كتاب " تيسير طرق النشر من أصله إلى الرواة " على الوورد

إنضم
27/12/2007
المشاركات
373
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
موريتانيا
ملاحظة : يقع الكتاب في 260 صفحة من الحجم الكبير بحجم 1 ميجا 300 كيلو بايت


تيسير طرق النشر من أصوله إلى الرواة
للباحث / الحسن محمد ماديك

بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه ، وبعد :
فإن القرآن كان ولا يزال متواترا قرآنا وكتابة أي أداء ورسما محفوظا ذينك الحفظين منذ نزّله روح القدس جبريل على قلب النبيّ الأمي الرسول به محمد بن عبد الله الهاشمي صلوات الله وسلامه وبركاته عليه وعلى آله كما وقعت على إبراهيم وآله ، والله حميد مجيد .
وأعوذ بالله أن أشغل الناس عن تلاوة القرآن وتدبره ببحوث قاصرة أشفقت قبل كتابتها فترددت أكثر مما عزمت إشفاقا على نفسي أن أحشر يوم القيامة مع الذين فتنوا الناس بزخرف القول عن الاهتداء بقول فصل وما هو بالهزل بل نزّله أمين من في السماء جبريل على أمين من في الأرض محمد الرسول النبي الأمي .
ولقد فزعت فزعا حين دريت رغبة الناس عن إفراد الروايات إلى جمع القراءات والروايات وما فيها من أوجه الضرب والحساب ، إلى طرق وأوجه تشعبت وتفرعت منها طرق أخرى فرعية في كل حرف من أحرف الخلاف ، لن يستغرقها من انشغل بها ثمانين حولا ، فعسر تعلم القرآن وتلاوته بعد تيسيره للذكر والتذكر والتفكر والتدبر ، ولو سألت الذين أفنوا أعمارهم في تتبع المسائل الفرعية والافتراضات والأحجية في علم التجويد وأصول القراءات عن جزئيات الغيب في القرآن الذي كلفوا الإيمان به في الدنيا لما استطاعوا تجاوز الإيمان به جملة ، ولقد أحسن الذي آمن بغيب القرآن جملة ، وأحسن منه عملا من آمن به تفصيلا ، مسألة مسألة ، إذ هو أقرب إلى النجاة يوم يصبح الوعد من الله في القرآن شهادة في آخر الأمة .
هكذا قررت أن أخطو الخطوة الأولى ـ ليكملها الباحثون بعدي ـ في سبيل إعادة الأمة إلى الأداء بالمصاحف العثمانية الخمس لتيسير القراءات ، وزاد من عزمي أن آخر الأمة لن يصلح إلا بما صلح به أولها ، وأن النبيّ عيسى بعد نزوله إلى الأرض في آخر الأمة لن يتعلم وقف حمزة وهشام على الهمز ليقرأ به القرآن ولن يتعلم إمالة الكسائي هاء التأنيث وما قبلها ولا رواية ورش وابن ذكوان مثلا ليقرأ بها القرآن بل سيقرؤه غضا طريا كما قرأه النبي الأمي صلى الله عليه وسلم وقرأه من بعده صحابته الكرام المجمعون على المصاحف العثمانية .
