قوله تعالى: { أتأمرون الناس بالبر...} أبعاد دلالية عميقة.

إنضم
06/03/2015
المشاركات
51
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
مصر
{قوله تعالى: { أتأْمرونَ الناسَ بالبِّرِ وتنسَوْنَ أنفُسَكم وأنتم تتلون الكتابَ أفلا تعقلون}}
ومع أنَّ هذا النص القرآني كان يواجه ابتداء حالة واقعة من بني إسرائيل، فإنه في إيحائه للنفس البشرية، ولرجال الدين بصفةٍ خاصةٍ دائمٌ لا يخص قوماً دون قومٍ ولا يعني جيلا دون جيل ، فلا تمنع خصوصية الخطاب القرآني من عمومية العظة والتربية الإيمانية فيه.
وبهذا يكون لكل مَنْ يُحْسِن تزيينَ القول، ولا يشفع ذلك بالعمل، ويندب الناس إلى الخير، ويأمرهم به، ولا ينظر إلى نفسه، ولا يحملها على أخذ حظها من هذا الخير الذي يدعو إليه! وفى ذلك ظلم للنفس، وخسرانٌ مبين..
يقول تعالى: { أتأْمرونَ الناسَ بالبِّرِ وتنسَوْنَ أنفُسَكم وأنتم تَتْلُونَ الكِتابَ أفلا تَعْقِلونْ}؟!
الكلامُ ابتداءً مُوَجَّهٌ إلى بني إسرائيل في عهد رسول الله – - يوبخهم على سيرتهم المُعْوَجَّة في الدين ، ويهديهم إلى طريق الخروج منها . وفي هذه الآية استكمال لبيان قبائح اليهود بعد بيان أنهم اشتروا بدينهم ثمنا قليلا، وأنهم يلبسون الحق بالباطل وهم يعلمون.
[والخطاب في هذه الآيات لهم ، وعِبْرةٌ لغيرهم ، لأنه مُنبِئٌ عن حالٍ طبيعيةٍ للأمم في مثل ذلك الطور الذي كانوا فيه ، ولذلك كان القرآن هدايةً للعالمين إلى يوم الدين ، لا حكايةَ تاريخٍ يُقصَد بها هجاءُ الإسرائيليين فحسب ، فلتحاسبْ كلُّ أمةٍ نفسَها في أفرادها ومجموعها ؛ لئلا يكون حالها كحال مَن ورد النص فيهم ، فيكون حكمُها عند الله كحكمِهم ؛ لأن الجزاءَ على أعمالِ القلوبِ والجوارح ، لا لمحاباةِ الأشخاص، والأقوام، أو معاداتهم] . [SUP]([SUP][/SUP])[/SUP]
وهذا من قول العرب قديما: إِيَّاكِ أَعْنِي واسْمَعِي يا جَارَة. [SUP]([SUP][ii][/SUP])[/SUP]
وقد جاء قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ }بين قوله تعالى:{وأقيموا الصلاة }، وقوله : {واستعينوا بالصبر والصلاة}، فما وجه المناسبة؟
ووجه المناسبة في وقوعه هنا أنه لما أمر الله تعالى اليهود بفعل شعائر الإسلام من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وذيَّل ذلك بقوله سبحانه: {واركعوا مع الراكعين} أي انضموا لركب المؤمنين وكونوا معهم في هدايتهم؛ ناسب ذلك أن يستنكر عليهم دعوتهم الناس للإيمان والبر وهم لا يفعلونه محافظةً على رئاستهم الدينية على خلق الله، ومصالحهم من وراء تلك الرياسة.
فبيّن أنَّ سبب أمرهم بالخضوع أمام الله سواءً مع الراكعين أنهم كانوا يميزون أنفسهم برياستهم الدينية؛ يتكَسَّبون من ورائها، ويدعون الناس إلى ما لا يفعلونه هم ترفعاً عن الائتمار بأمر العوام، أو نفاقاً في دعوتهم. فبيَّن – سبحانه- عَوار هذا الكهنوت الفارغ المستعلي بالباطل.
والكهنوت ببساطة شديدة هو الوساطة بين الرب والناس، وفي اليهودية والمسيحية لها نظام معقد ومتوارث يجعل الوصول إلى الرب لا يتم إلا من خلال بشرٍ مثلهم مثل أي بشر، ولكنْ ميَّزوا أنفسهم بألقاب واختصاصات ما أنزل الله بها من سلطانٍ!
وعند منحرفي الصوفية من مدعي الإسلام، يرفعون الولي- في نظرهم- عن مستوى التكاليف، فلا يقوم بعبادة لأنه بلغ مرتبة اليقين- فيما يرون! وهذا يعتبر كهنوت من نوعٍ جديدٍ.
والقرآن يؤكد أنه لا توجد وساطة بين الرب- تبارك وتعالى- وخلقه، بل الجميع تحت السماء سواءٌ.
وحين يؤكد القرآن على هذه القضية فهو يؤكد أنَّ الله لا يحابي أحداً ولا يميز أحداص على أحدٍ إلا بالتقوى والعمل الصالح كما قال الله-تعالى- في سورة الحجرات: {إنَّ أكرمَكم عند الله أتقاكم}.
وإذا كان الخطاب هنا لأحبار اليهود وعلمائهم، فهو يستتبع كلَّ من تصدى لنقل الدين في كهنوت المسيحيين، وفي علماء المسلمين كذلك؛ أولئك الذين رفعوا أنفسهم فوق قدرها فصاروا يأمرون الناس بالبر ولا يأتمرون به.
(والغرض من هذا هو التنبيه على كمال خسارتهم، ومبلغ سوء حالهم الذي صاروا إليه حتى صاروا يقومون بالوعظ والتعليم كما يقوم الصانع بصناعته، والتاجر بتجارته لا يقصدون إلا إيفاء وظائفهم الدينية حقها ليستحقوا بذلك ما يُعوَّضون عليه من مراتب ورواتب.). [SUP]([SUP][iii][/SUP])[/SUP]
