كيفية رفع اليدين في الدعاء

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
من المعروف أن رفع اليدين في الدعاء من آداب الدعاء، وأن النبي  رفع يديه في الدعاء في مواطن كثيرة وبكيفيات عدة ؛ قال النووي - رحمه الله: اعلم أن رفع اليدين في الدعاء خارج الصلاة مستحب لما سنذكره إن شاء الله - ثم ذكر نحوا من ثلاثين حديثا - ثم قال: وفي هذه المسألة أحاديث كثيرة غير ما ذكرته، وفيما ذكرته كفاية. والمقصود أن يعلم أن من ادعى حصر المواقع التي وردت الأحاديث بالرفع فيها فهو غالط غلطا فاحشا والله تعالى أعلم. ا.هـ ( 1 ) .
وللإمام البخاري - رحمه الله - كتاب ( رفع اليدين في الصلاة ) ، ذكر فيه أربعة عشر حديثًا ، في رفع اليدين في الدعاء ( 2 ) . وللسيوطي - رحمه الله - رسالة في ذلك سماها ( فض الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدعاء ) .
وأذكر هنا بعض هذه الأحاديث :
روى أحمد وأهل السنن إلا النسائي عَنْ سَلْمَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ  : " إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا " ( 3 ) ؛ ( وَالصِّفْرُ ) بِكَسْرِ الصَّادِ الْخَالِي . وعند الحاكم من حديث أنس  يرفعه : " إِنَّ اللهَ رَحِيمٌ كَرِيمٌ ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرَفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ ، ثُمَّ لَا يَضَعُ فِيهِمَا خَيرًا " ( 4 ) . وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ  قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ  إلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ  الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ ، يَقُولُ : " اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي , اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي " فَمَازَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ ؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( 5 ) . ويَهْتِفُ : يَرَفَعُ صَوْتَهُ بِالدُّعَاءِ وَغَيْرِهِ . وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ  قَالَ : لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ  مِنْ خَيْبَرَ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إلَى أَوْطَاسٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَأَنَّ أَبَا عَامِرٍ  اُسْتُشْهِدَ فَقَالَ لِأَبِي مُوسَى : يَا بْنَ أَخِي أَمَّرَنِي النَّبِيُّ  فَقُلْ لَهُ : اسْتَغْفِرْ لِي , وَمَاتَ أَبُو عَامِرٍ قَالَ أَبُو مُوسَى : فَرَجَعْتُ إلَى النَّبِيِّ  فَأَخْبَرْتُهُ فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَفْعَ يَدَيْهِ فَقَالَ : " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِكَ أَبِي عَامِرٍ " وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ وَمِنْ النَّاسِ " متفق عليه . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  أَنَّ النَّبِيَّ  ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ : يَا رَبِّ يَا رَبِّ , وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ؛ رَوَاهُ أحمد ومسلم والترمذي والدارمي( 6 ) . وروى أحمد والشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : جَاءَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ  فَقَالَ : إِنَّ دَوْسًا قَدْ عَصَتْ وَأَبَتْ ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ  الْقِبْلَةَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ النَّاسُ : هَلَكُوا ، فَقَالَ : " اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ " لفظ أحمد .
هذا ، وقد صح عن النبي  ما يدل على جواز رفع السبابة في الدعاء ، فعن أبي هريرة  قال : مر رسول الله  على إنسان يدعو بإصبعيه السبابتين ، فقال : " أحِّد ، أحِّد " ، رواه أحمد والترمذي والنسائي والحاكم ( 7 ) . وقوله : " أحِّدْ " يعني : اقتصر على واحدة . وقال ابن الأثير - رحمه الله : أي أشر بإصبع واحدة ، لأن الذي تطلب منه واحد ، وهو الله تعالى . ا.هـ . قال الترمذي - رحمه الله : ومعنى هذا الحديث : إذا أشار الرجل بإصبعيه في الدعاء عند الشهادة ، لا يشير إلا بإصبع واحدة .ا.هـ .
قلت : وقد كان النبي  يرفع إصبعه في الدعاء وهو على المنبر ؛ فقد روى أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والدارمي من حديث عمارة بن رؤيبة  أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه . فقال : قبَّح الله هاتين اليدين ، لقد رأيت رسول الله  ما يزيد على أن يقول بيده هكذا . وأشار بإصبعه المسبحة ( 8 ) .
قال ابن رجب - رحمه الله – في ( جامع العلوم ) : وقد روي عن النبي  في صفة رفع اليدين في الدعاء أنواع متعددة : فمنها : أنه كان يشير بإصبعه السبابة فقط . روى عنه أنه كان يفعل ذلك على المنبر ، وفعله لما ركب راحلته . وذهب جماعة من العلماء إلى أن دعاء القنوت في الصلاة يشير فيه بإصبعه ، منهم : الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وإسحاق بن راهويه . وقال ابن عباس وغيره : هذا هو الإخلاص في الدعاء . وقال ابن سيرين : إذا أثنيت فأشر بإصبع واحدة .
ومنها : أنه رفع يديه وجعل ظهورهما إلى جهة القبلة وهو مستقبلها ، وجعل بطونهما مما يلي وجهه ( 9 ) .
وقد رويت هذه الصفة عن النبي  في دعاء الاستسقاء . واستحب بعضهم الرفع على هذه الصفة ، منهم الجوزجاني . وقال بعض السلف : الرفع على هذا الوجه تضرع .
ومنها : عكس ذلك . وقد روي عن النبي  في الاستسقاء أيضا ، وروى عن جماعة من السلف أنهم كانوا يدعون كذلك . وقال بعضهم : الرفع على هذا الوجه استجارة بالله ، واستعاذة به ، منهم : ابن عمر وابن عباس ( 10 ) وأبو هريرة  .
وروي عن النبي  أنه كان إذا استعاذ رفع يديه على هذا الوجه ، وجعل كفيه إلى السماء ، وظهورهما إلى الأرض . وقد ورد الأمر بذلك في سؤال الله  في غير حديث ( 11 ) . وعن ابن عمر وأبي هريرة وابن سيرين أن هذا هو الدعاء والسؤال لله  .
ومنها : عكس ذلك ؛ وهو قلب كفيه وجعل ظهورهما إلى السماء ، وبطونهما إلى ما يلي الأرض . ففي صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ أَنَّ النَّبِيَّ  اسْتَسْقَى فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ . وخرجه أبو داود ، ولفظه : واسْتَسْقَى هَكَذَا - يعني النبي  - يَعْنِي : وَمَدَّ يَدَيْهِ وَجَعَلَ بُطُونَهُمَا مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ ( 12 ) . وخرج الإمام أحمد من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ  قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ  وَاقِفًا بِعَرَفَةَ يَدْعُو هَكَذَا وَرَفَعَ يَدَيْهِ حِيَالَ ثَنْدُوَتَيْهِ وَجَعَلَ بُطُونَ كَفَّيْهِ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ ( 13 ) . وهكذا وصف حماد بن سلمة رفع النبي  يديه بعرفة . وروي عن محمد بن سيرين أن هذا هو الاستجارة . وقال الحميدي : هذا هو الابتهال .ا.هـ .
فهذه كيفيات ثبتت عن النبي  في رفع اليدين في الدعاء ، وكلها جائزة . ويمكن حمل كل هيئة منها على المناسبة التي وردت فيها ؛ وقد روى أبو داود من حديث ابن عباس  موقوفًا ومرفوعًا : " الْمَسْأَلَةُ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْكَ حَذْوَ مَنْكِبَيْكَ أَوْ نَحْوَهُمَا ، وَالِاسْتِغْفَارُ أَنْ تُشِيرَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ ، وَالِابْتِهَالُ أَنْ تَمُدَّ يَدَيْكَ جَمِيعًا " وفي رواية : " وَالِابْتِهَالُ هَكَذَا : وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَجَعَلَ ظُهُورَهُمَا مِمَّا يَلِي وَجْهَهُ " ؛ قال المنذري - رحمه الله - في ( مختصر السنن ) : وهو حديث حسن ( 14 ) .

