أبو عبد الله محمد مصطفى
New member
كتاب سفيان الثوري لهارون الرشيد
ذكر الإمام ابن بلبان والغزالي وغيرهما : أن الرشيد لما ولي الخلافة زاره العلماء بأسرهم إلا سفيان الثوري ، فإنه لم يأته ، وكان بينه وبينه صحبة ، فشق عليه ذلك ، فكتب إليه الرشيد كتاباً يقول فيه :
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله هارون أمير المؤمنين إلى أخيه في الله سفيان بن سعيد الثوري أما بعد يا أخي فقد علمت أن الله آخى بين المؤمنين وقد آخيتك في الله مؤاخاة لم أصرم فيها حبلك ولم اقطع فيها ودك واني منطو لك على أفضل المحبة وانه لم لم يبق أحد من إخواني وإخوانك إلا زارني وهنأني بما صرت إليه وقد فتحت بيوت الأموال وأعطيتهم المواهب السنية بما فرحت به نفسي
وقرت به عيني وقد استبطأتك وقد كتبت كتاب مني إليك أعلمك بالشوق الشديد إليك وقد علمت يا أبا عبد الله ما جاء في فضل زيارة المؤ من ومواصلته فإذا ورد عليك كتابي هذا فالعجل العجل.
وأعطى هارون الكتاب إلى احد رجاله ويدعى_عباد وأمره بإيصاله إلى سفيان الثوري وان يحصي عليه بسمعه وقلبه دقيق أمره وجليله ليخبره به
قال عباد: انطلقت إلى الكوفة فوجدت سفيان في مسجده فلما راني قام وقال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم واعو ذبك اللهم من طارق لا يطرق إلا بالخير فنزلت عن فرسي بباب المسجد فقام سفيان يصلي ولم يكن وقت صلاه فدخلت وسلمت فلم يرفع أحد جلسائه رأسه إلي
فبقيت واقفاً وما منهم من أحد يعرض علي الجلوس وقد علتني من هيبتهم الرهبة فرمت إليه الكتاب فلما رآه ارتعد وتباعد عنه كأنه حيه عرضت له في محرابه فركع وسجد وسلم وادخل يده في كمه وأخذه وقلبه بيده ورماه إلى من كان خلفه وقال ليقرا بعضكم فاني استغفر الله أن أمس شيئاً مسه ظالم بيده
فمد بعضهم يده إلى الكتاب وهو يرتعد ثم قرأه فجعل سفيان يبتسم تبسم المتعجب فلم فرغ من قراءته قال : اكتبوا للظالم على ظهره فقيل له يا أبا عبد الله إنه خليفة فقال اكتبوا له في ظهره فان كان اكتسبه من حلا ل فسوف يجزا به وان كان اكتسبه من حرام فسوف يصلى به ولا يبقى شيء مسه ظالم بيده عندنا فيفسد علينا ديننا فقيل له:ما نكتب إليه؟
قال سفيان الثوري اكتبوا إليه:
بسم الله الرحمان الرحيم
من العبد الميت سفيان إلى العبد المغرور بالآمال هارون الذي سلبت حلاوة الإيمان ولذة قراءة القران ,أما بعد فاني كتبت إليك أعلمك إني قد صرمت حبلك وقطعت ودك وانك قد جعلتني شاهداً عليك بإقرارك على نفسك في كتابك فيما هجمت على بيت مال المسلمين فأنفقته في غير حقه
وأنفقته لغير حكمه ولم ترضى بما فعلته وأنت ناء عني حتى كتبت إلي تشهدني عليه فأما أنا فقد شهدت عليك وإخواني الذين حضروا قراءة كتابك وسنؤدي الشهادة غداً بين يدي الله الحكم العدل
يا هارون هجمت على بيت مال المسلمين بغير رضاهم؟
هل رضي بفعلك المؤلفة قلوبهم والعاملون عليها في أرض الله والمجاهدون في سبيل الله وابن السبيل أم رضي بذالك حمله القران وأهل العلم أم رضي بفعلك الأيتام والأرامل أم رضي بذالك خلق من رعيتك؟
فشد يا هارون مئزرك واعد للمسالة جواباً والبلاء جلباباً واعلم انك ستقف بين يدي الحكم العدل فاتق الله في نفسك يا هارون
إذ سلبت حلاوة العلم والزهد ولذة قراءة القران ومجالسة الأخيار
ورضيت لنفسك أن تكون ظالماً وللظالمين إماماً
وتشبهت بالحجبة برب العالمين ثم أقعدت أجنادك الظلمة دون بابك وسترك
يظلمون الناس ولا ينصفون ويشربون الخمر ويحدون الشارب
ويرتشون ويحدون الزاني ويسرقون ويقطعون يد السارق ويقتلون القاتل
أفلا كانت هذه الأحكام عليك وعليهم قبل أن يحكموا بها على الناس
فكيف بك يا هارون غداً إذا نادى المنادي من قبل الله الحكم العدل
المنتقم الجبار احشروا الظلمة وأعوانهم فتقدمت بين يدي الله ويداك مغلولتان إلى عنقك لا يفكهما إلا عدلك وإنصافك والظالمون حولك وأنت لهم إمام أو سائق إلى النار وكأني بك يا هارون وقد أخذت بضيق الخناق ووردت المساق والتفت الساق بالساق وأنت ترى حسناتك في ميزان غيرك وسيئات غيرك في ميزانك على سيئاتك بلا على بلا وظلمه فوق ظلمه فاتق الله يا هارون في رعيتك واحفظ محمداً في أمته واعلم أن هذا الأمر لم يصر إليك إلا وهو صائر إلى غيرك وكذالك الدنيا تفعل بأهلها واحداً بعد واحد فمنهم من تزود وزاد نفعه ومنهم من خسر دنياه وآخرته وإياك ثم إياك أن تكتب إلي بعد هذا فاني لا أجيبك والسلام.
