قول : ثلاثة كتب ليس لها أصول : المغازي ، والملاحم ، والتفسير

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
10
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
هذا القول رواه الخطيب البغدادي في ( الجامع ) عن عبد الملك الميموني قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : ثلاثة كتب ليس لها أصول : المغازي ، والملاحم ، والتفسير [SUP][1] [/SUP].
ثم قال الخطيب : وهذا الكلام محمول على وجه ، وهو أن المراد به كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة ، غير معتمد عليها ، ولا موثوق بصحتها ، لسوء أحوال مصنفيها ، وعدم عدالة ناقليها ، وزيادات القصاص فيها ؛ فأما كتب الملاحم ، فجميعها بهذه الصفة ، وليس يصح في ذكر الملاحم المرتقبة ، والفتن المنتظرة ، غير أحاديث يسيرة ، اتصلت أسانيدها إلى الرسول e من وجوه مرضية ، وطرق واضحة جلية ؛ وأما الكتب المصنفة في تفسير القرآن ، فمن أشهرها كتابا الكلبي ومقاتل بن سليمان ؛ ثم روى عن عبد الصمد بن الفضل قال : سئل أحمد بن حنبل عن تفسير الكلبي ، فقال أحمد : من أوله إلى آخره كذب ، فقيل له : فيحل النظر فيه ، قال : لا ؛ وروى عن مالك أنه بلغه أن مقاتل بن سليمان جاءه إنسان فقال له : إن إنسانًا سألني : ما لون كلب أصحاب الكهف ؟ فلم أدر ما أقول له ، قال : فقال له مقاتل : ألا قلت : هو أبقع ، فلو قلت ، لم تجد أحدًا يرد عليك ... ثم قال الخطيب : ولا أعلم في التفسير كتابًا مصنفًا سلِم من علة فيه ، أو عَرِيَ من مطعن عليه . انتهى المراد منه[SUP] [2] [/SUP].
فحمل الخطيب - رحمه الله - قول الإمام أحمد - رحمه الله - على كتب لم يلتزم أصحابها قواعد النقل المقبول في الكتابة ، وضرب لها مثالا بتفسير الكلبي ، وتفسير مقاتل .
وقال ابن تيمية - رحمه اله : وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي التَّفْسِيرِ أَكْثَرُهُ كَالْمَنْقُولِ فِي الْمَغَازِي وَالْمَلَاحِمِ[SUP] [3][/SUP] ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد : ثَلَاثَةُ أُمُورٍ لَيْسَ لَهَا إسْنَادٌ : التَّفْسِيرُ ، وَالْمَلَاحِمُ ، وَالْمَغَازِي ، وَيُرْوَى : لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ ؛ أَيْ : إسْنَادٌ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهَا الْمَرَاسِيلُ[SUP] [4] [/SUP].ا.هـ .
حمله على أن غالب المنقول في التفسير والمغازي والملاحم من المراسيل ؛ وقال ابن تيمية - أيضًا : ومعنى ذلك أن الغالب عليها أنها مرسلة ومنقطعة ، فإذا كان الشيء مشهورًا عند أهل الفن ، قد تعددت طرقه ، فهذا مما يرجع إليه أهل العلم ، بخلاف غيره .
وأما تفاسير تابع التابعين ، كقتادة ، ومعمر ، وسفيان الثوري ، وابن أبي عروبة ، وابن جريج ، وغيرهم ممن صنف التفاسير ؛ فإنما يذكرون من أصولهم ما سمعوه من شيوخهم ، عن الصحابة والتابعين ؛ وقد صُنف في تفاسير الصحابة والتابعين وتابعيهم كتب كثيرة ، يذكرون فيها ألفاظهم بأسانيدها ، مثل تفسير وكيع ، وعبد الرزاق ، وعبد ابن حميد ، وآدم ابن أبي إياس ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، وبقي بن مخلد ، وسنيد ، ودحيم ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، وابن جرير ، وأبي بكر بن داود ، ومن هؤلاء من لا يذكر شيئًا عن مقاتل والكلبي[5].
وقال الزركشي - رحمه الله - في ( البرهان ) : لطالب التفسير مآخذ كثيرة أمهاتها أربعة ؛ الأول : النقل عن رسول الله e ، وهذا هو الطراز الأول ، لكن يجب الحذر من الضعيف فيه والموضوع ؛ فإنه كثير ؛ وإن سواد الأوراق سواد في القلب ؛ قال الميموني : سمعت أحمد بن حنبل يقول : ثلاث كتب ليس لها أصول : المغازي ، والملاحم ، والتفسير ؛ قال المحققون من أصحابه : ومراده أن الغالب أنها ليس لها أسانيد صحاح متصلة ، وإلا فقد صح من ذلك كثير[SUP] [6] [/SUP]. ا.هـ.
وقد ذكر د. مصطفى السباعيرحمه اللههذه المسألة في كتابه ( السنة ومكانتها في التشريع ) ، ونقل ما ذكرنا من الأقوال ، ثم قال : يحتمل أن يكون مُرَادُ الإمام أحمد في عبارته المذكورة أن ما صح من التفسير قليل بالنسبة لما لم يصح ، وعلى هذا المعنى حملها كثير من أهل العلم ؛ ففي ( الإتقان ) : قال ابن تيمية : وَأَمَّا القِسْمُ الَّذِي يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الصَّحِيحِ مِنْهُ ، فَهَذَا مَوْجُودٌ كَثِيرًا ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ؛ وَإِنْ قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ : ( ثَلاَثَةٌ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ : التَّفْسِيرُ وَالْمَلاَحِمُ وَالْمَغَازِي ) ، وَذَلِكَ لأَنَّ الغَالِبَ عَلَيْهَا الْمَرَاسِيلُ[SUP] [7] [/SUP].
وصفوة القول أن معنى ما نقل عن الإمام أحمد - رحمه الله ، إما أن يكون المراد به كتب مخصوصة لم يلتزم أصحابها النقل الصحيح ؛ كما قال الخطيب - رحمه الله ؛ وإما على أن معظم المنقول في التفسير من المراسيل ، كما ذكر ابن تيمية - رحمه الله ، ووافقه عليه السيوطي وغيره ؛ وقد يكون المراد مجموعهما ، بدليل ما رواه الخطيب عن الإمام أحمد في تفسير الكلبي ، والعلم عند الله تعالى .
ولا يعني هذا نفي الصحة عن كل المنقول في التفسير ، ففي الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها كثير من الصحيح والحسن ، وما قبله المفسرون في التفسير مما ليس في الباب غيره ، ولم يكن فيه مخالفة ، وعضده غيره من القرائن والنقول ؛ وهذا الذي أشار إليه ابن تيمية بقوله : فإذا كان الشيء مشهورًا عند أهل الفن ، قد تعددت طرقه ، فهذا مما يرجع إليه أهل العلم ، بخلاف غيره . والعلم عند الله تعالى .

