كتاب جديد: [ البكاء تأثرا بالتلاوة في صلاة الجماعة وفي صلاة الفذ ] للتحميل

د محمد الجبالي

Well-known member
إنضم
24/12/2014
المشاركات
400
مستوى التفاعل
48
النقاط
28
الإقامة
مصر
السلام عليكم ورحمة الله
هذا كتاب جديد [ البكاء تأثرا بالتلاوة في صلاة الجماعة وفي صلاة الفَذِّ ]
بدأت في كتابته بعد عودتي من الحج للسنة قبل الماضية وانتهيت منه منذ شهور وأعددته وأردت طباعته ونشره فلم يتيسر ذلك؛
إذ كما تعلمون الظروف في مصر، فقد انشغل الناس بهمومهم وآلالمهم عن طلب الكتب والقراءة.

وهاهو الكتاب راجيا الله تعالى أن ينفع به ، وأن يديم نفعه أبدا ، وان يجعله خالصا لوجهه الكريم
هاهو : المقدمة ، ثم الفهرس ، ثم الكتاب ملف [ PDF ]

مقدمة في قصة:
سبب تأليف الكتاب : بكاء إمام الحرم المكي في الصلاة

في حَجِّي سنة 1434هـ كنت أصلي في المسجد الحرام جماعة في صلاة المغرب أو العشاء، فقرأ الإمام من أول سورة الصف حتى وصل إلى قوله تعالى :
{وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ } [الصف: 13]
وهنا أخذه النشيج وغلبه البكاء فانقطع صوته ، وكلما أراد أن يتم ويقرأ: { وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } (الصف) يغلبه البكاء مرة ومرتين وثلاث مرات.

فعجِبْتُ أشد العجب إذ رأيت أن الآية بُشْرَى كما أن الآية السابقة لها مباشرة بِشَارَةٌ ، بشارة بالمغفرة وجنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة وفوز عظيم فأخذني العجب لذلك.

وبعد الصلاة سألتُ الإخوة الذين معي وهم - فيم نحسبهم - على فضل وعلم، أرأيتم أين بكى الإمام؟!
لقد انقطع صوته وغلبه البكاء مع آيات بُشْرَيَاتٍ وهذا يناقض المعنى، فليس هذا موضع بكاء.

فقال أحدهم: وهل في القرآن مواضع معلومة للبكاء؟!

فقلت : لا، وأنا لا أنكر التأثر والبكاء، لكن لابد من أن يكون هناك دافع وسبب، فالبكاء مع تلاوة القرآن ينتج عن الانفعال والتأثر بمعاني الآيات، فإن لم يكن هناك معنى تأثر به ودفعه للبكاء ما الداعي له؟!
والأولى أن يكون في الْخَلَواتِ وليس في الجماعات، فإن كان في الْخَلَوَاتِ فهو محمود غير مذموم أما في الجماعات أو في المساجد فليس كذلك.
وتابعت قائلا: إن البكاء في إمامة الصلاة ليس أصلا، بل هو عارض لدافع من المعاني المقروءة، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بكى وسمع بكاؤه في الصلاة.
والوارد في ذلك: عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كأزيز المرجل من البكاء[1]
والحديث صححه الألباني رحمه الله، ونصوص الحديث الوارده كلها تدل على أنه لم يكن في الإمامة.

كما أنه كان أزيز الصدر وأنينه، ولم يَكُ نحيبا، والصوت نابع من الصدر، وليس من الفم، وهذه حال تدل على أن صاجبها يجاهد حتى لا يصدر منه صوت البكاء واضحا.

وقد استحسن صاحبي بكاء الإمام في الصلاة فقال: إنِّ رِقَّةَ الإمام وتأثره وبكاؤه تجذب انتباه المأمومين ويدفعهم للتأثر والتفكر والتأمل في الآيات ومعانيها.

فقلت: هذا الكلام غير دقيق وما أراه صوابا، لأنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بكى في إمامته للصلاة وسُمِعَ صوته ولا عن الصحابة ولا عن التابعين.

