كهيعص و طه

أبو علي

Member
إنضم
04/09/2003
المشاركات
382
مستوى التفاعل
5
النقاط
18
الحمد لله العزيز الحكيم
قال تعالى : وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).

لا شك أن الآيات المذكورة هي على إطلاقها، أي كل آيات القرآن بما فيها الآيات التي هي عبارة عن حروف مقطعة.
اخترت لكم اليوم الفاتحة (كهيعص) و (طه).

أولا : كهيعص.

تدبر الآية (كهيعص) يقتضي ربطها بما قبلها لنعلم مناسبتها مع ما ختمت بها سورة الكهف ، ولتتبين لنا الحكمة في وضع الآيات في موضعها الذي ينبغي أن توضع فيه.‏
ماذا قال الله في ختام سورة الكهف؟
قال سبحانه وتعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا(107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108) قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110).


هذا ما ختم الله به سورة الكهف، فما هو مدلول الآيات 107 ، 108 ، 109 ، 110 من سورة الكهف؟
الآيتان 107 ، 108 : كلام خبري ، والآيتان 109 ، 110 : كلام إنشائي طلبي يحث على الصلاح ، فقبل الحث على فعل شيء وجب الإخبار أولا عن مزايا ومحاسن هذا الشيء.
مثلا : قبل أن ينصح الأب ابنه بوجوب مذاكرته لدروسه ليكون من الناجحين فإنه يذكر له أولا مزايا ومحاسن النجاح كأن يقول له : يا بني إن الناجحين هم الذين يكون لهم مستقبلا زاهرا ...
فإذا كان لهذا الأب أبناءا كبارا نجحوا في حياتهم فإنه من الحكمة أن يذكر ابنه الصغير بما آل إليه إخوته من نجاح في حياتهم لتشجيعه وطمأنته وذلك بفضل مساندة أبيهم وتوفيره لهم كل أسباب النجاح...
كذلك الحال هنا ، فبعد ذكر محاسن الصلاح (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا(107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) وحثه على الصلاح (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) فإنه من الحكمة أن يذكر نماذج من الصالحين الذين كانت لهم جنات الفردوس نزلا مع ذكر فضل الله عليهم(رحمته) ، ورحمة تخلد صاحبها في جنات الفردوس لا تعتبر مجرد (رحمة) بل هي ( رحمت) عظمى يجب أن تتميز رسما( بتاء مفتوحة)، والرحمة العظمي هي الأجدر بالذكر.
إذن فالرحمة العظمى التي تستحق الذكر هي الصلاح ، والصلاح مبني على العلم (علم الصلاح من الفساد فاختار الصلاح)، والعلم لم يأت به من عند نفسه وإنما هو هدى من الله ، و كيف كان هذا الهدى؟ هل هو إلهام من الله أم هو كتاب أنزله الله؟ ، إنه كتاب أنزله الله.
إذن فالصلاح لا يكون إلا عن علم ، والعلم ليس ذاتيا وإنما هو هدى من الله ، والهدى كتاب من عندالله .
إذن فالفضل في صلاح الإنسان يعود إلى كتاب الله ، فالكتاب هو الأجدر بالذكر أولا فهو الذكر نفسه (حكمة ومنطقا) ، أما حكمة فإن الله قال : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وأما المنطق فإن خير وسيلة لتذكر أي شيء هي كتابته.
إذن فإن كانت رحمة تستحق الذكر والامتنان بها على الصالحين فينبغي أن تكون هي : الكتاب ، ومضمونه( الهدى ) ، والنتيجة المستفادة منه (العلم والصلاح).
وترتيب هذه الرحمات ينبغي أن يكون كالآتي : 1) الكتاب، 2) الهدى، 3) العلم، 4) الصلاح.

هذا ما توصلنا إليه بتدبرنا للآيات التي ختمت بها سورة الكهف ، فهل تلتها سورة أتى الله فيها بنماذج من الصالحين وذكر رحمته عليهم التي هي : الكتاب والهدى والعلم والصلاح؟
نعم ، فالسورة التي تلت سورة الكهف هي سورة مريم ، وهي سورة ذكر الله فيها أمثلة من عباده الصالحين وفضله عليهم ، وهؤلاء الصالحون هم : زكريا ويحيى ومريم وعيسى وإبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى وهارون وإسماعيل وإدريس عليهم السلام.
السورة ابتدأت بعد بسم الله الرحمن الرحيم بحروف هي : كهيعص ، والآية التي بعدها بينت أن هذه الحروف السابقة هي : ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا.
نلاحظ أن كهيعص ليست مجرد رحمة وإنما هي رحمة عظمى يتجلى ذلك في تميز رسمها (بتاء مفتوحة).
وقلنا إن الرحمة الجديرة بالذكر هي (الكتاب) ومضمونه (الهدى) والمنفعة المستفادة منه(العلم والصلاح)، فهل حرف الكاف من كهيعص هو اختزال ل (الكتاب) ؟، وهل الهاء تعني (الهدى) والعين تعني (العلم) والصاد يعني (الصلاح) ؟.
إذا كان استنتاجنا صائبا يوافق الحكمة فلا بد أن نجد له ما يؤيده في الكتاب في سورة مريم، إذ ينبغي أن تكون الرحمة الممتن بها على أحد من الأنبياء المذكورين هي نفسها الممتن بهاعلى كل واحد منهم.

