سامي القدومي
New member
المستوى الأول
-
المتطلبات المسبقة لطالب التفسير في المستوى الأول
1- إتقان تلاوة القرآنفلا ينبغي أن يتفرّغ من لا يستطيع إتقان تلاوة القرآن لدراسة التفسير ، بل عليه أن يتفرّغ لتعلم تلاوة القرآن أولاً ، ولا يعني هذا أن نمنعه من البحث عن معنى آية أو السؤال عنها ، بل الذي أعنيه هو التفرُّغ لدراسة التفسير من سورة الفاتحة إلى سورة الناس .
2- الثقافة اللغوية .
لا بد لمن يريد أن يدرس التفسير أن يكون ذا ثقافة لغوية ، ولو كانت متواضعة في بداية الأمر فلا ضير في ذلك ، فعلى سبيل المثال : عليه أن يعرف من النحو الفاعل والمفعول به والجار والمجرور وهكذا ... ، وهذا دون التعمّق .
3- القدرة على الفهم والتلخيص .
أي يستطيع فهم الكلام إذا قرأ ، ولكن من لا يمتلك القدرة على الفهم الابتدائي ، فهذا لا يملك القدرة على دراسة التفسير .
4- حفظ معاني القرآن من كتاب (كلمات القرآن تفسير وبيان) لمحمد حسنين مخلوف ) (1355 هـ = 1936 م) ، ويستطيع الدارس أن يحفظ المعاني من أي كتاب مختصر لمعاني القرآن ، وهي كثيرة.
وسبب حفظ المعاني مع دراسة التفسير أن الأسلوب الإنشائي يخفي خلفه وضوح معنى المفردة القرآنية .
5- دراسة (مقدمة التفسير) لابن تيمية . والاستعانة بأي شرح لها ، وللشيخ محمد صالح العثيمين شرح لـ (مقدمة التفسير) لابن تيمية ، وكذلك دراسة كتاب (أصول التفسير) لابن عثيمين . ودراسة هذه الكتب لتوسيع الأفق ، وتهيئة الأرضية العلمية قبل التوسّع فيها .
كتب التفسير في المستوى الأول
أنصح بدراسة تفسير (زبدة التفسير) لمحمد الأشقر رحمه الله ، وأنصح بدراسته للأمور التالية :
الأول : اختصاره المقبول ، فليس بالاختصار المـُخل .
الثاني : دقة عبارته ووضوحها ، وينتج عن هذا سهولة فهم عباراته .
الثالث : أصل الكتاب جمع النقل والاجتهاد ، وأصله هو كتاب (فتح القدير) للشوكاني .
الرابع : مؤلفه معاصر يكتب بلغة عصره ، فلا يستخدم الاصطلاحات والعبارات المركَّزة .
الخامس : مارس مؤلفه التدريس الجامعي المنهجي والتعليم المدرسي، فهو على معرفة بطريق إيصال المعلومة .
السادس : وهو مهم أيضاً ، وهو خلوه من المخالفات العقدية ، ما يجعله كتاباً آمناً للمبتدئين .
السابع : أنه مطبوع على حاشية المصحف ، وهذا يسهّل مراجعة التفسير وقت قراءة القرآن .
ومنهج المؤلف يظهر من مقدمته ، يقول مؤلفه رحمه الله تعالى :
"وبعد ، فإني رأيت تفسير العلامة الشوكاني المسمى (فتح القدير الجامع بين فني الدراية والرواية من علم التفسير) من خير ما أنتجته قرائح العباقرة في بيان معاني الكتاب العزيز، فإن مؤلفه - رحمة الله عليه ومغفرته ورضوانه - كان من خيار حملة العلم المتين، علم الدين القويم، فقد جمع بين العلم بالكتاب المبين، والبصيرة في سنة النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، والفقه في الشريعة وأحكام الدين، وأتقن فروع الفقه وأصوله، واللغة وعلومها، ومارس الفتيا والقضاء، مع اتباع لمنهج السلف الصالح في العمل والاعتقاد، جمع هذا مع روح وثابة، وحماس قل نظيره، في النصح لقومه أهل اليمن وللمسلمين، ودعوتهم إلى الحق الصريح، وتنفيرهم من العقائد المنحرفة، والبدع المضلة، عزف عن التقليد، ولم يرض لنفسه درجة أقل من الاجتهاد والتحقيق، وكان له في الاجتهاد والتحقيق جولات موفقة، وحملات مسددة، يشهد بذلك كل منصف اطلع على ما خلّفه هذا البحر في العلوم الإسلامية، من الأعلام الشوامخ، والآثار الخوالد ، التي أصبحت موضع ثقة أهل العلم في المشارق والمغارب، فجاء تفسيره بحمد الله شاهداً على كل ذلك، وتركزت فيه نظراته الثاقبة، ومواهبه العالية.
