الفجر الباسم
New member
- إنضم
- 27/02/2009
- المشاركات
- 405
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
لما قرأت قوله تعالى في سورة يوسف: { وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ } [ آية : 33 ] تأملت في قوله { وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ } وتسائلت لِمَ عبر بهذا اللفظ ؟ولِمَ لم يقل" وأكن من الخاسرين" أو " من النادمين " أو "من الظالمين".
فيممت شطر التفاسير أنظر فيما حوته من المعاني، وأبحث عن دلالة هذا اللفظ في هذه الآية. وقصدت أولاً - من حيث منهجية البحث - أن أتتبع أقوال السلف من مظانها فبدأت بتفسير مجاهد ومقاتل ، ولم أجد قولاً لمجاهد في تفسيره - ولا في التفاسير الأخرى - ، أما مقاتل فقال في تفسيره: { وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ } يعنى: من المذنبين.([1])
ثم بالطبع لا يمكن أن أبحث عن بيان آية دون أن أمر على عمدة التفاسير؛ تفسير الإمام الكبير: الطبري - رحمه الله - ، الذي ما أن تقرأ في تفسيره حتى ينقلك إلى عالم آخر تود لو تبقى فيه . عالم جميل لا ملل فيه ولا كلل ، بل سرور إثر سرور ، ولا تعجب من ذلك أخي القارئ..جرب أنت وسترى بنفسك !.
فوجدت الإمام عند هذه الآية يقول:" أي: وأكن بصبوتي إليهن، من الذين جهلوا حقك، وخالفوا أمرك ونهيك". ثم نقل قول ابن زيد:"إلا يكن منك أنت العون والمنعة ، لا يكن منّي ولا عندي"([2]).
وابن زيد ممن يعرف عنه تفسير القرآن بالقرآن ، لذا يكثر في تفسيره الاستشهاد بالآيات ، ومن هذا قوله عند قوله تعالى:{إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب } قال في معنى الجهالة هنا :" كل امرئ عمل شيئًا من معاصي الله فهو جاهل أبدًا حتى ينزع عنها، وقرأ: {هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ } [سورة يوسف: 89]، وقرأ:{وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ}. قال: من عصى الله فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته.([3])
فقرر الإمام الطبري إذن أن الذنب لا يقع إلا عند الجهل بحق الله تعالى. وأما قول ابن زيد هنا :" من عصى الله فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته" فأنه يفيد العموم ، يعني حتى وإن كان الإنسان قد تعلم وصار عالماً، فإنه حين يأتي المعصية يكون من الجاهلين بدلالة هذه الآية.
ومنه قول أبي حيان عند تفسير هذه الآية :"{ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} قال: من الذين لا يعلمون بما علموا؛ لأن من لا جدوى لعلمه فهو ومن لا يعلم سواء ، أو من السفهاء ؛ لأنّ الوقوع في موافقة النساء والميل إليهن سفاهة"([4]).
لذا قال يوسف مستعيذًا مِن شرهن ومكرهن: يا ربِّ السجنُ أحب إليَّ مما يدعونني إليه من عمل الفاحشة، وإن لم تدفع عني مكرهن أَمِلْ إليهن، وأكن من السفهاء الذين يرتكبون الإثم لجهلهم([5]). فإن هذا جهل؛ لأنه آثر لذة قليلة منغصة، على لذات متتابعات وشهوات متنوعات في جنات النعيم، ومن آثر هذا على هذا، فمن أجهل منه؟!! فإن العلم والعقل يدعو إلى تقديم أعظم المصلحتين وأعظم اللذتين، ويؤثر ما كان محمود العاقبة([6]).
ومما جاء في فوائد هذه الآية:
- قول البغوي:" فيه دليل على أن المؤمن إذا ارتكب ذنبا يرتكبه عن جهالة([7]).
- أنه ينبغي للعبد أن يلتجئ إلى الله، ويحتمي بحماه عند وجود أسباب المعصية، ويتبرأ من حوله وقوته، كما حكى الله تعالى عن يوسف عليه السلام في هذه الآية، فقال: { وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ }.
- ومنها: أن العلم والعقل يدعوان صاحبهما إلى الخير، وينهيانه عن الشر، وأن الجهل يدعو صاحبه إلى موافقة هوى النفس، وإن كان معصية ضارا لصاحبه([8]).
- ودلت الآية كذلك على أن لا أحدا يمتنع عن معصية الله إلا بعون الله؛ وعلى قبح الجهل والذم لصاحبه([9]).
- ومن فوائدها :طلب سؤال الله ودعائه أن يثبت القلب على دينه، ويصرفه إلى طاعته، وإلا فإذا لم يثبت القلب، وإلا صَبَا إلى الآمرين بالذنوب، وصار من الجاهلين .
- وفيها: الحث على الصبر عند المحنة والبلاء والأذى، والتوكل على الله والاستعانة به أن يثبت قلوب عباده على الإيمان والطاعة([10]).
أسأل الله تعالى أن يثبت قلوبنا في الدنيا والآخرة ، إن ربي قريب مجيب .
([1])تفسير مقاتل ( 2 / 149).
([2])تفسير الطبري (16 / 89).
([3])تفسير الطبري (8 / 90).
([4])البحر المحيط (7 / 25).
([5])التفسير الميسر (ج 4 / ص 133).
([6])تفسير السعدي (1/ 397).
