كلمة في معنى ترتيل القرآن

إنضم
30 نوفمبر 2010
المشاركات
20
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
بسم الله الرحمن الرحيم
( كلمةٌ في معنى ترتيل القرآن )
- جاء في كتاب الله أمرٌ : (( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً )) ، وجاء في سنة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أمرٌ : (( مَن لَّمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ فَلَيْسَ مِنَّا )) .
- في هذه الآية الكريمة وفي هذا الحديث الشريف = بيانٌ : أن المأمورَ بأدائه في تلاوة القرآن هو وصفٌ داخلٌ في إطاقة كل إنسانٍ ، فترتيل الكلام في اللغة : تلاوته بالتأني والتمهُّل والترسُّل والنطق بالحروف مفسَّرةً واضحةً ، وقراءة القرآن بهذا المعنى لا تعسر على أحدٍ ، فليس من أحدٍ مقهورٍ على العجلة والسرعة والهذِّ ، والتغني في اللغة : هو نطق الكلام على وجهٍ تظهر به حلاوة الصوت ، وليس من أحدٍ مقهورٍ على إمرار قراءته عفوًا من الترنُّم والتطريب على قَدْر مستطاعه ، فالترتيل والتغني هو ما أمر به الشرع في تلاوة القرآن .
- والأمر الشرعي هو أمرٌ لغويٌّ لا يخرج عن مطلق الطلب = إلا بمزيد دلالةٍ تقتضي كونه متحتِّمًا لازمًا يأثم المسلم والمسلمة بتركه ، وليس في الآي الكريمة أو الأحاديث الشريفة ما يدُلُّ على أن ترتيل القرآن والتغني به من قبيل الأمر المتحتم التنفيذ بحيث يقع من مخالفته الإثم .
- ومن حفظ الله للدين : أَنْ حفظ لنا صفة قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - بنقل المشايخ الأثبات متواترةً مضبوطةً ، ولذا ؛ فليس ثَمَّ من طريقةٍ أمثل لقراءة القرآن الكريم من مواطأة صفة قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومطابقتها بقَدْر ما ينتهي إلى القارئ من العلم بتفاصيلها المحرَّرة في كتب التجويد ، والمتحصِّلة شفاهًا بقراءة المشايخ الثقات .
- إلا أن هذه المواطأة والمطابقة المستحبة لا يلزم منها تخطئةُ وتأثيمُ من خالفها ، لا سيما مع عدم القدرة ، وقد جاء في الأثر : (( صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي )) ، وكما أن في الصلاة أركانٌ وواجباتٌ ومستحبَّاتٌ ، فقراءة القرآن وهي عملٌ من أعمال الصلاة ؛= فيها ما هو واجبٌ لا يسقط إلا بالعجز ، وفيها ما هو مستحبٌ يكون تركه مع القدرة عليه مكروهًا .
- فإقامة الحروف على نطقها العربي واجبٌ ، وإلا تحرَّف القرآن عن كونه عربيًّا ، لكن ما عدا إقامة الحروف من تحقيق المخارج والصفات الأصلية والفرعيَّة فهو مستحبٌّ ؛ لأنها متابعةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم في قراءته ، ولكنها ليست واجبةً لأنه لا دليل على ذلك .
- لا يقال : إن قراءة القرآن عبادة ، والعبادات توقيف ، والموقوف عليه من قراءة النبي صلى الله عليه وسلم هو هذه الصفة المجودة ، فمن خالفها كان مبتدعًا وقارئًا بما لا يَحِلّ؛ ومستأهلاً للتفسيق ! ،= لأن التوقيف هو على جُمْلَةِ القراءة ، وهي أبعاضٌ كما سبق ، منها الواجب ومنها المستحب ، والمشابهة بالقراءات الشاذة ليس صوابًا ، لأن القراءات الشاذة فيها كيفياتٌ زائدةٌ ومختلفةٌ عن القراءات الثابتة ، فمن ترك بعض الصفات المستحبة في قراءة القرآن كان مزيلاً لشيْءٍ من الجمال، ولم يكن محيلاً للقرآن عن وجهه، والقراءة الشاذة هي شاذةٌ ولو قرأها بغاية ما يقتدر عليه إنسانٌ من التجويد ، لأن الثبوت والشذوذ جهةٌ أخرى غير التجويد وعدمه .
- والناظر في الآراء المشتجرة في هذه القضية يجد بعضها بين الغلو والجفاء ، فغلوٌّ أن يقال : إن عدم تحقيق هيأة الفم عند نطق الضم أو الكسر أو الفتح أقبح من اللحن الجليِّ ، وَهَبِ المرء ركع أو سجد ، ولكنه لم يحقق غاية الكمال في وصفي الركوع والسجود ؛= أيقال : إن صلاته غير صحيحة ؟! ، وجفاءٌ أن يقال : إن تعلم أحكام التجويد وتطبيقها تنطُّعٌ وتشدُّقٌ ، وترى بعض المتصدِّرين للفتوى والتدريس لا يحسنون قراءة القرآن على تلك الصفة النبوية المحفوظة بنعمة الله ، مع أنهم أولى الناس بالمتابعة والاقتداء .
- فالقول الحقُّ المعتدل اللائق بيُسْرِ الدين وسماحته : أن تجويد القرآن فضيلةٌ لا ينبغي لمسلمٍ أو مسلمةٍ أن يرغبا عنها ، وأن اللحن الجليَّ للقادر على تحاشيه مبطلٌ لقراءته ومأثمةٌ له ، وأنَّ العاجِزَ عن ذلك في قليلٍ أو كثيرٍ له أجران لاجتهاده في التعتعة ، وأنَّ التاركَ لبعض الصفات الجميلة في تلاوة القرآن مع القدرة عليها بالفعل أو بالقوَّة - أي بالصيرورة إلى ذلك بالتعلُّم - ؛= فاعِلٌ لمعيبٍ في حقِّه ومنقصٍ من ثوابه .
- والله الموفق إلى العلم النافع والعمل الصالح والكلم الطيِّب .
 