بالرجوع إلى سورة مريم وجدنا أن كل الأنبياء الذي ذكرهم الله ارتبط ذكرهم بذكر الكتاب : وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ ، وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ َ إِبْرَاهِيمَ ، وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ َ مُوسَى ، وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ َ إِسْمَاعِيلَ، وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إدريس.إذن فمحور السورة يدور حول الكتاب كرحمة عظمى تعتبر مفتاحا لباب الرحمات.

وإذا أخذنا مثلا يحيى عليه السلام فإننا نجد أن أول خطاب من الله ليحيى هو : يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صبيا). لو كانت رحمة أعظم من الكتاب لكانت أولى بالذكر قبل ذكر الكتاب.
والمسيح عليه السلام أول ما تكلم في المهد قال : إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا). لو كانت رحمة أعظم من الكتاب لكانت أولى بالذكر قبل ذكر الكتاب.

هذا ذكر رحمت الله عبده يحيى :
يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ = 1) الكتاب.
وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صبيا = 2) ,3)الهدى والعلم (فالحكم بالحق يتطلب الهدى والعلم .
وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا = 4) الصلاح.

وهذا ذكر رحمت الله عبده عيسى :
قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ : (1) الكتاب.
وَجَعَلَنِي نَبِيًّا: من لوازم النبوة = الهدى والعلم.
وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا، وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا : الصلاح.

وبناء على هذه الأدلة ومما سبق ذكره من تدبر بالحكمة فإن نفس الرحمة التي امتن الله بها على الأنبياء هي نفسها التي امتن بها على زكريا ، فالكاف من كهيعص هو : الكتاب ، والهاء : الهدى ، والعين = العلم ، والصاد= الصلاح.
أما الياء من كهيعص فإننا لن نستطيع أن نتوصل إلى معرفتها بالتدبر لذلك أتى الله على ذكر ما يفسر الياء = (يحيى ) ولم يذكر متعلقات الكاف والهاء والعين والصاد باعتبار أننا يمكننا إدراك معناها بالتدبر بالحكمة وبالكتاب.
يحيى عليه السلام يعتبر رحمة الله لعبده زكريا ، فهو رحمة متميزة تستحق الذكر ، فليس كل شيخ هرم وعجوز عاقر يلدان إلا من شاء الله لهما ذلك.
إذن فيحى يعتبر رحمة تستحق الذكر والامتنان بها على زكريا، والرحمة هي كل نعمة تنفع الإنسان ، ولقد استحق يحيى أن يكون ترتيبه الثالث من بين الرحمات فجاء ذكره بين الكتاب والهدى وبين العلم والصلاح لأنه هو أيضا آتاه الله الكتاب والهدى والعلم والصلاح ، ولأنه صالح مع أبيه وصالح مع الله.

وإذا أردت أن أضيف ملحوظة أخرى بخصوص سورة مريم فإننا نجد أن الله ترك لنا آية نستدل بها على أن الرحمة الأولى بالذكر هي الكتاب وذلك بتساوي كلمة (ذكر ، أذكر ، يذكر) مجموعها = 7 مرات في سورة مريم.
وكلمة (الكتاب) مجموعها = 7 مرات في سورة مريم.

وتكرر اسم (الرحمن) 16 مرة في سورة مريم، فالذي يتصف بكل الرحمات هو الرحمن ، والذي يتصف برحمة واحدة يوصف بأنه رحيم.
وحيث أن الكتاب هو الرحمة العظمى ومفتاح كل الرحمات فإن الإسم المناسب الجدير بالذكر هو اسم الرحمان، والله تعالى إذا امتن بالقرآن كرحمة عظيمة فإنه يقول : الرَّحْمَنُ،عَلَّمَ الْقُرْآنَ)،
ويقول : طه، مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى، إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى، تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا ، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى.

السورة سميت باسم (مريم) لأنها المرأة الوحيدة التي ذكرت ضمن مجموعة من الأبرار الصالحين ، فهي أحق أن تسمى السورة باسمها.



