السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخوة الأفاضل
جزاكم الله خيرا عندي سؤال بخصوص تفسير الإمام الثعلبي
قرأت في مقدمة كتابه التفاسير التي اعتمد عليها ومنها تفسير عطاء الخراساني وابن أبي رباح وابن دينار وذكر سلسلة الإسناد لكلٌ منهم
سؤالي : جاء في الكتاب سببا لنزول قوله تعالى: ( ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة) قال الثعلبي : عن عطاء ولم يحدد من هو ولا توجد سلسلة إسناد لأحدد من خلالها
فكيف أحدد من هو ؟
جزاكم الله الفردوس الأعلى
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
ورد في تفسير الثعلبي :"وقال عطاء في قوله : " ليسوا سواء من أهل الكتاب أُمة قائمة " الآية تزيد أربعين رجلا من أهل نجران من العرب ، واثنين وثلاثين من الحبشة ، وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى ( عليه السلام ) وصدقوا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وكان من الأنصار منهم عدة قبل قدوم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) منهم أسعد ابن زرارة والبراء بن معرور ومحمّد بن مسلمة وأبو قيس هرمة بن أنس ، وكانوا موحدين يغتسلون من الجنابة ويقرّون بما عرفوا من شرائع الحنيفية حتى جاءهم الله عز وجل بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فصدقوه ونصروه "اهـ
و قد نقل هذا عن عطاء كل من الإمام الرازي و الإمام البغوي و الخازن الذي يعتبر تفسيره مختصر لتفسير البغوي-و هذا بدوره كما هو معلوم مختصر للكشف و البيان للثعلبي-
لكن لم يعين أحد منهم عطاء القائل بهذا السبب.
و قد بحثت كثيرا لكن لم أقف على الاسم الكامل له.
و في الحقيقة، أرى أنه من الصعب تحديد أي عطاء أراد الثعلبي و غيره في تفسيرهم لهذه الآية، و إن كان يغلب على ظني أنه عطاء ابن أبي رباح مع أنه لا مانع أن يكون عطاء الخرساني.
و لعل السبب في الاكتفاء بكلمة عطاء هو التخفيف في الكتابة، فقد ورد في فتح الباري للحافظ ابن حجر:"قال الإسماعيلي أخبرت عن علي بن المديني أنه ذكر عن تفسير بن جريج كلاما معناه أنه كان يقول عن عطاء الخرساني عن بن عباس فطال على الوراق أن يكتب الخرساني في كل حديث فتركه فرواه من روى على أنه عطاء بن أبي رباح انتهى وأشار بهذا إلى القصة التي ذكرها صالح بن أحمد عن علي بن المديني ونبه عليها أبو على الجياني في تقييد المهمل قال بن المديني سمعت هشام بن يوسف يقول قال لي بن جريج سألت عطاء عن التفسير من البقرة وآل عمران ثم قال اعفني من هذا قال قال هشام فكان بعد إذا قال قال عطاء عن بن عباس قال عطاء الخرساني قال هشام فكتبنا ثم مللنا يعني كتبنا الخرساني"- فتح الباري - تفسير سورة نوح-. و على أي، فإني لا أرى كبير فائدة في معرفة المقصود بعطاء، لأنه كيفما كان القائل، سواء ابن أبي رباح أو الخرساني فإنهما تابعيان، فالأول توفي سنة 115 و الثاني سنة 135هـ.
و من المعلوم أن قول التابعي في أسباب النزول لا يعتبر إلا إذا أخذه عن صحابي، فمن القواعد المقررة في التفسير-علم أسباب النزول- :" القول في الأسباب موقوف على النقل و السماع"و الذين شهدوا التنزيل و علموا أسبابه هم الصحابة لا غير، و لذلك قيل:" سبب النزول له حكم الرفع"، فقول عطاء في آية آل عمران مرسل، و المرسل من أقسام الضعيف.
و كيف نرجع إلى قول تابعي في سبب نزول آية و عندنا قول من هو مقدم عليه و أقصد الصحابة الذين لا سبيل إلى معرفة أسباب النزول إلا عن طريقهم، فقد صح عن ابن عباس و ابن مسعود رضي الله عنهما سببين في نزول الآية.
فقد ورد في كتاب "الصحيح المسند من أسباب النزول" للعلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعى:" قوله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} الآية 113.
قال الإمام أحمد رحمه الله ج1 ص396 حدثنا أبو النضر وحسن بن موسى قالا: حدثنا شيبان عن عاصم عن زر عن ابن مسعود قال: أخر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة قال: "أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم". قال: وأنزل الله هؤلاء الآيات {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} حتى بلغ {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ}.
ص -47- الحديث حسن كما قال الشوكاني ج1 ص385 نقلا عن السيوطي لأن عاصما في حفظه شيء وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج1 ص312 رجال أحمد ثقات ليس فيهم غير عاصم بن أبي النجود وهو مختلف في الاحتجاج به وأخرجه ابن حبان في صحيحه كما في موارد الظمآن ص91 وابن جرير ج4 ص55 وأبو نعيم في الحلية ج4 ص187. وأبو يعلى كما في المقصد العلي ج1 ص276.
هذا وقد ورد للآية سبب آخر ففي مجمع الزوائد ج6 ص732 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسد بن عبيد ومن أسلم من يهود فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام قالت أحبار يهود أهل الكفر: ما آمن بمحمد وتبعه إلا شرارنا ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم، فأنزل الله عز وجل في ذلك من قوله:
{لَيْسُوا سَوَاءً} إلى قوله تعالى {مِنَ الصَّالِحِينَ} رواه الطبراني ورجاله ثقات.
واختار الإمام أبو جعفر بن جرير ج7 ص29 الأول حيث قال بعد ذكره جملة من الأقوال غير أن الأولى بتأويل الآية قول من قال عني بذلك – تلاوة القرآن في صلاة العشاء لأنها صلاة لا يصليها أحد من أهل الكتاب فوصف الله أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنهم يصلونها دون أهل الكتاب الذين كفروا بالله ورسوله.
وأقول لا مانع من نزول الآية في الجميع أو أنه تعدد سبب نزولها والله أعلم."اهـ
و أخيرا، أذكرك بقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في معرض كلامه عن التفاسير، قال:"و " الثعلبي " هو في نفسه كان فيه خير ودين وكان حاطب ليل ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع و " الواحدي " صاحبه كان أبصر منه بالعربية ؛ لكن هو أبعد عن السلامة واتباع السلف والبغوي تفسيره مختصر من الثعلبي لكنه صان تفسيره من الأحاديث الموضوعة والآراء المبتدعة " و قال في موضع آخر:" لهذا يقولون في الثعلبي و أمثاله أنه حاطب ليل يروي ما وجد سواء كان صحيحا أو سقيما فتفسيره و أن كان غالب الأحاديث التي فيه صحيحة ففيه ما هو كذب موضوع باتفاق أهل العلم"اهـ
و الله أعلم و أحكم.