قَدِّمْ نَصِيحَتَكَ لمَنْ يَشْكُو شُرودَ قَلْبِهِ وَعَقْلِهِ عَنْ تَدَبُّرِ كِتَابِ اللهِ؟

إنضم
18/07/2010
المشاركات
537
مستوى التفاعل
2
النقاط
18
الإقامة
المدينة المنورة
أخواني وأخواتي الكرام...
بماذا تنصحون من يشكو شرود قلبه عن التدبر والتفكر في آيات القرآن؟؟ مع العلم بأنه إذا شحذ همته وأقبل على الآيات متدبرا؛ لم تلبث همته إلا برهة ثم تعود لتتبعثر وتتشتت!
وهو في حين حضور ذهنه.. دقيق التأمل؛ سريع التأثر؛ قريب الدمعة!. فإذا من الله عليه واستوقفته آية من كتاب ربه.. تراءى له واقعه بين حروفها, فينزلها على حاله, فيكاد يقسم أنها إنما أنزلتْ له وحده؛ فيقشعر جلده؛ وتسيل مدامعه. وينسلخ عن عالمه ليرتقي إلى عالم روحي رائع؛ لا ترفرف فيه إلا أروح عباد الله المخلصين الأتقياء.
فإذا ما استوقف تأمله طارئ.. أو استدعاه داع ليعيده إلى عالمه الدنيوي المثقل بالهموم والمشاغل= أغلق مصحفه وانصرف إلى بعض شأنه وهو عازم على العودة... لكن الحياة تتلقفه بهمومها, وتلهه بمشغالها. فإذا به يصبح ويمسي هاجرا لكتاب الله ... يمر اليوم تلو اليوم وهو عنه لاهٍ. ولربما طوى الأسبوعُ الأسبوعَ, والشهرُ الشهرَ؛ وهو مكتفٍ بسورة الفاتحة؛ وقصار السور التي يتمتم بها ـ مُبَرْمَجًا ـ في صلاته, وكذلك آية الكرسي والمعوذات الثلاث التي لربما يكتفي بها من أذكار صباحه ومساءه!!
فإذا استطاع أن يقتنص من وقته ساعة لقراءة كتاب الله ...كانت المفاجأة وكانت الطامة: فهو يقرأ قراءةَ مَنْ لا يسمع شيئا ولا يعقل!, فإذا ما حاول استجماع نفسه؛ وتركيز ذهنه؛ أتته سهام الإشغال الفكري من كل مكان, فتراه يقرأ الآيات بصوت قد يسمعه كل أحد حوله إلا هو. وإذا بالجزء الذي كان خفيفا يسيرا عليه في التلاوة أضحى ثقيلا, فيطالع ساعته مرارا!, يقرأ الآيات.. لكن عينه مشغولةً تبحث عن النجمات (علامات انتهاء الأرباع) !! ويده عابثةً تعد ما بقي له من الصفحات!!, وكأنه يستحث الزمن ليسرع... والوقت ليمضي ... فأنى له أن يتفكر أو يتدبر وذهنه مع الأموال تارة؛ وتارة مع الأولاد. ولربما يفكر في طعام أو شراب! أو يضع جدولا لبقية ساعات يومه, فينهمك يرتبه حسب الأولوية! ولسانه لازال كالآلة يتلو القرآن!!...
...هو يدرك أن مابه من غفلة إنما هي عاجل عقوبةِ ذنبٍ من ذنوبه!. لكنه مع حاله المحزن هذا ومع غفلته الشديدة هذه... يعتقد أنه يحب الله حبا صادقا لا رياء فيه ولا كذب, حبا ينبض به قلبه .. ويفيض به فؤاده.. ويجري مجرى الدم في عروقه!
فإذا ما ناجى ربه وسأله بأرجى ما عنده قال:
(يارب إنك تعلم إننا إن سمعنا من البشر برحيم أحببناه وإن لم تمسسنا منه رحمة! وإن سمعنا من البشر بكريم أحببناه وإن لم نذق منه كرما! وإن سمعنا من البشر بحليم أحببناه وإن لم نر منه حلما! فكيف بمن طالنا كرمه فأغرقنا, وأخذنا بحلمه فأمهلنا, وغشيتنا منه رحمة فوسعتنا. فاللهم إني أشهدك أن حبك هو أرجى طاعة عندي. فاللهم اجعلني من عبادك المقبولين؛ واغفر لي خطيئتي يوم الدين؛ يوم لا ينفع مال ولا بنون؛ إلا من أتى الله بقلب سليم).
هذا دعاءه... رغم أن ما حكيناه من غفلة أيضا هي حالته!!!!!!!!
فهل حبه لله وهما لا حقيقة له ما دام هذا حاله مع كتاب ربه؟؟
وهل من نصيحة لطيفة صادقة؛ أو تدريب بسيط وناجح؛ يعينه على استجماع شتات ذهنه, ويحثه على إقبال نفسه, ويكبت عنه شيطان فكره حين يقرأ القرآن, ليذوق حلاوة المناجاة مع أول آية يقرأها؟ فيحلق مع كتاب الله متدبرا متفكرا؟؟
وجزاكم الله خيرا.
 