ولو طلب المتخصصون المعاصرون الحق بالعلم لأسقطوا القياس في القراءات ، فحذفوه من الأداء ليقرأوا القرآن عذبا وسلسلا غضا طريا كما أنزل وكما قرأه الصحابة الذين رافقوا المصاحف العثمانية ، ولما وقع عليهم وعد إبليس كما في قوله " لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم " .
من هذا المنطلق وإلى تلك الغاية قررت كارها إنشاء كتابي هذا " تيسير طرق النشر من الأصول إلى الرواة " على أنه الجزء الأول وليليه إن شاء الله كتابي " تحرير القراءات من الرواة إلى الأداء بالمصاحف العثمانية ".
أما كتابي هذا : تيسير طرق النشر فقد ضمنته ثلاثة أبواب :
وحوي الباب الأول [ دراسة حول كتاب النشر ] الفصول التالية :
ـ تمهيد : لمناقشة العلاقة الجدلية بين القرآن والقراءات
ـ دراسة حول مدارس القراءات
ـ دراسة حول مدرسة ابن الجزري
ـ دراسة حول أمهات النشر "تيسير طرق النشر من ابن الجزري إلى أمهات النشر "
ـ دراسة حول إعادة النظر في مدلول الطرق عن الرواة
وحوى الباب الثاني [ تيسير طرق النشر من أصوله إلى الرواة ] أو [ إعادة نشر طرق النشر ] الفصول التالية :
ـ طرق جمعت بين الأداء والنص
ـ طرق الأداء والنص ببعض القرآن
ـ طرق الأداء دون النص
ـ طرق التحديث
ـ طرق منقطعة
وحوى الباب الثالث :
ـ [ تحبير طرق النشر ]
ـ طرق النشر من النشر بقسميها [1] من ابن الجزري إلى أصول النشر [2] من أصول النشر إلى الرواة العشرين .
ـ الخاتمة .
ولئن كانت بعض استدراكاتي على السلاسل الذهبية لشيخنا المقرئ أيمن رشدي سويد حفظه الله هي الخطوة الثانية من هذا الجهد غير أني لم أكن لأفرغ من كتابي هذا ـ لولا كتابه ـ إلا بعد سنين عددا ـ بما وفّر لي من الجهد والبحث والوقت ، فجزاه الله عني جنة وحريرا وظلا ظليلا يوم القيامة ووقاه السموم واليحموم والماء الحميم .
وكذلك استفدت كثيرا من حواراتي العلمية مع أخي وصديقي المقرئ السالم الجكني شكر الله له .
وأعلن بكل حياء أن كتابي إنما هو بحث ابتدائي من طالب علم قاصر ، حسبه أن يخطو خطوة ولو واحدة في اتجاه تيسير العلم بدل تعسيره تعسيرا تقاصر عنه بسببه ـ عبر التاريخ ـ كثير ممن يحبونه ويسعون إليه .
ـــــــــــــــــ
تمهيد