يقول عباد رسول الرشيد إلى سفيان وألقى الكتاب منشوراً من غير طي ولا ختم ، فأخذته وأقبلت به إلى سوق الكوفة ، وقد وقعت الموعظة بقلبي فناديت : يا أهل الكوفة من يشتري رجلاً هرب إلى الله ؟ فأقبلوا إلي بالدراهم والدنانير ، فقلت : لا حاجة لي بالمال ، ولكن جبة صوف وعباءة قطوانية ، فأتيت بذلك ، فنزعت ما كان علي من الثياب ، التي كنت أجالس بها أمير المؤمنين ، وأقبلت أقود الفرس الذي كان معي ، إلى أن أتيت باب الرشيد حافياً راجلاً ، فهزأ بي من كان على الباب ثم استؤذن لي ، فلما رآني على تلك الحالة ، قام وقعد ، وجعل يلطم رأسه ووجهه ، ويدعو بالويل والخراب ، ويقول : انتفع الرسول وخاب المرسل ، ما لي وللدنيا ، والملك يزول عني سريعاً . فألقيت الكتاب إليه مثل ما دفع إلي ، فأقبل يقرؤه ودموعه تنحدر على وجهه ، وهو يشهق فقال بعض جلسائه : يا أمير المؤمنين ، قد اجترأ عليك سفيان ، فلو وجهت إليه فأثقلته بالحديد ، وضيقت عليه السجن ، فجعلته عبرةً لغيره . فقال هارون : اتركوا سفيان وشأنه يا عبيد الدنيا ، المغرور من غررتموه والشقي والله – حقاً – من جالستموه ، وإن سفيان أمَّة وحده ولم يزل كتاب سفيان عند الرشيد يقرؤه دبر كل صلاة ويبكي ، حتى توفي - رحمه الله تعالى .
ذكر الإمام ابن بلبان والغزالي وغيرهما : أن الرشيد لما ولي الخلافة زاره العلماء بأسرهم إلا سفيان الثوري ، فإنه لم يأته ، وكان بينه وبينه صحبة ، فشق عليه ذلك ، فكتب إليه الرشيد كتاباً يقول فيه :
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله هارون أمير المؤمنين إلى أخيه في الله سفيان بن سعيد الثوري أما بعد يا أخي فقد علمت أن الله آخى بين المؤمنين وقد آخيتك في الله مؤاخاة لم أصرم فيها حبلك ولم اقطع فيها ودك واني منطو لك على أفضل المحبة وانه لم لم يبق أحد من إخواني وإخوانك إلا زارني وهنأني بما صرت إليه وقد فتحت بيوت الأموال وأعطيتهم المواهب السنية بما فرحت به نفسي
وقرت به عيني وقد استبطأتك وقد كتبت كتاب مني إليك أعلمك بالشوق الشديد إليك وقد علمت يا أبا عبد الله ما جاء في فضل زيارة المؤ من ومواصلته فإذا ورد عليك كتابي هذا فالعجل العجل.
