كلمات في قواعد التفسير

إنضم
26/11/2007
المشاركات
429
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الحمد لله وحده نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزب وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد :
فهذا الموضوع أحببت تخصيصه لجمع لطائف أقوال أهل العلم في قواعد التفسير أجمع فيه بحسب التيسير ما أرجو أن ينفع الله به جامعه ومن يسهم معه، وقارءه وناقله.
وليعلم أنه ليس من شرطي إقرار كل ما أدرج منها على علاته وإنما أنقل ما أحسب أنه يجدي نفعاً أو يثير نقعاً على سنة (إذا كتبت فقمش وإذا حدَّثت ففتش)
ولما لم يحن وقت التفتيش لم يكن بد من استصحاب التقميش ، وقد أعلق أحياناً بما أحسب أنه يفيد على وجه المقاربة والتسديد، والله هو المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وهذا أوان الشروع في الموضوع:

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} قد اختَلَفَ العلماءُ في مَعْنَاهُ،
فقالَ جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ: هُوَ الصُّبْحُ.
وقالَ أبو عبدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيُّ: هي جَهَنَّمُ.
وقيلَ: هو الخَلْقُ.
وقيلَ: هو وَادٍ في جَهَنَّمَ.
قالَ أبو جَعْفرٍ: وإذا وَقَعَ الاختلافُ وَجَبَ أنْ يُرْجَعَ إلى اللِّسانِ الذي نَزَلَ به القرآنُ، والعَرَبُ تقولُ: هو أَبْيَنُ من فَلَقِ الصُّبْحِ وفَرَقِه، يَعْنُونَ الفَجْرَ). [إعراب القرآن: 5/313]
قلت: (هذه القاعدة ليست على إطلاقها ، يخصص منها ما إذا كان الخلاف ضعيفاً فإن القول الضعيف لا يقاوم القول القوي حتى يساقطه
فإذا وقع خلاف في تخصيص مدلول اللفظ في اللغة على غير سبيل التمثيل فإن كان التفسير المرفوع حقيقة أو حكماً صحيحاً وجب المصير إليه ولا تحل مخالفته حتى لو قدر وجود أقوال أخرى في المسألة
ثم في تطبيقه للقاعدة غرابة، فما الذي يخصص فلق الصبح دون غيره؟!
فإنها لا تخصص بذلك إلا إذا كانت (أل) للعهد، أما إذا كانت للجنس فهي أعم من ذلك، والله تعالى أعلم).
 
موضوع على جانب كبير من الأهمية، يتلاءم مع قدر الملتقى وأهله، وأرجو أن ينال حقه من الاهتمام. فجزاك الله خيرا ياشيخ عبدالعزيز.

ثم اسمح لي أستاذي الكريم بالتوقف مع فضليتك عند جميل قولك:


(هذه القاعدة ليست على إطلاقها ، يخصص منها ما إذا كان الخلاف ضعيفاً فإن القول الضعيف لا يقاوم القول القوي حتى يساقطه
فإذا وقع خلاف في تخصيص مدلول اللفظ في اللغة على غير سبيل التمثيل فإن كان التفسير المرفوع حقيقة أو حكماً صحيحاً وجب المصير إليه ولا تحل مخالفته حتى لو قدر وجود أقوال أخرى في المسألة
.

فما أروعه في عمومه، ودقته في مضمونه، وهو يتماشى مع رأي شيخ المفسرين في قوله:" ..ولم يكن جلّ ثناؤه وضعَ دلالة على أنه عُنِي بقوله { بِرَبِّ الْفَلَقِ } بعض ما يُدْعَى الفلق دون بعض، وكان الله تعالى ذكره ربّ كل ما خلق من شيء، وجب أن يكون معنياً به كل ما اسمه الفَلَق، إذ كان ربّ جميع ذلك".

وإن كان -رحمه الله- قد صوَّب القول إنه الصبح، كما يرويه عنه ابن كثير في قوله:" وقال ابن جرير: والصواب القول الأول: إنه فلق الصبح، وهذا هو الصحيح، وهو اختيار البخاري في صحيحه رحمه الله تعالى".

وإني إذ أوافقك أستاذي الحبيب في مجمل ما قلت، وخاصة من حيث المنهجية والتوظيف، إلا أني أتوقف عند النتيجة والثمرة المستفادة، التي قد تشكل - بعد طرحك ماتفضلت به- على البعض منا طلبة العلم، لأذهب مع رأي الجمهور، وهو ما تبناه الإمام الشوكاني ورجحه في قوله: " والقول الأوّل - أي: الصبح- أولى؛ لأن المعنى، وإن كان أعمّ منه وأوسع مما تضمنه لكنه المتبادر عند الإطلاق".

