قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله [النمل:65]

إنضم
23/03/2007
المشاركات
120
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
قال ابن تيمية في تفسير قوله تعالى: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) [النمل:65]

فاستثنى نفسه، واللفظ العام (من في السموات والأرض) ولا يجوز أن يقال: هذا استثناء منقطع لأن المستثنى مرفوع، ولو كان منقطعا لكان منصوبا. والمرفوع على البدل، والعامل فيه هو العامل في المبدل منه وهو بمنزلة المفرغ، كأنه قال: (لا يعلم الغيب إلا الله) فيلزم أنه داخل في (من في السموات والأرض) (دقائق التفاسير، ج5/ص50)

يجدر التنبيه إلى أن رفض ابن تيمية للاستثناء المنقطع مخالف لجمهور المفسرين، فقد قال ابن كثير مثلا في تفسير قوله تعالى: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول معلما لجميع الخلق: إنه لا يعلم أحد من أهل السموات والأرض الغيب. وقوله (إلا الله) استثناء منقطع، اي: لا يعلم أحد ذلك إلا الله عز وجل، فإنه المنفرد بذلك وحده، لا شريك له، كما قال: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) الآية .. والآيات كثيرة. (ج10/ص425)

والسؤال المحير: ألا يلزم من إدخال الله في (من في السموات والأرض) القول بالمجاز في حين أن ابن تيمية يرفض المجاز مطلقا؟
وإذا كان الإطلاق حقيقيا فكيف يدخل الله تعالى في (من في السموات والأرض) وهو ليس فيهما ولا عليهما بل على العرش؟
ولماذا خالف ابن تيمية جمهور المفسرين برفض الاستثناء المنقطع مع أنه وارد في لغة العرب؟
 
أولا: قول ابن تيمية ليس مخالفا لجمهور المفسرين، بل هو رأي المحققين، كما قال ابن عاشور -وسيأتي-. وقال القرطبي: "و( مَنْ) في موضع رفع؛ والمعنى: قل لا يعلم أحد الغيب إلا الله؛ فإنه بدل من (مَن) قاله الزجاج".
ثانيا: على القول بأن الاستثناء متصل فهو جارٍ على ما يفهمه العربي من مثل هذا التركيب، وما يعتقده المسلم من إحاطته تعالى بالسموات والأرض وعدم حلوله فيها، فهو بمعنى: لا يعلم (أحدٌ) الغيبَ إلا الله.
قال ابن عطية: إنما نزلت لأن الكفار سألوا وألحوا عن وقت القيامة التي يعدهم محمد فنزلت هذه الآية فيها التسليم لله تعالى وترك التحديد، فأعلم عز وجل أنه لا يعلم وقت الساعة سواه فجاء بلفظ يعم الساعة وغيرها.
وقال ابن عاشور:
"واستثناء ( إلا الله ) منه لتأويل ( من في السماوات والأرض ) بمعنى: أحد، فهو استثناء متصل على رأي المحققين وهو واقع من كلام منفي. فحق المستثنى أن يكون بدلاً من المستثنى منه في اللغة الفصحى فلذلك جاء اسم الجلالة مرفوعاً ولو كان الاستثناء منقطعاً لكانت اللغة الفصحى تنصب المستثنى.
وبعد فإن دلائل تنزيه الله عن الحلول في المكان وعن مماثلة المخلوقات متوافرة فلذلك يجري استعمال القرآن والسنة على سنن الاستعمال الفصيح للعلم بأن المؤمن لا يتوهم ما لا يليق بجلال الله تعالى".
 
