قوله تعالى ( إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَي

إنضم
17/08/2016
المشاركات
680
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
المملكة العربية
قوله تعالى
( إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) ) القلم

قوله *«إنا بلوناهم»*: أي بلونا مشركي قريش، يقول: امتحناهم فاختبرناهم.
قاله الطبري.

يعني: امتحنا أهل مكة بالقحط والجوع.
قاله الواحدي في الوجيز، وبه قال السيوطي.

قلت ( عبدالرحيم ): يشيران_ رحمهما الله_ إلى دعاء النبي على قريش؛ كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج الوليد بن الوليد، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف».

قال أبو حيان في البحر المحيط: أخبر تعالى بما حل بهم من الابتلاء بالقحط والجوع بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف».
انتهى

قوله *«كما بلونا أصحاب الجنة»*: وهي البستان المشتمل على أنواع الثمار والفواكه.
قاله ابن كثير.

قوله *«إذ أقسموا ليصرمنَّها»*: ليقطعن ثمرها.
قاله النسفي.

قال ابن قتيبة: أي حلفوا ليجذن ثمرها صباحا؛ ولم يستثنوا.

قوله *«مصبحين»*: أي: ليقطعنها قبل أن يخرج المساكين.
قاله السمرقندي.

وذُكر: أن أباهم كان إذا أراد أن يصرم النخل، اجتمع هناك مساكين كثيرة.

قال ابن كثير:أي حلفوا فيما بينهم ليجذن ثمرها ليلا؛ لئلا يعلم بهم فقير ولا سائل ، ليتوفر ثمرها عليهم ولا يتصدقوا منه بشيء.

قال السيوطي: وقت الصباح كي لا يشعر بهم المساكين فلا يعطونهم منها ما كان أبوهم يتصدق به عليهم منها.

قال النسفي: داخلين في الصبح قبل انتشار الفقراء حال من فاعل ليصرمنها.

قوله *«ولا يستثنون»*: يعني: لم يقولوا: إن شاء الله تعالى.
قاله الجرجاني، والسمرقندي، والقرطبي؛
وبه قال الواحدي في البسيط، والوجيز.
وهو قول البغوي، والنسفي.
وحكاه ابن الجوزي: عن الأكثرين.

قال السيوطي: في يمينهم بمشيئة الله تعالى والجملة مستأنفة، أي وشأنهم ذلك.

وقال مجاهد: معناه: لا يقولون إن شاء الله، بل عزموا على ذلك عزم من يملك أمره.
حكاه أبو حيان في البحر، وحكاه غير واحد عن مجاهد.

قلت ( عبدالرحيم ): وهنا يأتي أهمية الاستثناء الوارد ذكره في قوله ( وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ): فهذا الذكر المبارك؛ كم قضى الله به الحوائج؛ الذي بيده مقاليد السموات والأرض _ جل ذكره _؛ فكم ممن عزم على أمر، وتألى على الله أن يفعل؛ فحيل بينه وبين عزمه؛ فضلا عن فعله.، ولا يخفى عليك ما يكون من يأجوج ومأجوج من هدمهم للسور؛ وذلك بعد قولهم: إن شاء الله. كما عند ابن حبان من حديث ﻫﺮﻳﺮﺓ ﻋﻦ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ: (ﻳﺤﻔﺮﻭﻥﻓﻲ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﺎﺩﻭﺍ ﺃﻥ ﻳﺮﻭﺍ ﺷﻌﺎﻉ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻓﻴﻘﻮﻟﻮﻥ ﻧﺮﺟﻊ ﺇﻟﻴﻪ ﻏﺪﺍ ﻓﻴﺮﺟﻌﻮﻥ ﻭﻫﻮ ﺃﺷﺪ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ ﺑﻠﻐﺖ ﻣﺪﺗﻬﻢ ﻭﺃﺭﺍﺩ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﺒﻌﺜﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﻧﺮﺟﻊ ﺇﻟﻴﻪ ﻏﺪﺍ ﺇﻥ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻴﺮﺟﻌﻮﻥ ﺇﻟﻴﻪ ﻛﻬﻴﺌﺔ ﻣﺎ ﺗﺮﻛﻮﻩ ﻑﻳﺤﻔﺮﻭﻥﻩ ﻓﻴﺨﺮﺟﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ) ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ:(ﻓﻴﻔﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻨﻬﻢ ﺍﻟﻰ ﺣﺼﻮﻧﻬﻢ). صححه الألباني. في الصحيحة.
فقوله( ولا يستثنون ): كأن الحال_ والله أعلم_ إذا استثنوا ما حصل لهم ما حصل من بشاعة العقاب؛ ولكنهم ما فعلوا، وغدوا ظنا منهم أنهم قادرين؛ فجاؤوا مسرعين على غضب. لذا قال الله بعدها_وتدبر جيدا_ (وغدوا على حرد قادرين ): قال مجاهد: على جدّ قادرين في أنفسهم. رواه الطبري. وقال قتادة: غدا القوم وهم محردون إلى جنتهم، قادرون عليها في أنفسهم. رواه ابن جرير.، وقال السدي وسفيان:"على حرد"على غضب. والحرد الغضب. قاله ابن كثير.