ونعلم أنه ( لا يجوز العدول عن ظاهر اللفظ، ومعهود لسان العرب في الخطاب) وهي قواعد مسلمة في أصول التفسير -كما هو معلوم - وقد أيد ما ذهب إليه النحاس، قوة الظاهر، وتأييد لسان العرب، كما في قول ذي الرّمة:
[poem=font="Times New Roman,5,blue,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=1 align=center use=sp num="0,black"]
حتى إذا ما انجلى عن وجهه فلق = هادئة في أخريات الليل منتصب[/poem]

وقول الآخر:
[poem=font="Times New Roman,5,blue,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=1 align=center use=sp num="0,black"]
يا ليلة لم أنمها بتّ مرتفقا = أرعى النجوم لي أن نوّر الفلق[/poem]


ثم وبالاستفادة من قولك الكريم:" فإذا وقع خلاف في تخصيص مدلول اللفظ في اللغة على غير سبيل التمثيل فإن كان التفسير المرفوع حقيقة أو حكماً صحيحاً وجب المصير إليه ولا تحل مخالفته حتى لو قدر وجود أقوال أخرى في المسألة".
ولا شيئ من ذلك حصل، فكل الأقوال الأخرى لا تعدو كونها أقوال صحابة أو ما دونهم، ولاحجة في ذلك، ولم يرد حديث صحيح يحتكم إليه، سوى الحديث المرفوع الذي جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الفلق: جب في جهنم مغطى " وقد بين ابن كثير نكارته وأن إسناده غريب، ولا يصح رفعه.

ويقابله ما رواه الإمام السيوطي في الدر المنثور، ما أخرجه ابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن لبيد بن الأعصم اليهودي سحر النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه:" ..ثم قلبت الصخرة إذا كدية فيها صخرة فيها تمثال فيها إحدى عشرة عقدة، فأنزل الله يا محمد { قل أعوذ برب الفلق } الصبح فانحلت عقدة ..".

أما ما ذكرته من جميل قولك:" ثم في تطبيقه للقاعدة غرابة، فما الذي يخصص فلق الصبح دون غيره؟! "

فقد أشار إليه الإمام الشوكاني في قوله": وقد قيل في وجه تخصيص الفلق: الإيماء إلى أن القادر على إزالة هذه الظلمات الشديدة عن كلّ هذا العالم يقدر أيضاً أن يدفع عن العائذ كل ما يخافه، ويخشاه..".

كما ذكر الخازن في ذلك قوله:" ... وقيل إن تخصيص الصبح بالذكر في هذا الموضع لأنه وقت دعاء المضطرين، وإجابة الملهوفين، فكأنه يقول قل أعوذ برب الوقت، الذي يفرج فيه هم المهمومين والمغمومين".

ولما كان التخصيص بالصبح هو الأظهر عند أكثرية المفسرين فإن ابن عاشور رجحه، بل لم يطمئن إلى غيره، فلم يذكر سواه في تفسيره، فقال موجزا:"والمعنى: أعوذ بفالق الصبح مَنجاةً من شرور الليل، فإنه قادر على أن ينجيني في الليل من الشر كما أنجى أهل الأرض كلهم بأن خلق لهم الصبح، فوُصفَ الله بالصفة التي فيها تمهيدٌ للإِجابة".

وسواء كان التخصيص مقبولا أم لا، يبقى المعنى الأول هو الأظهر، والأقرب للقبول.

وأرجو ألا أكون خرجت بالموضوع عن مقصده الأساسي، ولكن ضرورة رفع الإشكال لزملائي طلبة العلم استوجب مني هذه الوقفة، وإن كان ماذكرته لا يعبر عن مافي نفسي بدقة، ولعل وقفة أخرى بعون الله أبين فيها ذلك، والله الموفق.
 
جزاك الله خيراً على هذه المداخلة الثرية ، التي تدل على فهم صاحبها وعقله وأما قولي:
فإذا وقع خلاف في تخصيص مدلول اللفظ في اللغة على غير سبيل التمثيل فإن كان التفسير المرفوع حقيقة أو حكماً صحيحاً وجب المصير إليه ولا تحل مخالفته حتى لو قدر وجود أقوال أخرى في المسألة
فقصدت به العموم في مسائل التفسير التي تتعلق بها هذه القاعدة ولم أقصد خصوص هذه المسألة. وإلا فهذه المسألة – كما ذكرت - لم يصح فيها حديث مرفوع ، وإن كان قد روي فيها عن عمرو بن عبسة وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمرو بن العاص بما يفيد أن الفلق (جب في جهنم) وكلها أسانيدها واهية لا تصح.
وأما ما روي عن أبي هريرة فخطأ وصوابه عن كعب الأحبار وإلا لو صحت لكان الأخذ بها واجباً كما قال الشوكاني: (وَهذهِ الأحاديثُ لَوْ كانتْ صَحِيحَةً ثَابِتَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكانَ المصيرُ إِليها وَاجِباً، وَالقولُ بها مُتَعَيِّناً). وكذلك الآثار عن الصحابة روي فيها عن جابر وابن عباس أن الفلق الصبح ، ولم يصح عنهما.
وأمثل ما روي عن الصحابة في هذه المسألة ما أخرجه ابن جرير من طريق معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الفلق: يعني الخلق.
وهذا الإسناد فيه الخلاف المعروف وقد حسنه بعض أهل العلم.