واختلف أهل التأويل في معنى البر الذي كان المخاطبون بهذه الآية يأمرون الناس به وينسون أنفسهم، بعد إجماع جميعهم على أن كل طاعةٍ لله فهي تسمى " برا ".
قال الإمام الطبري: وجميع الذي قيل في تأويل هذه الآية متقارب المعنى [SUP]([/SUP][SUP][SUP][iv][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP] ، لأنهم وإن اختلفوا في صفة " البر " الذي كان القومُ يأمرون به غيرهم ، فهم متفقون في أنهم كانوا يأمرون الناس بما لله فيه رضا من القول أو العمل، ويخالفون ما أمروهم به من ذلك بأفعالهم.[SUP] ([SUP][v][/SUP])[/SUP]
لقد تصاعد التقريع والاستنكار على أولئك الذين يقولون ما لا يفعلون، ويأمرون الناس بما لا يأتون في ثلاث مستويات دلالية؛ كل مستوىً منها يسْلم القياد لمستوىً أعلى في علو بلاغي فريد.
المستوى الأول: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم}.
المستوى الثاني: {وأنتم تتلون الكتاب}.
المستوى الثالث: {أفلا تعقلون}.
فالهمزة في قوله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر ...} للاستفهام مع التوبيخ للمخاطَبين والانكار عليهم.
يقول العلامة السعدي: وهذه الآية، وإن كانت نزلت في سبب بني إسرائيل، فهي عامة لكل أحد لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أمر به أنه يترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين مجتمعين.
وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين:
فعل البر بنفسه، وأمر الناس به
فترك أحدهما، لا يكون رخصةً في ترك الآخر، فإذا لم يفعل البر، فلا يجوز له ترك الأمر به وهو يقدر عليه، وإنْ كات مذموماً لذلك، والكمال أنْ يفعل المرؤُ البرَّ ويعلمه للناس، وأما مَن ترك البر وترك الأمر به فهو شيطان من شياطين الإنس.
قال الحسن لمطرف بن عبد الله: عِظْ أصحابَك، فقال إني أخاف أن أقول ما لا أفعل، قال : يرحمك الله ، وأيُّنا يفعل ما يقول ويود الشيطان أنه قد ظفر بهذا ، فلم يأمر أحدٌ بمعروف ولم ينهَ عن منكر .
وقال مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن سمعت سعيد بن جبير يقول: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيءٌ، ما أمر أحد بمعروف، ولا نهى عن منكر .
قال مالك : وصدق ، مَن ذا الذي ليس فيه شيء ؟!
وقوله {وتنسون أنفسكم} هنا معناه الترك: أي وتتركون أنفسكم. [SUP]([SUP][vi][/SUP])[/SUP]
والمستوى الثاني من التبكيت: في قوله تعالى: {وأنتم تتلون الكتاب} فالتلاوة: القراءة، وهي المراد هنا وأصل معناها الاتباع، يقال تلوته: إذا اتبعته، وسمي القارئ تاليا والقراءة تلاوة لأنه يتبع بعض الكلام ببعض على النَّسق الذي هو عليه.
وهي جملةُ حالٍ مشتملةٌ على أعظم تقريع وأشد توبيخ وأبلغ تبكيت. كما قال الشاعر:
لا تنْهَ عن خُلُقٍ وتأتيَ مثلَهُ... عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عظيمُ.
أي تنهَ عن الخلق الشيء وحالك أنك تأتي مثله.
ومعنى الآية: كيف يجتمع ترككم البرَّ الذي تدعون الناس إليه ، مع كونكم من أهل العلم العارفين بكتاب الله -تعالى- الحاملين لأمانةِ تبليغِه، الموقنين من عقاب مخالفه ، وكان أولى بكم أنْ تسارعوا إلى فعل البر وليس لكم عذر الجاهل.
كما قال تعالى في حق اليهود وعدم انتفاعهم بما يحملون من الكتاب: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (الجمعة: 5). [SUP]([SUP][vii][/SUP])[/SUP] وهكذا يفسر القرآن بعضه بعضا كأنه كلمةٌ واحدةٌ!
والمستوى الثالث في قوله تعالى : {أفلا تعقلون} استفهام للإنكار عليهم، حيث انتقل معهم من تقريعٍ إلى تقريع، ومن توبيخٍ إلى توبيخ فقال: إنكم وحتى لو لم تكونوا من أهل العلم وحملة الحجة وأهل الدراسة لكتب الله؛ لكان مجرد كونكم ممَّن يعقل حائلا بينكم وبين ذلك، ومانعاً وزاجرا لكم عنه، فكيف أهملتم ما يقتضيه العقل ( الفطري) بعد إهمالكم لما يوجبه العلم (المكتسَب) . [SUP]([SUP][viii][/SUP])[/SUP]
******