سأوضح الإشكال المطروح بالنسبة لتفسير ابن تيمية لهذه الآية الكريمة ليتبين هل وافق الجمهور والمحققين أو لا، وهل التزم التفسير بناء على نفي المجاز أو لا.
فقد قال فيما نقل عنه في دقائق التفسير بعد الكلام المنقول أعلاه: "لفظ السماء يتناول كل ما سما، ويدخل فيه السموات والكرسي والعرش وما فوق ذلك. اهـ
فالإشكال في إدخال ما ليس من السماء حقيقة في السماء، فمعلوم أن العرش غير السموات وغير الكرسي، فلكل حقيقته، فضلا عن كون ما فوق العرش ليس من السموات أصلا، فبأي قرينة يدخل ما ليس في أجرام السموات فيها، وبأي علاقة.
ثم يرد على هذا أنه جمع بين الحقيقة والمجاز في عبارة واحدة وهذا غير جائز عند الجمهور.
ومن تتبع لفظ السموات في القرآن الكريم وجدها منعوتة بالمخلوقية، كما في الآية 60 من نفس السورة النمل حيث قال تعالى: (أمّن خلق السموات والأرض) فكيف يدخل الخالق إطلاقا في عموم ما هو مخلوق؟ لا سيما أن "في" لها معنى ظاهر تفيده وهو الظرفية، وفيها من إيهام ما لا يصح ما لا يخفى، ولهذا نزه المفسرون الله تعالى عن الكون في السماء على وجه الظرفية، كما قال العلامة ابن عاشور في تتمة الكلام الذي نقلته:
ومن المفسرين من جعل الاستثناء منقطعاً وقوفاً عند ظاهر صلة (من في السماوات والأرض) لأن الله ينزّه عن الحلول في السماء والأرض. اهـ
وهذا ما فعله ابن كثير رحمه الله. وقال الواحدي في الوسيط: (قل لا يعلم من في السموات) يعني الملائكة (والأرض) يعني الناس (الغيب) ما غاب عن العباد (إلا الله) وحده. (ج3/ص383) فجعل "في" مفيدة لظرفية الملائكة في السماء. فلا يجوز أن يقال أنهم تكلفوا تنزيه الله تعالى عن الظرفية؛ لأن "في" تفيد الظرفية بمعناها الظاهر في اللغة.
والذين جعلوا الاستثناء متصلا أولوا قوله تعالى (من في السموات والأرض) بـ"أحد"، فكان التأويل: لا يعلم أحدٌ الغيب إلا اللهُ. ولم يخطر على قلوبهم أن الله يندرج في السموات إطلاقا لكون السموات وما فيها موسوم بالمخلوقية، أللهم إلا إن أطلق أن الله في السموات بمعنى السمو والرفعة فيكون من باب المجاز.. ولم يذهب إلى ذلك المحققون من أهل التفسير في هذه الآية بخصوصها، فإن ظاهر "في" يقتضي الظرفية في "السموات" المخلوقة، ولذلك ينزه المفسرون الله تعالى عن ذلك.
بقي أن يقال: قد قال الله تعالى: (أأمنتم من في السماء) فلعله من نفس الباب؟
والجواب أن يراجع قول من وصف بالتحقيق، كالقرطبي وابن عاشور وغيرهم.
 
كاتب هذا السؤال جهمي حاقد على شيخ الإسلام وعلى السنة واهلها .
وهو يترك المنتدى فترة من الزمن حتى إذا ظن أنه نُسي رجع وطرح جهالاته .
وقد جربنا النقاش معه مراراً فلم ينفع ، ويرجع إلى موضوعاته القديمة بهذا المعرف ، ومعرف : " نزار حمادي " ، ليعلم جهله وتعصبه ، بل يكفي لمعرفة سوء فهمه سؤاله الذي طرحه هنا : " ولماذا خالف ابن تيمية جمهور المفسرين برفض الاستثناء المنقطع مع أنه وارد في لغة العرب " .
قال في موضوع له بعنوان : " من يدفع إفك ابن تيمية على الإمام أبي الحسن الأشعري " : " لقد كذب ابن تيمية عامله الله بما يستحق، وكذب أذنابه، في ادعائهم أن الإيمان الشرعي عند الإمام الأشعري هو المعرفة المجردة عن الإذعان والتسليم " .
ثم قال بعد نقل عن الأشعري : " فانظروا ما أرقى تفسير الإمام الأشعري للإيمان وما أعظمه وأوضحه وما أحوج الناس اليوم للاقتداء به، ثم قارنوا كلامه ببهتان ابن تيمية والوهابية الأشرار عليه، عاملهم الله بعدله وأخلا الأرض منهم كي يعود للإسلام شبابه " .
http://razi.aslein.net/showthread.php?t=10209
فهو يدعو الله أن يخلي الأرض منا ثم يأتي ليشارك في ملتقانا !! .
 
