عبد الرحيم المشيشي
New member
- إنضم
- 29/01/2011
- المشاركات
- 7
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
"...وَهَذَا كَمَا يَقُولُ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ{ :اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ }
فَيَقُولُونَ :
الْمُؤْمِنُ قَدْ هُدِيَ إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ , فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي طَلَبِ الْهُدَى ؟
ثُمَّ يُجِيبُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ ثَبِّتْنَا عَلَى الْهُدَى كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ لِلنَّائِمِ : نَمْ حَتَّى آتِيَك .
أَوْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ : أَلْزِمْ قُلُوبَنَا الْهُدَى فَحَذَفَ الْمَلْزُومَ .
وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ : زِدْنِي هُدًى .
وَإِنَّمَا يُورِدُونَ هَذَا السُّؤَالَ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِمْ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ الَّذِي يَطْلُبُ الْعَبْدُ الْهِدَايَةَ إلَيْهِ ؛
فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعَمَلُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَتَرْكُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ .
وَالْإِنْسَانُ وَإِنْ كَانَ أَقَرَّ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ فَأَكْثَرُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْعِلْمِ بِمَا يَنْفَعُهُ وَيَضُرُّهُ وَمَا أَمَرَ بِهِ وَمَا نَهَى عَنْهُ فِي تَفَاصِيلِ الْأُمُورِ وَجُزْئِيَّاتِهَا لَمْ يَعْرِفْهُ وَمَا عَرَفَهُ فَكَثِيرٌ مِنْهُ لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ بَلَغَهُ كُلُّ أَمْرٍ وَنَهْيٍ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ إنَّمَا تُذْكَرُ فِيهِمَا الْأُمُورُ الْعَامَّةُ الْكُلِّيَّةُ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ لَا تَذْكُرُ مَا يَخُصُّ بِهِ كُلَّ عَبْدٍ وَلِهَذَا أُمِرَ الْإِنْسَانُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ بِسُؤَالِ الْهُدَى إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ .
وَالْهُدَى إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ يَتَنَاوَلُ هَذَا كُلَّهُ
يَتَنَاوَلُ التَّعْرِيفَ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مُفَصَّلًا وَيَتَنَاوَلُ التَّعْرِيفَ بِمَا يَدْخُلُ فِي أَوَامِرِهِ الْكُلِّيَّاتُ وَيَتَنَاوَلُ إلْهَامَ الْعَمَلِ بِعِلْمِهِ
فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْعِلْمِ بِالْحَقِّ لَا يَحْصُلُ بِهِ الِاهْتِدَاءُ إنْ لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ وَلِهَذَا قَالَ لِنَبِيِّهِ بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ :
{إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا***لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَك صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا }
وَقَالَ فِي حَقِّ مُوسَى وَهَارُونَ:
{وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ***وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ }
وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ تَنَازَعُوا فِيمَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الْخَبَرِيَّةِ وَالْعِلْمِيَّةِ الِاعْتِقَادِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ مَعَ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا حَقٌّ وَالْقُرْآنَ حَقٌّ فَلَوْ حَصَلَ لِكُلِّ مِنْهُمْ الْهُدَى إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ لَمْ يَخْتَلِفُوا .
ثُمَّ الَّذِينَ عَلِمُوا مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَكْثَرُهُمْ يَعْصُونَهُ وَ لَا يَحْتَذُونَ حَذْوَهُ فَلَوْ هُدُوا إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فِي تِلْكَ الْأَعْمَالِ لَفَعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ وَتَرَكُوا مَا نُهُوا عَنْهُ .
وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ تَنَازَعُوا فِيمَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الْخَبَرِيَّةِ وَالْعِلْمِيَّةِ الِاعْتِقَادِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ مَعَ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا حَقٌّ وَالْقُرْآنَ حَقٌّ فَلَوْ حَصَلَ لِكُلِّ مِنْهُمْ الْهُدَى إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ لَمْ يَخْتَلِفُوا .
