عمرو الشاعر
New member
- إنضم
- 24/05/2006
- المشاركات
- 128
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
- الإقامة
- مصر
- الموقع الالكتروني
- www.amrallah.com
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير – تأويل – تدبر
" إقرأ باسم ربك الذي خلق "
" أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا "
" كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب "
" ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر "
" ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا "
" كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير "
" الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني ... "
" هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات "
" ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل ........ "
" بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولمّا يأتهم تأويله "
" ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا "
" سأنبأك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا "
" فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا "
" إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا "
" وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا "
من الأقوال الشائعة والمنتشرة بين المسلمين قولهم – وقبولهم – أن كتاب الله عزوجل يحتاج إلى تفسير بل إننا رأينا بالفعل كتبا كثيرة تحمل هذا الاسم مثل تفسير القرآن العظيم أو التفسير الكبير أو تفسير فلان أو علان , ولكن هل هذا القول صحيح إبتداءا أم أنه مردود بنص كتاب الله عزوجل ؟
من المفارقات أن الله عزوجل ينفي عن كتابه احتياجه إلى تفسير وأنه مبين في ذاته مبيّن لغيره وعلى الرغم من ذلك يصر الناس على أنه مبهم في حاجة إلى تفسير على الرغم من أن الله عزوجل يقول أن كتابه سهل يسير في حاجة إلى تدبر وتأويل وليس إلى تفسير .
قد يظن القارئ أن الفارق بين التفسير والتأويل ليس كبيرا وذلك للخلط الأصولي بين اللفظين وللاستعمال الضبابي لكل منهما حسب منظور المفسر والذي بعد تماما عن الأصل اللغوي لأي منهما , وسيلاحظ القارئ من خلال هذا البحث الصغير أن الأصوليين والمفسرين تركوا المعنى اللغوي لكلتا اللفظتين " التفسير والتأويل " ثم أخذوا يجتهدون في وضع معنى أصولي لهما , على الرغم من أن اللغة أغنتهم عن هذا العنت والمشقة . ونبدأ بتعريف كل منهما تعريفا بسيطا يوضح للقارئ الفارق بينهما ولم أنه من إساءة الأدب مع الله عزوجل القول بأن كتابه يحتاج إلى تفسير:
في بادئ الأمر يتفق معي القارئ في كونه مسلما بالآيات التي ذكرتها في أعلى الصفحة , فإذا سلّم القارئ – وهو حتما مسلم بها – ننتقل إلى التعريف :
ونبدأ بتعريف التفسير – والتعريفات الواردة في هذا البحث كلها من مقاييس اللغة للإمام ابن فارس رحمه الله من معجمه الفريد " مقاييس اللغة " والذي تميز بإيراده الأصول المشتركة التي تُرد إليه المعاني المحتلفة للمفردة والتي قد تبدو أحيانا متباينة متباعدة تمام التباعد - , فيقول ابن فارس – عليه من الله الرحمة - :
الفاء والسين والراء كلمة واحدة تدلُّ على بيانِ شيءٍ وإيضاحِه. من ذلك الفَسْرُ، يقال: فَسَرْتُ الشَّيءَ وفسَّرتُه. اهـ
إذا فأصل التفسير هو بيان الشيء وإيضاحه وشبيه به " سفر " فهو يدل على الانكشاف والجلاء , واستعمال التفسير مع أي نص مؤذن بالقول أن هذا النص مبهم غير واضح ! وإلا لما اضطر المتعامل معه إلى القول بالتفسير, إذا لو كان واضحا لما فُسّر . وهنا نسأل السؤال المنطقي طرحه عند هذه النقطة : هل كتاب الله مبهم غير واضح يحتاج إلى بشر يوضحه؟
الإجابة القرآنية والتي لا علاقة لها بالتحرج أو ماشابه هي : لا وألف لا , فكتاب الله عزوجل مفصل محكم واضح جلي مبين لنفسه ولغيره , بل إن الرب العلي القدير عندما أخبر عن جدل المشركين للنبي المصطفى قال أنهم يجادلون بأمثال , قيقولون لو أن كذا أو كذا فماذا يكون الحال أو الوضع ؟! والأمثال فيها الحق والباطل , ففيها الواقع والافتراضي الصريح والمبهم. لذا يرد المولى الخبير بقوله : " ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا " , أي أن الله القدير لا يأت إلا بالحق – والذي قد يحتوي أمثالا أيضا ولكنها حق – وهذا الحق أحسن تفسيرا للغرض المطلوب من كل أقوالهم مجتمعة , أي أن قول الحق يبين الشيء ويوضحه ! فإذا كان هذا هو قول الحق , فكيف يقول قائل أنه مبهم يحتاج إلى تفسير؟!