وهو يتماشى مع رأي شيخ المفسرين في قوله:"..ولم يكن جلّ ثناؤه وضعَ دلالة على أنه عُنِي بقوله { بِرَبِّ الْفَلَقِ } بعض ما يُدْعَى الفلق دون بعض، وكان الله تعالى ذكره ربّ كل ما خلق من شيء، وجب أن يكون معنياً به كل ما اسمه الفَلَق، إذ كان ربّ جميع ذلك". وإن كان -رحمه الله- قد صوَّب القول إنه الصبح، كما يرويه عنه ابن كثير في قوله:" وقال ابن جرير: والصواب القول الأول: إنه فلق الصبح، وهذا هو الصحيح، وهو اختيار البخاري في صحيحه رحمه الله تعالى".

كلام ابن كثير ههنا غريب لأمرين:
الأمر الأول: أن ابن جرير لم يرجح القول الأول الذي ذكر ، بل صرح بأن الفلق يعم ما يقع عليه لفظه حتى إنه قال: (وجائز أن يكون في جهنم سجن اسمه الفلق).
وهذا نص كلامه:
قال محمد بن جرير الطبري(ت:310هـ): (والصَّوَابُ مِنَ القَوْلِ في ذلك، أن يقالَ: إن اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أمَرَ نبيَّه محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقولَ: {أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}. والفَلَقُ في كلامِ العربِ: فلَقُ الصبحِ، تقولُ العربُ: هو أبْيَنُ مِن فَلَقِ الصبحِ، ومِن فَرَقِ الصبْحِ. وجائِزٌ أن يكونَ في جهنَّمَ سِجْنٌ اسْمُه فلَقٌ. وإذا كانَ ذلك كذلك، ولم يَكُنْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَضَعَ دَلاَلَةً على أنَّه عنَى بقَوْلِهِ: {بِرَبِّ الْفَلَقِ} بعضُ ما يُدْعَى الفلقَ دونَ بعضٍ، وكانَ اللهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ربَّ كلِّ ما خَلَقَ مِن شيءٍ، وَجَبَ أن يكون مَعْنِيًّا به كلُّ ما اسْمُه الفَلَقُ؛ إذْ كانَ رَبَّ جَمِيعِ ذلك). [جامع البيان: 24/741-745]
الأمر الثاني: أن مستنده في الترجيح لم يكن إلا اختيار البخاري وتوهمه ترجيح ابن جرير.
وهذا يثير الكلام على مسألة مهمة من مسائل قواعد التفسير وهي هل يؤخذ بترجيحات المحدثين فيما مستنده اللغة؟
والذي خلصت إليه بعد تأمل:
أن المحدث إذا كان عالماً باللغة ورجح قولاً على قول بمستند لغوي فقوله معتبر كسائر أقوال علماء اللغة ، وينظر فيه كما ينظر في سائر المسائل اللغوية.
وإذا كان مستنده تصحيح الرواية عمن يحتج به فقوله يفيد صحة الرواية ما لم تكن معلة بعلة لم يتبينها.
وهذه القضية تحتاج إلى زيادة تحرير.

أما ما ذكرته من جميل قولك:" ثم في تطبيقه للقاعدة غرابة، فما الذي يخصص فلق الصبح دون غيره؟! " فقد أشار إليه الإمام الشوكاني في قوله": وقد قيل في وجه تخصيص الفلق: الإيماء إلى أن القادر على إزالة هذه الظلمات الشديدة عن كلّ هذا العالم يقدر أيضاً أن يدفع عن العائذ كل ما يخافه، ويخشاه..".

لعلك توافقني أن ما ذكره الشوكاني ههنا إنما هو التماس للحكمة من تخصيص الاستعاذة بوصف (رب الفلق) على اعتبار أن المراد بالفلق الصبح، وهذا ليس ترجيحاً يستند إلى مخصص لغوي وقد قيل نظيره في الأقوال الأخرى.
والذي يعتبر تخصيصاً لغوياً هو ما تفضلت بنقله عن الشوكاني في قولك:
إلا أني أتوقف عند النتيجة والثمرة المستفادة، التي قد تشكل - بعد طرحك ماتفضلت به- على البعض منا طلبة العلم، لأذهب مع رأي الجمهور، وهو ما تبناه الإمام الشوكاني ورجحه في قوله: " والقول الأوّل - أي: الصبح- أولى؛ لأن المعنى، وإن كان أعمّ منه وأوسع مما تضمنه لكنه المتبادر عند الإطلاق". ونعلم أنه (لا يجوز العدول عن ظاهر اللفظ، ومعهود لسان العرب في الخطاب) وهي قواعد مسلمة في أصول التفسير -كما هو معلوم –
هذا المخصص لو صحَّ تطبيقه هنا لكان حجة لغوية مقبولة بمعنى لو أن لفظ الفلق إذا أطلق تبادر إلى الذهن منه عند الإطلاق معنى الصبح لكان ذلك مرجحاً صحيحاً
لكن لفظ (الفلق) يستعمل في لسان العرب لعدة معانٍ صحيحة ولها شواهد كثيرة
1: فيطلق ويراد به الصبح، وفيه الشواهد التي تفضلت بذكرها ، وهو إطلاق صحيح لا غبار عليه.