([7])تفسير البغوي (4 / 239).
([8])تفسير السعدي (1 / 407).
([9])تفسير القرطبي (9/ 185).
([10])فتاوى ابن تيمية (3 / 324) بتصرف.
فيممت شطر التفاسير أنظر فيما حوته من المعاني، وأبحث عن دلالة هذا اللفظ في هذه الآية. وقصدت أولاً - من حيث منهجية البحث - أن أتتبع أقوال السلف من مظانها فبدأت بتفسير مجاهد ومقاتل ، ولم أجد قولاً لمجاهد في تفسيره - ولا في التفاسير الأخرى - ، أما مقاتل فقال في تفسيره: { وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ } يعنى: من المذنبين.([1])
ثم بالطبع لا يمكن أن أبحث عن بيان آية دون أن أمر على عمدة التفاسير؛ تفسير الإمام الكبير: الطبري - رحمه الله - ، الذي ما أن تقرأ في تفسيره حتى ينقلك إلى عالم آخر تود لو تبقى فيه . عالم جميل لا ملل فيه ولا كلل ، بل سرور إثر سرور ، ولا تعجب من ذلك أخي القارئ..جرب أنت وسترى بنفسك !.
فوجدت الإمام عند هذه الآية يقول:" أي: وأكن بصبوتي إليهن، من الذين جهلوا حقك، وخالفوا أمرك ونهيك". ثم نقل قول ابن زيد:"إلا يكن منك أنت العون والمنعة ، لا يكن منّي ولا عندي"([2]).
وابن زيد ممن يعرف عنه تفسير القرآن بالقرآن ، لذا يكثر في تفسيره الاستشهاد بالآيات ، ومن هذا قوله عند قوله تعالى:{إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب } قال في معنى الجهالة هنا :" كل امرئ عمل شيئًا من معاصي الله فهو جاهل أبدًا حتى ينزع عنها، وقرأ: {هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ } [سورة يوسف: 89]، وقرأ:{وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ}. قال: من عصى الله فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته.([3])
فقرر الإمام الطبري إذن أن الذنب لا يقع إلا عند الجهل بحق الله تعالى. وأما قول ابن زيد هنا :" من عصى الله فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته" فأنه يفيد العموم ، يعني حتى وإن كان الإنسان قد تعلم وصار عالماً، فإنه حين يأتي المعصية يكون من الجاهلين بدلالة هذه الآية.
ومنه قول أبي حيان عند تفسير هذه الآية :"{ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} قال: من الذين لا يعلمون بما علموا؛ لأن من لا جدوى لعلمه فهو ومن لا يعلم سواء ، أو من السفهاء ؛ لأنّ الوقوع في موافقة النساء والميل إليهن سفاهة"([4]).
لذا قال يوسف مستعيذًا مِن شرهن ومكرهن: يا ربِّ السجنُ أحب إليَّ مما يدعونني إليه من عمل الفاحشة، وإن لم تدفع عني مكرهن أَمِلْ إليهن، وأكن من السفهاء الذين يرتكبون الإثم لجهلهم([5]). فإن هذا جهل؛ لأنه آثر لذة قليلة منغصة، على لذات متتابعات وشهوات متنوعات في جنات النعيم، ومن آثر هذا على هذا، فمن أجهل منه؟!! فإن العلم والعقل يدعو إلى تقديم أعظم المصلحتين وأعظم اللذتين، ويؤثر ما كان محمود العاقبة([6]).
ومما جاء في فوائد هذه الآية:
- قول البغوي:" فيه دليل على أن المؤمن إذا ارتكب ذنبا يرتكبه عن جهالة([7]).
- أنه ينبغي للعبد أن يلتجئ إلى الله، ويحتمي بحماه عند وجود أسباب المعصية، ويتبرأ من حوله وقوته، كما حكى الله تعالى عن يوسف عليه السلام في هذه الآية، فقال: { وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ }.
- ومنها: أن العلم والعقل يدعوان صاحبهما إلى الخير، وينهيانه عن الشر، وأن الجهل يدعو صاحبه إلى موافقة هوى النفس، وإن كان معصية ضارا لصاحبه([8]).
- ودلت الآية كذلك على أن لا أحدا يمتنع عن معصية الله إلا بعون الله؛ وعلى قبح الجهل والذم لصاحبه([9]).
- ومن فوائدها :طلب سؤال الله ودعائه أن يثبت القلب على دينه، ويصرفه إلى طاعته، وإلا فإذا لم يثبت القلب، وإلا صَبَا إلى الآمرين بالذنوب، وصار من الجاهلين .
- وفيها: الحث على الصبر عند المحنة والبلاء والأذى، والتوكل على الله والاستعانة به أن يثبت قلوب عباده على الإيمان والطاعة([10]).
أسأل الله تعالى أن يثبت قلوبنا في الدنيا والآخرة ، إن ربي قريب مجيب .
([1])تفسير مقاتل ( 2 / 149).
([2])تفسير الطبري (16 / 89).
([3])تفسير الطبري (8 / 90).
([4])البحر المحيط (7 / 25).
([5])التفسير الميسر (ج 4 / ص 133).
([6])تفسير السعدي (1/ 397).
([7])تفسير البغوي (4 / 239).
([8])تفسير السعدي (1 / 407).
([9])تفسير القرطبي (9/ 185).
([10])فتاوى ابن تيمية (3 / 324) بتصرف.