كلمة تأبينية في الشيخ المحدث يوسف الكتاني للدكتور محمد بن زين العابدين رستم

فريح مصطفى

New member
إنضم
10/05/2015
المشاركات
79
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
العمر
42
الإقامة
المغرب
تعود صلتي بالمحدث الأستاذ الدكتور يوسف الكتاني رحمه الله إلى بداية طلبي لهذا الفن الحديثي المغربي الأصيل في رحاب دار الحديث الحسنية بالرباط في مرحلة التخصص الدقيق، فهناك تعرفت على ما كتبه الشيخ الدكتور عن مدرسة الإمام البخاري بالمغرب الأقصى، ثم توثقتْ بعدُ صلتي ببحوث ودراسات الشيخ لما انكببت على دراسة الشروح المغربية والأندلسية للجامع الصحيح للإمام الفحْل أبي عبد الله البخاري إذ كنت أقرأ للشيخ آراءه فيما يعرض لي من مشكلات في البحث ودقائق عويصة في الدراسة.
وكان من بين قراءاتي في المجلات المتقنة في الثمانينات من القرن العشرين مجلة دعوة الحق التي كانت تصدر يومئذ محلاةً بأتقن البحوث وأنفسِها لجمهرة ٍمن الباحثين البارعين والنوابغ المفلقين وعلى رأسهم الشيخ الدكتور يوسف الكتاني.
وكان أنْ قدِّر لي وأنا في مقتبل العمر وريعان الشَّباب أنْ أشرع في الكتابة في المجلاَّت التي كان الشيخُ يكتب فيها كمجلة الإحياء التي كانت تصدر عن رابطة علماء المغرب ومجلة دعوة الحق، فأخذ الشيخ يتتبع مقالاتي متعرِّفا عليَّ كما ذكر ذلك فيما دبجته يراعتُه في تقديمه لكتابي:" نضرة أهل الحديث "، ومن يومئذٍ توثَّقتْ صلتي بالشيخ إذْ راسلني مبتدئا بالسَّلام راغبا إليَّ في المشاركة في ندوة نظمتها جمعية الإمام البخاري في أيام نشاطها وازدهارها.
واستمرتْ علاقتي بالشيخ المحدِّث: أتابع ما يخرجه من بحوث ودراسات تتعدد موضوعاتها في مناحي الثقافة الإسلامية عامة والحديث وعلومه خاصَّة إلى أنْ جاءتني منه رسالة ٌتحملُ بُشرى عزمه على إصدار مجلة متخصِّصة في الدِّراسات الحديثية سماها "مجلة السُّنة النَّبوية "، وأنه اختارني ضمن الهيئة الاستشارية للمجلة، فسعدتُّ بذلك وسُررتُ.
لقد كان الشيخ ُالمحدِّثُ يوسف الكتاني سليلَ دوحةٍ مغربيَّة حديثيَّة معروفةٍ بالعلم يُتوارث فيها الفضلُ كابرا عن كابر، ولاحقا عن سابق، تميزتْ هذه الدوحةُ بكبار المحدِّثين، ومشاهير المسندين، فتخرَّج الشيخُ جاريا على سَنن آبائه وأجداده راويا مُسنِدا لأرفع كتب السنن، ومعتنيا بالحديث أيما عناية، ولقد تميز الشيخ الدكتور رحمه الله بعدة خصائص تذكر على سبيل التحدث بما أفاء الله عليه من النعم، وصرف عنه من النِّقم، وأضفى عليه من الحلل منها:
ـ بذْلُه للإجازة الحديثية بالكتب المسنَدة التِّي تحمَّلها لمن طلبها أو رغِب فيها، وعدم بخله وضنِّه بذاك، ولقد رغبتُ إليه مُستجيزا برواية الجامع الصحيح للإمام البخاري على جهة الإبقاء على سلسلة السند متصلا إلى جامعه، ووصْل ما انقطع من أسباب اللُّقيا بأهل هذا الشأن الأماجد- فلقيتُ منه رحمه الله استجابة وترحيبا، ورغبة وقبولا.