منهج التصحيح، وغوصٌ في العمق
إن اليهود كسائر الملل يَدَّعون الإيمان بكتابهم والعمل به، والمحافظة على أحكامه والقيام بواجباته، ولكنَّ الله - تعالى - علَّمنا أنَّ ادعاء الإيمان – مجرد الادعاء – الخالي عن الإثبات بالقول والفعل وجودُه كعدمه، لأن وجوده غير حقيقي.
وهو الإيمان الذي لا سلطانَ له على القلب والجوارح، فلم يغيِّر في توجُّهات صاحبه في الحياة، ولم يصلح له عملاً، كما قال تعالى: {ومِن الناسِ مَن يقولُ آمنا باللهِ وباليومِ الآخرِ وما همْ بمؤمنين} وكما قلنا آنفاً؛ فقد فرَّق اللفظ القرآني الحكيم بين قولهم آمَنَّا بلسانهم، وبين حقيقة وجود الإيمان الفاعل المؤثر الذي يحق به إطلاق أنَّهم مؤمنين.
والقرآن يبحث دائماً عن حقائق الأشياء وليس صورها؛ يبحث عن إثبات وجودِها وليس ادعاءَها، ويغوص في عمق النفس البشرية يحلل آفاتها ونواقصها ليصل بها إلى التكميل الذي هو غاية تكريمها يوم خلقها- سبحانه.
فهذا ابن نوح- عليه السلام- وهو ابن نبيٍ رسولٍ من أولي العزم المصطَفَيْن، لم ينفعه نسبُه يوم الفرز؛ يوم الغرق لمَن كفر والنجاة لِمَن آمن: {وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (هود/45-46).
فهذا نوحٌ-عليه السلام- وقد غلبته عاطفةُ الأبوة فنسى للحظةٍ مقامَ النبوة ؛ فدعا ربه أنْ ينقذ ابنه من الغرق؛ فهو من أهله، فيرد الله العظيم –عز وجل- مصحِّحا معيار الانتساب للصلاح والصالحين وأنَّه لم يكن يوما بمجرد النسب أو الادعاء، ولو حتى كان نسباُ للنبي في خاصة أهله.
الأمر يرجع أولاً وأخيراً إلى (العمل) الذي يفرِّق بين الادعاء والحقيقة، وإنه (عَمِلَ) عملاً غيرَ صالحٍ ! كما جاء في روايةٍ أخرى والقراءات تفسر بعضها بعضا. وهذا يكفي في دحض نسب ابن نوح- عليه السلام- إلى أهل النجاة.
نفس المبدأ يعلمنا إياه سيدنا رسول الله في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:(ومَنْ بَطَّأَ به عملُه لم يسرعْ به نسبه) أي مَنْ أخَّره عملُه الغير صالح عن دخول الجنة ؛ فليس نسبه هو الذي يسرع به إليها، وإنما العبرة بما يقوم في التقوى تكون في القلوب وبالأعمال الصالحة؛ كما قال عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]، وقال: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ } [المؤمنون:101].
وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال: قَامَ رَسولُ اللَّهِ حِينَ أنْزَلَ اللَّهُ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، قالَ:" يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ -أوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- اشْتَرُوا أنْفُسَكُمْ؛ لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شيئًا، يا بَنِي عبدِ مَنَافٍ، لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شيئًا، يا عَبَّاسُ بنَ عبدِ المُطَّلِبِ، لا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شيئًا، ويَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسولِ اللَّهِ، لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شيئًا، ويَا فَاطِمَةُ بنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي ما شِئْتِ مِن مَالِي، لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شيئًا".
فهذه الآيات وما شابهها جاءت في معرض التصحيح لمفهوم خطير في حياة البشرية، يعرِّض العدل الذي جاءت به الأديان السماوية للخطر، وهو مفهوم علو الإنسان على أخيه الإنسان بأي صورةٍ من صور التفاوت بين الناس غير التقوى والعمل الصالح الذين هما المعيار الوحيد الصادق في تقييم الهدف من خلق البشرية.
فكيف إذا كان هذا التعالي يتم باسم الدين والانتساب إلى الرسالات والأنبياء؟!
هذه ( الفاشية) [SUP]([/SUP][SUP][SUP][ix][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP] الدينية التي يتخذها العلمانيون والملاحدة ذريعةً من أجل اتهام الأديان والخروج عليها، كان القرآن- وهو كتاب الأوثق- أول مَن تعرض لها ورد عليها.
