كلمة حفل تكريم الأساتذة الذين انتهت فترة عملهم بجامعة بن سعود؛ ألقى الكلمة عبده الراجحي

إنضم
12/11/2011
المشاركات
99
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
الإسكندرية
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة حفل تكريم الأساتذة الذين انتهت فترة عملهم بجامعة محمد بن سعود الإسلامية
ألقى الكلمة الأستاذ الدكتور عبده الراجحي
[نشرت بمجلة (مرآة الجامعة) السعودية، السنة الثامنة، العدد (114)، السبت 21 ذو القعدة 1409 هـ - 24 يونيو 1989م، الصفحة: 7 - 8]
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمد الله تعالى، ونستعينه، ونستهديه، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد..
معالي مدير الجامعة، أصحاب الفضيلة وكلاء الجامعة والعمداء، إخواني الأستاذة..
ليس من اليسير على مثلي أن يتكلم - نيابة عن إخوانه- في هذا الموقف، وقد أمضيت في هذه الجامعة المباركة سنتين؛ كان كل يوم فيهما غنياً بما لقيته من إكرام وتشجيع، وبما هيئ لي ولإخواني من سبل تدفع إلى العمل والإنتاج. والله يعلم أني منذ اللحظة الأولى ما أحسست أني انتقلت من بيتي إلا إلى بيتي، وأني ما تركت أهلي إلا إلى أهلي، وقد مضت السنتان وما أشعر إلا والتوحد كامل بالناس والمكان.
وليس قليلاً أن ينعم الله عليك بأن تعمل في جامعة تحمل اسم الإسلام، يوجهها منهج واحد هو منهج الإسلام؛ المبدأ إسلام، والغاية إسلام.
ونعمة الله الكبرى نحدث بها ونحن في المملكة المباركة؛ البيت آمن، والشريعة حاكمة، والمسجد على مد الذراع، وكلمة الله هي العليا.
معالي مدير الجامعة.. إخواني..
ما أود أن تكون هذه الكلمة كلمة توديع، أو تعبيراً عن شكر لما لقيناه من تكريم، وإنما أريد أن تكون فرصة نقدم فيها شيئاً من حصاد هذه الفترة التي أقمنا فيها في رحابكم، وأرجو أن تسمحوا لي أن أحدد رؤيتنا في العناصر الآتية:
أولاً:
إن هذه الجامعة ليست كأي جامعة؛ لأنها تحمل رسالة الإسلام، وهي مسئولية جسيمة عظيمة. والجامعة يقودها رجل عالم، دائب الحركة، جم النشاط، وليس مصادفة أن تختاره الجامعات الإسلامية رئيساً لها، وهو يمتلك من ذلك -بلا شك- رؤية أكثر اتساعاً وعمقاً عن أحوال المسلمين في العالم. وعلينا نحن أعضاء هيئة التدريس أن ندرك أن عملنا ليس أي عمل، وإنما هو جهاد في سبيل الله بكل ما يقتضيه هذا الجهاد من إعداد.
ثانياً:
إننا الآن نعيش عصراً تتفجر فيه المعرفة، ويتلاصق الإنجاز العلمي في إيقاع سريع، وليس من حقنا أن ننجرف مع السيل، وليس من حقنا أيضاً أن نتخلف عن الركب؛ فالمعرفة العصرية لا تعرف السدود وإنما هي تقتحم علينا حياتنا من كل سبيل، مقصودة مرصودة، تتكالب عليها تيارات من كل مكان، تتغير وسائلها وأدواتها وتتوحد غاياتها. وهي تيارات تتوجه إلى شبابنا على وجه الخصوص، وما ينبغي لنا أن نواجهها بالخطبة البليغة، أو بالعبارة الرنانة، وإنما الأمر أمر علم، فهو أخطر طريق، وهو أصح طريق. وأول هذا الأمر أن نعرف ما نملك، وأن نقدمه للناس على ما ينبغي أن يكون التقديم، أقول ذلك لأني أريد أن أشير إلى نقتطين: أولاهما: قضية التراث، وهي قضية أحسب أننا لم ننهض بحقها نحن الباحثين المسلمين؛ فما ينبغي أن يكون التراث محصوراً في تحقيق مخطوط على منهج آلي مكرور، وإنما علينا أن نبحث عن روح التراث؛ عن نظرية المعرفة عند المسلمين، وهي التي نزعم أنها كانت مسيطرة على الحياة العقلية عندهم، والتي نزعم أيضاً أننا لا سبيل لنا في الحركة المعاصرة إلا بها. وأما النقطة الثانية: فهي حياة العصر؛ إذ ليس من العدل أن نتغافل عما يجري حولنا، بل لابد أن نخوض العصر طالما أننا نملك المعيار.
