كرسي الإمام ابن عطية للأستاذ البيحياوي

إنضم
06/10/2014
المشاركات
315
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
العمر
37
الإقامة
المغرب
الموقع الالكتروني
vb.tafsir.net
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب هدى وذكر لأولي الألباب، ليخلصهم من أسر التراب ومن قلق الإرتياب وليرفعهم إلى مقام الإقتراب؛ ومن ثم جاء الوحي المنزل منه حاليا بالأحرف السبعة وكمال الشرعة وفصل الخطاب، حافلا من الأسرار بالعجب العجاب، وصانه من شين اللحن وطول المحو ومن كل ما يستراب، وجعله آيته الباقية على امتداد الأحقاب، ووعد بإراءة ما يشهد لحقيته في كل الأبواب، مصداقا لقوله المجيد:{سنريهم ءايتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد}
وصلاة ربي وسلامه على من تلقى الوحي من ربه قرآنا، وكتب بين يديه ديوانا، وفسر بسيرته وسنته فجاء تبيانا، وأقيم صرحه وإيوانه في إبانه حتى استوى أركانا، فجزاه الله عن أمته خير الجزاء، اللهم آته الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته.
وأثني وأشيد بالصفوة الكرام من الصحابة والآل الأنجاب، الذين حملوا الكتاب، وهاجروا وءاووا ونصروا واجتهدوا وما قصروا حتى أبلغونا الوحي هذا القرآن غضا طريا وكاملا وافيا من غير زيادة ولا نقصان؛ فهذا علي الصهر الولي الطراز المعلم في تفسير الكتاب المحكم، وهذا الحبر ابن عباس المسدد بدعاء سيد الناس: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل"، والملقب بترجمان القرآن، وهذا ابن مسعود البحر الملىء الباحري الذي قال فيه عمر ابن الخطاب: كنيف ملىء علما، رضي الله عنهم وأرضاهم، وجعلنا من محبيهم وتباعهم وبرأنا الله وإياكم من كراهيتهم وبغضهم وجعلنا من أشياعهم إلى يوم الدين، {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا في الإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين ءامنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}
اللهم هب لنا من صلاتك علينا حظا وافرا، تخرجنا من ظلمات الوهم والإثم والظلم، وترفعنا إلى مقام العلم والفهم وصفاء الذكر والشكر لنلج به لباب المنح والفتح بمقتضى المتلو من كتابك تعظيما في قولك الكريم: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمومنين رحيما}
وبعد،
فأحيي الحضور الكرام وأعيد بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته.
وطبتم وطاب مسعاكم، رتعا في رياض الذكر ومجالسه كما سماها النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا"، قلنا: وما رياض الجنة يا رسول الله؟ قال: "مجالس الذكر".
ومجالس الذكر عندنا: مجالس العلم للتلازم الحاصل بين الذكر والعلم، فلا خير في علم لا يثمر ذكرا فهو علم مستعاذ منه " اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع"، ولاخير في ذكر لا يستند إلى علم شرع وبصيرة، ورحم الله القائل: علم بغير عمل جنون، وعمل بغير علم لا يكون، كيف يصح عمل بلا علم؟ والعلم الذي لا ينتهي إلى عمل جنون من صاحبه لأنه وقوف بالوسيلة دون غايتها، مطية لا تركب لا فائدة منها، مطية تركب ولا توصل مطية عبث وعنث.
ثم أيضا: طبتم وطاب مسعاكم بتعرضكم إن شاء الله بنياتكم، ومن أتى حدث وإن لم تنصلح نيته فإنا سوف تصح، كما قال سيدنا السيوطي في ألفيته في آداب الطلب.
بتعرضكم بالأجزية الموعودة في قول النبي الكريم كما صح عنه مما أخرجه الإمام مسلم: " و ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا تنزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده".
جزاءات أو أجزية أربعة، كل واحدة منها لو أنفق الواحد فيها جهده ووكد عمره لما كان كثيرا، ما أحوجنا إلى سكينة تدرأ القلق الذي ملأ الأنفس والآفاق، ما أحوجنا إلى حفوف الملائكة بنا صحبة في مقام التسديد، ما أحوجنا إلى رحمات تتنزل ونحن الذين نعاني في أزمنة الضيق في أزمنة الإرتياب في أزمنة الإهتزاز، ما أحوجنا إلى ذكر الله وهو الجزاء الأكبر ولذكر الله أكبر، ما أحوجنا لأن يذكرنا الله، فيخلصنا بهذا الذكر من معاناتنا من ظلماتنا، ومن تجليات ذكر الله صلاته على عباده الذاكرين، اذكروني أذكركم، هو الذي يصلي عليكم، جاءت في سياق الذكر والأمر به، يا أيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا هو الذي يصلي عليكم، اذكروه ليصلي عليكم. تعرضنا إذن بمثل هذا الحضور لهذه الأجزية كلا أو جزءا أمر عظيم إن شاء الله ومتحصل إن شاء الله رجاء جله أو بعضه.
وبهذه الأجزية حين تتحقق إن شاء الله، نكون على موعد مع إمكانية الاستعداد لتلقي الذكر الكامل والفهم عن الله، وهو موضوع علم التفسير الزكي العلي، فهم خطاب الله وفهم مراد الله أي ما أراد الله منا حين نزل إلينا هذه الرسائل، فهم المراد بالتمام أو مقاربه هو أمر غاية في الأهمية، وإذا لم يجىء إليه الإنسان باستعداد كامل من جهتي: حسا ونفسا يعني علما، وخلو: تخليا من الموانع، فإنه لا يمكنه أن يحصل من هذا العلم على كثير.
 
لا إله إلا الله ما هذه الدرر البيحياوية، علم جليل حفظه الله جل وعلا وبارك فيه، وفي سيدي البورقادي.
 
عودة
أعلى