- صبره على البحث وهمَّته العالية في التنقيب والدرس والكتابة: إذ مع تقدُّم سنِّه، وعلُوِّ شأنه، حافظَ رحمه الله على جهاده بالكتابة، مثابرا على إخراج دليلِ نبوغه، وبرهانِ سُطوع نجمه، وآية تفوقه وسموِّ منزلته:" مجلة السنة النبوية" التي كانت رائدة في بحوثها ودراساتها، إذ لم تُفرد قبلها مجلة محكَّمة في موضوعها وشِكْلها، وإنما كان منه هذا الإصدارُ بالنسبة لعمره المبارك في آخره وأُفوله، ومع ذلك كان الشيخُ دائمَ الاشتغال، حريصا على البحث، مراسلا أعضاء تحرير المجلة يحثُّهم على الكتابة ويستشيرهم في الجديد الوارد عليه من أفكار وآراء.
- ريادة الشيخ رحمه الله في المعرفة بالتراث الحديثي المغربي، وتنويهه بالنادر منه، وتعريفه بالمستور منه الخفي، إذ كتب الشيخ فسح الله له في قبره كتابه عن " مدرسة الإمام البخاري في المغرب"، فتح فيه أبوابا كانت موصدة، ونهج فيه سُبلا كانت مغلقة، باعثا أعلام الدَّرس الحديثيِّ المغربيِّ من جديد، ناشرا علمهم، منوِّها بمقاديرهم، متحدثا عن محاسنهم وفضائلهم في الحديث وعلومه.
- اعتزاز الشيخ رحمه الله تعالى بمغربيته وسعيه في نشر مآثره في العلم الشرعي مغربا ومشرقا، وصرفه وقته في الحديث عن ذخائر تراثه تفسيرا وحديثا وفقها وأصولا محاضرة ودرسا وبحثا ومقالة، وكان الشيخ في أواخر عمره يلتزم في اللقاءات العلمية لباس الجلباب الأبيض المغربي والطربوش الأحمر.
- أوتي الشيخ رحمه الله تعالى من محاسن الأخلاق حظا عظيما وقسطا وفيرا، جعله ذلك جمَّ التواضع، خافضاً للجناح لمن خالطه أوْ جالسه ساعةً من زمان، ولقد شاهدتُه في داره العامرة في جلسة تداولنا فيها بعض شؤون مجلة السنة النبوية- فرأيتُ من تواضعه لي ولمن كان معي من صغار طلابه ما أذهلني.
- تميز الشيخ رحمه الله تعالى بنصاعة البيان، وسلامة الأسلوب، وقوة البرهان، ما يقف عليه كلُّ من قرأ له أو طالع له رسالة أو مكتوبا، وذلك جاءه من مخالطة كلام النبي صلى الله عليه وسلم وممارسته للفصيح منه.
ومحاسنُ الشيخ الدكتور يطول تعدادها ويصعب إحصاؤها في هذه الكلمة التأبينية ومجمل القول فيه أنه عزَّ نظيره في موضوع الدراسات الحديثية المغربية، فهو ابنُ بجدتها وكاشف سرها، وأستاذ جيل باحثيها..والمأمول أن يسير على خطاه من آنس في نفسه إبداعا في موضوعاتها، كما أنه يرجى أن يعاد نشر كتب الشيخ الدكتور في أجزاء كاملة وأعمال تامة، وأن يُستأنف صدور مجلة السنة النبوية لأنها حسنته التي أبقاها على وجه الدهر خالدةً، وصدقته التي ادخرها لآخرته جاريةً، وجالبةُ الدعاء له بالرحمة والرضوان، والمثوبة والغفران، غفر الله للشيخ وأسكنه الجنان وأخلف على الأمة المغربية والإسلامية الخير...
 
عودة
أعلى