذا يقول الله عز و جل : ( و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم )
فعلى الأمة إن أرادت النصر أن تجتمع على أن تريد الآخرة لأن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص.
اختل البنيان فسقطت الأمة !
 
عودة
أعلى