2: ويطلق ويراد به المكان المطمئن بين ربوتين ومنه قول أوس بن حجر: (وبالشول في الفلق العاشب)
وقول زهير: ما زلت أرمقهم حتى إذا هبطت أيدي الركاب بهم من راكس فَلَقَا
وراكس: واد معروف بين الحجاز وعالية نجد.
قال الأصمعي: (الفالق والفلق مطمئن من الأرض تحفه ناحيتان مرتفعتان).

3: ويطلق ويراد به مقطرة السجان
قال الخليل بن أحمد: (والقِطارُ: جماعة القَطْر، واشتق اسم المِقْطَرةِ منه لأن من حبس فيها صار على قِطارٍ واحد، مضموم بعضها إلى بعض، ويقال لها: الفَلَق، تُجْعَل أرجلهم في خروق، وكل خرق على قدر ساق).
وقد ذكر هذا المعنى جمع من علماء اللغة كأبي منصور الأزهري وغلام ثعلب وابن دريد والجوهري وابن خالويه

4: اللبن المتفلق الذي تميز ماؤه
قال الفيروزآبادي في تعداد ما يطلق عليه اسم الفلق: (وما يَبْقَى من اللَّبَنِ في أسْفَلِ القَدَحِ، ومنه يقالُ: يا ابنَ شَارِبِ الفَلَقِ).
وقال أبو منصور الأزهري في (تهذيب اللغة): (سمعت أعرابياً يقول لِلَبَنٍ كانَ مَحْقُونًا في السِّقَاء، فَضرَبَه حَرُّ الشَّمْسِ فتَقَطَّع: إنَّه لَلَبَنٌ مُتَفَلِّقٌ ومُمْذَقِرٌّ، وهو أن يصير اللبن ناحية والماء ناحية،ورأيتهم يكرهون شرب الماء المتفلق).

5: الخلق كله فلق ، وهذا المعنى ذكره جمع من علماء اللغة، كالزجاج والنحاس والجوهري وأبي منصور الأزهري وابن فارس وابن منظور وغيرهم وهو إطلاق صحيح.
قال الزجاج (ت:311هـ): ((قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} وَهُوَ فَلَقُ الصُّبْحِ وَهُوَ ضِيَاؤُهُ، وَيُقَالُ أَيْضًا فَرَقُ الصُّبْحِ. يُقَالُ: (هُوَ أَبْيَنُ مِنْ فَلَقِ الصُّبْحِ). وَمَعْنَى الْفَلَقِ الْخَلْقُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ} {فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى}. وَكَذَلِكَ فَلَقَ الأَرْضَ بِالنَّبَاتِ وَالسَّحَابَ بِالْمَطَرِ، وَإِذَا تَأَمَّلْتَ الْخَلْقَ تَبَيَّنَ لَكَ أَنَّ خَلْقَهُ أَكْثَرُهُ عَنِ انْفِلاقٍ. فَالْفَلَقُ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ وَفَلَقُ الصُّبْحِ مِنْ ذَلِكَ). [معاني القرآن وإعرابه: 5/379]

6: بيان الحق بعد إشكاله، وهذا المعنى ذكره أبو منصور الأزهري وابن منظور

7: اسم من أسماء الداهية ، وهذا المعنى ذكره ابن السكيت والمبرد وابن قتيبة والصاحب بن عباد وابن دريد وغيرهم.
وهذا المعنى الأخير فيه خلاف بين فتح الفاء وكسرها.
وما سبق من المعاني صحيح لا خلاف فيه فيما أعلم وقد طويت ذكر شواهدها وأقوال العلماء اختصاراً.

