كيف التوفيق بين آية النحل (97) وآية فاطر(34)؟

إنضم
12/01/2013
المشاركات
701
مستوى التفاعل
21
النقاط
18
العمر
52
الإقامة
مراكش-المغرب
بسم1

كيف التوفيق بين آية النحل (97) وآية فاطر(34)؟

قال الله تعالى:" مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"–النحل:97-.

هذا وعد منه سبحانه –ووعده لا يخلف- بأن من كان من أهل الإيمان وصالح الأعمال يحيى حياة طيبة سعيدة " وذلك بطمأنينة قلبه وسكون نفسه وعدم التفاته لما يشوش عليه قلبه"[SUP]([/SUP][1][SUP])[/SUP]، وقد روي عن حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما في:" قوله( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) قال: السعادة"[SUP]([/SUP][2][SUP])[/SUP].
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى:" والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت"[SUP]([/SUP][3][SUP])[/SUP].

لكن هؤلاء الذين وعدهم الله تعالى بالحياة الطيبة في دنياهم سيحمدون الله تعالى عند دخولهم إلى الجنان أن أذهب عنهم ما كانوا فيه من أحزان، قال تعالى:" وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ" –فاطر:34-، والحزن ضد السعادة، ولا تطيب الحياة به.

فكيف التوفيق بين ما وعدوا به في الدنيا من طيب الحياة وبين ما سيحمدون الله عليه من ذهاب الأحزان؟

من أوجه الجمع:

1- المراد بالحزن في آية فاطر ليس الحزن القابض للقلب المنغص للعيش...وإنما هو الإشفاق والخوف الذي كان ملازما لهم،كما وصفهم الله تعالى بذلك في أكثر من موضع، قال جل في علاه:" { قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ } "أي: قد كنا في الدار الدنيا ونحن بين أهلنا خائفين من ربنا مشفقين من عذابه وعقابه"[SUP]([/SUP][4][SUP])[/SUP]، وقال تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ"،"أي: هم مع إحسانهم وإيمانهم وعملهم الصالح، مشفقون من الله خائفون منه، وجلون من مكره بهم، كما قال الحسن البصري: إن المؤمن جمع إحسانا وشفقة، وإن المنافق جمع إساءة وأمنًا"[SUP]([/SUP][5][SUP]).[/SUP]
وعنه رحمه الله تعالى في قوله: { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا } "قال: إن المؤمنين قوم ذُلُل، ذلت منهم -والله -الأسماعُ والأبصار والجوارح، حتى تحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض، وإنهم لأصحاء، ولكنهم دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم، ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة، فقالوا: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن. أما والله ما أحزنهم حزن الناس، ولا تعاظم في نفوسهم شيء طلبوا به الجنة، أبكاهم الخوف من النار."[SUP]([/SUP][6][SUP])[/SUP].

2- أن هذا الحزن من مقتضى بشريتهم، فهم في دار ابتلاء وتمحيص، يبتلون بالمصائب من فقد قريب أو سطو ظالم أو غير ذلك، وعادة ما يكون ذلك سببا في حزنهم الحزن المشروع الذي لا تسخط فيه ولا ضجر، قال تعالى:" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ"-محمد:31-،" وقال جل في علاه:" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ"-البقرة:155-، "أخبر تعالى أنه لا بد أن يبتلي عباده بالمحن، ليتبين الصادق من الكاذب، والجازع من الصابر، وهذه سنته تعالى في عباده..."[SUP]([/SUP][7][SUP])[/SUP].

وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق الخلق بوعد الله تعالى بالحياة الطيبة يحزن عند المصائب، فيقول عند فقد ابنه ابراهيم عليه السلام:" إنما أنا بشر تدمع العين و يخشع القلب و لا نقول ما يسخط الرب و الله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون"[SUP]([/SUP][8][SUP])[/SUP].
وأخرج الشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت:" لما جاء للنبي - صلى الله عليه وسلم - قتل زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وابن رواحة جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرف في وجهه الحزن وأنا أنظر من صائر الباب - يعني شق الباب".
وعن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال:" بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية يقال لهم القراء فأصيبوا يوم بئر معونة - فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حزن حزنا قط أشد منه."-متفق عليه-...
فهذا الحزن الحاصل بمقتضى بشريتهم لا يعارض ما وعدهم الله من الحياة الطيبة التي تكتمل وتصل منتهاها في الجنة حيث يرتفع الحزن بكل أشكاله وألوانه.