ويحق لنا أن نطرح السؤال بمنظور آخر :
إذا كان الله عزوجل قد أبهم كتابه ولم يجعله مبينا في ذاته , فهل هذا الإبهام لقلة حكمة وخبرة أم لحكمة وخبرة ؟ وإذا كان الله عزوجل قد جعل كتابه مشكلا غامضا فمن لديه القدرة على أن يفك إشكاله وغموضه ؟
لا يستطيع أحد بداهة – لما سنذكره لاحقا – أن يجد ردا للسؤال الأول , أما السؤال الثاني فنقول نحن فيه : ما أبهمه الله عزوجل في كتابه فلن يستطيع أحد أن يفسره مهما كان مبلغ علمه وعلو كعبه معرفةً, فلن يستطيع أن يقول : هذا تفسير هذه الآيات بل سيكون كل ما يفعله أن يقول : هذا اجتهاد مني في فهم الآيات ! وقد يعتقد القارئ أن هذا ما يقوله كل مفسر عند تعامله مع كتاب الله عزوجل ! ولكن نحن نقول : لا , نحن نتحدث هنا عن الآيات التي أبهمها الله عزوجل في كتابه الكريم وهي قليلة جدا وبحاجة إلى تفسير فعلا ! وهي الحروف المقطعة ! ألم , حم , طس , طسم ... إلخ . هذا مما أبهمه الله عزوجل . وإلى الآن وإلى أن تقوم الساعة هل يستطيع أحد المفسرين أن يدعي أنه فسر هذه الكلمات ؟ لا , كل يحاول أن يدلي دلوه ولكن ما من جازم أن هذا المعنى هو المراد أو حتى الراجح , فقد لا يجزم الكثيرون أن تفسيرهم ! هو المراد ولكنهم يرونه راجحا , ونحن نسأل أي مفسر: ما هي أمارات رجحان تفسيرك للحروف المقطعة ؟ لن تجد لدى أي مفسر ترجيح لتفسيره .
إذا نخرج من هذا أن كتاب الله عزوجل – كما أخبر هو سبحانه – كتاب مبين واضح لا يحتاج إلى تفسير ولو قلنا أنه يحتاج إلى تفسير لقلنا أنه مبهم غير واضح وهذا يتنافى مع حمكة الله عزوجل .
قد يقول القارئ مفكرا : نعم , كتاب الله واضح مبين ولكن هناك بعض الكلمات لا يعرفها ولا يفهم معناها القارئ وتحتاج إلى بحث في المعاجم وكتب التفاسير , ناهيك عن العوام الذين لا يفهمون الكثير من الكلمات وانتشار الجهل الديني أفلا يدل هذا على أنه قد يحتاج إلى ما يسمى بالتفسير ؟
قبل أن نرد على السؤال من القرآن نقول : كم هو عدد هذه الكلمات التي لا يعرف القارئ معناها في كتاب الله أو لا يفهمها ؟ إذا قلنا أن عدد المفردات الواردة في كتاب الله عزوجل يزيد عن السبعين ألفا – نعم هناك المكرر ولكنها تزيد عن السبعين ألف بكل حال - , وقلنا أن هناك حوالي سبعمائة كلمة في كتاب الله عزوجل غير معروفة المعنى – مع أن الرقم الحقيقي لا يصل إلى ربع هذا الرقم ولا حتى عُشره !- فهذا يعني أن هناك حوالي أقل من واحد في المائة من كتاب الله عزوجل فقط في حاجة إلى تفسير! فهل يمكن أن نعمم الأمر ليصل إلى ما يزيد عن التسع وتسعين الباقية لنقول أن الكتاب بحاجة إلى تفسير؟
إن هذه النسبة وأكبر منها بكثير لا يُلتفت إليها ولا تعد شيئا البتة في منظور أي بحث إستقرائي ولكن العجيب أن هذا النسبة التي لا تكاد تذكر عممت وصارت هي الأصل ! أما بخصوص العوام الذين لا يفهمون كثيرا من آي القرآن فيمكنني الجزم أنه لا فارق بين العامي والمثقف – والذي لم يدرس دراسة دينية – في فهم كتاب الله عزوجل بل هما في فهم معاني مفرادته سواء, أما فهم المعنى الإجمالي والجماليات والإشارات فيختلف الحال فيها من إنسان إلى آخر .