لما تصلنا رسالة من شخص عزيز جداً وغالي على قلوبنا ماذا نصنع معها..سنقرأها كثيراً..ونعيد قرأتها إيام وقد تطول لأشهر وسنين عديده..وسنحفظ حروفها وكلماتها وسنعيش بأعماق معانيها ونسهر معها في لليالي طويلة..
وسنحتفظ بهذه الرسالة بمكان جميل يناسب جمال وروعه مرسلها..
ذاك القلب لما أحب اندفع بحب هذه الرسالة فأحب وأكرم حتى ورقها ومكانها..
لكن نسينا أنها من بشر ليس معصوم من الخطأ فسيجرجنا يوم ونرمي بتلك الرسالة بعيداً فلم يعد لها قيمة ومكانه..
ولامحال ستفنى وترمى بعيداً وتنسى..
وما أجمل كتاب ربنا فيها رسائل لنا عديده تختلف عن رسائل البشر..تحدى بها وأعجز أن يأتي أحد ولو بيسير منها..
وهو يحبنا ويفرح بأقبالنا عليه ولايمل ولايفتر ولا يجرح وحاشاه جل في علاه عن ذلك..
بل قال بحب وشوق لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {إذا سألك عني عبادي فأني قريب..},,
وهو سبحانه تكفل بحفظها لنا..{كتاب لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه..}
سبحانه جلا وتبارك في علاه..ارشدنا لما فيه خير وصلاح وسعادة دنيانا وآخرتنا..
قلوبنا إذا أمتلئت بحبه فلن تعرف غير الأقبال عليه سواه..
فلندعوا اللهم أني أسئلك حبك ويحب من يحبك وحب عمل صالح يقربني لحبك..
 