وقد كنت توليت تدريس تفسير الشوكاني - رحمه الله - لطلبة العلم في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، فأخذت بفضله وتحقيقه، وتمكنه من جلاء مفهوم الكتاب ومنطوقه، وبيان ما فيه من الإشارات، وخفي الدلالات، وقد عنّ لي أن الذي يصرف عامة الناس عن تفسيره، طول باعه في التحليلات اللغوية، وطول نفسه في مناقشة الأقوال غير المرضية، وفي توجيه القراءات المختلفة القرآنية.
وقد أردت خدمة الكتاب العزيز باختصار تفسيره هذا، لتقريب النفع به لعامة المسلمين، فاختصرته على قول واحد في تفسير الآية غالباً ، هو أولى الأقوال بالصحة، وأقربها إلى المعنى المتبادر من الآية دون تكلف، وتجاوزت التحليل اللغوي، فذكرت مباشرة المعنى الذي تؤول إليه الآية، واقتصرت عند اختلاف القراءات على التفسير الموافق لقراءة حفص، وأخذت من قسم الدراية، دون قسم الرواية، إذ كان الشوكاني - رحمه الله - يدخل في قسم الدراية حاصل معنى المرويات التي يجمعها في آخر بحثه، ولكن ذكرت قليلاً من المرويات مما رأيت له ميزة خاصة في جلاء معنى الآية.
وحرصاً على تعميم الاستفادة منه، وتقريب النفع به لغير المختصين، تجنبت - قدر الطاقة - التعبيرات الاصطلاحية اللغوية والمنطقية، وغيرها من الاصطلاحات الفنية، وربما زدت على الكلام الأصل ـ بين معقوفين غالباً ـ ما رأيت الحاجة ماسة لذكره، وجزى الله خيراً أخاً ينبهني إلى خطأ إن وجده في هذا المختصر، وأخاً ينتفع بما فيه من الصواب، فيدعو لي من وراء الغيب دعوة خير" . (زبدة التفسير ، لمحمد الأشقر ، ص 5)
وهذا مثال من كتاب (زبدة التفسير) حتى يظهر أسلوبه جلياً :
"(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) العدل الإنصاف بين الناس وعدم تفضيل بعضهم على بعض بالحكم لهم أو عليهم إلا بحق يوجب لهم ذلك ، ومن العدل التوسط بين طرفي الإفراط و التفريط ، والإحسان التفضل بما لم يجب ، كصدقة التطوع وما يثاب عليه العبد ، مما لم يوجبه الله عليه في العبادات وغيرها ، (وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) إعطاء القرابة ما تدعو إليه حاجتهم (وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ) هي الخصلة المتزايدة في القبح من قول أو فعل كالزنى والبخل (وَالْمُنْكَرِ) ما أنكره الشرع بالنهي عنه ، وهو يعم جميع المعاصي (وَالْبَغْيِ) وهو الكبر والظلم (يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) بما ذكره في هذه الآية مما أمركم به و نهاكم عنه ، فتتعظون بما وعظكم الله به " (زبدة التفسير بهامش مصحف المدينة المنورة ، ص 277)
ولا بد من معرفة منهج الشوكاني في تفسيره حتى تتضح ميزات تفسير (زبدة التفسير) ، قال الشوكاني (1250 هـ) في مقدمة تفسيره :
"ولما كان هذا العلم بهذه المنزلة الشافخة الأركان العالية البنيان المرتفعة المكان ، رغبت إلى الدخول من أبوابه ونشطت إلى القعود في محرابه والكون من أحزابه ، ووطنت النفس على سلوك طريقة هي بالقبول عند الفحول حقيقة ، وها أنا أوضح لك منارها وأبين لك إيرادها وإصدارها فأقول :
