ذكر الشيخ رشيد رضا شيئًا عن حياته الزوجية في المقال الذي كتبه في وفاة والدته سنة 1931 م بعنوان : " مصابنا بالوالدة رحمها الله تعالى " ، فقال رحمه الله :
" وقد قلتُ لأمِّ محمد شفيع غير مرة: إن كل خدمة تؤدينها للوالدة فكأنك تؤدينها لشخصي؛ لأنك نائبة فيها عني، فإنني أنا الخليق بأن أقوم بذلك بكل ارتياح مهما يكن نوعه، فلا عذر لك في شيء من التقصير إلا إذا كنت أنا مقصرا معك في شيء ما - وهي بحمد الله واتباعنا لهداية دينه القويم لا تشكو مني شيئا ما - ومن فضل الله علينا جميعا أنني لم أر منها أدنى تقصير فأرشدها إلى تلافيه، وقد قلت لها: إنني لا أشكر لك خدمة الوالدة لجنس الخدمة ونوعها؛ فإن هذا من التكافل المشترك في حياتنا المنزلية، وإنما أشكر لك من أعماق قلبي أنني لم أرك في شيء من هذه الخدمة متبرمة ولا ضجرة.
فهذا الارتياح النفسي لهذا العمل الشريف من الفضائل النفسية لا تكاد توجد في الكنائن، بل قلما تتحلى بها ابنة في تمريض أمها في هذا العصر الذي كثر فيه العقوق، وهضم الحقوق، فأقسمت أنها تشعر في خدمتها بارتياح من تخدم ابنة لها لا أما، ولقد كانت المرحومة خيرا لها من أمها، وأشد تحريا لسرورها من بنتها، فلو كانت أمها معنا لما استطاعت أن تؤلف بيننا مثلها، فأنا أسجل هذا في المنار ليكون مثلا صالحا وأسوة حسنة للمؤمنين، وحجة على الملاحدة والمارقين والفاسقين، الذين يجهلون أن سعادة الحياة المنزلية (العائلية) من زوجية وأمومة وأبوة وأولاد لا تأوي إلا إلى بيوت المعتصمين بهداية الدين القويم، فإليها تأوي وفيها تثوي وتقيم، ولئن طاف منها طائف ببيت من بيوت الملاحدة والفاسقين أو زارته؛ فإنما تلم به إلماما، ولا تلبث أن تهجره عند حدوث الحوادث الشهوانية، وانتياب الكوارث البشرية، فآداب الإسلام أرقى من آداب الإفرنج وأضمن للسعادة، وإن جهل ذلك المتفرنجون " .