قوله تعالى ( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ۚ قُلْ أُذ

إنضم
17/08/2016
المشاركات
680
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
المملكة العربية
قوله تعالى
( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ۚ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ ۚ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) التوبة 61

قوله «ومنهم»: أي المنافقين.
قاله السيوطي.

قال الواحدي، والسمرقندي: يعني المنافقين.

قلت ( عبدالرحيم ): فقوله تعالى ( ومنهم الذين يؤذون النبي ): ليس معناه نفي صدور الأذى عن بقية المنافقين، وإنما قال: ( منهم ): دلالة على كثرة أذيتهم، والمعنى _ والله أعلم _ أن "من جملة أذيتهم" للرسول _ صلى الله عليه وسلم_ قولهم ( هو أذن )، فإنهم ما تركوا بابا فيه أذية للنبي إلا أتوه؛ آذوه في عرضه، آذوه في صحبه ومكروا بهم، وأرادوا قتله. ألا تسمع إلى قول الله ( وهموا بما لم ينالوا ): أي من قتله صلى الله عليه وسلم. و ( وقلبوا لك الأمور ): ظهرا لبطن. قال الواحدي في الوجيز: اجتهدوا في الحيلة عليك والكيد بك.
انتهى

قوله «الذين يؤذون النبي»: بعيبه وبنقل حديثه.
قاله السيوطي.

قال في الوسيط: يعني من المنافقين من يؤذيه بنقل حديثه وعيبته.

قال السمرقندي: يعني: من المنافقين من يؤذي النبي ويقولون هو أذن.

قوله «ويقولون هو أُذُنُ»: أي أذن سامعة تسمع من كل أحد.
قاله مكي في الهداية.

قال الإيجي الشافعي: الأذن الرجل الذي يصدق كل ما يسمع كانوا يقولون في شأنه ما لا ينبغي فيقول بعضهم: لا تقولوا ربما يبلغه قولكم فقالوا لا بأس إنه أذن لو ننكر ما قلنا وحلفنا ليصدقنا.

قال السمعاني: الأذن هاهنا: هو من يسمع كل ما قيل له.

قال الواحدي: قالوا فيما بينهم: نقول ما شئنا ثم نأتيه فنحلف له فيصدقنا لأنه أذن والأذن: الذي يسمع كل ما يقال له.

قال النحاس: أي اعملوا ما شئتم ثم اعتذروا منه فإنه يعذركم ويقبل ما تعلمونه به.

قال السمرقندي: والأذن الذي يقبل كل ما قيل له.
وبه قال ابن قتيبة، ومكي.

قلت ( عبدالرحيم ): وهذا كان من كمال خلق النبي صلى الله عليه وسلم؛ فكان يسمع و يقبل من كل أحد إلا أن يسخط ربه؛ فيعرض ولا يقبل وينكر، وليس حظا منه لنفسه _ صلوات الله وسلامه عليه؛
وليس معنى أنه يسمع كل شيء؛ يسمع الشر من غيبة ومحرم _ حاشه _ والضابط في الإستماع للناس؛ ميزان الشرع فقد يكون السماع ممدوحا وقد لا؛
فما أقر النبي أحدا قط على منكر.
قال ابن الجوزي: ومعنى أذن خير لكم أي: أذن خير، لا أذن شر يسمع الخير فيعمل به، ولا يعمل بالشر إذا سمعه. انتهى كلامه؛
فكان _ صلوات الله وسلامه عليه_ يقبل من أي أحد كان شأنه؛ من عفو وصفح، ونحو ذلك، وسماع المشورة ممن هو دونه؛ حتى وصفه المنافقون بهذا الوصف؛ وهذا دأب المنافقين في كل زمان ومان؛ يحولون المناقب الى مثالب. قال أحد هؤلاء المنافقين: نقول ما نشاء، فإنما هو أذن سامعة ثم نأتيه فيصدقنا.
لذا قال القتبي فيما حكى عنه السمرقندي: قل أذن خير لكم، يعني: إن كان الأمر كما يذكرون فهو خير لكم. ولكنه يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين، يعني: يصدق الله ويصدق المؤمنين لا أنتم.
وقال الواحدي في الوجيز: أي: مستمع خير وصلاح لا مستمع شر وفساد.
انتهى

قال السيوطي: أي يسمع كل قيل ويقبله فإذا حلفنا له أنَّا لم نقل صدَّقنا.

قال النحاس: الأذن في اللغة يقال هو أذن إذا كان يسمع ما يقال له ويقبله.

قال مكي: وأصله من " أذن " إذا تسمع.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( وأذنت لربها وحقت ): قال ابن قتيبة، وغلام ثعلب: استمعت.
ومنه قول النبي «ما أذن الله لشيء ما أذن للنبي أن يتغنى بالقرآن» رواه البخاري من حديث أبي هريرة.

قوله «قل»: هو.
قاله السيوطي.

قوله «أُذُن»: مستمع.
قاله السيوطي.

قوله «خيرٍ لكم»: لا مستمع شر.
قاله السيوطي.

قال السمعاني: يعني: هذه الخُلة خير لكم.

قال مكي في المشكل: أي يقبل منكم ما تقولون.
قال ابن قتيبة: أي يقبل منكم ما تقولون له خيرا لكم إن كان ذاك كما تقولون.

قال الأخفش: أي هو أذن خير لا أذن شر.

قوله «يؤمن بالله»: أي يصدق الله ويصدق المؤمنين.
قاله ابن قتيبة، وبنحوه السمعاني.

قال البغوي: أي: لا؛ بل يؤمن بالله.

قال الواحدي: أي: يسمع ما ينزله الله عليه فيصدق به.

قال السمرقندي: يؤمن بالله، يعني: يصدق بالله تعالى في مقالته.