ومثل هذه الألفاظ التي تطلق على أكثر من معنى يؤخذ بما يحتمله السياق منها وهذه المرتبة الثانية من مراتب الترجيح بين المعاني المحتملة للألفاظ وهي دلالة السياق.
والمرتبة الأولى: دلالة النص أو الإجماع، وهي أن يدل النص أو الإجماع على اختيار معنى من تلك المعاني.
والمرتبة الثالثة: دلالة المناسبة ، وهي أضعف من دلالة السياق ، وقد استعملها شيخ الإسلام في مسألتنا هذه، وهي أن يكون أحد المعاني أكثر مناسبة لموضوع السورة أو الآيات من بعض.
المرتبة الرابعة: توارد المعاني ، وهي أن يحتمل التركيب عدة معاني فيؤخذ بالمعنى الأول للحالة الأولى وبالمعنى الثاني للحالة الثانية وهكذا ، وهذه الدلالة أشار إليها شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألتنا هذه أيضاً وكلامه يحتاج إلى زيادة إيضاح وتمثيل.

وخلاصة الأمر أنني لا أنكر أن من معاني الفلق: الصبح في لسان العرب، بل هو استعمال صحيح معروف، لكن تخصيص المراد به أمر فيه نظر ، نعم له ما يقويه من الآثار عن التابعين كمجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وقد صح عنهم ذلك ، وهو رواية عن الحسن البصري
لكن يمكن أن يقال: إن هذا من باب التفسير بالمثال وله نظائر كثيرة.

وأحسن ما قيل في تفسير هذه الآية – حسبما اطلعت عليه – ما كتبه شيخ الإسلام في تفسيرها وهو في سجن القلعة حيث قال رحمه الله: (فصل في {قل أعوذ برب الفلق} قال تعالى: {فالق الحب والنوى} وقال تعالى: {فالق الإصباح وجعل الليل سكنا}
والفلق: فَعَلٌ بمعنى مفعول؛ كالقبض بمعنى المقبوض؛ فكل ما فلقه الرب فهو فلق.
قال الحسن: الفلق كل ما انفلق عن شيء كالصبح والحب والنوى
قال الزجاج: وإذا تأملت الخلق بان لك أن أكثره عن انفلاق كالأرض بالنبات والسحاب بالمطر.
وقد قال كثير من المفسرين: الفلق الصبح فإنه يقال هذا أبين من فلق الصبح وفرق الصبح. وقال بعضهم الفلق الخلق كله.
وأما من قال: إنه واد في جهنم أو شجرة في جهنم أو إنه اسم من أسماء جهنم؛ فهذا أمر لا تُعرف صحته لا بدلالة الاسم عليه ولا بنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في تخصيص ربوبيته بذلك حكمة؛ بخلاف ما إذا قال: رب الخلق، أو: رب كل ما انفلق، أو: رب النور الذي يظهره على العباد بالنهار؛ فإن في تخصيص هذا بالذكر ما يظهر به عظمة الرب المستعاذ به.
وإذا قيل: الفلق يعم ويخص فبعمومه للخلق أستعيذ من شر ما خلق، وبخصوصه للنور النهاري أستعيذ من شر غاسق إذا وقب؛ فإنَّ الغاسقَ قد فُسِّرَ بالليلِ كقوله: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل} وهذا قولُ أكثرِ المفسِّرِينَ وأهلِ اللُّغَة).

إلى أن قال: (وسورة الفلق فيها الاستعاذة من شر المخلوقات عموماً وخصوصاً، ولهذا قيل فيها برب الفلق وقيل فى هذه برب الناس فإن فالق الإصباح بالنور يزيل بما في نوره من الخير ما فى الظلمة من الشر وفالق الحب والنوى بعد إنعقادهما يزيل ما فى عقد النفاثات فإن فلق الحب والنوى أعظم من حل عقد النفاثات وكذلك الحسد هو من ضيق الإنسان وشحه لا ينشرح صدره لانعام الله عليه فرب الفلق يزيل ما يحصل بضيق الحاسد وشحه وهو سبحانه لا يفلق شيئا إلا بخير فهو فالق الإصباح بالنور الهادي والسراج الوهاج الذي به صلاح العباد وفالق الحب والنوى بأنواع الفواكه والأقوات التى هي رزق الناس ودوابهم والإنسان محتاج الى جلب المنفعة من الهدي والرزق وهذا حاصل بالفلق والرب الذي فلق للناس ما تحصل به منافعهم يستعاذ به مما يضر الناس فيطلب منه تمام نعمته بصرف المؤذيات عن عبده الذي إبتدأ بإنعامه عليه وفلق الشيء عن الشيء هو دليل على تمام القدرة وإخراج الشيء من ضده كما يخرج الحي من الميت والميت من الحي وهذا من نوع الفلق فهو سبحانه قادر على دفع الضد المؤذي بالضد النافع). وقال في موضع آخر: (في الفلق أقوال ترجع إلى تعميم وتخصيص فإنه فسر بالخلق عموماً وفسر بكل ما يفلق منه كالفجر والحب والنوى وهو غالب الخلق، وفسر بالفجر وأما تفسيره بالنار أو بجب أو شجرة فيها فهذا مرجعه إلى التوقيف).