ونأتي الآن إلى الرد من كتاب الله عزوجل على دعوى انتشار الجهل الديني لذا يحق القول بالتفسير , إذا نحن نظرنا في كتاب الله عزوجل وجدنا أن أول آية أنزلت في كتاب الله العليم هي قوله تعالى : " إقرأ باسم ربك الذي خلق " والخطاب وإن كان للنبي العدنان ولكنه كذلك لكل الأمة , فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب – فيستخرج من الآية حكما بوجوب التعلم على كل مسلم لأي علم نافع غير معارض للملة - , وأول تطبيق للقرآة هو حتما قراءة كتاب الله عزوجل , فإذا خالف الإنسان ولم يقرأ القرآن فهو عاص تارك لأمر الله الواحد الديان , وليس المطلوب من الإنسان المسلم مجرد قراءة كتاب الله عزوجل بل المطلوب تدبر كتاب الله عزوجل كما حث الله عزوجل على ذلك " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " وكما بين العلة من إنزاله : " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب " وكما لام تارك التدبر " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " . إذا فالإنسان المسلم مأمور بقراءة كتاب الله عزوجل وتدبره وإذا أعرض عن ذلك فهو من الهاجرين للكتاب الذين سيشكوهم الرسول إلى ربه في يوم الدينونة : " وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا " , كما أنه من أصحاب الأقفال على القلوب !
الشاهد أن الله عزوجل أنزل كتابا وأمر بقراءته وتدبره , فمن يقرأ كتاب الله ويتدبره ويبحث عن معان بعض الكلمات القلائل التي غابت معرفتها عن علمه فهذا من باب الواجب الشرعي الذي يدخل في باب التدبر المأمور به بنص الكتاب وليس من باب التفسير في شيء ! وإذا قلنا أنه لا بد من تبيين كتاب الله عزوجل من أجل هؤلاء العصاة التاركين وإلا فسنكون من المضيعين لهم ! فنعود للقول : إن الكم المطلوب بيانه في كتاب الله عزوجل جد ضئيل , فلا يمكن وصم كتاب الله عزوجل كله بالحاجة إلى التفسير من أجل بعض الكلمات القلائل تعرض لبعض العصاة التاركين لكتاب الله !
وهنا نترك جدال القارئ الذي سيظل يجادل إلى نهاية العمر لتعوده وألفته على القول بالتفسير ونتجه إلى التدليل على ما نقوله من كتاب الله عزوجل , ونقول : إن كتاب الله عزوجل يتميز عن غيره من الكتب بأنه تحدث عن نفسه ووصف نفسه بعديد من الأوصاف , منها قول العزيز الحميد : " وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد " " بلسان عربي مبين " , وكما ذكر كونه مبينا ذكر طريقة التعامل معه ! نعم ذكر المولى القدير طريقة التعامل مع كتابه , فما كان لينزل لعباده كتابا بتعبدونه به ويتركهم هكذا في عماء من أمرهم , كيف يتعاملون معه. لذا نذكر للقارئ الكريم من كتاب الله عزوجل كيف ينبغي أن نتعامل مع كتاب الله :
ذكرنا مسبقا أن الله عزوجل حث على تدبر كتابه ولام تارك التدبر ووضح أن الغاية من إنزال الكتاب هو تدبره , فما هو التدبر ؟
التدبر من الدبر وهو كما جاء في المقاييس : الدال والباء والراء. أصل هذا الباب أنَّ جُلّه في قياسٍ واحد، وهو آخِر الشَّيء وخَلْفُه خلافُ قُبُلِه...... والتدبير: أنْ يُدبِّر الإنسانُ أمرَه، وذلك أنَّه يَنظُر إلى ما تصير عاقبتُه وآخرُه ، ......