قال الزجاج: أي هو أذن خير لا أذن شر، يسمع ما ينزله الله عليه، فيصدق به. ويصدق المؤمنين فيما يخبرونه به.

قلت ( عبدالرحيم ): فكما رأيت فيما سبق اقتصر العلماء على أن معنى قوله ( ويؤمن بالله ): أي يصدق بالله؛
ولم يذكروا بأنه التصديق المستلزم للانقياد والإذعان؛ فهذا معنى الإيمان في الشرع.
ومن المعلوم أن مجرد التصديق، والإقرار لا ينفع إلا مع الانقياد والإذعان؛ قال العثيمين ( في مجموع فتاوى ورسائل ): فالإيمان يتضمن معنى زائدًا على مجرد التصديق، وهو الإقرار والاعتراف المستلزم للقبول للأخبار والإذعان للأحكام، هذا الإيمان. انتهى كلامه.
فكم من مصدق ومقر كافر بالله؛ لأنه غير مذعن ومنقاد لأمر الله ورسوله؛ ألا ترى إلى قوله تعالى ( فإنهم لا يكذبونك ولكن الشياطين بآيات الله يجحدون )، وقال عم النبي أبو طالب: ولقد علموا أن ابننا لا مكذب لدينا ولا يعنى بقول الأباطل. ولم ينفعه.
قال تعالى ( فآمن له لوط ): أي صدق لوط إبراهيم _ عليهما السلام _ وأقر وأذعن لدعوته. فلا يكتفى فقط على أن معناه: التصديق فحسب. وتفصيله في كتب العقائد.
قال العثيمين ( في تفسيره لسورة البقرة ): وقوله تعالى: ( من آمن بالله )؛ تقدم أن «الإيمان» في اللغة بمعنى التصديق؛ لكنه إذا قرن بالباء صار تصديقاً متضمناً للطمأنية، والثبات، والقرار؛ فليس مجرد تصديق؛ ولو كان تصديقاً مطلقاً لكان يقال: آمنه - أي صدقه؛ لكن «آمن به» مضمنة معنى الطمأنينة، والاستقرار لهذا الشيء؛ وإذا عديت باللام - مثل: ( فآمن له لوط ) *فمعناه أنها تضمنت معنى الاستسلام والانقياد*. انتهى كلامه – رحمه الله .

ولكن في هذا المقام لابأس في اقتصارهم على ذكر التصديق فقط، لأنهم قصدوا المعنى اللغوي.
انتهى

قوله «ويؤمن للمؤمنين»: يسلم لهم أقوالهم لكونهم صادقين.
قاله الإيجي الشافعي.

قال السيوطي: فيما أخبروه به لا لغيرهم واللام زائدة للفرق بين إيمان التسليم وغيره.

قال الأخفش: أي يصدقهم كما تقول للرجل "أنا ما يؤمن لي بأن أقول كذا وكذا" أي: ما يصدقني.

قال مكي في الهداية: أي: يصدق بالله، ويصدق المؤمنين، أي: لا يقبل إلا من المؤمنين. فأكذبهم الله فيما قالوا عنه: إنه يقبل من كل أحد، فأخبرهم أنه إنما يصدق المؤمنين لا الكافرين والمنافقين.

قال السمرقندي: ويؤمن للمؤمنين يعني: يصدق قول المؤمنين.

قال الواحدي: ويصدق المؤمنين فيما يخبرونه لا الكافرين.

قوله «ورحمةٌ للذين آمنوا منكم»: أي هو رحمة.
قاله الزجاج، ومكي.
وزاد مكي: لأنه كان سبب المؤمنين في إيمانهم.

قلت ( عبدالرحيم ): قوله ( ورحمةٌ للذين آمنوا منكم ): فيه معنى هام؛ فتدبر قوله ( منكم ): ولم يكتف بقوله ( ورحمة للذين آمنوا )، لأن المنافقين كما وصفهم الله ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض )، ولأهمية الولاء لأهل الإيمان، والتبري من أهل الكفر،
فمفهوم المخالفة أنه _ صلى الله عليه وسلم _ نقمة وعذاب للذين لا يؤمنون؛ وهو الواقع. والنصوص أكثر من تحصى في هذا المعنى؛ قال تعالى ( يا أيها النبي قاتل الكفار والمنافقين واغلظ عليهم )، وقوله ( يعذبهم الله بأيديكم )، وكما جمع بين ذلك عند ذكر أصحابه قوله ( أشداء على الكفار رحماء بينهم ).

وقيل فيما حكى الإيجي: ( للذين آمنوا منكم )، المراد من الذين آمنوا: من أظهر الإيمان حيث لا يكشف سره، ففيه إشارة إلى أن قبول قولكم رفق وترحم منه لا لجهله وبلاهته.

قلت: وهذا القول يعني: خير لكم أيها المنافقون لأنه ستر عليكم مع علمه ببعض المنافقين. ولكن المنافقون لا يعلمون.

والقول الأول أحسن كما ذكر الأخفش .
انتهى

قوله «والذين يؤذون رسول الله»: أي: يعيبونه.
قاله مكي.

قوله «لهم عذاب أليم»: أي: مؤلم.
قاله مكي.

وقال الإيجي: وجيع.
______
المصدر:
ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، غريب القرآن لابن قتيبة، تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي القيسي، معاني القرآن للفراء، معاني القرآن للأخفش، معاني القرآن وإعرابه للزجاج، معاني القرآن للنحاس، تفسير السمرقندي، الوسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي القيسي، تفسير السمعاني، تفسير البغوي، جامع البيان للإيجي الشافعي، تفسير الجلالين.

كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك 00966509006424
 
عودة
أعلى