( 1 ) انظر ( المجموع ) : 3 / 504 : 511 .
( 2 ) انظر كتاب ( رفع اليدين في الصلاة ) أرقام : ( 151 : 163 ) .
( 3 ) أحمد : 5 / 438 ، وأبو داود ( 1488 ) ، والترمذي ( 3556 ) ، وابن ماجة (3865) ، والحاكم : 1/ 498 وصححه على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي . وحسنه ابن حجر في ( الفتح ) : 11/ 121 .
( 4 ) الحاكم : 1/ 498 ، وصححه ، وتعقبه الذهبي بقوله : عامر ( أي : ابن يساف ) ذو مناكير .ا.هـ . قلت : وإسناده حسن في الشواهد ، فقد قال أبو حاتم في عامر : صالح . انظر الجرح والتعديل : 6 / 329 ، وللحديث طريق أخرى عند الطبراني في الدعاء (204 ، 205) ، لكنها ضعيفة أيضًا ؛ والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع : 2 / 112.
( 5 ) مسلم ( 1763 ) .
( 6 ) أحمد : 2 / 328 ، ومسلم ( 1015 ) ، والترمذي (2989) ، والدارمي (2713) .
( 7 ) أحمد : 2 / 420 ، 520 ، الترمذي ( 3557 ) وقال : حسن صحيح غريب ، والنسائي (1272) ، والحاكم : 1/ 536 ، وصححه ووافقه الذهبي .
( 8 ) أحمد : 4 / 135 ، 136 ، 261 ، ومسلم ( 874 ) ، وأبو داود ( 1104 ) ، والترمذي ( 515 ) ، والنسائي ( 1412 ) ، والدارمي ( 1563 ، 1564 ) .
( 9 ) أحمد : 5 / 223 ، وأبو داود ( 1168 ) ، والترمذي (557) ، والنسائي ( 1514 ) ، والحاكم : 1 / 327 ، وصححه ووافقه الذهبي . عن عمير مولى آبي اللحم .
( 10 ) أخرج أبو داود (1489) عن ابن عباس موقوفًا ومرفوعًا : " المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك ، أو نحوهما ، والاستغفار أن تشير بإصبع واحدة ، والابتهال أن تمد يديك جميعًا " وفي رواية " والابتهال هكذا ، ورفع يديه وجعل ظهورهما مما يلي وجهه " وحسنه المنذري في مختصر السنن (1436) .
( 11 ) كحديث سلمان المتقدم ، وحديث ابن عباس السابق ، وحديث أنس عند الشيخين وغيرهما في دعاء الاستسقاء وغير ذلك .
( 12 ) مسلم ( 896 ) ، وأبو داود ( 1171 ) .
( 13 ) انظر المسند : 3 / 13، 14 . والثندوة : لحم الثدي ، والثندوتان للرجل كالثديين للمرأة . انظر لسان العرب مادة (ثند) ، والنهاية في غريب الحديث : 1/ 223.
( 14 ) تقدم قريبًا ، وروى نحوه عبد الرزاق في مصنفه : 2 / 250 ( 3247 ) .
 