يتبع ......................
تفسير – تأويل – تدبر
" إقرأ باسم ربك الذي خلق "
" أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا "
" كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب "
" ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر "
" ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا "
" كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير "
" الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني ... "
" هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات "
" ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل ........ "
" بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولمّا يأتهم تأويله "
" ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا "
" سأنبأك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا "
" فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا "
" إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا "
" وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا "
من الأقوال الشائعة والمنتشرة بين المسلمين قولهم – وقبولهم – أن كتاب الله عزوجل يحتاج إلى تفسير بل إننا رأينا بالفعل كتبا كثيرة تحمل هذا الاسم مثل تفسير القرآن العظيم أو التفسير الكبير أو تفسير فلان أو علان , ولكن هل هذا القول صحيح إبتداءا أم أنه مردود بنص كتاب الله عزوجل ؟
من المفارقات أن الله عزوجل ينفي عن كتابه احتياجه إلى تفسير وأنه مبين في ذاته مبيّن لغيره وعلى الرغم من ذلك يصر الناس على أنه مبهم في حاجة إلى تفسير على الرغم من أن الله عزوجل يقول أن كتابه سهل يسير في حاجة إلى تدبر وتأويل وليس إلى تفسير .
قد يظن القارئ أن الفارق بين التفسير والتأويل ليس كبيرا وذلك للخلط الأصولي بين اللفظين وللاستعمال الضبابي لكل منهما حسب منظور المفسر والذي بعد تماما عن الأصل اللغوي لأي منهما , وسيلاحظ القارئ من خلال هذا البحث الصغير أن الأصوليين والمفسرين تركوا المعنى اللغوي لكلتا اللفظتين " التفسير والتأويل " ثم أخذوا يجتهدون في وضع معنى أصولي لهما , على الرغم من أن اللغة أغنتهم عن هذا العنت والمشقة . ونبدأ بتعريف كل منهما تعريفا بسيطا يوضح للقارئ الفارق بينهما ولم أنه من إساءة الأدب مع الله عزوجل القول بأن كتابه يحتاج إلى تفسير:
في بادئ الأمر يتفق معي القارئ في كونه مسلما بالآيات التي ذكرتها في أعلى الصفحة , فإذا سلّم القارئ – وهو حتما مسلم بها – ننتقل إلى التعريف :
ونبدأ بتعريف التفسير – والتعريفات الواردة في هذا البحث كلها من مقاييس اللغة للإمام ابن فارس رحمه الله من معجمه الفريد " مقاييس اللغة " والذي تميز بإيراده الأصول المشتركة التي تُرد إليه المعاني المحتلفة للمفردة والتي قد تبدو أحيانا متباينة متباعدة تمام التباعد - , فيقول ابن فارس – عليه من الله الرحمة - :
الفاء والسين والراء كلمة واحدة تدلُّ على بيانِ شيءٍ وإيضاحِه. من ذلك الفَسْرُ، يقال: فَسَرْتُ الشَّيءَ وفسَّرتُه. اهـ
إذا فأصل التفسير هو بيان الشيء وإيضاحه وشبيه به " سفر " فهو يدل على الانكشاف والجلاء , واستعمال التفسير مع أي نص مؤذن بالقول أن هذا النص مبهم غير واضح ! وإلا لما اضطر المتعامل معه إلى القول بالتفسير, إذا لو كان واضحا لما فُسّر . وهنا نسأل السؤال المنطقي طرحه عند هذه النقطة : هل كتاب الله مبهم غير واضح يحتاج إلى بشر يوضحه؟
الإجابة القرآنية والتي لا علاقة لها بالتحرج أو ماشابه هي : لا وألف لا , فكتاب الله عزوجل مفصل محكم واضح جلي مبين لنفسه ولغيره , بل إن الرب العلي القدير عندما أخبر عن جدل المشركين للنبي المصطفى قال أنهم يجادلون بأمثال , قيقولون لو أن كذا أو كذا فماذا يكون الحال أو الوضع ؟! والأمثال فيها الحق والباطل , ففيها الواقع والافتراضي الصريح والمبهم. لذا يرد المولى الخبير بقوله : " ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا " , أي أن الله القدير لا يأت إلا بالحق – والذي قد يحتوي أمثالا أيضا ولكنها حق – وهذا الحق أحسن تفسيرا للغرض المطلوب من كل أقوالهم مجتمعة , أي أن قول الحق يبين الشيء ويوضحه ! فإذا كان هذا هو قول الحق , فكيف يقول قائل أنه مبهم يحتاج إلى تفسير؟!
