وفقني الله وإياكم وبصرنا بالصواب.
آمين.
جميل، وهذا رأيك وانطباعك، ولكن غيرك ممن رد ـ أو بعض من قرأ ولم يرد ـ يخالفك في جملة مما في كتب الشيخ الجديع: أهمها المنهجية والأمانة العلمية...، ولا شك أن القراء يختلفون اختلافا كبيرا في مدى قدرتهم على اكتشاف الخلل العلمي، أو المنهجي ... وأهم العوامل في هذا الخلفية العلمية والحس النقدي للقارئ..
أخي عبد الرحمن سديس،
وددت لو كان جوابك أكثر تفصيلا، ووضوحا ودقة. فكلامي يطرح نقطة منهجية تستدعي من المعلق عليها أن يحدد إن كان متفقا على ضرورة اعتمادها، أم لا.
فإن كان غير متفق معها، فيسعدني أن أعرف وجه الخطأ فيها.
أما الحديث عن (غيري ممن رد، أو بعض من قرأ ولم يرد) فلا يفيد في قياس المسافة: هل تقلصت المسافة أم ظلت على حالها.
ولتقريب الفهم حول ما أردت قوله، أسوق الملاحظة التالية: من يقرأ الحوارات في المنتديات الإسلامية يصطدم بكونها أكثرها مبتورة، غير كاملة. وعادة ما ينتهي فيها الأمر إلى تخلص أحد المشاركين من استكمال الحديث لسبب أو لآخر.
فما الذي يحصل في نهاية مثل هذه الحوارات؟
الجواب: تصبح جهدا مهدورا، تضيع فائدته التي انطلق من أجل تحصيلها.. لأن موضوع الحوار يقبى عنصر اختلاف بين المتحاورين. فيتأجل الكلام، ويبقى كل واحد على رأيه، فيضيع الهدف الذي من أجله انطلق الحوار، وهو:
1- إقناع أحد الطرفين للآخر بوجهة نظره،
2- أو على الأقل تقريب وجهتي النظر، فيتصبح المسافة بين المتحاورين أقرب مما كانت عليه قبل الحوار.
ولتقريب الفكرة إلى الذهن، أسوقها بالترتيب التالي (وهو ترتيب رياضي، اعتمدته في بعض حواراتي السابقة، في سياق مختلف):
1- يعرض أحدنا، ولنسمه (X) موضوعا، أو تعليقا، أو مقالا، يحتوي على وجهة نظر أو فكرة، ولنسمها: (Op1)
2- يقرأ أحدنا، ولنسمه (Y)، فيحصل لديه "انطباع" حول الرأي (Op1)
3- من خلال الانطباع الذي تولد لدى (2)، يقرر أن يقف على مسافة من الرأي (Op1)، لنسمها: D1:Y-Op
4- اعتمادا على انطباعه حول الرأي (Op1)، يعتقد الثاني Y أن رأي الأول X (الذي سميناه Op1) بعيد عن الرأي الصائب (أو لنسمه: الحقيقة) Op_Absolute
فيرى أن المسافة بين Op و Op_Absolute تساوي عددا أكبر من صفر. (وفي نفس الوقت: يحدد مسافة بين رأي X و بين نقيض الصواب أو الحقيقة. فيحدد له مسافات أخرى تقربه إلى دائرة الانحراف، أو الزيغ، أو الانحراف.
ثم يقرر الثاني (Y)، اعتمادا على ذلك، أن يقف أيضا على مسافة نسميها: (D1:X-Y من الكاتب (X)
5- انطلاقا من انطباعه حول الرأي (Op1) والكاتب (X)، يكتب القارئ (Y) ردا أو تعليقا، يوضح فيه المسافتين التي قررهما لنفسه تجاه الرأي وتجاه الكاتب D1:Y-Op و D1:Y-X
6- في بعض الأحيان، لا يرد الأول X على الثاني لتوضيح رأيه Op، فيقطع بالتالي الحوار.
في هذه الحالة، تكون النتيجة أن المسافة بين المتحاورين تبقى كما حددها الثاني (اعتمادا على انطباعه)، أي: D1:Y-X
فإن كانت هذه المسافة متباعدة، فمن الذي يلام عليها في هذه الحالة؟
في تقديري: الملوم هو الأول X لأنه تخلى عن واجب توضيح رأيه، فترك الثاني محتفظا بانطباعه عن المسافة بينهما، في حين أن واقع الأمر قد لا يكون كذلك لو وضح رأيه أكثر.