فلا تغفل عن هذا الذكر يا عبدالله،
وما حصل لنبي الله سليمان عنا ببعيد؛ فقد أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال سليمان بن داود نبي الله: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، كلهن تأتي بغلام يقاتل في سبيل الله، فقال له صاحبه - أو الملك -: قل: إن شاء الله، فلم يقل ونسي، فلم تأت واحدة من نسائه إلا واحدة جاءت بشق غلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ولو قال: إن شاء الله، لم يحنث،
وكان دركا له في حاجته".

قلت: اللهم إلا الدعاء؛ فلا يشرع فيه الاستثناء؛ كما عند البخاري من حديث أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة، ولا يقولن: اللهم إن شئت فأعطني،
فإنه لا مستكره له ".
وهنا خطأ شائع مع الأسف الشديد؛ يدعو الداعي لك بكذا وكذا؛ ثم يقول: إن شاء الله. أو تدع أنت له فيقول: آمين إن شاء الله. ولا يخفى أن التأمين دعاء. وفي الصحيحين عنأبي هريرةرضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفرلي إن شئت ، ولكن ليعزم المسألة وليعظم الرغبة ، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه .
وسيأتي ( إن شاء الله ) مزيد كلام عند تفسير سورة الكهف.
انتهى

وقيل: لا يستثنون من المساكين.
حكاه الماوردي في النكت.

قوله *«فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون»*: فأصابها أمر من ربك.


قال السيوطي، وغيره: نار أحرقتها ليلا.

وقال ابن عباس: عذاب من ربك.
حكاه في النكت والعيون.

وقال ابن كثير:أي أصابتها آفة سماوية.

قوله «فأصبحت »*: فصارت الجنة.
قاله النسفي.

قوله *« كالصريم»*: الصريم: الرماد الأسود بلغة جذيمة.
حكاه ابن عطية، والقرطبي عن ابن عباس.
إلا أن القرطبي ذكره بلغة: خزيمة.

قال الطاهر بن عاشور: وقيل الصريم : الرماد الأسود بلغة جذيمة أو خزيمة.

قال مقاتل: أصبحت يعني الجنة سوداء مثل الليل.

قال السيوطي: كالليل الشديد الظلمة، أي سوداء.

قال ابن قتيبة: أي سوداء كالليل محترقة. و "الليل" هو: الصريم؛ و "الصبح" أيضا: صريم. لأن كل واحد منهما ينصرم من صاحبه.

وقيل: أصبحت وقد ذهب ما فيها من الثمر، فكأنه قد صرم، أي قطع وجذ.
حكاه أبو بكر السجستاني، وابن قتيبة.

قال النسفي: كالليل المظلم أي احترقت فاسودت أو كالصبح أي صارت أرضا بيضاء بلا شجر وقيل كال صرومة أي كأنها صرمت لهلاك ثمرها.
______
المصدر:
غريب القرآن لابن قتيبة، غريب القرآن لأبي بكر السجستاني، تفسير مقاتل، تفسير السمرقندي، النكت والعيون للماوردي، البسيط للواحدي، الوجيز للواحدي، درج الدرر في تفسير الآي والسور للجرجاني، تفسير البغوي، تفسير الطبري، المحرر الوجيز لابن عطية، تفسير القرطبي، زاد المسير لابن الجوزي، تفسير النسفي، البحر المحيط لأبي حيان، تفسير ابن كثير، تفسير الجلالين، التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور.

كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك: 00966509006424
 
عودة
أعلى