كلمة مختصرة نفيسة في نشأة علم التجويد

ضيف الله الشمراني

ملتقى القراءات والتجويد
إنضم
30/11/2007
المشاركات
1,508
مستوى التفاعل
3
النقاط
38
الإقامة
المدينة المنورة
لفضيلة الشيخ الدكتور حازم سعيد حيدر ـ حفظه الله ـ كلمة نفيسة تحدث فيها عن نشأة علم التجويد ، ضمّنها تقريظه لكتاب (الفوائد التجويدية في شرح الجزرية) لفضية الشيخ عبد الرازق موسى ـ حفظه الله ـ ، وسأورد مقدمة الشيخ حازم كاملة بحروفها فإليكموها.
قال ـ نفع الله بعلمه ـ : ((إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وصلى الله وسلم على سيد الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، ومن تبع هداه واقتفى أثره إلى يوم الدين . أما بعد :
فإن الناظر في معظم كتب علم التجويد المتداولة بين أيدي عامة المتعلمين اليوم يلمس فيها ظاهرة غريبة عن هذا العلم الجليل ، توحي إليه بأن قواعد التلاوة ما هي إلا أسس وضعها علماء هذا الفن اجتهادا واستحسانا دون رواية وأثر ؛ وذلك لأن كثيرا من المباحث اصطبغت بتلك الوجهة في عرضها وتقريرها ، دون التركيز على ركنية التلقي والمشافهة والإسناد .
وقد بدأ هذا العلم أخيا ملازما لعلم القراءات ، ووجدنا مباحثه وأصوله متداخلة في ثنايا كتب اختلاف القراء .
وظهرت أول محاولة وليدة ـ فيما أعلم ـ لفصل بعض أقسام علم التجويد عن القراءات على يد الإمام أبي مزاحم موسى بن عبيد الله الخاقاني ـ رحمه الله ـ (ت:325هـ) في منظومته في "حسن الأداء" المعروفة بـ"الخاقانية أو الرائية" .
وتتابع التأليف في علم التلاوة بصورة أبسط وأوسع مما حوته أبيات الخاقانية ، نحو : كتاب " التنبيه على اللحن الجلي واللحن الخفي" لأبي الحسن علي بن جعفر السعيدي الحذاء(ت نحو : 410هـ) ، وكتاب "بيان العيوب التي يجب أن يجتنبها القراء وإيضاح الأدوات التي بني عليها الإقراء" لأبي علي الحسن بن أحمد المعروف بابن البناء الحنبلي (ت :471هـ) ، وكتاب "التمهيد في التجويد" للحافظ أبي العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني العطار الحنبلي (ت :569هـ) .
وكان لعلماء الأندلس القدح المعلى في وضع جمهرة من تصانيف علم التجويد ، نحو كتاب "الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة" لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي (ت :437هـ) ، وكتاب "التحديد في الإتقان والتجويد" للحافظ أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت :444هـ) ، وغيرهما .
وأظن أن منظومة الحافظ الإمام أبي الخير محمد بن محمد بن محمد بن الجزري (ت :833هـ) المعروفة بـ"المقدمة الجزرية" تمثل واسطة العقد في مؤلفات هذا العلم ، وبخاصة إذا اتضح لنا أنه ألفها في فترة متأخرة من عمره ، وتزامنت مع تصنيفه أهم كتابين وضعهما في بيان حروف القراءة ، وهما : "النشر في القراءات العشر" ونظمه "طيبة النشر في القراءات العشر" .
وقد ضمن هذه الأخيرة أربعة وثلاثين بيتا من أبيات "المقدمة الجزرية" على وجه التقريب .