لمناقشة العلاقة الجدلية بين القرآن والقراءات

إن القرءان وهو كلام الله المنزل على النبي الأمي  المكتوب بين دفتي كل مصحف من المصاحف العثمانية لمتواتر جملة وتفصيلا كلمة كلمة حرفا حرفا كما بينت في بحثي " إثبات تواتر القرآن دون الحاجة إلى اللهجات والقياس في القراءات " .
وأما القراءات فقد نشأت في القرن الثاني بعد نزول القرآن باختيارات من القراء والرواة والطرق عنهم ـ من بين سيل من الروايات تلقوها ـ لتفسير مسألتين اثنتين :
1. الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن
2. تعليل الاختلاف في رسم المصاحف العثمانية
وأقول بالمغايرة بين لفظي القرآن والقراءات لأن القراءات قد تضمنت الضعيف والشاذ والوهم والوضع الذي منه القياس .
ولإثبات ذلك فلنتأمل اعترافات أئمة القراءات أنفسهم بهذه الحقيقة :
قال أبو شامة في كتابه المرشد الوجيز " فإن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ انتهى من النشر (1/10)
وقال عمرو ابن الحاجب "والسبعة متواترة فيما ليس من قبيل الأداء كالمد والإمالة وتخفيف الهمز ونحوه" اهـ من النشر (1/13) .
وقال أبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي "... وهكذا التفصيل في شواذ السبعة فإن عنهم شيئا كثيرا شاذا " اهـ من النشر (1/44 ).
ولقد جمع الداني عن القراءات السبع أكثر من خمسمائة طريق وجمع الأهوازي كثيرا من المشهور والشاذ وجمع الهذلي في الكامل خمسين قراءة وألفا وأربعمائة وتسعة وخمسين رواية وطريقا ومثله الطبري بمكة وجمع الأسكندري سبعة آلاف رواية وطريق ، قال ابن الجزري في النشر (1/35) "ولا زال الناس يؤلفون في كثير القراءات وقليلها ويروون شاذها وصحيحها بحسب ما وصل إليهم أو صح لديهم ولا ينكر أحد عليهم بل هم في ذلك متبعون سبيل السلف حيث قالوا القراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأول وما علمنا أحدا أنكر شيئا قرأ به الآخر إلا ما قدّمنا عن ابن شنبوذ لكنه خرج عن المصحف العثماني وللناس في ذلك خلاف كما قدمناه وكذا ما أنكر على ابن مقسم من كونه أجاز القراءة بما وافق المصحف من غير أثر كما قدّمنا وأما من قرأ بالكامل للهذلي أو سوق العروس للطبري أو إقناع الأهوازي أو كفاية أبي العز أو مبهج سبط الخياط أو روضة المالكي ونحو ذلك على ما فيه من ضعيف وشاذ عن السبعة والعشرة وغيرهم فلا نعلم أحدا أنكر ذلك ولا زعم أنه مخالف لشيء من الأحرف السبعة بل ما زالت علماء الأمة وقضاة المسلمين يكتبون خطوطهم ويثبتون شهاداتهم في إجازاتنا بمثل هذه الكتب والقراءات اهـ بلفظه .
وليت المعاصرين يكتشفون الأدلة التي أباحت لمن وصفهم ابن الجزري رحمه الله بالعلماء وقضاة المسلمين فأفتوا بجواز قراءة القرآن بقراءات ضعيفة وشاذة عن السبعة والعشرة يقرأ بها حتما من قرأ القرآن بمضمن كتاب الكامل للهذلي وسوق العروس للطبري وإقناع الأهوازي وكفاية القلانسي ومبهج سبط الخياط وروضة المالكي وغيره من أمهات النشر أي كتب المصنفين من طرق الرواة .
ولا يعني تضمن القراءات الشذوذ أنها متواترة فيما لا شذوذ فيه فهيهات أن يكون الأمر كذلك إذ حرص أئمة القراءات على اعتماد الرأي بعدم تواترها ودافعوا عنه بدافع الدفاع عن تعدد الروايات والقراءات لا غير .
قال ابن الجزري في النشر(1/13) "وقد شرط بعض المتأخرين التواتر في هذا الركن ولم يكتف فيه بصحة السند وزعم أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر وأن ما جاء مجيء الآحاد لا يثبت به قرآن وهذا مما لا يخفى ما فيه فإن التواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين الأخيرين من الرسم وغيره إذ ما ثبت من أحرف الخلاف متواترا عن النبي وجب قبوله وقطع بكونه قرآنا سواء وافق الرسم أم خالفه وإذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء السبعة وغيرهم" اهـ
ونقل ابن الجزري عن أبي شامة في مرشده قوله "وقد شاع على ألسنة جماعة من المقرئين المتأخرين وغيرهم من المقلدين أن القراءات السبع كلها متواترة أي كل فرد فرد ما روى عن هؤلاء الأئمة السبعة قالوا والقطع بأنها كلها منزلة من عند الله واجب ونحن بهذا نقول ولكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق واتفقت عليه الفرق من غير نكير له مع أنه شاع وذاع واشتهر واستفاض فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتفق التواتر في بعضها" اهـ ثم نقل عن الجعبري قوله "الشرط واحد وهو صحة النقل ويلزم الآخران فهذا ضابط يعرف ما هو من الأحرف السبعة وغيرها" ، ثم ذكر موافقة مكي له في الكشف .
قلت : وهكذا تخلى ابن الجزري ومن سبقه عن ركن التواتر حفاظا على كثير من الأداء في القراءات السبع والعشر أي بدافع الحرص على تعدد الروايات والقراءات وليس لأجل حفظ القرآن المحفوظ المتواتر قبل نشأة القراءات وبعد انقراضها لو انقرضت .

