إن غالب المفسرين تفرقوا فريقين ، وسلكوا طريقين : الفريق الأول اقتصروا في تفاسيرهم على مجرد الرواية وقنعوا برفع هذه الراية ، والفريق الآخر جردوا أنظارهم إلى ما تقتضيه اللغة العربية وما تفيده العلوم الآلية ، ولم يرفعوا إلى الرواية رأساً ، وإن جاءوا بها لم يصححوا لها أساساً ، وكلا الفريقين قد أصاب وأطال وأطاب ، .... وبهذا تعرف أنه لا بد من الجمع بين الأمرين وعدم الاقتصار على مسلك أحد الفريقين ، وهذا هو المقصد الذي وطنت نفسي عليه ، والمسلك الذي عزمت على سلوكه - إن شاء الله - مع تعرضه للترجيح بين التفاسير" (فتح القدير ، للشوكاني : 1/ 12)
طريقة الدراسة التفصيلية
وأما عن طريقة الدراسة التفصيلية لتفسير (زبدة التفسير) فيمكن إجمالها في ما يلي :
أولاً : حفظ معاني القرآن من كتاب (كلمات القرآن تفسير وبيان) لمحمد حسنين مخلوف ، وللدارس اختيار طريقة حفظ المعاني ، هل يحفظها لصفحات ثم يدرس (زبدة التفسير) أو يحفظها لسورة ، أو يحفظها للقرآن كاملاً وبعده دراسة التفسير .
وإن كنت أحبذ حفظ المعاني لصفحات ثم دراسة التفسير ، حتى لا تتسع المادة ولا تمل النفوس ، ولكن لا بد أن يكون حفظ المعاني في وقت ودراسة التفسير في وقت آخر ، حتى يكون الحفظ أثبت ، فإنك إن حفظ المعاني ودرست التفسير في نفس الجلسة فكأنك قمت بالحفظ مرة واحدة ، بينما لو حفظت المعاني وبعد ثماني ساعات أو أكثر راجعت المعاني ودرست التفسير ، فأنت بذلك حفظت مرتين لا مرة واحدة .
وعند دراسة التفسير لا بد أن نقرأ الآية بتدبر قبل دراستها ، وبعدها نتفكّر في معناها بما نستطيع ، ونقوم بتلخيص ما أدانا إليه اجتهادنا في فهم الآية ، ثم نقرأ التفسير ، ونلخص ما فهمناه من التفسير ، مع المقارنة بين فهمنا الأول وبين ما في التفسير . وهذه الطريقة هي أثبت للفهم ، وملخصها تحريك ذهن الدارس إلى ما سيتعلمه قبل تعلُّمه ، وهذا من أساليب التعلُّم الناجحة والمجربة .
وليكن همك في هذه المرحلة أن تفهم وجهاً واحداً للتفسير ، ولكن هذا لا يمنع أن تتوسع في بعض الآيات عند حصول إشكال في فهمها ، ولكن الصبغة الغالبة هي الالتزام بالمنهج .
كيف تقيّم نفسك في هذه المرحلة ؟
وبعد الانتهاء من دراسة التفسير أول مرة ، لا بد من الرجوع مرة ثانية بنفس الطريقة السابقة ، فإن وجدت أن تفسيرك للآية قبل قراءة التفسير مطابق لمعنى التفسير ، وذلك في القرآن كله ، فعندئذ تنتقل إلى المرحلة الثانية ، وإلا فارجع إلى دراسة ما أخطأت فيه من التفسير حتى تتمكن منه . للفائدة : أسماء بعض الكتب المختصرة في التفسير :
1- الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ، للإمام علي بن أحمد الواحدي (ت 468) هـ
2- المنتخب في تفسير القرآن الكريم ، تأليف لجنة القرآن والسنة بوزارة الشؤون الإسلامية بمصر .
3- التفسير المختصر الصحيح للدكتور حكمت بشير ياسين (معاصر)
4- (التفسير الميسر) تأليف مجموعة من المؤلفين ، إصدار مجمع الملك فهد .
5- (التفسير الواضح الميسر) للشيخ محمد بن علي الصابوني .
6- (تفسير وبيان) للدكتور محمد حسن الحمصي ، مطبوع على حاشية المصحف ، طباعة دار الرشيد .
المصدر :كتاب (كيف ندرُس علم تفسير القرآن - المرحلية والأسلوب )