وحيث أن سورة مريم تطرقت للكتاب كأعظم رحمة فإن مطلع السورة التي تليها يجب أن يتكلم عن القرآن الكتاب المهيمن ، فهو رحمة عظمى يهدي إلى الصلاح.
قال تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم، طه، مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى، إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى، تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا ، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى.
ابتدأت السورة بحرفين هما : طه. فما هو مدلول طه؟
هل يمكننا فهم مدلول طه استنادا إلى الحكمة؟ وهل نجد في القرآن ما يصدق استنتاجنا؟
استنادا إلى ما سبق ذكره عن خواتيم سورة الكهف وسورة مريم يمكننا الخروج بنتيجة نفهم من خلالها الفاتحة (طه).
قلنا إن الله حث المؤمنين على الصلاح لتكون لهم جنات الفردوس نزلا،
وأتى بنماذج من الصالحين فذكر رحمته عليهم؟
ما الحكمة من ذكر الصالحين وذكر رحمة الله عليهم؟
الجواب : لطمأنة المعنيين بالأمر (المؤمنين) . فالطمأنينة هي آية الهدى ، فهي الاستقرار النفسي الناتج عن الاقتناع ، فالشاك لا يقال عنه مطمئن ، والمرتبك والخائف لا يقال عنهما مطمئنان.
إذن فالمطمئن هو الذي على بينة من أمره، أي هو الذي على هدى.

مثلا : إذا نصحت صديقي بمزاولة تجارة ما ليحقق من وراءها ربحا فإن صديقي هذا قد يكون خائفا من المجازفة في هذه التجارة خشية من الخسارة، إذن فما دام خائفا فهو ليس مطمئنا ، فإذا ذكرت أمثلة من الناس الذي تاجروا ونجحوا وقلت له : إن كل من تاجر في هذه البضاعة حقق أرباحا ، فلان صار غنيا وفلان صار مليونيرا ...
فبعد سماعه للأمثلة التي ذكرت اطمأن قلبه لأنه اهتدى (أصبح على بينة من الأمر) أني له ناصح أمين.

كذلك القرآن يحث على الصلاح ويأتي بالبراهين المبينة التي يهتدي بها المؤمنون وتطمئن لها قلوبهم.
وحيث أن سورة طه جاءت بعد سورة ذكر فيها الله نماذج من الصالحين لطمأنة المؤمنين المأمورين بالإيمان بالله وعمل الصالحات فإن أنسب موضع لوصف انطباع المؤمنين بالطمأنينة والهدى هو مطلع السورة التي تلي سورة مريم ، وعبر عنها بحرفين تاركا للعقول تدبرها.
إذن ما توصلنا هو أن : طه = الطمأنينة والهدى.
هل نجد ما يصدقه في الكتاب؟
قال تعالى : طه، مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى، إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى.
الطاء تفسرها الآية الثالثة.
الهاء تفسرها الآية الثانية.
مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى، بل لتهتدي ، فمن اتبع الهدى لا يضل ولا يشقى.
إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى : الطمأنينة هي التي تزيل الشك والحيرة والخوف والخشية من اتخاذ القرار.

ملاحظة : كنت أودأن ألون بعض الكلمات في النص إلا أنني لم أدر كيف أفعل ذلك.
 
السلام عليكم

القاعدة التي بنيت عليها تدبر كهيعص وطه هي :
{النصيحة والحث على تنفيذ الأمر + الاسشهاد بأمثلة تتعلق بالأمر المنصوح به = الطمأنينة والهدى (طمأنة المعني بالنصيحة).

هذه هي القاعدة الحكيمة التي يطبقها كل ذي موعظة أو نصيحة.}


كذلك نراها مطبقة هنا في القرآن :
أما النصيحة والحث على تنفيذ الأمر فهي ما ختمت به سورة الكهف.
وأما الاسشهاد بأمثلة تتعلق بالأمر المنصوح به فهو ما جاءت به سورة مريم.
وأما الغرض الذي تحقق فهو الطمأنينة والهدى (طمأنة المعني بالنصيحة) الذي عبرت عنه سورة طه حتى أن السورة سميت ب (طه) .
وإذا كنت قد استنتجت أن الرحمة التي تستحق الامتنان بها على الصالحين هي الصلاح نفسه فذلك حق ، فلولا فضل الله ورحمته ما صار الصالح صالحا، والصلاح أساسه العلم، والعلم هدى من الله ، ومرجع ذلك كله هو كتاب الله.
وإذا كان أرقى ما توصل إليه الإنسان لصيانة صنعته والمحافظة على صلاحهاهي طبع (كتاب) الكاتالوج الذي فيه إرشادات (هدى) (نتعلم) منها كيفية صيانةاالآلة والمحافظة على (صلاحها) فإن ذلك هو المثل الأعلى عند الإنسان ، ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم.
 
عودة
أعلى