الباب الأول [ دراسة حول كتاب النشر ]
الفصول التالية :
ـ دراسة حول مدارس القراءات
ـ دراسة حول مدرسة ابن الجزري
ـ دراسة حول أمهات النشر "تيسير طرق النشر من ابن الجزري إلى أمهات النشر "
ـ دراسة حول إعادة النظر في مدلول الطرق عن الرواة















الفصل الأول
دراسة حول مدارس القراءات

الطبقة الأولى : قراءات الصحابة الكرام

لقد قررت الحديث تفصيلا عن قراءات الصحابة في بحثي هذا تمثلا بالبحث العلمي المجرد ولو قلّدت المصنفين من طرق الرواة لأعرضت عن هذا المبحث بالذات كما أعرضوا عنه وأجملوه ، أبحث بحثي هذا ولي ملاحظتان اثنتان :
إحداهما : أن القراءات كما تصورتها لم تنشأ في عصر الصحابة ولا في طبقة التابعين الأولى .
وثانيهما : أن قراءات الصحابة هي ميدان الجزء الثاني لكتابي هذا وموضوعه " تحرير القراءات من الرواة إلى المصاحف العثمانية " .
وأقول والله المستعان :
المسألة الأولى :
إن المصنفين من طرق الرواة كالداني في جامع البيان (1/107) قد أوّلوا الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن بأحد وجهين :
1. بأوجه اللغات على نحو قوله  ومن الناس من يعبد الله على حرف  الحج 11 أي على وجه النعمة والسراء .
2. بالقراءات من باب تسمية الشيء باسم بعضه .
وعلق ابن الجزري في النشر (1/24) على مذهب الداني المذكور بقوله " وكلا الأمرين محتمل إلا أن الأول محتمل احتمالا قويا في قوله صلى الله عليه وسلم "سبعة أحرف" أي سبعة أوجه وأنحاء ، والثاني محتمل احتمالا قويا في قول عمر رضي الله عنه في الحديث : "سمعت هشاما يقرأ سورة الفرقان على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أي على قراءات كثيرة ..." اهـ محل الغرض منه .
ولقد أجمع المصنفون من طرق الرواة على مسألتين :
1. أن ليس المقصود بالأحرف السبعة جواز قراءة كل كلمة من القرآن بسبعة أوجه
2. وأن ليس المقصود بالأحرف السبعة القراءات السبع التي جمعها ابن مجاهد في سبعته في القرن الرابع الهجري
قلت : ولقد وافقوا الصواب في المسألتين غير أنهم تخلصوا من الإشكالية بتأويل دلالة الأحرف السبعة على أنها لغات رغم اختلافهم في تعيينها فمنهم من يقول هي لغة قريش وهذيل وثقيف وهوازن وكنانة وتميم واليمن .
ولقد أحسن المحقق ابن الجزري في رد هذا التفسير بقوله (1/24) "وهذه الأقوال مدخولة فإن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم اختلفا في قراءة سورة الفرقان كما ثبت في الصحيح وكلاهما قرشيان من لغة واحدة وقبيلة واحدة " اهـ بلفظه
ويلاحظ أن ابن الجزري قد اعتبر القول المدخول حسب وصفه وعدّه أولا ضمن تأويله دلالة الأحرف السبعة قال (1/26) :" ولا زلت أستشكل هذا الحديث وأفكر فيه وأمعن النظر من نيف وثلاثين سنة حتى فتح الله عليّ بما يمكن أن يكون صوابا إن شاء الله وذلك أني تتبعت القراءات صحيحها وشاذها وضعيفها ومنكرها فإذا هو يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه من الاختلاف لا يخرج عنها وذلك :
1. إما في الحركات بلا تغير في المعنى والصورة نحو  البخل  بأربعة و يحسب  بوجهين
2. أو بتغير في المعنى فقط نحو  فتلقى آدم من ربه كلمات   وادكر بعد أمة  و  أمه 