وأقام القانون الإلهي أنَّ جميع الخلق تحت الله سواء، والجميع مُحاسَبون مسؤولون لا فرق بين عالم وعامي في الحساب، بل الحساب والنكير على العالم أشد.
وكانت اليهود في عهد بعثته – - يدعون نسبهم إلى الأنبياء، ويدعون الإيمان بكتابهم، وأنهم أهل كتابٍ، في حين وصلوا ابتعدوا عن جوهر الدين ، وحرَّفوا كتابهم، وآمنوا ببعضه ونبذوا (رموا) بعضه وراء ظهورهم.
كانوا وأمثالُهم من المسلمين اليوم - ولا يزالون - يتلون الكتاب تلاوةً يفهمون بها معاني الألفاظ، ويوقِّرون أوراقَهَ وجلده، ولكنهم ما كانوا يتلونه حق تلاوته؛ { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (البقرة/121)
عن أبي العالية قال، قال عبد الله بن مسعود: والذي نفسي بيده ، إن حق تلاوته : أن يحل حلاله ويحرم حرامه ، ويقرأه كما أنـزله الله ، ولا يحرف الكلم عن مواضعه ، ولا يتأول منه شيئا على غير تأويله.
وعن قيس بن سعد: (يتلونه حق تلاوته) ، قال: يتبعونه حق اتباعه، ألم تر إلى قوله تعالى: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا} (سورة الشمس: 2) ، يعني الشمس إذا تَبعها القمر. [SUP]([/SUP][SUP][SUP][x][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
على أصل معنى (التلاوة) في جذرها اللغوي.
إن أحبارَ اليهود وعلماءَهم كانوا يتلون ألفاظه، ويأمرون الناس بالعمل بأحكامه، وآدابه من البر والتقوى، ولكنَّهم ما كانوا يُبيِّنون من الحق إلا ما يوافق أهواءهم وتقاليدهم، و يتبعون من الأحكام- فقط- ما يوافق حظوظَهم وشهواتِهم.
هكذا كانوا. وهكذا صار علماءُ المسلمين وواعظوهم مثلَهم هذه الأيام؛ كما ثبت من حديث أبي سعيد الخدري أَنَّ رَسُولَ اللهِ --قال: " لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ، لَتَبِعْتُمُوهُمْ "، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: " فَمَنْ؟ ". رواه الشيخان. [SUP]([SUP][xi][/SUP])[/SUP]
في الواقع إن الحق ثقيل على النفوس يخرجها عمَّا تألف من لذةٍ موهومةٍ للباطل إلى مرارةِ الحق مهما كان نبيلاً وعظيما، فإذا أراد الداعي إليه إخراج الناس عما تهواه أنفسُهم تَحَايَلوا للانصراف عنه؛ فإنْ وجدوا الداعي يخالف ما دعا إليه تعلَّلوا بذلك اتهاما للدعوة كلها، وانصرافاً عنها، يبررون لأنفسهم، ثم يدعون إلى فقد الثقة في الدين والعلم ليبرئوا أنفسهم المريضة.
فتكون دعوة الذين يقولون ما لا يفعلون- بذلك التفصيل- هي عينُ المحاربة للدعوة ذاتها من حيث لا يعلمون.
ولكم وقع كثيرٌ من شباب المسلمين في وحل الإلحاد بسبب داعيةٍ فاسدٍ أو منافقٍ اشترى الدنيا بدعوته، فنظر إليه الشباب وقالوا: ها هم الدعاة، فهكذا الدين كله!
كما قال عبد الله بن المبارك :
وهل أفسدَ الدينَ إلا الملوكُ *** وأحبارُ سوءٍ ورهبانُها .
يقول صاحب "الظلال" – رحمه الله:
إن آفةَ رجال الدين- حين يصبح الدينُ حِرفةً، وصناعةً، وليس عقيدةً حارةً دافعةً... أنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم؛ يأمرون بالخير ولا يفعلونه، ويدعون إلى البر ويهملونه، ويحرِّفون الكَلِمَ عن مواضعه، ويؤولون النصوص القاطعة خدمةً للغرض والهوى، ويجدون فتاوى وتأويلات قد تتفق في ظاهرها مع ظاهر النصوص، ولكنها تختلف في حقيقتها عن حقيقة الدين، لتبرير الأغراض والأهواء لِمَن يملكون المال أو السلطان! كما كان يفعل أحبار يهود! [SUP]([SUP][xii][/SUP])[/SUP]
ويقول الشيخ الشعراوي- رحمه الله:
إن الدينَ كلمةٌ تُقال. وكذلك هي سلوكٌ يُفعَل. فإذا انفصلت الكلمة عن السلوك ضاعت الدعوة. فالله سبحانه وتعالى يقول: { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ }(الصف: 2-3)؛ فما لم ترتضه أنت كسلوكٍ لنفسك. لا يمكن أن تبشر به غيرك!
لذلك نقرأ في القرآن الكريم: { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }(الأحزاب: 21).