الحمد لله

والله لأن أخالف ابن تيمية في آرائه الصادرة عن اجتهاده الخاص، كما خالفه في مسائل أصلية وفرعية تلميذاه الحافظ الذهبي كما صرح بذلك والإمام ابن كثير، خير من أن أخالف جمهور علماء المسلمين والمفسرين ومشايخ الإسلام طلية عشرة قرون من العلم والتحقيق والحفظ والحكم بما أنزل الله، فإن الحق أحق أن يتبع.

ولقد كان أهل السنة والجماعة على خير هدى قبل ولادة ابن تيمية رحمه الله وغفر له، وقبل بروز اجتهاداته الخاصة التي خالف بها سائر العلماء، حتى الذين تلقى العلم على أيديهم، وأحيى مصطلحات قديمة لا تنطبق على أهل السنة والجماعة كمصطلح الجهمية وصار ينبزهم بتلك الألقاب التي عُلِم أهلها وفرغ (أهل السنة والجماعة قبل ولادة ابن تيمية) من الرد عليهم.

وهذه المصطلحات قد استحضرها المتطرفون اليوم أمثالك، مع أنها دالة على تخلف ذهني وفكري من الصادرة عنه، حيث يجعلون أهل السنة والجماعة طيلة عشر قرون جهمية، وقد علم تحديدا من هو جهم ابن صفوان وما مدى مخالفته لعلماء عشرة قرون من الإسلام، لكن أصحاب التطرف الفكري والجهل المركب يحلو لهم استعمال هذه المصطلحات الدالة على التخلف الفكري لوَصْف أهل السنة والجماعة بهذا اللقب الذي يخالف الواقع والحقيقة، وغرضهم في ذلك قلب الحقائق، أو ذلك مبلغهم من العلم.

إن المشكلة اليوم تمكن في المتطرفين الحاقدين على عشرة قرون من الإسلام يريدون فسخها وشطبها بمجرد كلمات كمصطلح الجهمية، ولا يدرك هؤلاء أنهم يرومون فعل المحال، وأن الله تعالى قد خص أهل السنة والجماعة (بمن فيهم الأشعرية) بالعلم والعمل على مقتضى الكتاب والسنة، فكانوا أعلام التفسير وشروح السنة النبوية وأعلام الجهاد الصحيح في سبيل الله، وأعلام الحكم بما أنزل الله، وحازوا قصب السبق في كل الفنون، وتراث الأمة الإسلامية اليوم المطبوع والمخطوط خير شاهد على هذا، وكفى بالمشاهدة دليلا، وهل للشواذ تراث أصلا أمام تراث أهل السنة والجماعة؟؟؟

فمن العبث وعلامات التخلف الفكري محاولة شطب هذا التراث العلمي والحضاري الضخم بمجرد مصطلحات كاذبة، كما يفعل المعجبون بالشذوذ الفكري، الذين توهموا أنهم قادرون على إبطال جهود عشرة قرون من الإسلام، ضمت آلاف وآلاف العلماء والفضلاء والأدباء في كل الميادين.

بقي أن نقول لمن يروم تمزيق الأمة وتشتيتها وتهميش عظيم تراثها إذا لم يَصْح من سكرته: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)
ونحن على ثقة ويقين أن الله تعالى لما أراد إظهار الحق على يد جمهور علماء وفضلاء هذه الأمة طيلة عشر قرون، وفعل ذلك فعلا سبحانه وتعالى، لم يكن ذلك لإضلال الناس وطمس الحق طيلة تلك الفترة الزمانية المباركة التي تشكلت فيها الحضارة الإسلامية العظيمة وحُكِم فيها بالإسلام في كل مكان، خلافا لما عليه الحال اليوم في جميع بقاع العالم الإسلامي، بعد ضياع المنهج الصحيح.