3. وإما في الحروف بتغير المعنى لا الصورة نحو  تبلوا  و  تتلوا  و  ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك  و  ننحيك ببدنك 
4. أو عكس ذلك نحو  بصطة  و  بسطة  و  الصراط  و  السراط 
5. أو بتغيرهما نحو  أشد منكم  و  ومنهم  و  يأتل  و  يتأل  و  فامضوا إلى ذكر الله 
6. وإما في التقديم والتأخير نحو  فيقتلون ويقتلون   وجاءت سكرة الحق بالموت 
7. أو في الزيادة والنقصان نحو  وأوصى   ووصى   والذكر والأنثى 
فهذه سبعة أوجه لا يخرج الاختلاف عنها وأما نحو اختلاف الإظهار والإدغام والروم والإشمام والتفخيم والترقيق والمد والقصر والإمالة والفتح والتحقيق والتسهيل والإبدال والنقل مما يعبر عنه بالأصول فهذا ليس من الاختلاف الذي يتنوع فيه اللفظ والمعنى لأن هذه الصفات المتنوعة في أدائه لا تخرجه عن أن يكون لفظا واحدا ولئن فرض فيكون من الأول " اهـ بلفظه
وهنالك أربعة أقوال عن المتقدمين في تأويل دلالة الأحرف السبعة هي :
1. أنها معاني الأحكام كالحلال والحرام والمتشابه والأمثال والإنشاء والإخبار .
2. أنها الناسخ والمنسوخ والخاص والعام والمجمل والمبين والمفسر
3. أنها الأمر والنهي والطلب والدعاء والخبر والاستخبار والزجر
4. أنها الوعد والوعيد والمطلق والمقيد والتفسير والإعراب والتأويل .
قال ابن الجزري (1/25) " وهذه الأقوال غير صحيحة فإن الصحابة الذين اختلفوا وترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في حديث عمر وهشام وأبيّ وابن مسعود وعمرو بن العاص وغيرهم لم يختلفوا في تفسيره ولا أحكامه وإنما اختلفوا في قراءة حروفه " اهـ بلفظه
ولعل من أحسن ما قرأت حول مناقشة ما قيل من قبل حول دلالة الأحرف السبعة كلام الشيخ محمد محمد أبو شهبة في كتابه "المدخل لدراسة القرآن الكريم " قال :
"يمكننا إجمال النقد فيما يلي :
1. إن القائلين بهذا الرأي ـ على اختلافهم ـ لم يذكر واحد منهم دليلا إلا أنه تتبع وجوه الاختلاف في القراءة فوجدها لا تخرج عن سبع وهذا التتبع لا يصلح أن يكون دليلا على أن المراد بالأحرف السبعة الوجوه التي يرجع إليها اختلاف القراءات .
ولا يقال كيف لا يعتبر التتبع وهو لا يخرج عن كونه استقراء .
لأنا نقول إنه استقراء ناقص بدليل أن طريق ابن الجزري مخالف لطريق تتبع ابن قتيبة وابن الطيب والرازي وليس أدل على ذلك من أن الرازي ذكر الوجه السابع ولم يذكره واحد من الثلاثة الآخرين بل برر ابن الجزري إهماله مما يدل على أنه يمكن الزيادة على سبع وأن الوجه الأول عند الرازي والثاني والسادس ترجع ثلاثتها إلى الوجه الخامس عند ابن الجزري مما يدل على أن هذه الوجوه يمكن أن يتداخل بعضها في بعض وأن تعيينها إنما هو بطريق الاتفاق لا الاستقراء الصحيح
وعلى هذا يكون الحصر في الوجوه السبعة غير مجزوم به ولا متعين فهو مبني على الظن والتخمين
إن الغرض من الأحرف السبعة إنما هو رفع الحرج والمشقة عن الأمة والتيسير والتسهيل عليها ، والمشقة غير ظاهرة في إبدال الفعل المبني للمعلوم بالفعل المبني للمجهول ولا في إبدال فتحة بضمة أو حرف بآخر أو تقديم كلمة أو تأخيرها أو زيادة كلمة أو نقصانها ، فإن القراءة بإحداهما دون الأخرى لا توجد مشقة يسأل النبي صلى الله عليه وسلم منها المعافاة وأن أمته لا تطيق ذلك ويراجع جبريل مرارا ويطلب التيسير فيجاب بإبدال حركة بأخرى أو تقديم كلمة وتأخيرها ، فالحق : أنه مستبعد أن يكون هذا هو المراد بالأحرف السبعة .