فمنهج الدين نظرياً وحده لا يكفي؛ إلا بالتطبيق. ولذلك كان رسول الله – - لا يأمر أصحابه بأمرٍ إلا كان أسبقهم إليه، فكان المسلمون يأخذون عنه القدوة قولا وعملا، وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - حين يريد أن يقنِّن أمراً في الإسلام يأتي بأهله وأقاربه ويقول لهم: لقد بدا لي أنْ آمُرُ بكذا وكذا، والذي نفسي بيده مَنْ خالف منكم لأجعلنَّه نكالا للمسلمين، وكان عمر بن الخطاب -بهذا- يقفل أبواب الفتنة، لأنه يعلم من أين تُأتي...!
ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }(فصلت: 33)
فالشرط الأول هو الدعوة إلى الله. والشرط الثاني العمل الصالح، وقوله {إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } لم ينسب الفضل لنفسه أو لذاته؛ ولكنه نسب الفضل إلى الإسلام .انتهى. [SUP]([SUP][xiii][/SUP])[/SUP]
فهو يتكلم باسم الإسلام، ويدعو الناس إلى منهج الإسلام على طريقة الإسلام، وليس على طريقته الخاصة. فإن الداعي إلى الله أجيرٌ عند الله، والأجير يفعل الأمور على ما يريد مؤجِّرُهُ.
[إن الكلمةَ لتنبعثُ ميِّتةً، وتصل هامدة، مهما تكن طنَّانةً رنَّانةً مُتحمِّسةً، إذا هي لم تنبعثْ من قلبٍ يؤمنُ بها. ولن يؤمنَ إنسانٌ بما يقول حقاً إلا أن يستحيلَ هو ترجمةً حيَّةً لما يقول، وتجسيماً واقعياً لما ينطق...
عندئذٍ يؤمن الناسُ، ويثق الناسُ، ولو لم يكن في تلك الكلمة طنينٌ ولا بريقٌ.. إنها حينئذ تستمد قوتها من واقعها؛ لا من رنينها، وتستمد جمالَها من صدقِها؛ لا من بريقها... إنها تستحيل يومئذ دفعةَ حياةٍ، لأنها منبثقةٌ من حياةٍ.
والمطابقةُ بين القول والفعل، وبين العقيدة والسلوك، ليست مع هذا أمراً هيِّناً، ولا طريقاً معبداً. إنها في حاجة إلى رياضةٍ وجَهْدٍ ومحاولةٍ. وتحتاج إلى صلةٍ بالله، واستمدادٍ منه، واستعانةٍ بهداياته.
فملابساتُ الحياةِ، وضروراتها، واضطراراتها كثيراً ما تنأى بالفرد في واقعِهِ عما يعتقده في ضميرِه، أو عما يدعو إليه غيره]. انتهى. [SUP]([SUP][xiv][/SUP])[/SUP]
عن محمد بن واسع: بلغني أنّ ناسا من أهل الجنة اطلعوا على ناسٍ من أهل النار فقالوا لهم: قد كنتم تأمروننا بأشياءٍ عملناها فدخلنا الجنة. قالوا كنا نأمركم بها ونخالف إلى غيرها.
قال أبو الدرداء: لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا. انتهى[SUP] ([SUP][xv][/SUP])[/SUP]
قلتُ: معناه أي يحاسبها على تقصيرها فيما أمرت به ونهت عنه الناس هل وفَّت هي به، وهل بعد أن كره ما تصنع الناس من الشرور والبعد عن الله -تعالى- كره نفسه لفعلها مثل ذلك؟!
عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله --: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رِجَالاً تُقْرَضُ أَلْسِنَتُهُمْ وَشِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: الخُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ، وَيَنْسُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَهُمْ يَتْلُونَ الكتاب أفلا يعقلون» . [SUP]([/SUP][SUP][SUP][xvi][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
قال أسامة بن زيد -رضي الله عنه- سمعتُ رسول الله يقول:
" يُجاء بالرجل يوم القيامة فيُلقَى في النار فتَنْدَلِق أَقْتابُه (أي تنقطع أمعاؤه ) في النار ، فيدور كما يدور الحمار بِرَحاه ، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون : أيْ فلانٌ ما شأنك ؟ أليس كنتَ تأمرنا بالمعروف، وتنهانا عن المنكر؟
قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه ".
وقال شعبة عن الأعمش: فيُطحَن فيها كما يطحن الحمار برحاه " (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
قال أبو الأسود الدؤلي:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله******* عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ
وابدأ بنفسك فانهها عن غيِّها****فإن انتهت عنه فأنت حكيمُ
فهناك يُقبَل إن وعظتَ ويُقتدَى ****بالقول منك ويَنفَعُ التعليمُ

