(وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَأ َهْوَآءَهُمْ بَعْدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) [البقرة:120].
(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ) [المائدة:82].
التوفيق بين الآيتين الكريمتين أن يقال: إن اليهود والنصارى على السواء من حيث عدم الرضا بعقيدة المسلمين، وعدم رضا النصارى لا يتعارض مع كونهم أقرب مودة من اليهود والمشركين للمسلمين، فقد جاء التعبير القرآني بصيغة أفعل التفضيل (أقربهم)، فلا يعني أنهم يكنون المودة للمسلمين، ولكنهم أفضل من غيرهم، فاليهود والمشركون على أشد درجات العداوة للمسلمين، ـ كما هو ثابت في التاريخ ـ ، لذلك جاء "التعبير بقوله سبحانه وتعالى: {ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَـٰرَىٰ} دون النصارى إشعاراً بقرب مودتهم حيث يدعون أنهم أنصار الله تعالى وأودّاء أهل الحق وإن لم يظهروا اعتقاد حقية الإسلام" [روح المعاني].
وقال أبو حيان: "{ ولتجدنّ أقربهم مودّة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى } أي هم ألين عريكةً وأقرب ودًّا.ولم يصفهم بالودّ إنما جعلهم أقرب من اليهود والمشركين، وهي أمّة لهم الوفاء والخلال الأربع التي ذكرها عمرو بن العاص في صحيح مسلم، ويعظمون من أهل الإسلام من استشعروا منه ديناً وإيماناً، ويبغضون أهل الفسق، فإذا سالموا فسلمهم صافٍ، وإذا حاربوا فحربهم مدافعة، لأن شرعهم لا يأمرهم بذلك، وحين غلب الروم فارس سُرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لغلبة أهل الكتاب لأهل عبادة النار، ولإهلاك العدوّ الأكبر بالعدوّ الأصغر إذ كان مخوفاً على أهل الإسلام، واليهود ليسوا على شيء من أخلاق النصارى، بل شأنهم الخبث والليّ بالألسنة، وفي خلال إحسانك إلى اليهودي يترقب ما يغتالك به ألا ترى إلى ما حكى تعالى عنهم
{ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأمّيين سبيل}، وفي قوله تعالى: {الذين قالوا إنا نصارى} إشارة إلى أنهم ليسوا متمسكين بحقيقة النصرانية، بل ذلك قول منهم وزعم . . . وظاهر الآية يدلّ على أنّ النصارى أصلح حالاً من اليهود وأقرب إلى المؤمنين مودة" أ.هـ.