أحسنت أحسن الله إليك أختي الكريمة الأديبة الرقيقة المتأملة، أجدت التوصيف لحال هو حال معظمنا إلا من رحم ربي وهذا أول العلاج أن يضع المريض يده على موضع الألم فإذا عرفه لجأ إلى طبيبه يلتمس الدواء الشافي فيا رب ها قد اعترفنا بذنبا وتقصيرنا وجئن...اك نقف على أعتابك راجين رحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لنا وتعيننا على أنفسنا وعلى غفلتها وتعيننا على شياطين الإنس والجن التي لا تريد لنا أن نتقرب إليك وتريد أن تقنطنا من رحمتك لكن حسن ظننا بك يا رحمان الدنيا ورحيمها يا رؤوف يا ودود أن تأخذ بأيدينا إلى شاطئ رضوانك وتحبب إلينا كتابك وترزقنا الأنس به في كل حين والتفكر في آياته حتى توصلنا إلى مرضاتك وجناتك والأهم عندي مرضاتك فهل أطمع يا رب أن أكون ممن رضيت عنهم رغم تقصيرهم فإنما أنا بشر من خلقك ضعيف إن لم تقوني ووحيد إن لم تؤنس وحشتي وعاجز إن لم تنصرني وخاسر إن لم تعفو عني
أما النصيحة فهي لنفسي وللجميع أن لا نكف عن طرق بابه سائلين متضرعين أن يرزقنا حلاوة الأنس بكتابه ومناجاته فبدون معونته سبحانه لن نحقق أي مطلوب، ربي إياك نعبد وإياك نستعين أعنا على أنفسنا وارزقنا خضوعاً في حضرتك وخشوعاً بين يديك وخشية منك ورجاء تجعلنا نستمع لرسائلك التي أرسلتها لنا في كتابك فنعيها بقلوب متدبرة سليمة أضاءها نور القرآن واليقين بك فامتلأ رضى بما قسمت وأملاً فيما عندك من الخير ورجاء بما عندك من العفو والرحمة فيضخ القلب هذه المعاني مع كل قطرة دم إلى كل ذرة في أجسادنا فتنعكس على الجوارح استسلاماً وامتثالاً لأوامر القرآن فلا نتكلم إلا صدقاً ولا نأكل إلا طيباً ولا نسعى إلا للخير ولا تمتد أيدينا إلا للخير ولا نسمع إلا طيباً وعندا يصدق القول العمل فيرفعه (والعمل الصالح يرفعه)
اللهم اجعلنا لكتابك متدبرين ولأوامره ممتثلين ولنواهيه مجتنبين وارزقنا الاخلاص والثبات واليقين
 
وجدت هذا المقال وأنا أتصفح وأضعه بين أيديكم للفائدة

كيف نحب القرآن ونتدبره؟

الحياة الحقَّة: هي تلك التي منبعها الإيمان الصادق، الذي أُسِّس على معالم واضحة، و لَبِنات مادتها الأساسية التزكية الإيمانية المحروسة من الزَّلَل، البعيدة عن الغبن النفسي الذي مصدره البعد عن الله – تعالى - ولهذا فإنَّ الحياة في ظلال القرآن نعمة، نعمة لا يعرفها إلا من ذاقها، نعمة ترفع العُمر وتباركه وتزكيه.

حُبُّ القرآن الكريم غاية إيمانية:
لنغرس في نفوسنا حُبَّ القرآن الكريم، ونسأل الله التوفيق، لابدَّ لنا من وسائل تُعيننا في ذلك، وكيف تكون حياة الإنسان إذا وفَّقه الله أن يَغرسَ القرآن الكريم في قلبه؟ والله إنها حياة طيبة ولحظة سعيدة، فمن هنا سنحاول في هذا المقال توضيح بعض الوسائل التي تعيننا على غرسه في أعماقنا؛ لنشعر بالسعادة والطمأنينة.

أسرار قيام الليل: لكي تكون نفوسنا مُهيَّئة لاستقبال حُبِّ القرآن الكريم بكل طواعية وراحة، واستعداد نفسي وروحي، نبدأ بقيام الليل، ففيه جلاء للنفوس، وصَقْلٌ للقلوب حتى تطهر من الشوائب الزائدة و الملتزقة بها، وفي هذا قال – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} [المزمل:1-7].

عن جُبير بن مُطعم - رضي الله عنه - قال: ((كُنا مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالجحفة، فخرج علينا، فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأن القرآن جاء من عند الله؟)) قلنا: نعم، قال: ((فأبشروا، فإن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به ولا تهلكوا بعده أبدًا))؛ "المعجم الكبير" (2/ 126)، جاء سعد بن هشام بن عامر إلى عائشة - رضي الله عنها - يسألها عن قيام النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: (( أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ حَوْلاً، وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فِي السَّمَاءِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ، فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ))،[1] فقيام الليل على هذا عامل أساسٌ في تحسين العلاقة بين الإنسان والقرآن الكريم، إنه لا صلاح لهذه الأرض، ولا راحة لهذه البشرية، ولا طمأنينة لهذا الإنسان، ولا رِفعة ولا بركة ولا طهارة، ولا تناسق مع سُنن الكون وفطرة الحياة إلا بالرجوع إلى كتاب الله – تعالى – تدبرًا، وحُبًّا، وقراءة، وتطبيقًا.