فقال: إن الصحابة قد سمعوا صوت نشيج عمر رضي الله عنه وهو إمام.
والرواية الواردة في ذلك هي : عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: سمعت نَشِيْجَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأنا في آخر الصفوف في صلاة الصبح يقرأ من سورة يوسف يقول {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86][2].

قلت: إن النشيج ليس بكاء، وإنما هو غُصَّةٌ وحَشْرَجَةٌ في الْحَلْقِ بسبب حبس ومُدَافَعَةِ البكاء ، قال الخليل في العين: "نَشَجَ الباكي يَنشِجُ نشيجا إذا غص البُكاءُ في حَلقه عند الفَزعة"[3]

فقال صاحبي: إن السيدة عائشة وصفت أبا بكر بأنه رجل أسيف كثير البكاء فإن قام مقام النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمع الناس.
روى البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: إن رسول الله r قال في مرضه (مروا أبا بكر يصلي بالناس). قالت عائشة قلت: إن أبا بكر إذا قام مَقَامَكَ لم يُسْمِعْ الناسَ من البكاء فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ للناس. فقالتْ عائشةُ فَقُلْتُ لحفصة قولي له إن أبا بكر إذا قام في مَقَامِكَ لم يُسْمِعْ الناسَ من البكاء فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ للناس ففعلت حفصة، فقال رسول الله r :(مَه إنَّكُنَّ لأنتن صَوَاحِبُ يوسف مُرُوا أبا بكر فَلْيُصَلِّ للناس). قالت حفصة لعائشة ما كنتُ لأُصِيبَ منك خيرا"[4]

الردُّ على ذلك: إنَّ أبا بكر رضي الله عنه كان خليفة لرسول الله على المسلمين سنتين وبضعة أشهر كان يؤم الناس فيها، فهل وردت رواية أو أثر يذكر أن أبا بكر رضي الله عنه بكى أثناء إمامته للناس، أو في صلاته مفردا؟

فقال صاحبي: لو تأملتَ الآياتِ السابقة لهذه الآية لَوَجَدْتَ مَعَانيها تَدْفَعُ للبكاء اسمع:
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) } [الصف: 7 - 9]

قلت: فما الذي أخَّرَ بكاءه حتى انقطع به الصوت في مَوْطِنِ بُشْرَيَات؟!

فقال صاحبي: هل تريد أن تقول إنه يرائي؟!

فقلت : ما أُحِبُّ أنْ أَرْمِيَهُ بذلك، لكن الموطن الذي هو فيه أخشى عليه أن يدفعه لذلك، إذ أنه على الهواء مباشرة، وقنوات تلفزيونية عديدة في كثير من بلاد الإسلام تنقل الصلاة، ولكن ما أقصده وأؤكد عليه أن الإمام خاصة الأصل ألا يظهر له بكاء في الصلاة، وإنْ بَدَا وظهر فلا بد أن يكون متوافقا مع معاني الآيات التي يقرؤها، ولا أنكر عليه بكاءه حينئذ.

فقال صاحب آخر معنا: أحسن الظن به، لعله حين قرأ {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: 13] (الصف) تذكر حال الأمة وما هي عليه من هَوَانٍ وذُلٍّ وفُرْقَةٍ فَتَأَلَّمَ لحالها فبكى.

فقلت: لعل ذلك هو السبب والله أعلم.

إلى هنا انتهت القصة، وعزمت بعدها على أن أبحث القضية من كل جوانبها، وإيفاءها حقها بحثا ودراسة، فكان هذا الكتاب الذي بين يديكم، أبتغي به وجه الله، وأسأله عز وجل أن يكون حجة لي لا علي، وأسأل ربي الرحمن الرحيم أن ينفع به وأن يمتد نفعه فيشمل الأرض مكانا، وأن يديم نفعه أبدا مادام على الأرض من يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

وأخيرا ما من كتاب ما خلا كتاب الله إلا وتعددت عيوبه ونقائصه، جزى الله خيرا من أهدى إلي عيوبي.