فالمقدمة الجزرية ليست ككتابه "التمهيد في علم التجويد" الذي ألفه في سن الرشد وعمره تسعة عشر عاما .
ويترجح لدي أن ابن الجزري ـ رحمه الله ـ وضع مقدمته بين عامي (798ــ 800هـ) ، وذلك في رحلته إلى بلاد الروم (وهي تركيا الآن) ؛ لأن ابنه أبا بكر أحمد حضر سماعا إجازة أبيه لأبي الحسن علي باشا بقراء الأخير "المقدمة" عليه عام (800هـ) كما هو مثبت بخط ابن الجزري في نهاية نسخة مكتبة [لاله لي] .
وأيضا فإن ابنه الآخر أبا الخير محمد لحق بأبيه إلى تركيا عام (801هـ) ، وفيه حفظ "المقدمة الجزرية" ، فلو كان ابن الجزري نظمها قبل ذلك في الشام أو مصر لسبق لابنه المذكور حفظها .
وقد أرست مقدمة ابن الجزري قواعد علم التجويد ، وحددت معالمه وأطره في أربع حلقات ، وهي : مخارج الحروف ، وصفاتها ، والمسائل التجويدية ، والوقف والابتداء .
لهذا لاقت احتفاء كبيرا من أهل العلم ، ووصلت شروحها ـ التي علمنا من خبرها ـ قرابة خمسين شرحا بين مخطوط ومطبوع .
وأول من تناول شرحها ـ فيما أعلم ـ هو ابن الناظم : أبو بكر أحمد بن محمد بن الجزري (ت نحو :835هـ) في شرحه المسمى "الحواشي المفهمة لشرح المقدمة" ، وهو مطبوع .
وقد وفق الله تعالى أستاذي وشيخي فضيلة الشيخ المقرئ عبد الرازق بن علي بن إبراهيم موسى لشرح هذه المنظومة شرحا وسيطا سماه "الفوائد التجويدية في شرح المقدمة الجزرية" ، أبان فيه خفاياها ، وأوضح مسائلها ، وفصل مجملها ، ونبه على بعض قضايا طال الجدال حولها ، فحسم الخلاف وأظهر الراجح لديه ببينة وبرهان .
وقد استبطن في شرح جملة من شرح العلامة عمر بن إبراهيم السعدي أو المُسْعَدي المعروف بابن كاشوحة (ت :1017هـ) المسمى "الفوائد المسعدية" (خ) كما ذكر في مقدمته .
وبجانب إسهامات المؤلف العلمية ـ وفقه الله ـ تأليفا وتدريسا وإقراء وتدقيقا ومراجعة ـ تلحظ فيه الحرص الدؤوب ، والهمة العالية لتحصيل العلم ومدارسته مع تواضع وبشاشة وسجاحة خلق .
فأسأل الله تعالى أن يوفق المؤلف للمزيد بتحر وإتقان ، وأن ينفع بهذا الشرح كما نفع بأصله والحمد لله رب العالمين .))
وكتبه :
حازم بن سعيد حيدر الكرمي
المدينة الشريفة
28/8/1417هـ

تميز هذا التقريظ بما يلي :
1)اللغة العلمية العالية من غير تكلف.
2)أنه منصب على الجانب العلمي ، ولم يطغ فيه أسلوب المدح والثناء المتعارف عليه.
3)تحقيق بعض المسائل العلمية .
4)الدقة العلمية المتمثلة في عدم الجزم ببعض الأمور المحتملة.
5)سعة الاطلاع.
6)التأدب مع أهل العلم والمشايخ وتنزيلهم منزلتهم اللائقة بهم
7)تواضع فضيلة الشيخ عبد الرازق إبراهيم ـ حفظه الله ـ في طلبه التقديم للكتاب من أحد طلابه .
حفظ الله الشيخين وغفر لهما وجزاهما خير الجزاء وأوفاه
.
 
أحسنت بارك الله فيكم وفي الدكتور حازم حيدر ، وفي الدكتور غانم قدوري الحمد الذي سبق إلى تحرير هذا الموضوع في بحوثه ولا سيما (علم التجويد ونشأته الأولى) .
 
عودة
أعلى