والرجوع إلى كتاب الله له صورة واحدة، وطريق واحد، واحد لا سواه، إنه العودة بالحياة كلِّها إلى منهج الله الذي رسمه للبشرية في كتابه الكريم، إنه تحكيم هذا الكتاب وحدَه في حياتها، والتحاكم إليه وحدَه في شؤونها، وإلا فهو الفساد في الأرض، والشقاوة للناس، والارتكاس في الحمأة، والجاهلية التي تعبد الهوى من دون الله؛ {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [القصص:50]"[2].

ومن هنا نجدُ في سيرة السلف صفحات نيِّرة ومُشرقة، صنعتها صلتهم القوية بكتاب الله – تعالى - تدبُّرًا وتلاوةً وقراءةً متأنِّيةً واعيةً، ترمي إلى الكشف عن الرسائل التي يتضمنها النص الشريف في سياقاته المتعددة والمتنوعة، والمزهرة بالخير والبركة والنماء لكل البشرية، وفي هذا يقول عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه -: "ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليلِه إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مُفطرون، وبحزنه إذا الناس فرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيًا مَحزونًا حليمًا حكيمًا سكيتًا، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيًا ولا غافلاً، ولا سخَّابًا ولا صيَّاحًا ولا حديدًا"؛ وصايا غالية ثمينة ذهبية.

مناجاة الله في الصلاة، والقرب الروحي الذي يُحسّه المؤمن وتحسّه المؤمنة، وهو بين يدي الله فيه من الحلاوة والطلاوة الخير الكثير، ولهذا لابدَّ لنا من كثرة الدعاء، والصدق فيه، وفي هذا يقول ابن مسعود - رضي الله عنه - مبيِّنًا أسرار قيام الليل، والصلاة بصفة عامَّة: "ما دمت في صلاة فأنت تقرع باب الملك، ومن يقرع باب الملك يُفتح له".

عبد الله بن مسعود و حب القرآن الكريم:
نجح ابن مسعود - رضي الله عنه - بتوفيق من الله وتبيين من قِبل النبي الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حُبِّ القرآن الكريم؛ ولهذا كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بمكة، إذ اجتمع يومًا أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالوا: والله ما سمعت قريش مثل هذا القرآن يُجهر لها به قط، فمَن رجل يُسْمِعهموه؟ فقال عبدالله بن مسعود: أنا، قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلاً له عشيرته يمنعونه من القوم إن أرادوه، قال: دعوني، فإنَّ الله سيمنعني، فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها، فقام عند المقام، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم - رافعًا صوته – {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ} [الرحمن:1- 2]، ثم استقبلهم يقرؤها، فتأملوه قائلين: ما يقول ابن أمِّ عبد؟ إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد، فقاموا إليه وجعلوا يضربون وجهه، وهو ماضٍ في قراءته حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغَ، ثم عاد إلى أصحابه مُصابًا في وجهه وجسده، فقالوا له: هذا الذي خشينا عليك، فقال: ما كان أعداء الله أهون عليَّ منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينَّهم بمثلها غدًا، قالوا: حسبك، فقد أسمعتهم ما يكرهون[3].

تدبر القرآن طريق النجاح:
تدبُّر القرآن الكريم فهمه، والنظر فيه بروية وتفكر؛ {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} [المؤمنون:68]؛ أي: ألَم يَتَفَهَّمُوا ما خُوطِبُوا به في القُرْآنِ؟ وقول الله – تعالى -: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]، وقال – تعالى -: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29].

ولو رُزِقَ العبد منا حسن التدبر في القرآن الكريم، عن طريق الترتيل المتكرر، وحسن القراءة وخاصَّة في الأوقات الفاضلة، وأعظمها أثناء الصلاة، سيعيش حياته متنعِّمًا بالقرآن الكريم طَوال عُمره، ينشر الخير أينما حلَّ أو ارتحل.