المصادر والهوامش.


() تفسير المنار للشيخ محمد عبده، وتلميذه الأثري محمد رشيد رضا -رحمهما الله- 1/247.

([ii]) هذا مثل قديم؛ كثيراً ما نستعمله للتعبير بصورة غير مباشرة، أو بطريق المجاز والتشبيه، عمّا في أذهاننا، بحيث يفهمه السامع من دون مجابهته أو خدش مشاعره. كما يقال أحياناً ممن يخاطب شخصاً ويقصد بكلامه شخصاً آخر. وهو من الأمور الشائعة في المجتمعات التي اعتادت مراعاة قواعد الأدب واللياقة. ما أصل مثل «إياك أعني واسمعي يا جارة»، فيعود إلى رجل من بني فزارة؛ هو سهل بن مالك الفزاري، وكان في طريقه إلى مدينة الحيرة بالعراق للالتحاق بالملك النعمان... مرّ بحي من أحياء بني طي، فسأل عن سيد الحي، فقالوا له إنه حارثة بن لأم. فتوجّه نحوه فلم يجده، ولكنه صادف أخته، فرحبت به وأنزلته وأعدت له ما كان من طعام وشراب.
وعندما خرجت من خبائها لاحظ ما كان لها من جمال وحسن قامة. وكانت عقيلة قومها وسيدة نسائهم، فأصابه ما أصابه من هواها. ولم يعرف كيف يفتح لها قلبه ويكاشفها بحبه، فجلس في فناء الخباء يوماً وهي تسمع صوته، وجعل ينشد ويقول:
يا أخت خير البدو والحضارة ...كيف ترين في فتى فزارة؟
أصبح يهوى حرة معطارة.....إياك أعني واسمعي يا جارة
بيد أن كلماته لم تقع في نفسها بما كان يرجوه الفزاري. فأنشدت من وراء الخدر، وقالت:
إني أقول يا فتى فزارة....لا أبتغي الزوج ولا الدعارة
ولا فراق أهل هذي الجارة....فارحل إلى أهلك باستخارة
فخجل الرجل من نفسه وقال: «ما أردت منكراً... واسوأتاه». فاستحت من تسرعها وقالت: «صدقت». ثم ارتحل، وأتى النعمان فأكرمه، ثم عاد من حيث أتى، ومرّ على الديار نفسها. وبينما نزل عند أخيها، تطلعت إليه نفسها، فأرسلت إليه أن «اخطبني من أخي إن كانت لك حاجة بي». فخطبها وتزوج بها، وسار بها إلى قومه، فحكى لهم حكايته وما أنشده من شعر وما ردت به عليه من شعر... فسارت كلماتهما مثلاً بين العرب؛ بدواً وحضراً. نقلته لأنه من اللطائف المخففة لحدة المنهج العلمي في كتابنا هذا.

