كيف قال الله تعالى:" قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ"؟

إنضم
12/01/2013
المشاركات
701
مستوى التفاعل
21
النقاط
18
العمر
52
الإقامة
مراكش-المغرب
كيف قال الله تعالى:" قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ"؟

بسم1

كيف قال الله تعالى:" قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ"؟

يقول الله تعالى في سورة الأنعام:" قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ".
كم وكم قرأت هذه الآية لكن لم توقفني إلا مؤخرا، قلت في نفسي كيف قال الله تعالى ذلك وقد وحده في ربوبيته كل الخلائق إلا القليل...

فالمشركون يقرون بربوبيته ويعترفون بأنه الرب لا رب سواه، كما أخبر الله تعالى بذلك في كثير من الآيات:
"قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ"-المؤمنون-
"وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61)"-العنكبوت-
"وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ"-الزمر-
"وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87)"-الزخرف-
فأهل الشرك يوحدون الله في ربوبيته لكن يشركون معه في ألوهيته، مع أن توحيد الربوبية يلزمهم بتوحيد الألوهية إذ كيف يقرون بأن الله هو الخالق المالك المدبر ثم يعبدون معه غيره؟؟
كما قال تعالى:" وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)"-يوسف-
"قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42)"-الروم-، أي مشركون في ألوهيته مع توحيدهم له في ربوبيته.

فمقتضى الحال والواقع أن يقال لهم:"قل أغير الرب أبغي إلاها" أي أغير الخالق الفاطر المالك المدبر الرزاق رب العالمين أتخذ إلاها فأعبده دون الرب سبحانه؟؟؟

والذي ظهر لي –والله أعلم- أنه لما كان كثير من المشركين يصرفون إلى أوثانهم أصنافا من الأدعية التي تدخل في مقتضى الربوبية، فيسألونهم الرزق والولد والمال والعون والمدد وغير ذلك مما لا يقدر عليه إلا الرب سبحانه ناسب أن يخاطبوا بذلك الخطاب، حيث أنهم بالرغم من اعتقادهم أنه لا رب إلا الله فإنهم يسألون الأوثان من قبور وأضرحة وغيرها ما لا يملكه إلا الرب سبحانه، فكم من امرأة عقيمة تسأل القبر الولد وكم من فقير يسأله المال وكم من عليل يسأله الصحة والعافية، وهذه كلها تتعلق بتوحيد الربوبية.

وهناك من أهل التفسير من حملها على المعنى المشهور أي الإنكار عليهم بالإشراك في الألوهية، قال الثعالبي رحمه الله تعالى في تفسيره:"فكأنه قال أفيحسن عندكم أن اطلب إلها غير الله الذي هو رب كل شيء"- الجواهر الحسان في تفسير القرآن:1/572-
وقريب منه قول الخازن في تفسيره الموسوم: لباب التأويل في معاني التنزيل:" ( قل أغير الله أبغي رباً ( أي : قل يا محمد لهؤلاء الكفار من قومك أغير الله أطلب سيداً أو إلهاً ) وهو رب كل شيء ( يعني وهو سيد كل شيء ومالكه لا يشاركه فيه أحد"-2/207-.

ومن المفسيرين من حملها على الجمع بين إخلاص العبادة والتوكل، فقوله تعالى:" أغير الله" فيه أمر بإخلاص العبادة له سبحانه، وقوله:" أبغي ربا" فيه أمر بإخلاص التوكل عليه جل في علاه.
يقول الحافظ رحمه الله تعالى:" { قُلْ } يا محمد لهؤلاء المشركين بالله في إخلاص العبادة له والتوكل عليه: { أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا } أي: أطلب ربا سواه، وهو رب كل شيء، يَرُبّنِي ويحفظني ويكلؤني ويدبر أمري، أي: لا أتوكل إلا عليه، ولا أنيب إلا إليه؛ لأنه رب كل شيء ومليكه، وله الخلق والأمر. هذه الآية فيها الأمر بإخلاص التوكل، كما تضمنت الآية التي قبلها إخلاص العبادة له لا شريك له. وهذا المعنى يقرن بالآخر كثيرًا [في القرآن] كما قال تعالى مرشدًا لعباده أن يقولوا: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة : 5] ، وقوله { فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } [هود : 123] ، وقوله { قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا } [الملك : 29] ، وقوله { رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا } [المزمل : 9] ، وأشباه ذلك من الآيات."- تفسير ابن كثير:3/383-.

وأما إمام المفسرين أبو جعفر رحمه الله تعالى فقد فسر الرب في الآية بالسيد، فقال في تفسير الآية:" يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:(قل)، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان، الداعيك إلى عبادة الأصنام واتباع خطوات الشيطان (أغير الله أبغي ربًّا)، يقول: أسوى الله أطلب سيدًا يسودني ؟ (وهو رب كل شيء)، يقول: وهو سيد كل شيء دونه ومدبّره ومصلحه."-جامع البيان:12/286-.

والله أعلم وأحكم.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين اما بعد جزاكم الله تعالى خيرا الاستاذ الفاضل ناصر عبد الغفور على نظركم في كتاب الله تعالى وحسن التأمل ..
ولو نظرنا إلى الآيات التي قبلها فسوف نرى سبب سؤالكم
(
قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(161)قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ۚ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) )
(رَبِّي)في الآية 161 ونفى الشرك (وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) و لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين في الآية(162) مع إخلاص العبادة
فناسب أن قال في الآية 164
(قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا ) وقد نفى الشرك في الآية 163
(
لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)

والله تعالى اعلم .
 
جزاك الله خيرا أخي البهيجي لكن أرى أن السؤال يضل واردا إلا أن يقال بحمل الآية على المشركين الذين يتوجهون إلى أوثانهم بما اختص به (الرب) سبحانه من سؤال الرزق والولد والتوفيق وغير ذلك مما هو من مقتضى ربوبيته سبحانه.
فمعلوم أن الألوهية تتعلق بأفعال العباد نحو الله تعالى -من صلاة وصيام وحج وذكر وغير ذلك-، في حين أن الربوبية تتعلق بأفعاله سبحانه اتجاه عباده -من خلق وإحياء ورزق وسداد وتدبير وغيرها-.
وصلاح العقيدة يقتضي بالتالي سؤال هذه الأمور المنتدرجة في توحيد الربوبية من الله تعالى وحده لا أن تصرف إلى آلهة باطلة ليس لها من الربوبية نصيب.
كما قرره الله تعالى في كثير من الآيات، من ذلك قوله تعالى:"إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195) "-الأعراف-.

فلسان حال من يصرف ما اختص به الرب سبحانه إلى الأوثان أن هذه الأوثان لها نصيب من الربوبية، لذا قال تعالى:" قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ".

والله أعلم وأحكم.

وقد وقفت -ولله الحمد والمنة- على تفسير يوافق ما قلت:
يقول علامة الحجاز السعدي رحمه الله تعالى:" { قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ } من المخلوقين { أَبْغِي رَبًّا } أي: يحسن ذلك ويليق بي، أن أتخذ غيره، مربيا ومدبرا والله رب كل شيء، فالخلق كلهم داخلون تحت ربوبيته، منقادون لأمره؟".فتعين علي وعلى غيري، أن يتخذ الله ربا، ويرضى به، وألا يتعلق بأحد من المربوبين الفقراء العاجزين."-تيسير الرحمن:282-.

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات.
 
عودة
أعلى