ولا يستطيع العبد منا الوقوف على جميع معاني القرآن الكريم، إنما هي فتوحات ربانيَّة يَهبها الله لمن صدقت نيَّته وحسن إيمانه وألحَّ في الطلب، وفي هذا يَقول سهل بن عبد الله التُسْتَري: " لو أُعطي العبد بكل حرف من القرآن ألف فهم، لم يبلغ نهاية ما أَودع الله في آية من كتابه؛ لأنه كلام الله، وكلامه صفته، وكما أنه ليس لله نهاية، فكذلك لا نهاية لفهم كلامه، وإنما يفهم كلٌ بمقدار ما يفتح الله على قلبه، وكلام الله غير مخلوق، ولا يبلغ إلى نهاية فهمه فهوم محدثة مخلوقة" ا. هـ[4].

ويؤكِّد ما قلنا سلفًا قول ثابت البناني: "كابدتُ القرآن عشرين سنة ثم تنعَّمت به عشرين سنة".

و بهذا يصل المؤمن الصادق إلى نتيجة عجيبة وجميلة، ذكرها القرآن الكريم في عدة مواطن، منها: قول الله – تعالى -: {فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء: 175]، وفي هذا بِشارة طيبة لكلِّ من سار على درب بِشر بن عبَّاد - رضي الله عنه - نموذج المحبِّ المتدبِّر.

لنعش في ختام الأمر مع هذا الصحابي الجليل - رضي الله عنه - وهو في اتصال عجيب مع القرآن الكريم؛ لندرك عظمة وقيمة حُبِّ القرآن الكريم وتدبره، وفي هذا يقول أصحاب السير: "بعد أن فرغ رسول الله والمسلمين من غزوة ذات الرقاع، نزلوا مكانًا يبيتون فيه، واختار الرسول للحراسة نفرًا من الصحابة يتناوبونها، وكان منهم: عمَّار بن ياسر وعبَّاد بن بشر في نوبة واحدة، ورأى عباد صاحبه عمارًا مُجهدًا، فطلب منه أن ينامَ أوَّل الليل على أن يقوم هو بالحراسة حتى يأخذَ صاحبه من الراحة حظًّا يمكِّنه من استئناف الحراسة بعد أن يصحو، ورأى عباد أن المكان من حوله آمن، فلم لا يملأ وقته إذن بالصلاة، فيذهب بمثوبتها مع مثوبة الحراسة؟! وقام يصلي، وإذ هو قائم يقرأ بعد فاتحة الكتاب سورًا من القرآن، احتدم عضده سهم، فنزعه واستمر في صلاته.

ثم رماه المهاجم في ظلام الليل بسهم ثانٍ نزعه وأنهى تلاوته، ثم ركع، وسجد، وكانت قواه قد بددها الإعياء والألم، فمدَّ يمينه وهو ساجد الى صاحبه النائم جواره، وظلَّ يهزُّه حتى استيقظ، ثم قام من سجوده، وتلا التَّشهد، وأتمَّ صلاته، وصحا عمَّار على كلماته المتهدجة المتعبة تقول له: قم للحراسة مكاني؛ فقد أُصبت، ووثب عمار مُحدِثًا ضجَّة وهرولة أخافت المتسللين، ففرُّوا ثم التفت إلى عباد، وقال له: سبحان الله، هلاَّ أيقظتني أوّل ما رُميتَ! فأجابه عباد: كنت أتلو في صلاتي آيات من القرآن ملأت نفسي روعة فلم أُحِب أن أقطعها، ووالله، لولا أن أضيِّعَ ثغرًا أمرني الرسول بحفظه، لآثرت الموت على أن أقطعَ تلك الآيات التي كنت أتلوها".

زاوية الختام:
في هذه الكلمة القصيرة أوجه رسالة إلى قلبك، أيها القارئ الكريم، عنوانها الحب، وطابعها الإخلاص، وغلافها الإيمان الصادق، وموزعها الصلة الروحية التي تجمعنا بتوفيق من الله، وتاريخها مبعث النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم - وبدايتها الفاتحة، وخاتمتها سورة الناس، وعطرها الريحان، وبيتها الجنة، وأمنيتنا رضا الرحمن، وشفاعة المصطفى العدنان - صلى الله عليه وسلم.

