(قطمير في قِمَطر) مقال للدكتور/ عبدالمحسن بن زبن المطيري

إنضم
09/01/2004
المشاركات
1,474
مستوى التفاعل
3
النقاط
38
الإقامة
المدينة النبوية
01.png

(قطمير في قِمَطر)​
مقال للدكتور/ عبدالمحسن المطيري (الأمين المساعد لرابطة علماء المسلمين, ونائب رئيس رابطة دعاة الكويت, وأستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الكويت)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه:
أما بعد
جاء عن أبي حنيفة رحمه الله - في قصة مشهورة- أنه كان باسطا قدميه في الدرس، فدخل عليه رجل ذو شارة حسنة وثياب فاخرة؛ فقبض قدميه هيبة له؛ فجلس الرجل في الدرس فلما انتهى سأل أبا حنيفة: متى يفطر الصائم؟؟! تعجب أبو حنيفة من السؤال ولكنه أجاب: إذا غربت الشمس، قال الرجل : فإن لم تغرب؟!! فقال أبو حنيفة: آنَ لابي حنيفة أن يمد رجليه.اهـ
كم تصرفنا المظاهرعن المخابر، وتغرينا الشارات عن الإشارات، وتلفتنا الصور عن الجوهر؛ (كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ..)،
ويُروىٰ في الأثر ( إياكم وخضراء الدمن، قيل: وما خضراء الدمن، قال: المرأة الجميلة في المنبت السوء) بل في الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: ( المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)، وتقول العرب في أمثالها السائرة وحكمها الغابرة:
(الذئب خاليا أسد،
تمخض الجبل فولد فأرة،
الهزيل إذا شبع مات،
تجشأ لقمان من غير شبع،
ما كل بيضاء شحمة ولا كل سوداء تمرة)

وكان بين الشاعرين الكبيرين جرير والفرزدق هجاء وعداء؛ فسمع جرير أن الفرزدق توعد بالقتل رجلا يقال له (مربع)، فقال جرير:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا
أبشر بطول سلامة يا مربع

وقال الشاعر قديماً عن ملوك الأندلس الذين تفرقوا واستقل كل منهم بدولته وخلع على نفسه عظيم الألقاب وكبير الأوصاف- وما أقربه لواقعنا- :
مما يزهدني في أرض أندلـسٍ *** أسمـاءُ معتمـدٍ فيها ومعتضـدِ
ألقاب مملكة في غير موضعها *** كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسدِ

ومن لطائف سورة يوسف؛ أن النساء أكبرن يوسف لجماله ( فلما رأينه اكبرنه..)؛ وأما الملك فقد أكبره بعدما كلمه ( فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين)، وهكذا الذي ينبغي للرجال أن يخبروا المرء ويسبروا أغواره قبل خلع سرابيل الثقة عليه من منظره فقط.
ومن الجهة الأخرى فكم من الناس من نظنه أخرق لا يحسن شيئا وهو كلٌ على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير؛ فإذا كُلف بالأمر العسير في حر السعير أو في برد الزمهرير جاء بالاعاجيب فإذا هو أسرع من خيل وأمضى من سيل، ولا يعرف قدر النفوس إلا باريها، وفي مثل هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره)، ولقد هدى الله أمة سبأ بهدهد، ودمر سبأ بفأرة،
وهذه الحقيقة ليست مقتصرة على الأفراد ، إنها تنطبق على المؤسسات والجماعات بل حتى الدول، فمن كان يظن أن حكم مبارك الذي استمر ٣٠ عاما يزول في ٢٠ يوما، من كان يظن أن طاغوت تونس يسقط حكمه بسبب صفعة، والقذافي وبشار وصالح - إنه عمل غير صالح- وسلسلة لا أظنها ستتوقف إلا أن يشاء الله، ومن هنا فكثير من الباطل الذي تراه منتفشا فهو ماحق زاهق لا يصمد أمام قذائف الحق: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق)
وانظر كلمة موسى عليه السلام: (ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب) ماذا صنعت بالسحرة ( فتنازعوا أمرهم..)؛ كلمة أحق كسرت جدار الباطل وألقت التنازع بينهم.
كم سمعنا من تهويل للماسونية و KGB و CIA والموساد ووو... في سلسلة لا تنتهي من الارجاف الذي فت في عضد المسلمين وأوهن عزائمهم واقعدهم عن الخروج اول مرة فبقوا مع الخالفين.