فوائد تتعلق بهذه المسألة :
الأولى : روى الشيخان مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ ، وَإِنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ ( 1 ) .
فهذا الحديث يوهم ظاهره نفي رفع اليدين في الدعاء في غير الاستسقاء ؛ ويعارضه الأحاديث الثابتة في الرفع في غير الاستسقاء ، وهي كثيرة ، وقد تقدم بعضها ؛ وقد أجاب النووي - رحمه الله - لرفع هذا الإشكال قال : ويُتأول الحديث على أنه لم يرفع الرفع البليغ ، بحيث يُرى بياض إبطيه إلا في الاستسقاء . أو المراد لم أره رفع ، وقد رآه غيره ، فيقدم المثبتون في مواضع كثيرة ، وهم جماعات ، على واحد لم يحضر ذلك .ا.هـ ( 2 ) .
وقال ابن حجر - رحمه الله : لكن جُمِعَ بينه وبين الأحاديث الأخرى ، بأن المنفي صفة خاصة ، لا أصل الرفع ؛ وحاصله : أن الرفع في الاستسقاء يخالف غيره ، إما بالمبالغة إلى أن تصير اليدان في حذو الوجه مثلا ، وفي الدعاء إلى حذو المنكبين ، ولا يعكر على ذلك أنه ثبت في كل منهما : " حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ " بل يُجمع بينها ، بأن رؤية البياض في الاستسقاء أبلغ منها في غيره ؛ وإما أن الكفين في الاستسقاء يليان الأرض ، وفي الدعاء يليان السماء ؛ قال المنذري : وبتقدير تعذر الجمع ، فجانب الإثبات أرجح . ا.هـ ( 3 ) .

الثانية : قال النووي في ( شرح مسلم ) : قال جماعة من أصحابنا وغيرهم : السنة في كل دعاء لرفع بلاء كالقحط ونحوه ، أن يرفع يديه ، ويجعل ظهر كفيه إلى السماء ، وإذا دعا لسؤال شيء وتحصيله ، جعل بطن كفيه إلى السماء . ا.هـ ( 4 ) .
الثالثة : نقل الحافظ في ( الفتح ) عن بعض أهل العلم قال : الحكمة في الإشارة بظهور الكفين في الاستسقاء دون غيره : للتفاؤل بتقلب الحال ، ظهرا لبطن ، كما قيل في تحويل الرداء ، أو هو إشارة إلى صفة المسئول ، وهو نزول السحاب إلى الأرض . ا.هـ ( 5 ) .

( 1 ) البخاري ( 1031 ) ، ومسلم ( 896 ) ( 7 ) .
( 2 ) شرح مسلم : 6 / 190 .
( 3 ) فتح الباري : 11/ 146 ( الريان للتراث ) .
( 4 ) شرح مسلم : 6 / 90 .
( 5 ) فتح الباري : 2 / 601 ( الريان للتراث ) .
 
عودة
أعلى