بالتالي، فعوض أن تكون المسافة بين المتحاورين مسافة حقيقية (واقعية، موضوعية)، تصبح مسافة انطباعية مغلوطة، لأنها لا تعبر عن المسافة الحقيقية.
7- أما في الحالة الثانية، أي عندما يبذل الأول X مجهود توضيح رأيه للثاني Y فيشرح أدلته، ليبين أن Y مخطئ في تقدير مسافته الانطباعية حول الرأي Op1 ، ويعرض عليه أن تصبح هذه المسافة D2:Y-Op1 بدل المسافة الأصلية التي وضعها Y لنفسه D1:Y-Op1 بحيث تكون هذه المسافة الثانية أقصر من المسافة الأولى، أي:
D2:Y-Op1 < D1:Y-Op1
في هذه الحالة، واعتمادا على تقريب المسافة وتصويب فهم الفرأي، يقترح X على Y أن يغير أيضا انطباعه حن الكاتب نفسه (X)، داعيا إياه أن تصبح المسافة بين المتحاورين: D2:Y-X عوض أن تبقى على حالها D1:Y-X، بحيث تكون هذه المسافة الثانية أقصر من المسافة الأولى، أي:
D2:Y-X < D1:Y-X
وفي انتظار جواب الرجل الثاني Y، ما الذي يحصل في ذهن (أو في انطباع) الرجل الأول X؟
ما يحصل هو أنه يكون لنفسه انطباعا حول الثاني Y، نسميه: D2:X-Y
بحيث تكون المسافة الناتجة عن انطباع الشخص الأول حول الشخص الثاني، مختلفة عن المسافة الناتجة عن انطباع الشخص الثاني حول الشخص الأول، أي:
D2:X-Y < D2:Y-X
وفي هذه الحالة، يرى الأول (في انطباعه) أنه قرب المسافة بينه وبين الثاني، في حين أن الثاني بقي انطباعه كما هو، لم يتغير.
8- الآن: ماذا يمكن أن تكون ردة فعل الثاني Y عند قراءة رد الأول X؟
إما أن لا يبذل الجهد لتعجيل انطباعه اعتمادا على المعلومات الجيدة التي أضافها X، أو أن يترك الرد.
فإن ترك الرد (وما ينتج عنه من تعديل للمسافات بين المتحاورين)، فما يحصل هو التالي:
لم يعد للمتحاورين نفس الانطباع حول المسافة بينهما، وبالتالي فإن المسافة الحقيقية بينهما، بدل أن يتم معرفتها بشكل جيد، تصبح مسافة انطباعية، مختلف في تقديرها وقياسها بين المتحاورين، لأن الأول يعتقد أنها D2:X-Y في حين يرى الثاني أنها D2:Y-X
وفي غالب الأحيان تكون المسافتان الانطباعيتان مختلفتين عن المسافة الحقيقية بين الرجلين (وهذا الأمر من الضروري التأكيد عليه)
في هذه الحالة، يصبح الحوار غير مفيد، بل يصبح ضارا، إن لم نقل خطيرا، لأنه ينجر عنه أخطاء كثيرة في تقييم الرأي وتقييم الرجال بعضهم لبعض.
لماذا؟ لأن الحوار في أصله ينطلق إما لرغبة في تقريب وجهات النظر أو في تقريب بين المتحاورين. أي أن الحوار يُعتمَد لحساب المسافات الجقيقية بين الأفكار أو بين الرجال. فإذا تخلى أحد المتحاورين (أو كلاهما) عن استكمال عملية تعديل المسافة للوصول إلى المسافة الحقيقية، فإن الحوار يصحب ضارا.
إذن: في هذه الحالة (أي عندما لا يرد الثاني Y)، من يقع عليه اللوم؟
لا شك أنه الرجل الثاني Y
من هنا، أسوق قاعدة عامة في الحوارات كي تكون ناجحة:
لحساب المسافة الحقيقية بيننا (كمتحاورين)، نحتاج للاستمرار في توضيح الافكار (في مسار ذهاب وإياب) لعدة مرات، حتى نضمن لأنفسنا الاستفادة من حواراتنا.
أرجو أن تكون الفكرة واضحة بهذا الشكل المنطقي، وأعتذر لمن يرى فيه نوعا من التعقيد. وعذري أنني أعتقد أن مثل هذا (التجريد) بالغ الأهمية في بعض الأحيان.
ملاحظة:
لأهمية الموضوع، في تقديري، ارتأيت إعادة طرحه في موضوع مستقل، عسى أن يجد حظه من التأمل والتعليق. تجدونه في
هذا الرابط.