ــــــــــــــــــــــــــ
[1] صحيح مسلم (4/ 104).
[2] في ظلال القرآن الكريم.
[3] روى هذه القصة الزبير بن العوام - رضي الله عنه - كما وردت في كتب السير.
[4] مقدمة تفسير البسيط للواحدي (رسالة دكتوراه): 1-34.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/9030/#ixzz1VLqwNYQK
 
الأخت الكريمة مشاعل ... بارك الله فيك وحقا كما قلتِ لو استشعرنا أن ما بيدنا هي رسالة موجهة إلينا من رب هذا الكون فإن ذلك معين على الخشوع بإذن الله, وهذا ما ينبغي أن نتواصى به.
لنعش في ختام الأمر مع هذا الصحابي الجليل - رضي الله عنه - وهو في اتصال عجيب مع القرآن الكريم؛ لندرك عظمة وقيمة حُبِّ القرآن الكريم وتدبره، وفي هذا يقول أصحاب السير: "بعد أن فرغ رسول الله والمسلمين من غزوة ذات الرقاع، نزلوا مكانًا يبيتون فيه، واختار الرسول للحراسة نفرًا من الصحابة يتناوبونها، وكان منهم: عمَّار بن ياسر وعبَّاد بن بشر في نوبة واحدة، ورأى عباد صاحبه عمارًا مُجهدًا، فطلب منه أن ينامَ أوَّل الليل على أن يقوم هو بالحراسة حتى يأخذَ صاحبه من الراحة حظًّا يمكِّنه من استئناف الحراسة بعد أن يصحو، ورأى عباد أن المكان من حوله آمن، فلم لا يملأ وقته إذن بالصلاة، فيذهب بمثوبتها مع مثوبة الحراسة؟! وقام يصلي، وإذ هو قائم يقرأ بعد فاتحة الكتاب سورًا من القرآن، احتدم عضده سهم، فنزعه واستمر في صلاته.

ثم رماه المهاجم في ظلام الليل بسهم ثانٍ نزعه وأنهى تلاوته، ثم ركع، وسجد، وكانت قواه قد بددها الإعياء والألم، فمدَّ يمينه وهو ساجد الى صاحبه النائم جواره، وظلَّ يهزُّه حتى استيقظ، ثم قام من سجوده، وتلا التَّشهد، وأتمَّ صلاته، وصحا عمَّار على كلماته المتهدجة المتعبة تقول له: قم للحراسة مكاني؛ فقد أُصبت، ووثب عمار مُحدِثًا ضجَّة وهرولة أخافت المتسللين، ففرُّوا ثم التفت إلى عباد، وقال له: سبحان الله، هلاَّ أيقظتني أوّل ما رُميتَ! فأجابه عباد: كنت أتلو في صلاتي آيات من القرآن ملأت نفسي روعة فلم أُحِب أن أقطعها، ووالله، لولا أن أضيِّعَ ثغرًا أمرني الرسول بحفظه، لآثرت الموت على أن أقطعَ تلك الآيات التي كنت أتلوها".
ما أروع هذه النماذج الفريدة الرائعة! ينزف ولا يقطع صلاته لأنه كان مبحرا متأملا في آيات الله!
إذن لا عجب أن الله قد اختار لصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم خيرة عباده.
بارك الله فيك د.سمر وجزاك خيرا على حسن انتقائك, وجزاك الله خيرا على ثنائكِ الطيب لي وإن كنتُ أراني لستُ أهلا له وإنما هو من كريم أخلاقك.
وكنتُ قد سجلتُ هذه الكلمات كخاطرة خاصة بي, فخطر لي تهذيبها ونشرها لعل في نشرها تذكرة لنا, ولأجل أن تثرى بمثل هذه المشاركات القيمة فبارك الله فيكم... وأسأل الله وحده أن ينفع بها.
 
