محمد خليل الزروق
New member
بسم1
قطعة من الزمن رُوحانية نُورانية، هيأها الله لنا كل عام، تحلّق فيها الأرواح في آفاق من النور، وتعلو فيها على مطالب الجسم، ويكون الروح فيها هو القائد لهذا الخلق العجيب المسمى الإنسان، حتى يتدرب على تغليب الروحاني على الجسماني، والإلهي على الطيني، والسماوي على الأرضي، حين يتعارضان ويتدافعان، وأما في أحوال التوافق والتلاقي فللبدن حقه المعلوم الذي لا يجوز هضمه، ولا التقليل من شأنه، فهو مطية الروح، ووسيلة العمل، وغلاف الحياة.
قطعة من الزمن تُوَثَّق فيها الصلة بالوحي الإلهي، الذي هو الروح للحياة، والماء للظمأ، والنور للظُّلَم، يتجدد فيها العهد، ويزداد فيها التدبر، وتتقوّى فيها المدارسة، فما أحوج عامًا كاملاً إلى وقفة تأمل، واستراحة تزوّد، وواحة جَمام، فهو في هجير الحياة ظلال، وفي شُغل الأيام ذكرى، وفي توالي الأحداث بشرى.
قطعة من الزمن مباركة، تنساب فيها البركة في كل أنحائها، في ليلها ونهارها، وفي فجرها وغروبها، وفي سَحَرها وعصرها، وفي أول الشهر ووسطه وآخره، بركة في العمل، وبركة في الزمن، وبركة في الأجر، وتغزر البركة في ليلة منها فتسمو على كل الليالي، وتعلو على كل الساعات، فإذا هي خير من ألف شهر، ليلة بدأ فيها نزول الغيث، وانسكب فيها شعاع النور، وأهلت فيها بشائر السرور، وتردد فيها الدعاء: اقرأ، اقرأ، اقرأ، فمهما قرأت باسم ربك ازددت قربًا، وازددت علمًا، وازددت عملاً.
قطعة من الزمن للثورة على المألوف، ومراجعة الدفاتر، وجرد الحساب، والإعداد للمستقبل، فلتُقطع الرتابة شهرًا، ولتقف العجلة قليلاً، ولينظر المرء ما له وما عليه؟ وليتفقّد مسار الطريق، أعَلى الطريق هو أم بعُد عنه؟ وصحيحة زاوية السير أم فيها انحراف؟ تشريع للثورة داخل النفس، تُفتح فيها دواوين الحساب السنوي، ويُنفى فيها الدخَل والدخَن، وتعود فيها النفس من رحلة الصوم الزمانية وقد حُطت عنها الخطايا، كما تعود من رحلة الحج المكانية كيوم الخروج إلى الحياة.
قطعة من الزمن يتساوى فيها الناس في الجوع والعطش، ويشتركون في مبدأ الصوم ومختتمه، وفي فرحة الفطر، وفي فرحة العيد، فأي توحيد هذا الذي يُشرك الناس جميعًا في الحالة والشعور، فيكونون كالجسد الواحد في جوعه وعطشه، وكالنفس الواحدة في فرحها وفي عيدها؟ لا جرم أن يشتركوا في الآلام وفي الآمال، وفي الأقوات وفي الأموال.
قطعة من الزمن تخرج فيها النفس من شحها، فتعطي ولا تمنع، وتُؤْثِر ولا تستأثر، وتترك ما لها، وتنظر فيما عليها، فهذا زمن الريح المرسلة، وبحر الجود الزاخر، شكرًا لله، وفرحًا بنعمة الله، ومقابلةً لإحسان الله بالإحسان إلى خلقه، وجبت فيه صدقة الفطر في ختام الصوم، وحسُنت فيه صدقة الفطر في ختام اليوم، فمن فطّر صائما فله مثل أجره.
قطعة من الزمن للتدريب على الصبر عن حاجات البدن، وللصبر على طيش النفس، وللصبر على إيذاء الناس، فليس الشديد الذي يصرع غيره، ولكن الشديد الذي يملك نفسه، فلا يستثيره مطلب من الداخل، ولا يستفزّه جهل من الخارج. وللتدريب في هذا الزمن أماراته وشاراته، فهو لا يرفث ولا يجهل ولا يصخب، فإن عرض له من يريد إخراجه من جو التدريب الجاد رفع شارة زمن الانضباط: إني صائم.
قطعة من الزمن هي فرصة سانحة، وغنيمة باردة، ولقمة سائغة، وجَنة مهيأة، وجُنة مبذولة، للتَّوَقِّي من درن الطين، (لعلكم تتقون)، فما أخسر من ضيعها، وما أبعده! تُعرض عليه، وتتعرض له، فلا يرى ما فيها، ولا يتفطن لأسرارها، ولا يغتنم الساعات الثمينة، والأيام الغالية، والليالي العالية.
تُرى هل يكون لنا من العمر ما ندرك به هذا الزمن؟ وإذا أدركناه هل نصل إلى غايته ومنتهاه؟ وإذا أكملناه هل نبلغه العام القابل؟ وكم من مثل هذا الزمن سنعيش في حياتنا القصيرة؟
كان هذا الزمن في الصدر الأول زمنًا للفتح وللنصر، وفي أيام الثورات العربية يجب أن يكون لنا منه في الأقل بعض ما كان لهم، فلنتأسَّ بهم، ولنسر على خطاهم، عسى أن ينالنا ما نالهم، فلا تمر بنا ذكرى الفتح، وذكرى بدر، وغيرهما، إلا ولنا منهما نصيب، نصر من الله وفتح قريب.
19/7/2011