وبناء على هذه المعطيات التاريخية التي لا يشكك فيها عاقل وبناء على أن الله تعالى لا يضل ـ تفضلا منه ـ آلاف وآلاف العلماء من المسلمين من أهل السنة والجماعة فيجمعهم على عقائد الجهمية الباطلة، ندرك أن الأمة (أهل السنة والجماعة) كانت على الهدى، وأن الخطر برز في هذا القرن الأخير حيث رام بعض الشواذ تخطئة تلك الجماهير المجمهرة من علماء المسلمين وتهمتهم بفساد العقيدة، وإلا فحتى بعد وفاة الشيخ ابن تيمية بقي أهل السنة والجماعة يدا واحدة ولم يظهر بينهم الشذوذ والتطرف الذي نشهده اليوم، ولعل هذا يصحح النظرية القائمة بأن ابن تيمية رحمه الله قد تاب توبة نصوحا بعد سنة 709 هـ ورجع إلى رشده وموافقته لجمهور أهل السنة والجماعة في المسائل الأصلية.

وها نحن نشهد أثر ذلك الشذوذ اليوم حيث يطلع بعض الشواذ المناكير فيكتب مقالات يدعي فيها أن الأمة كانت غارقة في الجهالات الاعتقادية طيلة عشرة قرون، وأن كثرتهم ـ مع أنهم فضلاء الإسلام ـ لا تفيد، وأن جميع ما صنفوه وكتبوه من علوم في القرآن والسنة النبوية المطهرة ومسكهم خطط القضاء وحكمهم بما أنزل الله كان واقعا منهم وهم على ضلال في العقدية، وأي تخلف بعد هذا التخلف الفكري؟؟

قال الله تعالى: ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا)
ونحن نعمل لما نعتقد أنه الحق، ولا يضرنا وصف المتطرفين بالجهمية وبغير ذلك من الألقاب التي يحاسبون عليها عند الله، ولا يمنعنا تعصب المتعصبين وتطرف المتطرفين من طرح المسائل العلمية ومحاولة مباحثة المخالفين لنا فيها، سواء كان في منتدياتنا أو منتدياتهم، وغالبا لما تكون المباحثة سلمية أدبية راقية، حتى يتدخل المتطرفون المغالون الذين تتمول بهم الحركات الشاذة فكريا، فينقلب أسلوب الحوار بتدخلهم.

وهذا الملتقى يضم ثلة كبيرة من المعتدلين من شتى المذاهب الفكرية، ويضم من هو مستعد للمباحثة العلمية بعلم وحلم، ولهذا نشارك فيه. وليس حكرا على المتطرفين على قلتهم.
 
أبو الحسنات الدمشقي ..
أبو عبيدة الهاني ..

مثالان لفئة تعيش في دوامة الخلاف، وتتصور العالم يعيش معها في هذه الدوامة، ويشاركها طريقة تفكيرها ونظرتها، بينما الحقيقة أن الأكثر من أهل العلم وطلابه متحرر من هذه الربقة المقيتة، محب لجميع أسلافه من العلماء بشتى مشاربهم، محسن الظن بهم جميعا، قد جعل الحق هدفه، وعاش بقلب سليم مخموم لا يعادي أحداً ولا يحمل عليه ضغينةً ولا فكراً مسبقاً، حتى لو اختلف معه في جزئية قلص هذا الخلاف في نطاقه الخاص، وحمله على أن الخلاف سنة الله الجارية وأنه لا أحد معصوم بعد رسول الله، ولم يعمم هذا الخلاف، ولم يعظمه، ولم يحمِّله ما لا يحتمل، مع الحفاظ على الود والتقدير والتبجيل والاحترام ..

هذا هو خلق طالب العلم في في كل زمان ومكان ..
وهذا هو دأب الصالحين منهم في كل جيل..
جعلنا الله منهم وألحقنا بهم في الدارين.
 
عودة
أعلى