وأعطى هارون الكتاب إلى احد رجاله ويدعى_عباد وأمره بإيصاله إلى سفيان الثوري وان يحصي عليه بسمعه وقلبه دقيق أمره وجليله ليخبره به
قال عباد: انطلقت إلى الكوفة فوجدت سفيان في مسجده فلما راني قام وقال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم واعو ذبك اللهم من طارق لا يطرق إلا بالخير فنزلت عن فرسي بباب المسجد فقام سفيان يصلي ولم يكن وقت صلاه فدخلت وسلمت فلم يرفع أحد جلسائه رأسه إلي
فبقيت واقفاً وما منهم من أحد يعرض علي الجلوس وقد علتني من هيبتهم الرهبة فرمت إليه الكتاب فلما رآه ارتعد وتباعد عنه كأنه حيه عرضت له في محرابه فركع وسجد وسلم وادخل يده في كمه وأخذه وقلبه بيده ورماه إلى من كان خلفه وقال ليقرا بعضكم فاني استغفر الله أن أمس شيئاً مسه ظالم بيده
فمد بعضهم يده إلى الكتاب وهو يرتعد ثم قرأه فجعل سفيان يبتسم تبسم المتعجب فلم فرغ من قراءته قال : اكتبوا للظالم على ظهره فقيل له يا أبا عبد الله إنه خليفة فقال اكتبوا له في ظهره فان كان اكتسبه من حلا ل فسوف يجزا به وان كان اكتسبه من حرام فسوف يصلى به ولا يبقى شيء مسه ظالم بيده عندنا فيفسد علينا ديننا فقيل له:ما نكتب إليه؟
قال سفيان الثوري اكتبوا إليه:
بسم الله الرحمان الرحيم
من العبد الميت سفيان إلى العبد المغرور بالآمال هارون الذي سلبت حلاوة الإيمان ولذة قراءة القران ,أما بعد فاني كتبت إليك أعلمك إني قد صرمت حبلك وقطعت ودك وانك قد جعلتني شاهداً عليك بإقرارك على نفسك في كتابك فيما هجمت على بيت مال المسلمين فأنفقته في غير حقه
وأنفقته لغير حكمه ولم ترضى بما فعلته وأنت ناء عني حتى كتبت إلي تشهدني عليه فأما أنا فقد شهدت عليك وإخواني الذين حضروا قراءة كتابك وسنؤدي الشهادة غداً بين يدي الله الحكم العدل
يا هارون هجمت على بيت مال المسلمين بغير رضاهم؟
هل رضي بفعلك المؤلفة قلوبهم والعاملون عليها في أرض الله والمجاهدون في سبيل الله وابن السبيل أم رضي بذالك حمله القران وأهل العلم أم رضي بفعلك الأيتام والأرامل أم رضي بذالك خلق من رعيتك؟
فشد يا هارون مئزرك واعد للمسالة جواباً والبلاء جلباباً واعلم انك ستقف بين يدي الحكم العدل فاتق الله في نفسك يا هارون
إذ سلبت حلاوة العلم والزهد ولذة قراءة القران ومجالسة الأخيار
ورضيت لنفسك أن تكون ظالماً وللظالمين إماماً
وتشبهت بالحجبة برب العالمين ثم أقعدت أجنادك الظلمة دون بابك وسترك
يظلمون الناس ولا ينصفون ويشربون الخمر ويحدون الشارب
ويرتشون ويحدون الزاني ويسرقون ويقطعون يد السارق ويقتلون القاتل
أفلا كانت هذه الأحكام عليك وعليهم قبل أن يحكموا بها على الناس
فكيف بك يا هارون غداً إذا نادى المنادي من قبل الله الحكم العدل
المنتقم الجبار احشروا الظلمة وأعوانهم فتقدمت بين يدي الله ويداك مغلولتان إلى عنقك لا يفكهما إلا عدلك وإنصافك والظالمون حولك وأنت لهم إمام أو سائق إلى النار وكأني بك يا هارون وقد أخذت بضيق الخناق ووردت المساق والتفت الساق بالساق وأنت ترى حسناتك في ميزان غيرك وسيئات غيرك في ميزانك على سيئاتك بلا على بلا وظلمه فوق ظلمه فاتق الله يا هارون في رعيتك واحفظ محمداً في أمته واعلم أن هذا الأمر لم يصر إليك إلا وهو صائر إلى غيرك وكذالك الدنيا تفعل بأهلها واحداً بعد واحد فمنهم من تزود وزاد نفعه ومنهم من خسر دنياه وآخرته وإياك ثم إياك أن تكتب إلي بعد هذا فاني لا أجيبك والسلام.
يقول عباد رسول الرشيد إلى سفيان وألقى الكتاب منشوراً من غير طي ولا ختم ، فأخذته وأقبلت به إلى سوق الكوفة ، وقد وقعت الموعظة بقلبي فناديت : يا أهل الكوفة من يشتري رجلاً هرب إلى الله ؟ فأقبلوا إلي بالدراهم والدنانير ، فقلت : لا حاجة لي بالمال ، ولكن جبة صوف وعباءة قطوانية ، فأتيت بذلك ، فنزعت ما كان علي من الثياب ، التي كنت أجالس بها أمير المؤمنين ، وأقبلت أقود الفرس الذي كان معي ، إلى أن أتيت باب الرشيد حافياً راجلاً ، فهزأ بي من كان على الباب ثم استؤذن لي ، فلما رآني على تلك الحالة ، قام وقعد ، وجعل يلطم رأسه ووجهه ، ويدعو بالويل والخراب ، ويقول : انتفع الرسول وخاب المرسل ، ما لي وللدنيا ، والملك يزول عني سريعاً . فألقيت الكتاب إليه مثل ما دفع إلي ، فأقبل يقرؤه ودموعه تنحدر على وجهه ، وهو يشهق فقال بعض جلسائه : يا أمير المؤمنين ، قد اجترأ عليك سفيان ، فلو وجهت إليه فأثقلته بالحديد ، وضيقت عليه السجن ، فجعلته عبرةً لغيره . فقال هارون : اتركوا سفيان وشأنه يا عبيد الدنيا ، المغرور من غررتموه والشقي والله – حقاً – من جالستموه ، وإن سفيان أمَّة وحده ولم يزل كتاب سفيان عند الرشيد يقرؤه دبر كل صلاة ويبكي ، حتى توفي - رحمه الله تعالى .