دائماً نسمي أنفسنا دولا متخلفة وهم دول متحضرة ولازلنا نكرس هذا المصطلح حتى صدقناه فلا يمكن لعربي أن يبدع أو يبتكر أو ينجح ؛ ولكن إذا هاجر للغرب سرعان ما تتبدل الأمور ويصبح الأول على دفعته والاحظى في وظيفته والأكثر ابتكارا وابداعا في مصنعه،
أرجوك اكسر حاجز الوهم وأخرق ستار الوهن فأنت انت لو كنت تعلم:
دواؤك فيك وما تشعر ... وداؤكَ منكَ وما تبصر
وتحسبُ أنكَ جرمٌ صغيرٌ ... وفيك انطوى العالم الأكبر

ارعبوا الدعاة بسجون الطغاة؛ فإذا هي مراتع علم وصوامع عبادة، يخرج منها أكثر ثباتا وعطاء؛ وهل أصبح يوسف على خزائن الأرض إلا بعد السجن بضع سنين.
دعك من موازين الأرض وتقويم الانهزاميين وتقديرات عشاق بني الأصفر ؛ واسمع لكلام الله عز وجل - ومن اصدق من الله حديثاً-:
( ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الأعلون )
( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا)
( كنتم خير أمة أخرجت للناس)
(والله معكم ولن يتركم أعمالكم )
( وكان حقاً علينا نصر المؤمنين )
وقال عن أهل الايمان ( أولئك هم خير البرية) وقال عن أهل الكفر ( أولئك هم شر البرية)
علو وخيرية واصطفاء ومعية ربانية ونصر؛ كم حُشد لك من الشرف؛ أي شيء تريد بعد هذا؛
ومما زادني شرفا وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وان صيرت احمد لي نبيا

زرت دولة أوربية فوجدت شابا يافعا من أهل تلك البلاد كتب على قميصه (do not panic I'm Muslim - لا تجزع أنا مسلم) وطفلة صغيرة كتبت على حجابها ( I love Islam )؛ فتذكرت حال بعض شبابنا عندما يذهب لدول الغرب كيف يتخلص من كل ملبس يدل على إسلامه ويجتهد بأن لا يخطئ بكلمة تفضح عربيته؛ ويتنصل من كل اتهام يوجه للإسلام، يظن كل صيحة عليه في انهزامية مقيته؛ حنانيك يا حبيبي فوالله إنك أنت الاعلى، واعلم أن الكرامة بالتقوى وأن الله لا يعطي الدين إلا من أحب، ولا تعتمد إلا على ربك وكن كلوط عليه السلام فقد كان يؤوي إلى ركن شديد،
اشدد يديك بحبل الله معتمدا * فإنه الركن إن خانتك أركانُ
لا يغرنك بهرج الباطل (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل)
ولا تخف من انتفاخ العدو (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه)
ولا تنبهر ممن رفعته الدنيا؛ قال صلى الله عليه وسلم: (إن حقا على الله تعالى أن لا يرفع شيئا من أمر الدنيا إلا وضعه)
أنها صور بلا جوهر، وخبر لا مخبر ؛ وقطمير في قِمَطر؛ والقطمير هو غشاء نوىٰ التمر، والقِمَطر هو الصندوق الكبير؛ فإذا رأيت رجلا يبحث واهما عن كنز في أعماق الأرض وبعد حفرها وجد قِمَطرا ولما فتحه لم يجد فيه غير قطمير؛ فتذكر مقالتي هذه ، والسلام
 
عودة
أعلى