كيف تعامل المفسرون مع المتشابهات ؟

زمزم بيان

New member
إنضم
27/02/2012
المشاركات
569
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
جدة
الموقع الالكتروني
bayian.blogspot.com




فهم معاني القرآن هدف عزيز، و تحقيق هذا الهدف يتأتى بمعرفة الوسائل المعينة على ذلك، ثم بذل الجهد و الوقت بعد طلب العون من الكريم في تدبر و فهم هذه الوسائل. و علم المتشابه أحد العلوم التي ينبغي معرفتها لفهم معاني القرآن. و المتشابه في القرآن على ثلاثة أنواع[1]: التشابه من جهة اللفظ، و التشابه من جهة المعنى، و التشابه من جهة اللفظ و المعنى. و المتشابه من جهة اللفظ ينقسم إلى المتشابه اللفظي الذي يشكل على الحفاظ[2]،و المتشابه اللفظي الذي تتغاير فيه أبنية الكلام و القصص، و الآيات التي يتغير ترتيبها في التقديم و التأخير، و الإيجاز و التأكيد إلى غير ذلك من أنواع المتشابه[3]، و هو موضوع هذا المقال.

اعتنى المفسرون بتوجيه هذا النوع، و بيان أسراره العلمية، و ما فيه من وجوه الإعجاز اثناء تفسيرهم للآيات على تفاوت منهم في الاعتناء، منهم الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري و محمد بن الحسن الرازي الملقب بفخر الدين و أبو الفرج عبدالرحمن بن علي الجوزي[4].

و يمكن القول –اجمالًا- أن منهج المفسرين في التعامل مع المتشابهات يعتمد على التحليل و المقارنة بين الآيات، بتحليل ألفاظ الآيات المتشابه تحليلًا لغويًا، أو صرفيًا، أو نحويًا، أو بلاغيًا، مع عقد مقارنة بين الآيات المتشابه في سياقها، و النظر إلى معنى الآيات المتشابه في سياقها.

و مثال توجيه للمتشابه بناءً على معنى الآية ما أورده ابن عطية في تفسير قول الله تعالى:( كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون) [التكاثر:3،4]،قال ابن عطية:" وقوله تعالى: (كلا سوف تعلمون) زجر ووعيد ثم كرر تأكيدا، ويأخذ كل إنسان من الزجر والوعيد المكررين على قدر حظه من التوغل فيما يكره، هذا تأويل جمهور الناس، وقال علي بن أبي طالب: "كلا ستعلمون في القبور ثم كلا ستعلمون في البعث"، وقال الضحاك: الزجر الأول وعيده هو للكفار والثاني للمؤمنين."[5]

و مثال توجيه للمتشابه باستخدام التحليل النحوي ما أورده الزمخشري في الكشاف في تفسير قول الله تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم ...) [الكهف: 22]. قال الزمخشري: " فإن قلت: فما هذه الواو الداخلة على الجملة الثالثة، ولم دخلت عليها دون الأولين ؟ قلت: هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة، كما تدخل على الواقعة حال عن المعرفة في نحو قولك: جاءني رجل ومعه آخر. ومررت بزيد و في يده سيف. ومنه قوله تعالى: (وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم) [الحجر:4] وفائدتها تأكيد لصوق الصفة بالموصوف، والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت."[6]

مما تقدم يتبين أن تطبيقات علوم القرآن و منها علم المتشابه منثورة في كتب التفسير، و هذا يؤكد أن كتب التفسير هي المجال الرحب لتطبيق علوم القرآن.






1. "دراسات في علوم القرآن الكريم"، د.فهد بن عبدالرحمن الرومي، 1/395.


2. "درة التنزيل و غرة التأويل" محمد بن عبدالله الأصبهاني ، المعروف بالخطيب الإسكافي، 1/56،64.


3. المصدر السابق، 1/58.


4. "درة التنزيل و غرة التأويل" محمد بن عبدالله الأصبهاني ، المعروف بالخطيب الإسكافي، 1/82.


5. "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" أبو محمد عبدالحق بن تمام بن عطية الأندلسي، 5/518.



6. "الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل" أبو القاسم محمود بن أحمد الزمخشري، 1/713.


 
عودة
أعلى