([iii]) التحرير والتنوير لابن عاشور (1/474)

([iv]) فعن ابن عباس- كما روى الطبري- قال: معناه أنكم تنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوة والعهدة من التوراة، وتتركون أنفسكم؛ وأنتم أول مَنْ تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي، وتجحدون ما تعلمون من كتابي. اه.
وكان الأحبار (علماء اليهود) يأمرون مَنْ نصحوه في السر من أقاربهم وغيرهم باتباع محمد -- ولا يتبعونه هم.
وعن السُدِّيِّ قال: كانوا يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وهم يعصونه. وكذا قال قتادة.
وقال ابن زيد: هؤلاء اليهود كان إذا جاء الرجل يسألهم ما ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء، أمروه بالحق.
وقيل: كانوا يأمرون بالصدقة ولا يتصدّقون، وإذا أُتُوا بصدقات ليفرّقوها خانوا فيها. اه.

([v]) راجع تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (1/ 7) مع تلخيص، وكذلك تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (1/ 133).

([vi])وهو كثيرٌ في لغة القرآن، ويحل إشكاليات كثيرة، كما قال ابن جرير الطبري: هو في هذا الموضع نظير النسيان الذي قال جل ثناؤه: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} (التوبة: 67) بمعنى: تركوا طاعة الله فتركهم الله من ثوابه.
قال اللغوي ابن فارس في مقاييس اللغة (5/ 421): (نَسِيَ) النُّونُ وَالسِّينُ وَالْيَاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ: يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى إِغْفَالِ الشَّيْءِ، وَالثَّانِي عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ.