[1] الجامع لأخلاق الراوي : 2 / 162 ( 1493 ) ، وإسناده صحيح .
[2] المصدر السابق : 2 / 162 ، 163 .
[3] الملاحم : جمع ملحمة ؛ فالملحمة المقتلة العظمى ، ويوم الملحمة أي : يوم حرب لا يوجد منه مخلص ، أي : يوم قتل ، يقال لحم فلان فلانا إذا قتله . والمغازي : جمع مغزى ، والمَغْزَى والمَغْزاة موضع الغَزْو وقد يكون الغَزْو نَفْسه ؛ يقال غزا يغزو غزوا ومغزى ، والأصل غزوًا والواحدة غزوة وغزاة والميم زائدة ؛ وأصل الغزو القصد ، ومغزى الكلام مقصده ؛ والمراد بالمغازي هنا ما وقع من قصد النبي e الكفار بنفسه أو بجيش من قبله ؛ وقصدهم أعم من أن يكون إلى بلادهم ، أو إلى الأماكن التي حلُّوها ، حتى دخل مثل أحد والخندق . انظر ( فتح الباري ) : 7 / 279 ، و ( النهاية في غريب الحديث والأثر ) لابن الأثير ( مادة : غ ز ا ) .

[4] انظر ( مجموع الفتاوى ) : 13 / 346 .
[5] الرد على البكري : 1 / 76 ، 77 .
[6] البرهان في علوم القرآن : 2 / 156 ، وانظر (السنة ومكانتها للسباعي ط المكتب الإسلامي : 1 / 245 .
[7] السنة ومكانتها في التشريع ، ص 273 ؛ وانظر ( الإتقان ) للسيوطي : 2 / 471 ؛ وكلام ابن تيمية في ( مجموع الفتاوى ) : 13 / 346 ، وقد تصرف السيوطي في النقل .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى آله الطيبين
أما بعد ففي الرابط التالي كلاماً طيباً حول الموضوع:
https://al-maktaba.org/book/31615/10620#p1
ويرى العبد الفقير : لا أظن أن الامام أحمد رحمه الله تعالى سيدخل التفسير بما قال لو اطلع على تفسير
الامام الطبري رحمه الله تعالى والله تعالى أعلم .
 
عودة
أعلى