أخوكم د . محمد رجائي أحمد الجبالي
اميل : [email protected]


[1] ابن حبان، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي، التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان وتمييز سقيمه من صحيحه، وشاذه من محفوظه، ترتيب: الأمير أبو الحسن علي بن بلبان بن عبد الله، علاء الدين الفارسي الحنفي، مؤلف التعليقات الحسان: أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني، ط1 (1424 هـ - 2003 م) ، جدة ، دار با وزير للنشر والتوزيع، ج2، ص164.

[2] الطريفي، عبد العزيز بن مرزوق، التحجيل في تخريج ما لم يخرج من الأحاديث والآثار في إرواء الغليل، ط1، (1422 هـ - 2001 م)، الرياض، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، ص81.

[3] الخليل، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري، كتاب العين، تحقيق: د مهدي المخزومي، د إبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، ج6، ص37

[4] البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله، الجامع الصحيح المختصر، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا، ط3 (1407 – 1987) ، اليمامة، بيروت، دار ابن كثير، ج1، ص240.
 
عذرا
نسيت عرض الفهرس ، ها هو:
[TABLE="align: right"]
[TR]
[TD]الموضوع[/TD]
[TD]الصفحة
[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]مقدمة في قصة ، سبب تأليف الكتاب[/TD]
[TD]2
[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]البكاء من خشية الله[/TD]
[TD]5[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]بكاء النبي صلى الله عليه وسلم[/TD]
[TD]6[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]بكاء الصحابة رضوان الله عليهم[/TD]
[TD]12[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]بكاء أبي بكر الصديق t[/TD]
[TD]13[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]بكاء عمر الفاروق t[/TD]
[TD]16[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]بكاء عثمان بن عفان t[/TD]
[TD]19[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]بكاء أبي هريرة رضي الله عنه[/TD]
[TD]22[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]إخفاء الطاعات[/TD]
[TD]24[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]البكاء في الصلاة[/TD]
[TD]28[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]القيام بآية[/TD]
[TD]30[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]حكم البكاء في الصلاة[/TD]
[TD]33[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]أولا البكاء في الصلاة تَخَشُّعًا وخَشْيَةً[/TD]
[TD]33[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]ثانيا: البكاء في الصلاة رياء[/TD]
[TD]36[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]ثالثا: البكاء في الصلاة توجعا وألما[/TD]
[TD]38[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]نَحِيبُ الدُّعَاة[/TD]
[TD]39[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]الخاتمة[/TD]
[TD]41[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]المراجع[/TD]
[TD]42[/TD]
[/TR]
[/TABLE]
 
أردت أن أهتبل الفرصة لأعرض على القراء بعض ما أعرفه عن الكاتب
والذي يدفعني لهذا أن بعض القراء يدخل على الكتاب أو على المقروء بخلفية مسبقة عن القارئ
ففي هذا الزمن عزَّ أن تجد نموذج ابن عقيل(513هـ) الذي كان سلفيًا حنبليا ، يجتمع بالعلماء من كل فن، فلذا سطر بقلمه أعظم مؤلف في الإسلام ألا وهو كتاب الفنون
في هذا العصر تجد فريقًا لا يقرأ إلا في ناحية ويجد البلاء كل البلاء في الناحية الأخرى
فبعض الذين يقرأون لشيخ الإسلام ابن تيمية (728هـ) وقفوا عند كتبه وكتب تلامذته.
والذين يقرأون في الاتجاه الصوفي وقفوا عند حدود كتب أبي حامد (505هـ) ومن سار على دربه من الأشاعرة والصوفية ، والذين جعلوا الحق غاية ، قرأوا لشيخ الإسلام ولأبي حامد بل وشنف أسماعهم بعض كتابات القاضي عبد الجبار المعتزلي(415هـ) وكتابات أبي الحسين، البصري المعتزلي (436هـ)، وهكذا كانت كلمات ابن القيم (751هـ)هي الحادية لهم في نشدان الحق: ( شيخ الإسلام حبيب إلينا والحق أحب إلينا منه) فهل يمكن أن نعيش بهذه الأخلاق اليوم؟: أن نجعل الفائدة هي المطلوب لا كاتبها هو المقصود
كاتبنا اليوم الدكتور محمد الجبالي :
عرفته عن بُعد، في ديارٍ نائية، لم ألتقه ولم أره وجهًا لوجه ، لكن عايشت له عن بعد قصة قمة في الوفاء والنبل ،،، هذا على المستوى الإنساني والشخصي ، ثم تلاحظ بعد ذا: كيف تزملت نفسه وفاض عليها حب الإسلام وحب أهله، والرغبة العارمة في سيادة قيمه وأخلاقه في جوانب الحياة.
أما الجانب العلمي فلقد عجزت مراتٍ عديدة عن مجاراة نقاشاته في بعض القضايا الحياتية والمجتمعية، التي تناولنا الحديث فيها معًا محادثةً وكتابةً، أما المجال العلمي الذي ينتمي إليه فيبعد قليلًا عن الحقل العلمي الذي أنتمي إليه ؛ فلذا لم تكن بيننا مسجالات علمية
ليس المجال مجال ثناء وإطراب أو إطناب فيما لا يهم القارئ غالبًا ، لكن لما وجدت كتابه كان لزامًا عليّ أن أنبِّه إلى بعض ما يحتاج بعض الإخوة إلى معرفته عن مؤلفهم الذي سيقرأون له ، وإن كانت الغلبة بعد ذلك للمحتوى لا لصاحبه مهما كان ...
وإني لأرجو لقارئه أن يخرج من قراءة ما سطرت بنانه بخير فائدة وأعمها ..والله يهديه وإيانا وإياكم والمسلمين جميعًا سواء السبيل ويرزقنا من الجنة الفردوس الأعلى