ثالثاً:
ليس من الحق أن ينكفئ الأستاذ على قاعة الدرس حتى إذا انتهى من درسه نفض يديه كأنه أدى ما عليه. إن المسألة ليست مسألة لوائح، ولكنها مسئولية العمل في مثل هذه الجامعة. الطلاب يحتاجون أستاذهم خارج القاعة احتياجهم إليه داخلها إن لم يزد عليه. ولنا في سلفنا الأسوة الحسنة؛ كان العلم عندهم أخذاً عن الأستاذ، وصحبة له، وطول زمان، ولم يكن أخذاً عن مذكرة أو استظهاراً لكتاب. علينا إذن أن نفتح لهم قلوبنا، نقدم لهم تجربتنا، ونعلمهم منهج التفكير العلمي في مختلف الأمور، وعلينا أن نستمع إليهم، فعندهم كثير جداً مما ننتفع به.
والمجتمع خارج الجامعة يتطلع أيضاً إلى الأستاذ؛ في الأندية الأدبية، وفي المحافل العامة، وفي وسائل الإعلام، وفي المناقشات المتخصصة. ولا يمكن أن تكون الجامعة موجودة فاعلة إلا بأعضائها.
رابعاً:
لقد أمرنا أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، وأمرنا بإتقان العمل؛ فكيف تكون محاسبة النفس إن لم تكن مراجعة ما تعمل؛ ننظر فيه، ونختبره، ونعدّله، أو نعدِل عنه. وهذه مسألة جوهرية ما ينبغي لنا أن نغض الطرف عنها، أو أن نرجئها إلى حين الانتهاء من كيت وكيت، وإنما المراجعة الدائمة مطلوبة، وليس ثمة عمل بشري كامل على الإطلاق. وإني لأشهد الله أن كثيراً مما نعلِّمه في حاجة إلى مراجعة، وعلى أخص الخصوص تعليمنا للعربية، وهي قضيتنا الأولى، وهي رسالة هذه الجامعة؛ لأن العربية التي نعرفها إنما هي عربية الإسلام. وليس من العدل أن نتغافل عن الحقائق الصارخة، بل الواجب الفرض أن نتعلم كيف نعلم، وألا يتوقف لنا سعي في سبيل الإتقان. ولنعلم أن العلم لا يمكن أن يكون فردياً، وإنما العلم جماعة، وكيف نفهم الشورى إن لم تكن احتكاك عقل بعقل، يتولد عنه الضوء الذي ينير الطريق.
خامساً:
أرجو أن تعذروني إذا تجرأ علي التطفل بأن أقترح أن تكون هناك ضوابط زمنية للتعاقد. نعم، إن الاستمرار يفضي إلى الاستقرار، وهو هدف عظيم، لكن الاستمرار يكفله الآن أهل الدار، وعلى الروافد الأخرى أن تتجدد ليتجدد الهواء، وتزداد العافية.
ثم أما بعد..
ندرك نحن الذين نغادركم إلى حين أن علينا واجباً نحوكم، فالآصرة بيننا أقوى آصرة، ونحن نشعر بالانتماء إليكم كما تشعرون أنتم أننا منكم، ولا يستطيع أحد أن يلغي التاريخ؛ فالفترة التي قضيناها معكم صارت جزءاً منا، لكننا نؤكد أن الحركة بيننا يجب أن تكون في الاتجاهين؛ تتصل بنا الجامعة فيما يهمها من أمور، فنحن على دراية الآن بما فيها، ونبادر نحن بتزويد الجامعة بكل ما تضيفه إلينا التجربة. وليس مقبولاً مثلاً أن نرى المتخرجين في الجامعات الغربية يكوّنون رابطات لهم؛ فثمة رابطة لمتخرجي الجامعات الإنجليزية، وأخرى للألمانية، وثالثة للأمريكية. أفلا نبحث عن نظام يصل ما لا ينبغي أن ينقطع؟ بلى؛ فكل منا في حاجة إلى الآخر،نحن وأنتم على سواء.
وأخيراً أرجو أن تعذرونا من كل تقصير، وأن تسامحوني على ما أطلت، وما تجرأت، وما تجاوزت.
بارك الله في هذا البلد الآمن، وبارك في حكمه الراشد، وبارك في هذه الجامعة المباركة، وبارك في القائمين عليها، وبارك فيكم جميعاً. ونسأل الله سبحانه أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
رحم الله الدكتور عبده الراجحي رحمة واسعة وأسبغ على جدثه حلل الرضوان
 
عودة
أعلى