وقد أخذ هذا المعنى تلميذه النجيب ابن القيم وحبره تحبيراً حسناً فقال في بدائع الفوائد (2/198) : (فصلٌ: واعْلَمْ أنَّ الخلْقَ كلَّه فَلَقٌ، وذلك أنَّ فَلَقًا فَعَلٌ بمعنى مَفعولٍ: كقَبَضٍ وسَلَبٍ وقَنَصٍ بمعنى مَقبوضٍ ومَسلوبٍ ومَقنوصٍ.
واللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فالِقُ الإصباحِ وفَالِقُ الحَبِّ والنَّوَى وفالِقُ الأرضِ عن النباتِ، والْجِبالِ عن العُيونِ، والسَّحَابِ عن الْمَطَرِ، والأرحامِ عن الأَجِنَّةِ، والظلامِ عن الإصباحِ، ويُسَمَّى الصبْحُ الْمُتَصَدِّعُ عن الظُّلْمَةِ: فَلَقًا وفَرَقًا،
يُقالُ: هو أبيضُ من فَرَقِ الصُّبْحَ وفَلَقِه.
وكما أنَّ في خَلْقِه فَلْقًا وفَرْقًا؛فكذلك أمْرُه كلُّه فُرْقَانٌ يَفْرُقُ الْحَقَّ والباطلَ فيَفْرُقُ بينَ ظلامِ الباطلِ بالحَقِّ كما يَفْرُقُ ظلامُ الليلِ بالإصباحِ، ولهذا سَمَّى كتابَه الفُرْقَانَ ونَصْرَه فُرْقَانًا لتَضَمُّنِه الفَرْقَ بينَ أوليائِه وأَعدائِه، ومنه فَلْقُه البَحْرَ لموسى فَلْقًا وسَمَّاهُ، فظَهَرَتْ حِكمةُ الاستعاذةِ برَبِّ الفَلَقِ في هذه الْمَواضعِ، وظَهَرَ بهذا إعجازُ القرآنِ وعَظَمَتُه وجَلالتُه، وأنَّ العِبادَ لا يَقْدِرون قَدْرَه،وأنه {تَنْزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] ).
وتفطن إلى أن ابن القيم يرى أن الفلق يعم الخلق والأمر ، وهذا له ما يؤيده من الإطلاق اللغوي كما سبق نقله عن أبي منصور الأزهري

وأرجو ألا أكون خرجت بالموضوع عن مقصده الأساسي، ولكن ضرورة رفع الإشكال لزملائي طلبة العلم استوجب مني هذه الوقفة، وإن كان ماذكرته لا يعبر عن مافي نفسي بدقة، ولعل وقفة أخرى بعون الله أبين فيها ذلك، والله الموفق

بل كان استطراداً نافعاً بارك الله فيك، ونفع بك. وننتظر وقفاتك الأخرى سددك الله وأعانك.
 
ما شاء الله، زادك الله علما وحكمة وحلما شيخنا الفاضل.
وماكنت أحسب مداخلتي الهزيلة، تكسبني وإخوتي في الملتقى ما تلقفناه من جميل بيان وثمين درر .
والحقيقة وما لا أخفيه أكثر، أن سريرة نفسي وميل عقلي يوافقك إلى حد كبير،إنما ضعف علمي، وقلة بضاعتي، ونقص زادي، يحتم علي التوقف.
ولعلي لن أطيل المكث في معظم ما ذكرت إذ لا غبار عليه، ولا نقص يعتريه، إنما سأتوقف مع فضيلتك في مثل قولك
كلام ابن كثير ههنا غريب لأمرين:
الأمر الأول: أن ابن جرير لم يرجح القول الأول الذي ذكر ،...
الأمر الثاني: أن مستنده في الترجيح لم يكن إلا اختيار البخاري وتوهمه ترجيح ابن جرير.
وهذا يثير الكلام على مسألة مهمة من مسائل قواعد التفسير وهي هل يؤخذ بترجيحات المحدثين فيما مستنده اللغة؟
والذي خلصت إليه بعد تأمل:
أن المحدث إذا كان عالماً باللغة ورجح قولاً على قول بمستند لغوي فقوله معتبر كسائر أقوال علماء اللغة ، وينظر فيه كما ينظر في سائر المسائل اللغوية.
وإذا كان مستنده تصحيح الرواية عمن يحتج به فقوله يفيد صحة الرواية ما لم تكن معلة بعلة لم يتبينها.
وهذه القضية تحتاج إلى زيادة تحرير.