([vii]) يقول تعالى ذكره: مَثَل الذين أوتوا التوراة من اليهود والنصارى، فأوكل الله إليهم العمل بها ، ثم لم يعملوا بما فيها، وكذّبوا بمحمد ، وقد أمروا بالإيمان به فيها واتباعه والتصديق به (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) يقول: كمثل الحمار يحمل على ظهره كتبًا من كتب العلم، لا ينتفع بها، ولا يعقل ما فيها. انظر تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (23/ 377)

([viii])والعقل في أصل اللغة: المنع، ومنه عِقال البعير؛ لأنه يمنعه عن الحركة، ومنه العَقْل في الدِّيَة لأنه يمنع وليَّ المقتولِ عن قتل الجاني. والعقل نقيض الجهل، ويصح تفسير ما في الآية هنا بما هو أصل معنى العقل عند أهل اللغة: أي أفلا تمنعون أنفسكم من ملابسة هذه الحال المُزْرِية، ويصح أن يكون معنى الآية: أفلا تنظرون بعقولكم التي رزقكم الله إياها حيث لم تنتفعوا بما لديكم من العلم. راجع فتح القدير (1/54) مع تلخيص وتصرف.

([ix]) اصطلاح الفاشيّة (بالإنجليزية: fascism)‏ مشتق من الكلمة الإيطالية (بالإيطالية: fascio)‏، وهي تعني حزمة من الصولجانات كانت تُحمَل أمام الحكام في روما القديمة دليلًا على سلطاتهم. وهو الاستعمال الاصطلاحي الثقافي لوصف سلطة جماعةٍ ما التي لا تقبل النقاش وتتعالى على غيرها في عنصرية واضحة.
وتاريخيا هي تيار سياسي وفكري من أقصى اليمين، ظهر في أوروبا في العقد الثاني من القرن العشرين، لهُ نزعة قومية عنصرية تُمجّد الدولة إلى حدّ التقديس، ويرفض نموذج الدولة الذي ساد أوروبا منذ أواخر القرن التاسع عشر القائم على الليبرالية التقليدية والديمقراطية البرلمانية التعددية، وهو وصف لشكل راديكالي من الهيمنة، تمثلت تاريخياً في تجارب لحركات سياسية قومية أو وطنية.
وكان توظيف موسوليني لوصف الجماعة البرلمانية المسلحة التي شكّلها في أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها أول ظهور لموسوليني في زيه الفاشي مؤشراً على أن اصطلاح "fascismo" قد حظي بمعان أيديولوجية واضحة.


([x]) راجع تفسير الإمام الطبري عند هذه الآيات.

([xi]) - والسَنَن -بفتح السين-: السبيل والمنهاج والطريقة.
وما ذكره من الشبر والذراع ودخول الجُحْرِ تمثيل للاقتداء بهم شيئاً فشيئاً.
هذا فيما نهى الشرع عنه وذمه من أمرهم وحالهم، وَوجه التَّخْصِيص: بجحر الضَّب، لشدَّة ضيقه ورداءته، وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهُم لاقتفائهم آثَارهم واتباعهم طرائقهم لَو دخلُوا فِي مثل هَذَا الضّيق الرَّدِيء لوافقوهم. والمراد بها ها هنا طريقة أهل الأهواء والبدع التي ابتدعوها من تلقاء أنفسهم بعد أنبيائهم، من تغيير دينهم وتحريف كتابهم.
وقوله: (اليهود والنصارى) أي: أتعني مَن نتبعهم اليهود والنصارى؟ فأجاب صلوات الله عليه: (فمن؟) أي إن لم أردهم فمن سواهم؟. راجع مشكورا كتابي (صيدٌ وفيضٌ. الجزء الثاني).

[xii]- في ظلال القرآن (1/ 68) للأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى.

[xiii]- من خواطر إيمانية حول القرآن الكريم للعلامة الشيخ الشعراوي (تفسير الشعراوي) رحمه الله.

([xiv]) سيد قطب- رحمه الله-في ظلال القرآن (1/ 68)

([xv]) راجع تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (1/ 7) مع تلخيص، وكذلك تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (1/ 133).

([xvi]) (رواه أحمد في المسند وابن المبارك في الزهد وغيرهما بأسانيدَ صِحاحٍ وحسنة. وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (1/ 585) برقم291
 
عودة
أعلى