ثُمَّ الَّذِينَ عَلِمُوا مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَكْثَرُهُمْ يَعْصُونَهُ وَ لَا يَحْتَذُونَ حَذْوَهُ فَلَوْ هُدُوا إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فِي تِلْكَ الْأَعْمَالِ لَفَعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ وَتَرَكُوا مَا نُهُوا عَنْهُ .
وَاَلَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ حَتَّى صَارُوا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ذَلِكَ دُعَاؤُهُمْ اللَّهَ بِهَذَا الدُّعَاءِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ مَعَ عِلْمِهِمْ بِحَاجَتِهِمْ وَفَاقَتِهِمْ إلَى اللَّهِ دَائِمًا فِي أَنْ يَهْدِيَهُمْ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . فَبِدَوَامِ هَذَا الدُّعَاءِ وَالِافْتِقَارِ صَارُوا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ .
قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التستري :
" لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ طَرِيقٌ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْ الِافْتِقَارِ ."
وَمَا حَصَلَ فِيهِ الْهُدَى فِي الْمَاضِي فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى حُصُولِ الْهُدَى فِيهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ :
ثَبِّتْنَا وَاهْدِنَا لُزُومَ الصِّرَاطِ .
وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : زِدْنَا هُدًى يَتَنَاوَلُ مَا تَقَدَّمَ ؛
لَكِنْ هَذَا كُلُّهُ هُدًى مِنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ؛ فَإِنَّ الْعَمَلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالْعِلْمِ لَمْ يَحْصُلْ بَعْدُ وَلَا يَكُونُ مُهْتَدِيًا حَتَّى يَعْمَلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالْعِلْمِ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَلْ يَزُولُ عَنْ الْقَلْبِ وَإِنْ حَصَلَ فَقَدْ لَا يَحْصُلُ الْعَمَلُ فَالنَّاسُ كُلُّهُمْ مُضْطَرُّونَ إلَى هَذَا الدُّعَاءِ ؛
قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التستري :
" لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ طَرِيقٌ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْ الِافْتِقَارِ ."
وَمَا حَصَلَ فِيهِ الْهُدَى فِي الْمَاضِي فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى حُصُولِ الْهُدَى فِيهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ :
ثَبِّتْنَا وَاهْدِنَا لُزُومَ الصِّرَاطِ .
وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : زِدْنَا هُدًى يَتَنَاوَلُ مَا تَقَدَّمَ ؛
لَكِنْ هَذَا كُلُّهُ هُدًى مِنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ؛ فَإِنَّ الْعَمَلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالْعِلْمِ لَمْ يَحْصُلْ بَعْدُ وَلَا يَكُونُ مُهْتَدِيًا حَتَّى يَعْمَلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالْعِلْمِ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَلْ يَزُولُ عَنْ الْقَلْبِ وَإِنْ حَصَلَ فَقَدْ لَا يَحْصُلُ الْعَمَلُ فَالنَّاسُ كُلُّهُمْ مُضْطَرُّونَ إلَى هَذَا الدُّعَاءِ ؛
وَلِهَذَا فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ صَلَاةٍ . فَلَيْسُوا إلَى شَيْءٍ مِنْ الدُّعَاءِ أَحْوَجَ مِنْهُمْ إلَيْهِ .
وَإِذَا حَصَلَ الْهُدَى إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ حَصَلَ النَّصْرُ وَالرِّزْقُ وَسَائِرُ مَا تَطْلُبُ النُّفُوسُ مِنْ السَّعَادَةِ .وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ."
الكتاب : مجموع الفتاوى
المؤلف : تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى : 728هـ)
المحقق : أنور الباز - عامر الجزار
الناشر : دار الوفاء
الطبعة : الثالثة ، 1426 هـ / 2005 م
بواسطة الشاملة
الكتاب : مجموع الفتاوى
المؤلف : تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى : 728هـ)
المحقق : أنور الباز - عامر الجزار
الناشر : دار الوفاء
الطبعة : الثالثة ، 1426 هـ / 2005 م
بواسطة الشاملة