فقد توقفت عندها كذلك حينها، إلا أن خوف ابتعادي عن صلب الموضوع، وخشية إطالة استطرادي، صرفا بي النظر مؤقتا. فعمدت إلى وضع النصين في ردي السابق تذكيرا لحين عودة.
أما وقد توقفتم شيخنا عندها وأثرتم إشكالاها، فنعم لم يقل ذلك ابن جرير -فيما رأيناه أو علمناه- لكن ألا يتصور أن ابن كثير على جلالة قدره، وسعة حافظته المشهورة، وكثرة اطلاعه المعهودة، وقف على قول آخر لشيخ المفسرين لم نقف عليه، خاصة وأنه نص على تصويبه ذاكرا اسمه صراحة، ولعل هذا ينقض ما تفضلتم بطرحه، وبخاصة أن ذكره لشيخ المحدثين جاء عطفا بعد ذلكم التصريح.
ثم ما خلصتم إليه مجتهدين-رعاكم الله- في الإشكال الآخر، قيدتموه بـ"عالم في اللغة" وإن كان كذلك، فلا إشكال إذن.
والأمر في الإشكالين كما تفضلتم يحتاج إلى مزيد تحرير.

لعلك توافقني أن ما ذكره الشوكاني ههنا إنما هو التماس للحكمة من تخصيص الاستعاذة بوصف (رب الفلق) على اعتبار أن المراد بالفلق الصبح، وهذا ليس ترجيحاً يستند إلى مخصص لغوي وقد قيل نظيره في الأقوال الأخرى.
والذي يعتبر تخصيصاً لغوياً هو ما تفضلت بنقله عن الشوكاني في قولك:

هذا المخصص لو صحَّ تطبيقه هنا لكان حجة لغوية مقبولة بمعنى لو أن لفظ الفلق إذا أطلق تبادر إلى الذهن منه عند الإطلاق معنى الصبح لكان ذلك مرجحاً صحيحاً
لكن لفظ (الفلق) يستعمل في لسان العرب لعدة معانٍ صحيحة ولها شواهد كثيرة
1: فيطلق ويراد به الصبح، وفيه الشواهد التي تفضلت بذكرها ، وهو إطلاق صحيح لا غبار عليه.
.....

نعم أوافقك شيخنا الكريم من حيث الإجمال، ورغم أن الكثير من المفسرين أورد تخصيصات متعددة كالتخصيص بالعرف عند البيضاوي، وغير ذلك. ولذا قلت:" وسواء كان التخصيص مقبولا أم لا، يبقى المعنى الأول هو الأظهر، والأقرب للقبول".
إلا أنكم تعلمون سيدي وكما أوردتموه من تعدد المعنى للفظ في الاستعمال اللغوي، أنه في مثل هذه الحالة يختار الأشهر منها وأقواها استعمالا، وكان الصبح كذلك، وتأمل معي أستاذي الحبيب، قول الشيخ الشنقيطي رحمه الله:" والذي يظهر أن كل الأقوال ما عدا القول بأنه جب في جهنم من قبيل اختلاف التنوع، وأنها كلها محتملة".
ثم ترجيحه للمسألة بقوله:" والذي يشهد له القرآن هو الأول، كما جاء النص الصريح في الصبح والحب والنوى، كقوله تعالى:
{ إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ }[الأنعام: 95-96].
على قدرة الله، وجاء في حديث عائشة رضي الله عنها في بدء الوحي، وأنه صلى الله
وكلها آيات دالةعليه وسلم ما كان يرى رؤيا، إلا جاءت كفلق الصبح.

والفلق: بمعنى الصبح معروف في كلام العرب.

وعليه قول الشاعر:
يا ليلة لم أنمها بت مرتقبا *** أرعى النجوم إلى أن قدر الفلق.

بل كان استطراداً نافعاً بارك الله فيك، ونفع بك. وننتظر وقفاتك الأخرى سددك الله وأعانك.

آمين وإياكم شيخنا الكريم.
ووفق الله الجميع لما فيه الخير.
 
بارك الله فيك، وأراك كبَّرت أُخيَّك وإنما أنا طالب علم حُبِّبَ إليَّ مذاكرة العلم مع أهله
وتوسمت في أعضاء هذا الملتقى خيراً
وقد قال النووي في شرح صحيح مسلم: (ومذاكرة حاذق في الفن ساعة أنفع من المطالعة والحفظ ساعات بل أياماً)
وروى ابن عبد البر بإسناده عن عون بن عبد الله بن عتبة قال: لقد أتينا أم الدرداء فتحدثنا عندها
فقلنا: أمللناك يا أم الدرداء!
فقالت: ما أمللتموني قد طلبت العبادة في كل شيء فما وجدت شيئا أشفى لنفسي من مذاكرة العلم أو قالت من مذاكرة الفقه.

وقد قيل: إحياء العلم مذاكرته.