بارك الله فيك أخي محمود، وأريد أن أتعرف رأيك فيما يلي:
1. ما الذي يفيده الأمر الشرعي عند الإطلاق والتجرد من القرائن، وما الدليل؟
2. ما المقصود باللحن الجلي؟
3. هل يمكن إقامة الحروف بدون تحقيق مخارجها وصفاتها؟
4. ما تفسيركم لقول علي رضي الله عنه: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تقرأوا القرآن كما عُلِّمتم"، وهو حديث صحيح كما لا يخفى عليكم؟
 
أحسنتم ، نفع الله بكم وبارك فيكم وجزاكم خيرا .

ولي تعليقان فقط على هذه الجملة :
وأن اللحن الجليَّ للقادر على تحاشيه مبطلٌ لقراءته ومأثمةٌ له ، وأنَّ العاجِزَ عن ذلك في قليلٍ أو كثيرٍ له أجران لاجتهاده في التعتعة ،
الأول : هل يصح هذا الإطلاق : ( أن اللحن الجليَّ للقادر على تحاشيه مبطلٌ لقراءته ومأثمةٌ له ) ، وإن لم يُحِل المعنى أو يفسده ؟

الثاني : الظاهر أن التعتعة متعلقة بالحفظ والاستظهار ، لا النطق والأداء :

أخرج البخاري رحمه الله بإسناده عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ القرآن وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران ).

وعند مسلم رحمه الله : ( الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران ) .

قال النووي رحمه الله في شرحه على مسلم : ( ... والماهر : الحاذق الكامل الحفظ الذي لا يتوقف ، ولا تشق عليه القراءة ؛ بجودة حفظه وإتقانه . قال القاضي : يحتمل أن يكون معنى كونه مع الملائكة أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقا للملائكة السفرة ، لاتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله تعالى . قال : ويحتمل أن يراد أنه عامل بعملهم وسالك مسلكهم . وأما الذي يتتعتع فيه : فهو الذي يتردد في تلاوته ؛ لضعف حفظه ؛ فله أجران ؛ أجر بالقراءة ، وأجر بتتعتعه في تلاوته ومشقته . قال القاضي وغيره من العلماء : وليس معناه الذي يتتعتع عليه له من الأجر أكثر من الماهر به ؛ بل الماهر أفضل وأكثر أجرا ؛ لأنه مع السفرة ، وله أجور كثيرة ، ولم يذكر هذه المنزلة لغيره ، وكيف يلحق به من لم يعتن بكتاب الله تعالى وحفظه وإتقانه وكثرة تلاوته وروايته كاعتنائه حتى مهر فيه ؟! . والله أعلم ) .