ويحق لنا أن نطرح السؤال بمنظور آخر :
إذا كان الله عزوجل قد أبهم كتابه ولم يجعله مبينا في ذاته , فهل هذا الإبهام لقلة حكمة وخبرة أم لحكمة وخبرة ؟ وإذا كان الله عزوجل قد جعل كتابه مشكلا غامضا فمن لديه القدرة على أن يفك إشكاله وغموضه ؟
لا يستطيع أحد بداهة – لما سنذكره لاحقا – أن يجد ردا للسؤال الأول , أما السؤال الثاني فنقول نحن فيه : ما أبهمه الله عزوجل في كتابه فلن يستطيع أحد أن يفسره مهما كان مبلغ علمه وعلو كعبه معرفةً, فلن يستطيع أن يقول : هذا تفسير هذه الآيات بل سيكون كل ما يفعله أن يقول : هذا اجتهاد مني في فهم الآيات ! وقد يعتقد القارئ أن هذا ما يقوله كل مفسر عند تعامله مع كتاب الله عزوجل ! ولكن نحن نقول : لا , نحن نتحدث هنا عن الآيات التي أبهمها الله عزوجل في كتابه الكريم وهي قليلة جدا وبحاجة إلى تفسير فعلا ! وهي الحروف المقطعة ! ألم , حم , طس , طسم ... إلخ . هذا مما أبهمه الله عزوجل . وإلى الآن وإلى أن تقوم الساعة هل يستطيع أحد المفسرين أن يدعي أنه فسر هذه الكلمات ؟ لا , كل يحاول أن يدلي دلوه ولكن ما من جازم أن هذا المعنى هو المراد أو حتى الراجح , فقد لا يجزم الكثيرون أن تفسيرهم ! هو المراد ولكنهم يرونه راجحا , ونحن نسأل أي مفسر: ما هي أمارات رجحان تفسيرك للحروف المقطعة ؟ لن تجد لدى أي مفسر ترجيح لتفسيره .
إذا نخرج من هذا أن كتاب الله عزوجل – كما أخبر هو سبحانه – كتاب مبين واضح لا يحتاج إلى تفسير ولو قلنا أنه يحتاج إلى تفسير لقلنا أنه مبهم غير واضح وهذا يتنافى مع حمكة الله عزوجل .
قد يقول القارئ مفكرا : نعم , كتاب الله واضح مبين ولكن هناك بعض الكلمات لا يعرفها ولا يفهم معناها القارئ وتحتاج إلى بحث في المعاجم وكتب التفاسير , ناهيك عن العوام الذين لا يفهمون الكثير من الكلمات وانتشار الجهل الديني أفلا يدل هذا على أنه قد يحتاج إلى ما يسمى بالتفسير ؟
قبل أن نرد على السؤال من القرآن نقول : كم هو عدد هذه الكلمات التي لا يعرف القارئ معناها في كتاب الله أو لا يفهمها ؟ إذا قلنا أن عدد المفردات الواردة في كتاب الله عزوجل يزيد عن السبعين ألفا – نعم هناك المكرر ولكنها تزيد عن السبعين ألف بكل حال - , وقلنا أن هناك حوالي سبعمائة كلمة في كتاب الله عزوجل غير معروفة المعنى – مع أن الرقم الحقيقي لا يصل إلى ربع هذا الرقم ولا حتى عُشره !- فهذا يعني أن هناك حوالي أقل من واحد في المائة من كتاب الله عزوجل فقط في حاجة إلى تفسير! فهل يمكن أن نعمم الأمر ليصل إلى ما يزيد عن التسع وتسعين الباقية لنقول أن الكتاب بحاجة إلى تفسير؟
إن هذه النسبة وأكبر منها بكثير لا يُلتفت إليها ولا تعد شيئا البتة في منظور أي بحث إستقرائي ولكن العجيب أن هذا النسبة التي لا تكاد تذكر عممت وصارت هي الأصل ! أما بخصوص العوام الذين لا يفهمون كثيرا من آي القرآن فيمكنني الجزم أنه لا فارق بين العامي والمثقف – والذي لم يدرس دراسة دينية – في فهم كتاب الله عزوجل بل هما في فهم معاني مفرادته سواء, أما فهم المعنى الإجمالي والجماليات والإشارات فيختلف الحال فيها من إنسان إلى آخر .