إن أصحاب هذه الأقوال اشتبه عليهم القراءات بالأحرف ، فالقراءات غير الأحرف لا محالة وإن كانت مندرجة تحتها وراجعة إليها" اهـ بلفظه ص 193ـ194
قلت : لله در الشيخ محمد محمد أبو شهبة فقد أحسن الاجتهاد والاستنباط والاستقراء فبيّن الاضطراب في تأويل دلالة الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن .
ولم ينسب السلف بسبب أمانتهم العلمية شيئا من تلك الأقوال إلى التابعين ولا إلى الصحابة ولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل ظلت تلك الأقوال اجتهادات متأخرة من المصنفين فجزاهم الله خيرا على الأمانة العلمية .
ونسجل لابن الجزري عدم القطع برأيه وتأويله ونشكر له قوله الآنف الذكر : "ولا زلت أستشكل هذا الحديث وأفكر فيه وأمعن النظر من نيف وثلاثين سنة حتى فتح الله عليّ بما يمكن أن يكون صوابا إن شاء الله " اهـ ولم يقطع بأنه هو الصواب لا غيره .
ونسجل للداني عدم القطع برأيه وتأويله ونشكر له قوله في جامع البيان (1/ 109) " ويمكن أن يكون هذه السبعة أوجه من اللغات فلذلك أنزل القرآن عليها " اهـ بلفظه .
وكذلك اعترف ابن الجزري في نشره (1/25) باحتمال أن لا يكون اختلاف القراءات هو المراد بالأحرف السبعة فقال " فإن قيل فما تقول في الحديث الذي رواه الطبراني من حديث عمر بن أبي سلمة المخزومي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود "إن الكتب كانت تنزل من السماء من باب واحد وإن القرآن أنزل من سبعة أبواب على سبعة أحرف :حلال وحرام ومحكم ومتشابه وضرب أمثال وآمر وزاجر فأحل حلاله وحرم حرامه واعمل بمحكمه وقف عند متشابهه واعتبر أمثاله فإن كلا من عند الله  وما يذكر إلا أولوا الألباب  فالجواب عنه من ثلاثة أوجه أحدها أن هذه السبعة غير الأحرف السبعة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الأحاديث وذلك من حيث فسرها في هذا الحديث فقال حلال وحرام إلى آخره وأمر بإحلال حلاله وتحريم حرامه إلى آخره ثم أكد ذلك الأمر بقول  آمنا به كل من عند ربنا  فدل على أن هذه غير تلك القراءات " اهـ بلفظه
قلت : ولقد وقع الإدراج في الحديث فضم إليه من تفسير بعض الرواة إذ لم تكن بعض ألفاظ ما أدرج متداولة في جيل الصحابة ولا نطقوا بها ولا سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم كمصطلحات : الإنشاء والإخبار والناسخ والمنسوخ والخاص والعام والمجمل والمبين والمفسر والطلب والدعاء والخبر والاستخبار والزجر والمطلق والمقيد والتفسير والإعراب .
وينقض تأويلهم دلالة الأحرف السبعة ـ التي أنزل عليها القرآن ـ بالقراءات أن المقروء بسبعة أوجه نادر جدا وأن بعض الكلمات قد قرئت بأكثر من سبعة أوجه بل بأكثر من عشرة أوجه مثل  مالك يوم الدين  ، ومثل  وعبد الطاغوت  ، ومثل  أف  كما هو معلوم وأن قد وقع التكلف في اقتصار  يخصمون  و  لا يهدي  على سبعة أوجه .

المسألة الثانية :
يتواصل
 
عودة
أعلى