أختي بنت اسكندراني.........أثرت في القلب مواجع وهموم,أشكرك على هذا الوصف الدقيق لحال هو حال معظمنا.
أختي سمر...........جزاك الله خيرا,أجبت فأبلغت,ولا أظنك تركت لغيرك شيئا يستدركه عليك.
تشبيه كتاب الله بالحبل الممدود كما ورد في الحديث فيه لطيفة:"الحبل عادة لا يمد إلا لمن هو في مأزق يطلب النجاة، كغارق في بحر لجي،إن أحكم إمساكه بالحبل نجا بإذن الله،وإن هو أرخى يديه لا يلبث أن يغلبه الموج فيغرق ويهلك،وكذلكم الدنيا....لا ينجو من فتنها إلا من تمسك بكتاب ربه،الذي أنزله رحمة للعالمين"
 
بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أظن هناك آفات 5 تعيق طريق التدبر:
- استسلام غالبا أو دائما لاشعوري القرآن "موروث ثقافي" نؤمن به كتاب الله، نقرأه في المناسبات والصلوات، وانتهى الأمر.
- الاعتقاد ان التدبر في كلام الله شيء حاضر ترى ثمرته بمجرد معرفة التفسير وقيل وقال لا نشاط يشترط الانضباط والصبر كما هو الحال، او اشد، مع التفكر في خلق الله.
- إهمال أو الغفلة عن أهمية إعادة قراءة ومعرفة الذات وميولاتها وموقعها في الحراك الواقعي من خلال القرآن المقدس.
- وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ.
- هيمنة الخطاب والتلقين على التدارس.

والله أعلم
 
أوصيك بالدعاء أولا ،ثم التنويع في قراءة الآيات والسور في الصلوات، ورفع الصوت بحيث تسمعين صوتك،وكذا الحفاظ على قراءة شيء من القرآن الكريم يوميا مهما انشغلتي، بالإضافة إلى سماع قراءة القرآن الكريم في حال الانشغال بالأعمال المنزلية ونحوها .هذا وأسأل الله ان يجعلنا من أهل القرآن
 
لا تجعل بينك وبين خطاب الله واسطة .

لا تجعل بينك وبين خطاب الله واسطة .

الإكثار من قراءة التفاسير يساعد على حضور القلب .
بعدها أستشعر خطاب الله لي وكأن الخطاب لي دون غيري .
عند ذلك يصلح القلب وترى الحكمة في القرءان وترى خطاب الله لك في القرءان دون غيرك.
ويرتوي القلب من الحكمة والعلم .
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسأل الله أن يعين الأخت السائلة على خدمة الإسلام والمسلمين بما حباها الله إياه من امتلاك رائع لناصية البيان.
وأوصيها أن تجتهد في تطواف أدبي حول نصوص الوحي ممزوج بمشاعر صادقة؛ لتقريبها للناس وأزهم إلى الإقبال عليها.

أما بالنسبة للسؤال:
فإنه يتناول مسألة واقعية مئة بالمئة وقد عالجها الوحي، وناقشها علماء الإسلام. وشغلتني فترة ليست باليسيرة، وبحثت لها عن حل عملي، وأرجو أن أكون قد اهتديتُ إليه.

إن كنتُ قد أدركتُ كلمات الأخت السائلة إدراكا كاملا، فيمكنني تلخيص المشكلة في ثلاثة أعراض:
الأول: قصور الإقبال على القرآن عن المنشود والمفروض.
والثاني: تخلف التأثر والتدبر في مرات نقرأ فيها القرآن لا سيما بعد انقطاع.
والثالثة: عدم ديمومة الاتصال المنشود بالقرآن إن حصل على صورة شبه كاملة تأثرا وتدبرا.

والعلاج في رأيي:

**على الإجمال: الاستعانة بالملك والتوكل عليه - وتصحيح القاموس.

أما العلاج الأول:
فمن شأنه أن يزيل الحواجز ويحقق المناجز، قال شيخ الإسلام: "فإياك نعبد تدفع الرياء، وإياك نستعين تدفع الكبرياء" وقرأت لابن القيم تشخيصا ماتعا لمشكلة عدم الديمومة على الحال الحسن وتقلب الأحوال مفاده: "أن العبد حين يوفق لحال طيب، يعجب بنفسه، ويغفل عن فضل ربه، فيعاقبه الله بأن يكله إلى نفسه في المرة التالية" لذا فالشكر والاستغفار بعد الطاعات تكون لما من الله به علينا من أوثق المقيدات.