 
أخي الحبيب الدكتور محمد عزب:
غفر الله لي ولك ، أثنيت على أخيك بما ليس فيه ، وأطريته بما لا يستحق.
جزاكم الله خيرا ، أحسنت الظن بأخيك ، أسأل الله عز وجل أن يرزقك حبه - وكفى به - إذ به يستغني العبد ، وأن يحببك إلى قلوب العالمين ، وأن يغمر قلبك بالسكينة ، ويعمره بالطمأنينة ، وألا يجعل للشيطان إلى قلبا أو عقلك أو نفسك سبيلا.

يعلم الله أني أحببتكم في الله من غير أن أراكم ، وإني وإياكم إن لم نكن تلاقينا ، فقد تلاقت وتآلفت القلوب والحمد لله وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الأرواحُ جنودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ).

أما ما ذكرت من موازنات قدمتني فيها على نفسك ، فإني أوقن يقينا أنك قد جُرْتَ ولم تنصف، فقد لمستُ في حوارك ومناقشاتك وأسلوبك ولغتك أنك أطول باعا اطلاعا وعلما وثقافة ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

أخي الحبييب جزاكم الله خيرا بحسن ظنكم بي ، وأرجوووووووك لا تطريني ولا تعن نفسي علي ، فإنك لو علمت مني ما أعلم من نفسي ، ظني أنك قد تلفظني لفظا ، فالحمد لله الستير عظيم الفضل والرحمة.
غفر الله لي ولكم.
أسأل الله عز وجل أن يجمعنا قريبا على طاعته وفي محبته.
 
نسيت أن أكتب إهداء في صدر الكتاب
وقد عزمت على السعي حثيثا وقريبا لطباعته لذا كتبت هذا الإهداء

إهداء:
وددتُ لو أنَّ الصلاة إنسان أو ذاتٌ تعقل وتشعر فأهدي إليها هذا الكتاب ، لكنها وإن لم تكن إنسانا حيا، فإنها تبث فينا الحياة ، وتغرس في قلوبنا الطمأنينة ، وتطوف بأرواحنا في أفلاك الرحمة والسكينة.
فإلى هذا الركن الركين من الإسلام – الصلاة – أهدي هذا الكتاب.
 
