محمود عبد الصمد الجيار
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة المكرمين في الاحتفال الخمسيني لكلية الآداب جامعة بيروت العربية
للأستاذ الدكتور عبده الراجحي
بسم الله الرحمن الرحيم
ذلكم أيها السادة..
لأن الجامعة أستاذ، والأستاذ الحق جامعة، وما تذكر جامعة على مر التاريخ إلا ويقال إن فيها فلانا وفلانا من الأساتذة، ولا يذكر أستاذ إلا ويقترن به اسم جامعته. ولقد شاهدنا في العالم جامعات كبرى تعلي صور أساتذتها المرموقين وتعلن اعتزازها الدائم بهم؛ لم يكن واحد منهم في الأغلب عميدا، ولارئيس جامعة، ولا محافظا، ولا وزيرا، بل كان أساتذا شق لنفسه في العلم مجرى تدفقت فيه ومنه مياه كثيرة.
وإني كلما دخلت قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة.. وأجد فيها غرفتين صغيرتين ليس غير، فيهما صور طه حسين، وأمين الخولي، وسهير القلماوي، وأحمد أمين، وشوقي ضيف.. أقول للأجيال الجديدة من هيئة التدريس استمسكوا بهاتين الغرفتين، واحفظوا لكل شبر فيهما قيمته. فمن هاتين الغرفتين تدفقت أضواء التنوير على أهل مصر ومن حولها من بلاد العرب.
وأن تكون أستاذا يعني أن تكون طالبا دائما للعلم، وإذ ذاك يتحول لديك مقياس الزمن إلى مقياس واحد هو مقياس الإنجاز في طلب العلم.
وفي ضوء هذا نفهم الاحتفال الخمسيني للجامعة؛ على أنه خمسون عاما في نشر العلم، ونشره لايكون إلا في طلبه.
أيها السادة..
قد يكون من نافلة القول أن نؤكد أن التقدم العلمي الذي تقوده الجامعات لا يتحقق إلا بالانتشار والانفتاح وعقد مصاهرات نسب مع الآخرين فيما يعرف الآن بالتوأمة بين الجامعات.. «تباعدوا لا تضوا» قولة رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، لا تسرفوا في الزواج من ذوي القربى ولا في التربية الداخلية حتى لا يصيبكم الضمور.
ومن عجب أننا كثيرا ما نتجاهل الحقائق الماثلة بين ظهرانينا من كثرة إلفنا لها، ومنها جامعة بيروت العربية، ولدت في أحضان جامعة الإسكندرية، ثم تدرجت إلى أن صارت توأمًا لها وقد تكون أكثر نضارة وفتوة، لكنها في الحقيقة ثمرة لهذا الجوهر الأصيل في التقدم العلمي، وهي في الوقت نفسه رمز على روح مصر العظيمة في محبتها وتضحيتها واحتضانها وانفتاحها ورمز على روح لبنان في حيوته وتقبله وعرفانه.
هذه أيها السادة.. تجربة فريدة في العالم العربي، لكنها لم تلق حتى اليوم ما تستحقه من الدرس المتعمق الذي قد يفضي إلى وضع دستور من المعايير تبنى على أساسها العلاقات العلمية والجامعية.
أيها السادة..
في السنة الأولى من سبعينيات القرن الماضي خرجنا من الإسكندرية، نحمل يود بحرها العظيم إلى الطريق الجديدة ثم إلى جنوب لبنان وشماله وجباله وبقاعه، وإني لأزعم أن السنوات الثلاثة الأولى من هذه السبعينيات قد شهدت انطلاقة ناضجة حقيقية لجامعة بيروت، وما أظن جامعة في العالم العربي حظيت بما حظيت به جامعة بيروت العربية من دعم علمي.
وحين أذكر هذه السنوات الباكرة أذكر صفوة الفكر الجامعي في الفروع كلها، لا أستطيع حصرا، لكن يكفيني التمثيل؛ كم جامعة حظيت بأمثال: صوفي أبو طالب، وعبد المنعم الصدا، وكامل ليلة، ورفعت المحجوب، وأنور سلطان، وجلال العدوي، ومصطفى طه، والشيخ مصطفى شلبي، ومحمد زاكي شافعي، وخيرت ضيف، وصالح لمعي، وعزت أبو جد، وعبدالسميع مصطفى، ومحمد محمد حسين، وعبد القادر القط، وعز الدين إسماعيل، ومصطفى الشاكعة، ومحمد زكي العشماوي، وغيرهم، وغيرهم، من خير ما أنبتت أرض مصر الخصيبة من عقول.
وحين أعبر السنوات الأربعين منذ ذاك إلى اليوم.. أذكر أن الجامعة وقتها كان يرأسها أستاذ كبير في العمارة المرحوم الدكتور حلمي الخولي، أما السنوات الثلاث الآخيرة التي تسلمنا الآن إلى العيد الذهبي فيرأسها أستاذ آخر في العمارة، يتدفق حيوية وعلمية وانضباطا واستشراقا إلى المستقبل؛ كلاهما أستاذ في العمارة، وهي أم الفنون كما يقال، ويكفيها أنها تصدر عن استبصار عميق في الزمان والمكان. شهدت الفترة الأولى انطلاقة التأسيس، وتشهد الفترة الحالية انطلاقة حقيقية للتطوير تلمسه ماثلاً أمامك في كل مكان.
وحين أرى الحرم الجامعي الجديد في الدبية باتساعه وخضرته وجماله وإطلالته على البحر.. أقول متى يكون للجامعة الأم في الإسكندرية حرمها الجامعي، يلم المتفرق، ويهيئ المناخ الصالح للتطوير والتقدم، في وحدة القسم، وفي تأصيل العلوم البينية، وفي غيرها.
أيها السادة..
أعتذر إليكم عن هذه الإطالة، لكنها انطباعات سريعة جدا لأستاذ عاش في الجامعتين ما يقرب من أربعين عامًا، ولا يزال يتحرك بينهما، يحكمه الحب والالتزام وإدراك النعمة، ولا أجد الآن في الختام إلا أن أوجز جامعة بيروت العربية في كلمات: من الإسكندرية إلى الطريق الجديدة.. ومن الطريق الجديدة إلى كل لبنان.. ومن لبنان إلى كل العرب..