لكن ألا يتصور أن ابن كثير على جلالة قدره، وسعة حافظته المشهورة، وكثرة اطلاعه المعهودة، وقف على قول آخر لشيخ المفسرين لم نقف عليه، خاصة وأنه نص على تصويبه ذاكرا اسمه صراحة، ولعل هذا ينقض ما تفضلتم بطرحه، وبخاصة أن ذكره لشيخ المحدثين جاء عطفا بعد ذلكم التصريح
هذا مستبعد جداً، لأنه لو نقله عن غير مظنته لنص على ذلك، وهذا أمر يدركه ابن كثير - رحمه الله - كغيره من الحذاق، واسبر نقوله عن العلماء فيما لا تعلم مظنته تجده ينص على ذكر الكتاب، وانظر على سبيل المثال نقله عن ابن مزين الأندلسي

أضف إلى ذلك أنه ذكر اختيار البخاري وهو في مظنته في كتاب تفسير القرآن من صحيحه
ولو كان في غيره لنص على ذلك
وهو - رحمه الله - يدرك أنه لو أورد حديثاً رواه البخاري في الأدب المفرد مثلاً لكان عليه أن ينص على ذلك، بخلاف ما لو رواه في الصحيح لم يلزمه ذلك لأنه المتبادر عند الإطلاق.

وهذه الحجة قد استعملها بعض متعصبة الفقهاء في تقليد أئمتهم حتى ادعوا ذلك في الأحاديث النبوية التي يستدل بها أئمتهم
والكلام في إبطال هذه الحجة يطول إذ يلزم منها لوازم باطلة كثيرة لا أظنها تخفى عليكم.

بقي الجواب على احتجاجه باختيار البخاري وهذا يكفي في الجواب عنه أن يعلم منهج البخاري في نقل التفسير في صحيحه فهو غالباً ينقل تفسير مجاهد
وهذا الأثر جاء معلقاً في أكثر نسخ صحيح البخاري ووصله الفريابي فقال في روايته:
ثنا وَرْقَاءُ، عن ابنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، في قَوْلِهِ {بِرَبِّ الْفَلَقِ}، قال: فَلَقِ الصُّبْحِ).
كما نبه لذلك ابن حجر في الفتح والتغليق وكذلك القسطلاني
فالبخاري لم يزد على أن نقل تفسير مجاهد كما هي عادته وهذا النقل لا يقتضي تضعيف القول الآخر
وما ذكره صحيح من جهة أنه تفسير بالمثال فهو بيان لمعنى صحيح من معاني الآية وقد رواه عن مجاهد.
 
تنبيهات سريعة:

1- كتب إعراب القرآن ومعانيه اشتملت على الكثير من القواعد التفسيرية المهمة، خاصة المتعلقة باللغة، وهي تحتاج إلى جمع ومدارسة.

2- وجدت بالتتبع لمواضع من تفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله أنه لا يتحرى الدقة في عزوه لتفسير الإمام ابن جرير رحمه الله، فقد ينسب إليه ما فهمه من قوله لا ما قاله ابن جرير، وقد يتصرف في كلامه فينقله بالمعنى، وغير ذلك. وهذا يحتاج إلى تتبع وبحث.

3- الموضوع جميل ومهم وثري؛ فأرجو الاستمرار فيه، ومواصلة المدارسة والتحليل لبعض قواعد التفسير.

وفق الله الجميع لما فيه الخير والنفع والأجر.
 
التعديل الأخير:
بارك الله فيك.

وسأواصل الكتابة فيه قريباً إن شاء الله تعالى، مع رغبتي أن يشارك الأساتذة الأفاضل بالمناقشة والإضافة والتوجيه حتى ننتفع جميعاً من تذاكرهم هذه المسائل.
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في حديثه عن آداب الدعاء: ( {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} يتناول نوعي الدعاء، وبكل منهما فسرت الآية.
- قيل : أعطيه إذا سألني.
- وقيل : أثيبه إذا عبدني.
والقولان متلازمان، وليس هذا من استعمال اللفظ المشترك في معنييه كليهما أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ؛ بل هذا استعماله في حقيقته المتضمنة للأمرين جميعًا؛ فتأمله فإنه موضوعٌ عظيم النفع وقلَّ ما يفطن له.
وأكثر آيات القرآن دالةٌ على معنيين فصاعدًا فهي من هذا القبيل:
- مثال ذلك: قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ} فُسِّرَ الدلوك بالزوال وفسِّر بالغروب وليس بقولين ؛ بل اللفظ يتناولهما معًا ؛ فإن الدُّلوك هو الميل، ودلوك الشمس ميلها، ولهذا الميل مبتدأٌ ومنتهًى؛ فمبتدؤه الزوال، ومنتهاه الغروب، واللفظ متناولٌ لهما بهذا الاعتبار.
- ومثاله أيضًا: تفسير الغاسق بالليل وتفسيره بالقمر؛ فإن ذلك ليس باختلاف ؛ بل يتناولهما لتلازمهما؛ فإن القمر آية الليل.
ونظائره كثيرةٌ .
- ومن ذلك: قوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} أي دعاؤكم إياه، وقيل: دعاؤه إياكم إلى عبادته؛ فيكون المصدر مضافًا إلى المفعول، ومحل الأول مضافًا إلى الفاعل، وهو الأرجح من القولين).
 
عودة
أعلى