السلام على الأحبة جميعا..
كنت قد رقمت الخاطرة أدناه حول البكاء من خشية الله.. ثم اطلعت لاحقا على ما كتبه فضيلة الأخ د. محمد الجبالي.. فوجدت فيما كتبتُ وقعًا للحافر على الحافر.. فأحببت أن أنقله هنا رجاء الإفادة:
كم هي مهيبة أخبار الخاشعين.. حينما تهتز جوانحهم أو تذرف عيونهم خوفا وطمعا.. ربما قُدّر لك أن ترى خاشعا في صلاة أو طواف أو في مجلس وعظ أو في غيرها من المواضع التي تلين فيها القلوب وتذرف عندها العيون.. تشدك هذه المناظر وتبعث في قلبك اللهفة أن تكون منهم، وأن تُرزق قلبا خاشعا وعينا دامعة.. هذا عندما يظهر لنا نحن المخلوقين شيء من مظاهر الخاشعين.. أما ما تنطوي عليه قلوب الخاشعين فثمة الخشوع الصادق الذي لا يطلع عليه إلا علام الغيوب..
ولذا في اعتقادي أنه كلما كانت مظاهر الخشوع أخفى كانت أوقع في قلوب من يراها إن قُدّر أن تظهر.. ويشعر المرء بصدق خشوع من ظهرت عليه..
وهذا هو الأصل عند السلف في إخفاء أعمالهم ومنها الخشوع.. وشواهده عندهم كثيرة..ليس هذا مقام سردها.. وعلى رأسهم من أفديه بنفسي: نبينا وسيدنا عليه الصلاة والسلام، وهديه في خشوعه وبكائه يبعث على الخشوع أصلا.. فلا تسمع في أخبارهم غالبا أنهم يتكلفون إظهار مظاهر خشوعهم وبكائهم واهتزاز أعطافهم.. ولا يحدثون ضجيجا فيما حولهم بصراخهم وعويلهم..وإنما يجتهد المخلص في إخفاء مظاهر تأثره وخشوعه.. مالم يظهر شيء للناس لم يتكلف المرء إظهاره كسيلان الدموع واحمرار العيون وظهور صوت البكاء أو اهتزاز البدن..ونحو ذلك من المظاهر التي قد تغلب الإنسان أن يخفيها.. وحينها على المرء أن يجتهد في الإخلاص لله تعالى ويوقن بأن الله هو المطلع على سريرته التي هي مكان الخشوع الحق..
ومن هذا القبيل أن ذاكرتي لازالت تحتفظ -قبل بضع سنوات- بذلك المشهد الخاشع بتفاصيله وأجوائه.. أما المكان فهو الصفوف الأُول من المسجد النبوي العتيق.. وأما الزمان فهو فريضة الفجر.. حيث أقام المؤذن واصطففنا للصلاة.. وأخذ الشيخ عبدالباري الثبيتي حفظه الله يسوي الصفوف.. حينها رمقت من على شمالي عفويا.. فإذا به رجل خمسيني في تقديري..لازلت أذكره: حليق اللحية، يرتدي ثوبا وغترة أبيضين دون عقال قد رفع طرفي غترته على رأسه.. كبر الإمام وافتتح الصلاة وبعد الفاتحة حلق بنا الإمام، وأحضرنا عُرسا حافلا مع عروس القرآن "سورة الرحمن"..
وفي الركعة الثانية كان الموعد مع الجنتين وتفاصيل النعيم (فبأي آلاء ربكما تكذبان) فما هالني حينها.. وما أخرجني من أجواء الآيات إلا رذاذ ماء يترشرش علي بصورة متوالية من جهتي اليسرى! مما ألجأني أن أرمق ببصري مصدر الرذاذ لأقف على الأمر.. فرمقتُ فإذا بدموع الرجل تسقط متوالية من عينيه وترتطم على كفيه المقبوضتين محدثة ذلك الرذاذ!! فيا لله.. يا لدمعات الشوق والطمع..ويالذلك القلب المشتاق للنعيم المقيم.. ويا لذلك الرجل الذي لم أشعر ببكائه ولا باهتزازه بالرغم من التصاق كتفي بكتفه.. ولم أسمع له نحيبا ولا نشيجا.. وإنما فضحته أدمعه المتوالية التي تتسللت بكل هدوء..
اللهم اجعلنا من الأخفياء الأنقياء الأتقياء..
 
اللهم اجعلنا من الأخفياء الأتقياء
اللهم آمين
جزاكم الله خيرا أخانا الكريم
 
عودة
أعلى