 
إضافة

إضافة

- شكر الله للإخوة الأكارم هذا الاهتمامَ بهذه الكلمة وهذه الردود .
- وأجيب على تساؤلاتهم في حدود معرفتي ، مع اعتذاري عما إذا كان فيها من خطأٍ أو تقصيرٍ .
- الذي يفيده أمر الشرع هو : طلب امتثال المسلم والمسلمة لهذا الأمر ، ومبادرتهما إلى العمل به قدر الاستطاعة ، والذي يفيده نهي الشرع هو : طلب امتثال المسلم والمسلمة لهذا النهي ، ومبادرتهما إلى تحقيق الاجتناب للمنهيِّ عنه ، هذا عند الإطلاق المجرَّد من القرينة الدالة على إيجاب هذا الأمر ؛ بمعنى أن مخالفته بلا مانعٍ قاهرٍ يؤول إلى الإثم والمؤاخذة ، وهذه القضية مستفادةٌ من قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم : (( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم )) .
- والمقصود باللحن الجليِّ هو : إبدال حرفٍ بحرفٍ كأن تُنطَق الطاء تاءً ، وهو : إبدال حركةٍ بحركةٍ كأن تُجْعَلَ الفتحة ضمة ، فمثل هذا اللحن تحريفٌ للقرآن ، حتى وإن لم يُحِل المعنى أو يفسدْه = لأن فاعله قارئٌ لشيْءٍ ليس بين الدفتين مع ادِّعائه أنه قرآنٌ ، وهذا تدليسٌ وكذبٌ ، أما من حَدَثَ منه هذا اللحن عاجزًا عن الصواب = فهو معذورٌ لعجزه ، ومعلومٌ من حال مِثْلِه : أنه لا يحسن قراءة القرآن ، ولا تؤخذ عنه .
- وإقامة الحروف بغير تحقيقٍ لمخارجها وصفاتها = واقعٌ ، نعمْ ؛ هو لم يقرأ الحرف على نطقه الأصيل الفصيح المجوّد = لكنه لم يَعْدِل به إلى حرفٍ آخر ، فانتقاص التفخيم مثلاً أو الغنة أو المدّ = لا يخرج الحروف عن طبيعتها بالكلِّية ، ولا يُغَيِّر أو يُحَرِّف في القرآن .
- وقول عليٍّ - غفر الله لنا وله ! - : (( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تقرؤوا القرآن كما عُلِّمْتُم )) ؛= هو بالمعنى المتقرِّر من الأمر بترتيل القرآن والتغني به والاجتهاد في تجويده ، ولعلَّ هذا القول ليس فيه دلالةٌ على أن المقصِّر في ذلك آثِمٌ ، نعمْ، لا شكّ في أَنَّ تهاون الإنسان في اجتهاده في تجويد القرآن ؛ مع قدرته على ذلك ، أو مع قدرته على تعلُّم ذلك إن لم يكن يعلم حالاً = مغمزٌ في قوّة إيمانه ومسابقته إلى الطاعة ، لكنَّهُ لا يدخل في نطاق الفسقة والعصاة ؛= إلا إذا جاهر مثلاً بأنه لا شَيْءَ اسْمُهُ : تجويدُ القرآنُ ، وأن القرآنَ يقرأ كما يقرأ أيَّ كلامٍ = فهنا يختلف الأمر ، فهذا ليس مجرَّد مقصِّر أو متهاونٍ ، بل هو داعٍ إلى بدعةٍ خطيرةٍ .
- ومما يعتضد به في هذه القضية قصة عبد الله بن مسعود - غفر الله لنا وله ! - أنَّه استوقف قارئًا لعدم مدِّه كلمة الفقراء ، وصوَّبَهَا له بالمدِّ ، ولكنُّه لم ينسبْ الرجل إلى الْمُنكَر بهذه الفَعْلة ، وكان من فقهاء الصحابة الكرام .
- ومعنى التعتعة في الحديث النبويِّ : قد تحمل على معنى عدم إتقان الحفظ مقابلةً للروايات ببعضها ، ولا مانع أيضًا من حملها على عُسْر النطق وكُلْفته ، وهذا المعنى هو الأشهر في اللغة ، لأن المعنى الأول معنًى شرعيٌّ خاصٌّ .
- أرجو أن يكون في هذه الإضافة شيءٌ من الإفادة والإبانة ، والله الموفق .
 
بارك الله فيكم ، أكتفي بالتعليق على هذي النقطة فقط :
- ومعنى التعتعة في الحديث النبويِّ : قد تحمل على معنى عدم إتقان الحفظ مقابلةً للروايات ببعضها ، ولا مانع أيضًا من حملها على عُسْر النطق وكُلْفته ، وهذا المعنى هو الأشهر في اللغة ، لأن المعنى الأول معنًى شرعيٌّ خاصٌّ .
لا يظهر أن للتعتعة معنى شرعيا خاصا ، وليس معناها ضعف الحفظ ، وإن كانت متعلقة به ناتجة عنه أحيانا ، كما في الحديث .
وكذلك ليست هي عُسر النطق وكلفته كما تفضلتم .

إذ التعتعة هي : " أن يعْيا الرجلُ بكلامِه ويتردّدُ من عِيٍّ أو حَصَرٍ " . [ انظروا : العين ، والصحاح ، والمخصص ، واللسان ، والقاموس ] .
وقال ابن فارس في ( المقاييس ) : " يُقال : ( تَعْتَعَ الرجلُ ) : إذا تبلّدَ في كلامه " .
وقال ابن الأثير في ( النهاية ) : " ( الَّذِي يَقْرَأُ القرآن ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ ) : أَيْ يتَردّد فِي قِرَاءَتِهِ ويَتَبَلد فِيهَا لسانُه " .

وهذا الحصر أو العِيُّ الذي أدى للتردد والتبلد = ناتج عن ضعف حفظه إن كان يستظهر كلاما ( قرآنا كان أو غيره ) ، أو من ضعف تحضيره أو علمه وبيانه إن كان يرتجل خطبة أو غيرها . لا أنه يجد عسرا في النطق .

فالذي يلحن في مخارج الحروف وصفاتها ، ولا يجود قراءته أو يرتلها = إنما يسترسل في القراءة غير متردد ، وإن كانت لحنا . وذلك منفك عن معنى التعتعة أصلا ، بل هو شيء من العجمة أو اللكنة أو غير ذلك من عيوب النطق ذاته ، مما يعالج بالدربة ورياضة الفك كما قال ابن الجزري رحمه الله .

وفقكم الله ونفع بكم .​
 
عودة
أعلى