3- ومن وجوه الجمع الممكنة: أن الحزن المذكور في آية فاطر هو الحزن الذي يصيب المؤمنين في ذات الله، فيحزنون حينما يرون الباطل قد صال وجال، ويحزنون حينما يرون المنكرات قد فشت والبدع قد استولت، ويحزنون حينما يرون الإسلام يحارب من القريب والبعيد بل ربما ممن يدعي الانتساب إليه...
وهذا الحزن الحاصل بمقتضى انتمائهم الصادق لدين الإسلام لا يعارض -كذلك- حياتهم الطيبة في هذه الدار كما وعدهم العزيز الغفار.

4- الحياة الطيبة لا تتحقق إلا في الجنة أما هذه الدار فهي دار ابتلاء واختبار وليس لطيب العيش فيها قرار لما جبلت عليه من النكد والأكدار، كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في نونيته:
طبعت على كدر فكيف ينالها ... صفو أهذا قط في الإمكان.
يقول صاحب الأضواء: "واختلف العلماء في المراد بالحياة الطيبة في هذه الآية الكريمة.فقال قوم: لا تطيب الحياة إلا في الجنة، فهذه الحياة الطيبة في الجنة؛ لأن الحياة الدنيا لا تخلو من المصائب والأكدار، والأمراض والآلام والأحزان، ونحو ذلك؛ وقد قال تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}، والمراد بالحيوان: الحياة...."[SUP]([/SUP][9][SUP])[/SUP].
وممن روي عنه هذا التفسير:
"الحسن البصري، قال: لا تطيب لأحد حياة دون الجنة، وفي رواية: ما تطيب الحياة لأحد إلا في الجنة.
وعن مجاهد قال: يحييهم حياة طيبة في الآخرة.
وعن ابن زيد: قال: الحياة الطيبة في الآخرة: هي الجنة، تلك الحياة الطيبة."[SUP]([/SUP][10][SUP])[/SUP].
فالحياة الطيبة الموعود بها هي الحياة في الجنة، وبالتالي فلا تعارض بين آية فاطر وآية النحل.

5- وآخيرا: على تفسير الحياة الطيبة بغير السعادة، لا تعارض كذلك بين الآتين:
فقد وردت تفاسير أخر للحياة الطيبة عن بعض السلف، منها:
* الرزق الحلال: فعن ابن عباس، في قوله( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) قال: الرزق الحسن في الدنيا.
وعن الضحاك( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) قال: الرزق الطيب الحلال.
* القناعة: عن الحسن البصريّ، قال: الحياة الطيبة: القناعة.
* الحياة مؤمنًا بالله عاملا بطاعته: قال الضحاك: من عمل عملا صالحًا وهو مؤمن في فاقة أو ميسرة، فحياته طيبة، ومن أعرض عن ذكر الله فلم يؤمن ولم يعمل صالحًا، عيشته ضنكة لا خير فيها"[SUP]([/SUP][11][SUP])[/SUP]، وعلى كل من هذه التأويلات فلا تعارض.

والله أعلم وأحكم ونسبة العلم إليه سبحانه أسلم.
















([1] ) تييسر الرحمن.

([2] ) جامع البيان.

([3] ) تفسير ابن كثير: 4/601.

([4] ) تفسير ابن كثير: 7/435.

([5] ) تفسير ابن كثير:5/480.

([6] ) تفسير ابن كثير: 6/122.

([7] ) تيسير الرحمن: 75.

([8] ) أخرجه ابن سعد وصححه العلامة الألباني.


([9] ) أضواء البيان: 17/224-225.

([10] ) جامع البيان بتصرف.

([11] ) جامع البيان بتصرف.
 
عودة
أعلى