والعلاج الثاني:
يتلخص في أن نعيد النظر في قاموسنا فنسدده ليكون كقاموس الصحابة.
ففي قاموس عثمان: "إني لا أعده من عمري يوما لا أنظر فيه في المصحف"
فذلك يحتم علينا أن نجعل للقرآن وردا ثابتا في حياتنا كالنوم والطعام والشراب بل هو أهم، ونوطن أنفسنا أن اليوم الوحيد الذي لن نتصل فيه بالقرآن هو يوم لاشك لم نعد فيه على ظهر الأرض.
وفي قاموس أمنا عائشة أن من قرأ بلا تدبر فكأنه لم يقرأ، لما أخبروها عن أناس يختمون في يوم أو يومين، قال: "أولئك قرأوا وما قرأوا"
وفي قاموس علي: "لاخير في قراءة لا تدبر فيها"
وذلك يحتم علينا أن نوطن أنفسنا أننا إن لم نتدبر فكأننا لم نقرأ (وربما كان الثواب مهددا) فحينها نتدبر.
أما اعتقادنا أنه لا بأس أن نقرأ بلا تدبر؛ فإنه ولاشك يفتح لنا باب التفريط. (ولا أنفي بذلك أن لمجرد القراءة ثوابا)
وقد حكى الغزالي في الإحياء أن بعض السلف فعل ذلك؛ فقال: "وكان أحدهم يقول: آية لا أتدبر فيها لا أعد لها ثوابا"

** أما على التفصيل:

فالعرض الأول:
أوصي الأخت لدفعه بورد ثابت من القراءة في فضائل القرآن وأهيته لنا ودوره في حياتنا؛ ليبقى الأمر غضا طريا في قلوبنا. إننا نقوم الليل في اليوم الذي نقرأ أو نسمع فيه عن فضله ثم تخبو جذوة ذلك الأثر تدريجيا حتى تكاد تنعد إن لم نتعاهدها، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "خُلِقَ المؤمن مفتنا توابا نسيا" والحل: "إذا ذُكِّرَ تذكر" وقال: إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسئلوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم"
والعرض الثاني:
أوصي الأخت لدفعه بالتهيئة قبل القراءة، من الخارج إلى الداخل: (تهيئة البيئة المحيطة - تهيئة البدن والأدوات - تهيئة القلب وهو المقصود الأكبر) ولولا ضيق المقام لفصلت، فأحيل الأخت على كتابي (ثورة القرآن) ففيه فصل بعنوان (التهيئة والتجهيز).
والعرض الثالث:
يندفع إن شاء الله بدوام الصلة بالقرآن، والحفاظ على منسوب الإيمان، وتجنب المخالفة والعصيان، ودوام الاستغفار مع الشكران.
وإن شاء الله تجدين في الكتاب فصلا بعنوان (التثبيت والتعزيز) يناقش كيفية الحفاظ على المكتسبات ليحصل الثبات.

أسأل الله أن ينفعني وإياكم بما كتبت ولا تحرموني دعوة صالحة.
 
بارك الله فيكم وجزاكم خيرا ..بنت إسكندراني أبدعت في طرح الموضوع ووضعت يدك على الجرح ، د.سمر الغالية نقلك أكثر من رائع أستفيد منه إن شاء الله ...د.شريف طه يونس زادك الله من فضله .. أين أجدكتابك .. ومقالاتك الأخرى حول التدبر عجزت أن أحملها ممكن أرسالها عبر الإيميل .
 
أخي الكريم د.شريف ... بارك الله فيك وجزاك خيرا على ما كتبت وما فصلت، وجعله في ميزان حسناتك.
وأحسب أن ما سال به قلمك من نصيحة مبنية على تأمل ودقة تحليل لهي نافعة بإذن الله لكل من يقرؤها.
أسأل الله أن يمتعنا بالقرآن، وأن يجعله أنيسا لنا في قبورنا، ورفعة في جنات الخلد.
 
عودة
أعلى