كلام شيخ الإسلام في معنى الكوثر

إنضم
12/01/2013
المشاركات
701
مستوى التفاعل
21
النقاط
18
العمر
52
الإقامة
مراكش-المغرب
بسم1
كلام شيخ الإسلام في معنى الكوثر:
قال الله تعالى:" إنا أعطيناك الكوثرفصل لربك و انحر إن شانئك هو الأبتر"، المشهور بين كثير من الناس أن المراد بالكوثر في هذه السورة المباركة النهر الذي أعطيه النبي صلى الله عليه و سلم في الجنة، و لعل القليل من يعلم أن هناك معنى أعم من ذلك. و هو أن الكوثر يشمل كل خير أعطيه النبي صلى الله عليه و سلم، فقد روى الإمام البخاري في كتاب التفسير من صحيحه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الكوثر: "هو الخير الذي أعطاه الله إياه، قال أبو بشر- و هو الراوي عن سعيد- قلت لسعيد بن جبير: فإن الناس يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه" . و روي عن مجاهد أنه قال: هو الخير الكثير في الدنيا و الآخرة.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى عند ذكره لتفسير ابن عباس رضي الله عنهما، قال:" و هذا التفسير يعم النهر و غيره لأن الكوثر من الكثرة، و هو الخير الكثير و من ذلك النهر".
و ممن ذهب إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، و ما أحسن ما سطره في تفسيره لكلمة الكوثر، يقول رحمه الله تعالى:" وهو من الخير الكثير الذي آتاه الله في الدنيا والآخرة فمما أعطاه في الدنيا الهدى والنصر والتأييد وقرة العين والنفس وشرح الصدر ونعم قلبه بذكره وحبه بحيث لا يشبه نعيمه نعيم في الدنيا ألبتة وأعطاه في الآخرة الوسيلة والمقام المحمود وجعله أول من يفتح له ولأمته باب الجنة وأعطاه في الآخرة لواء الحمد والحوض العظيم في موقف القيامة إلى غير ذلك وجعل المؤمنين كلهم أولاده وهو أب لهم وهذا ضد حال الأبتر الذي يشنؤه ويشنأ ما جاء به... وقوله تعالى { إنا أعطيناك الكوثر } تدل هذه الآية على عطية كثيرة صادرة عن معط كبير غني واسع . وأنه تعالى وملائكته وجنده معه : صدر الآية ( بإن ) الدالة على التأكيد وتحقيق الخبر وجاء الفعل بلفظ الماضي الدال على التحقيق وأنه أمر ثابت واقع ولا يدفعه ما فيه من الإيذان بأن إعطاء الكوثر سابق في القدر الأول حين قدرت مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة وحذف موصوف الكوثر ليكون أبلغ في العموم ؛ لما فيه من عدم التعيين وأتى بالصفة أي أنه سبحانه وتعالى قال : { إنا أعطيناك الكوثر } فوصفه بالكوثر والكوثر المعروف إنما هو نهر في الجنة كما قد وردت به الأحاديث الصحيحة الصريحة وقال ابن عباس الكوثر إنما هو من الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه وإذا كان أقل أهل الجنة من له فيها مثل الدنيا عشر مرات فما الظن بما لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما أعده الله له فيها فالكوثر علامة وأمارة على تعدد ما أعده الله له من الخيرات واتصالها وزيادتها وسمو المنزلة وارتفاعها وأن ذلك النهر وهو الكوثر أعظم أنهار الجنة وأطيبها ماء وأعذبها وأحلاها وأعلاها . وذلك أنه أتى فيه بلام التعريف الدالة على كمال المسمى وتمامه . كقوله : زيد العالم زيد الشجاع أي لا أعلم منه ولا أشجع منه وكذلك قوله : { إنا أعطيناك الكوثر } . دل على أنه أعطاه الخير كله كاملا موفرا وإن نال منه بعض أمته شيئا كان ذلك الذي ناله ببركة اتباعه . والاقتداء به مع أن له صلى الله عليه وسلم مثل أجره من غير أن ينقص من أجر المتبع له شيء ففيه الإشارة إلى أن الله تعالى يعطيه في الجنة بقدر أجور أمته كلهم من غير أن ينتقص من أجورهم فإنه هو السبب في هدايتهم ونجاتهم فينبغي بل يجب على العبد اتباعه والاقتداء به وأن يمتثل ما أمره به ويكثر من العمل الصالح صوما وصلاة وصدقة وطهارة ليكون له مثل أجره فإنه إذا فعل المحظورات فات الرسول مثل أجر ما فرط فيه من الخير فإن فعل المحظور مع ترك المأمور قوي وزره وصعبت نجاته لارتكابه المحظور وتركه المأمور وإن فعل المأمور وارتكب المحظور دخل فيمن يشفع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم لكونه ناله مثل أجر ما فعله من المأمور وإلى الله إياب الخلق وعليه حسابهم وهو أعلم بحالهم : أي بأحوال عباده فإن شفاعته لأهل الكبائر من أمته والمحسن إنما أحسن بتوفيق الله له والمسيء لا حجة له ولا عذر . والمقصود أن الكوثر نهر في الجنة وهو من الخير الكثير الذي أعطاه الله رسوله صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة وهذا غير ما يعطيه الله من الأجر الذي هو مثل أجور أمته إلى يوم القيامة فكل من قرأ أو علم أو عمل صالحا أو علم غيره أو تصدق أو حج أو جاهد أو رابط أو تاب أو صبر أو توكل أو نال مقاما من المقامات القلبية من خشية وخوف ومعرفة وغير ذلك فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر ذلك العامل . والله أعلم". - مجموع الفتاوى-.
 
عودة
أعلى