كلام شديد للألوسي فكيف نوجهه؟

إنضم
08/09/2008
المشاركات
5
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
جاء في تفسير العلامة الألوسي كلام فيه شدة على إمامين من أئمة أهل السنة في الحديث و هما سعيد بن منصور و الأعمش,حيث قال في تفسير آية 187 من سورة البقرة ما نصه

(واستدل بها أيضاً على جواز الأكل مثلاً لمن شك في طلوع الفجر لأنه تعالى أباح ما أباح مغيا بتبينه ولا تبين مع الشك خلافاً لمالك ومجاهد بها على عدم القضاء والحال هذه إذا بان أنه أكل بعد الفجر لأنه أكل في وقت أذن له فيه ، وعن سعيد بن منصور مثله وليس بالمنصور والأئمة الأربعة رضي الله تعالى عنهم على أن أول النهار الشرعي طلوع الفجر فلا يجوز فعل شيء من المحظورات بعده وخالف في ذلك الأعمش ولا يتبعه إلا الأعمى}

فكيف يمكن توجيه كلام العلامة الألوسي؟

من وجهتي نظري أن الشيخ يقصد بذلك اتباعهم في هذه المسألة ,فسعيد بن منصور لم يكن منصورا و لا موفقا في قوله,و الأعمش لا يتبعه إلا من هو أعمى عن الدليل الشرعي الواضح في مسألة النهار الشرعي, الذي يبدأ عند كافة أهل العلم بطلوع الفجر الصادق, أما الأعمش فلا يرى ذلك بل جعل النهار يبدأ من شروق الشمس.
 
هذا مما يستغرب صدروه من الألوسي رحمه الله، ولعل الولع بالبلاغة والمحسنات البديعية قاده إلى ذلك مع ما يظن من سلامة قلبه رحمه الله
وإن كان قوله: (وليس بالمنصور) لا يريد به سعيد بن منصور، وإنما يريد به القول الذي قال به
ولو تأملت عبارته جيداً لظهر لك ذلك.
ألا تراه يقول: (وعن سعيد بن منصور مثله، وليس بالمنصور). أي القول فإنه أقرب مذكور.

لكن المنتقد قوله فيمن تبع الأعمش على قوله، وقد تابعه علماء أجلاء، وروي مثله عن بعض الصحابة رضي الله عنهم.

وكلام الألوسي رحمه الله في هذه المسألة غير محرر؛ فإن قوله: (والأئمة الأربعة رضي الله تعالى عنهم على أن أول النهار الشرعي طلوع الفجر فلا يجوز فعل شيء من المحظورات بعده وخالف في ذلك الأعمش ) يوهم اتفاق الأئمة الأربعة على تحريم الأكل في حال الشك في طلوع الفجر، وهو خطأ ظاهر

فكون الفجر أول النهار هذه مسألة ، وحكم الأكل في حال الشك في طلوعه مسألة أخرى

ولا ينبغي الخلط بين المسألتين، وكان ينبغي له أن يذكر أقوال الأئمة الأربعة في المسألة المختلف فيها ههنا، قبل أن يسارع إلى الطعن في من أخذ بالقول الثاني.

وللفائدة ألخص لك أقوال العلماء في هذه المسألة:

فذهب أبو حنيفة إلى استحباب الإمساك عن الأكل في حال الشك احترازاً عن الحرام، فإن أكل فلا شيء عليه،
وفصل بعض الأحناف تفصيلاً مفاده أنه إذا كان أكبر رأيه طلوع الفجر فيستحب له القضاء، نقله عنهم الطحاوي رحمه الله.

وأما الإمام مالك فقال: (أكره أن يأكل إذا شك في الفجر) والكراهة عنده للتحريم كما حرره ابن عبد البر وغيره، وعليه فإنه يرى تحريم الأكل في حال الشك، فإن أكل فعليه القضاء، وصرح بذلك كما في المدونة.
وقال ابن عبد البر في الكافي: (ومن أهل العلم بالمدينة وغيرها من لا يرى عليه في ذلك شيئاً حتى يتبين له طلوع الفجر)

وأما الشافعي فقال: (إذا أكل وهو يشك في طلوع الفجر صح صومه ولا شيء عليه لأن الأصل بقاء الليل)
لكنه يستحب الإمساك، وذلك قوله في الأم: (وأستحب التأني بالسحور ما لم يكن في وقت مقارب يخاف أن يكون الفجر طلع فإني أحب قطعه في ذلك الوقت).

وأما الإمام أحمد فقال: يأكل حتى يستيقن، رواه عنه أبو داوود في مسائله.

وقال الثوري وعطاء والأوزاعي مثل قول أحمد، أي الأكل في حال الشك بلا كراهة
ونصره ابن حزم الظاهري في المحلى وهو القول الصواب لقوله تعالى: (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) والشاك لم يتبين له طلوع الفجر، وعليه فلا يجب عليه الإمساك أصلاً حتى لو قدر أن الفجر قد طلع.

والآثار في هذه المسألة وما يتصل بها كثيرة عن الصحابة رضي الله عنهم
ومن أهل العلم من توسع في هذه المسألة توسعاً كبيراً اعتماداً على الآثار المروية عن بعض الصحابة في تحديد وقت الفجر كما قال عبد الرزاق عن معمر شيخه: كان معمر يؤخر السحور ويسفر حتى يقول الجاهل: ما له صوم.
وكان الأعمش يفعل ذلك أيضاً
لكن هذه مسألة غير مسألة الآكل شاكاً ، فمعمر والأعمش وغيرهم يرون جواز الأكل عمداً حتى الإسفار
حتى قال الأعمش فيما رواه إسحاق ابن راهويه عن وكيع عنه : (لولا الشهرة لصليت الغداة – أي الفجر- ثم تسحرت).

ويعجبني قول إسحاق ابن راهويه رحمه الله معلقاً على كلام الأعمش: قال إسحاق: وبالقول الأول أقول لكن لا أطعن على من تأول الرخصة كالقول الثاني ولا أرى عليه قضاء ولا كفارة).

فهذا هو الموقف الصحيح من اختلاف العلماء رحمهم الله في المسائل الاجتهادية.
وليتنا نحيي سنتهم في أدب الخلاف.
 
عودة
أعلى