ونأتي الآن إلى الرد من كتاب الله عزوجل على دعوى انتشار الجهل الديني لذا يحق القول بالتفسير , إذا نحن نظرنا في كتاب الله عزوجل وجدنا أن أول آية أنزلت في كتاب الله العليم هي قوله تعالى : " إقرأ باسم ربك الذي خلق " والخطاب وإن كان للنبي العدنان ولكنه كذلك لكل الأمة , فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب – فيستخرج من الآية حكما بوجوب التعلم على كل مسلم لأي علم نافع غير معارض للملة - , وأول تطبيق للقرآة هو حتما قراءة كتاب الله عزوجل , فإذا خالف الإنسان ولم يقرأ القرآن فهو عاص تارك لأمر الله الواحد الديان , وليس المطلوب من الإنسان المسلم مجرد قراءة كتاب الله عزوجل بل المطلوب تدبر كتاب الله عزوجل كما حث الله عزوجل على ذلك " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " وكما بين العلة من إنزاله : " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب " وكما لام تارك التدبر " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " . إذا فالإنسان المسلم مأمور بقراءة كتاب الله عزوجل وتدبره وإذا أعرض عن ذلك فهو من الهاجرين للكتاب الذين سيشكوهم الرسول إلى ربه في يوم الدينونة : " وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا " , كما أنه من أصحاب الأقفال على القلوب !
الشاهد أن الله عزوجل أنزل كتابا وأمر بقراءته وتدبره , فمن يقرأ كتاب الله ويتدبره ويبحث عن معان بعض الكلمات القلائل التي غابت معرفتها عن علمه فهذا من باب الواجب الشرعي الذي يدخل في باب التدبر المأمور به بنص الكتاب وليس من باب التفسير في شيء ! وإذا قلنا أنه لا بد من تبيين كتاب الله عزوجل من أجل هؤلاء العصاة التاركين وإلا فسنكون من المضيعين لهم ! فنعود للقول : إن الكم المطلوب بيانه في كتاب الله عزوجل جد ضئيل , فلا يمكن وصم كتاب الله عزوجل كله بالحاجة إلى التفسير من أجل بعض الكلمات القلائل تعرض لبعض العصاة التاركين لكتاب الله !
وهنا نترك جدال القارئ الذي سيظل يجادل إلى نهاية العمر لتعوده وألفته على القول بالتفسير ونتجه إلى التدليل على ما نقوله من كتاب الله عزوجل , ونقول : إن كتاب الله عزوجل يتميز عن غيره من الكتب بأنه تحدث عن نفسه ووصف نفسه بعديد من الأوصاف , منها قول العزيز الحميد : " وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد " " بلسان عربي مبين " , وكما ذكر كونه مبينا ذكر طريقة التعامل معه ! نعم ذكر المولى القدير طريقة التعامل مع كتابه , فما كان لينزل لعباده كتابا بتعبدونه به ويتركهم هكذا في عماء من أمرهم , كيف يتعاملون معه. لذا نذكر للقارئ الكريم من كتاب الله عزوجل كيف ينبغي أن نتعامل مع كتاب الله :
ذكرنا مسبقا أن الله عزوجل حث على تدبر كتابه ولام تارك التدبر ووضح أن الغاية من إنزال الكتاب هو تدبره , فما هو التدبر ؟
التدبر من الدبر وهو كما جاء في المقاييس : الدال والباء والراء. أصل هذا الباب أنَّ جُلّه في قياسٍ واحد، وهو آخِر الشَّيء وخَلْفُه خلافُ قُبُلِه...... والتدبير: أنْ يُدبِّر الإنسانُ أمرَه، وذلك أنَّه يَنظُر إلى ما تصير عاقبتُه وآخرُه ، ......
يتبع ......................