اشتهر عند كثير من العلماء أنَّ الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود قد رجع إلى مذهب باقي الصحابة وترك مصحفه ورجع إلى مصحف عثمان ذكر ذلك الذهبي في السير وابن حجر في الفتح وغيرهما .
فهل من دليل صريح على رجوعه ؟ لأنَّ مَن ذكر ذلك لم يذكر لذلك دليل .
فأرجو من إخواني في هذا الملتقى مَن وقف على شيء في هذه المسألة فليتحفنا به - وله الدعاء مني مبذول - إن شاء الله .
جاء في غاية النهاية للإمام ابن الجزري - رحمه الله - 1/262 : [FONT="]وكان الأعمش يجود حرف ابن مسعود وكان ابن أبي ليلى يجود حرف علي وكان أبو إسحاق يقرأ من هذا الحرف ومن هذا الحرف وكان حمران يقرأ قراءة ابن مسعود ولا يخالف مصحف عثمان يعتبر حروف معاني عبد الله ولا يخرج من موافقة مصحف عثمان وهذا كان اختيار حمزة[/FONT]
اشتهر عند كثير من العلماء أنَّ الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود قد رجع إلى مذهب باقي الصحابة وترك مصحفه ورجع إلى مصحف عثمان ذكر ذلك الذهبي في السير وابن حجر في الفتح وغيرهما .
فهل من دليل صريح على رجوعه ؟ لأنَّ مَن ذكر ذلك لم يذكر لذلك دليل.
جزاك الله خيرا يا شيخ أبا إسحاق على أن أعدت التذكير بهذا السؤال الذي مر عليه أكثر من سنة، وهو في الحقيقة سؤال مهم، ويحتاج إلى تفاعل يليق بخطورته من شيوخنا الكرام، ويبدو أنه لا يوجد نص تاريخي مسند صريح في تراجع عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه، واكتفت الأمة بنقل ذلك جيلا عن جيل دون سند، وسأنقل لكم أحسن ما وقفت عليه في هذه القضية:
عقد ابن أبي داود ـ رحمه الله ـ في كتاب المصاحف بابا بعنوان:
باب رضاء عبد الله بن مسعود بعد ذلك بجمع
عثمان ـ رضي الله عنه ـ المصاحف
حدثنا عبد الله بن سعيد، ومحمد بن عثمان العجلي قالا: حدثنا أبو أسامة قال: حدثني زهير قال: حدثني الوليد بن قيس، عن عثمان بن حسان العامري، عن فلفلة الجعفي قال: فزعت فيمن فزع إلى عبد الله في المصاحف، فدخلنا عليه، فقال رجل من القوم: إنا لم نأتك زائرين، ولكنا جئنا حين راعنا هذا الخبر، فقال: "إن القرآن أنزل على نبيكم من سبعة أبواب على سبعة أحرف [ أو حروف ]، وإن الكتاب قبلكم كان ينزل [ أو نزل ] من باب واحد على حرف واحد، معناهما واحد". قال محقق سليم الهلالي ـ بعد أن حسن سند هذا الأثر ـ: "قال الحافظ ابن كثي في تفسير القرآن العظيم: (وهذا الذي استدل به أبو بكر [يعني: المؤلف] رحمه الله على رجوع ابن مسعود؛ فيه نظر من جهة أنه لا يظهر من هذا اللفظ رجوع عما كان يذهب إليه، والله أعلم) وقد ذكر الإمام الذهبي في السير 1/488 ما نصه: (وقد ورد أن ابن مسعود رضي وتابع عثمان وله الحمد، وفي مصحف ابن مسعود أشياء أظنها نسخت) قلت: لم أر هذا الرجوع صريحا، ولعل الذهبي أراد ما ذكره المصنف هنا ـ والله أعلم ـ وفيه بعد كما لا يخفى. وأما رجوع ابن مسعود وموافقته للصحابة فمتواتر عند الأمة، قال الحافظ ابن كثير في تفسير القرآن العظيم: وهذا مشهور عند كثير من القراء والفقهاء، وأن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، فلعله لم يسمعها من النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتواتر عنده، ثم لعله قد رجع إلى قول الجماعة، فإن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أثبتوها في المصاحف الأئمة، ونفذوها إلى سائر الآفاق، ولله الحمد والمنة). وقال القرطبي في المفهم: (وانتشرت المصاحف التي كتب بها عثمان إلى الآفاق، ووافقه عليها الصحابة، وقرأ المسلمون عليها، وترك مصحف عبدالله، وخفي أمره، إلى أن وجد في خزائن بني عبيد بمصر عند انقراض دولتهم، فأمر صدر الدين قاضي الجماعة بإحراقه؛ على ما سمعناه من شيوخنا). وانظر ـ لزاما ـ البداية والنهاية (11/238 ـ 239) في قصة غريبة. قلت: وهذا لا شك فيه؛ فإن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ وافق عثمان وتابعه فيما دون ذلك عندما أتم الصلاة خلفه، وعلل ذلك: أن الخلاف شر، فما بالك في الاختلاف في القرآن؟! فإنه سيكون أكثر ضررا، وأعظم خطرا، وأشد فتكا بجماعة المسلمين، فتدبر هذا المقام، تستريح من شبهات الروافض والمستشرقين، وأذنابهم من بني جلدتنا المستغربين" انتهى كلام سليم الهلالي. ونحن بانتظار تدخل المشايخ الأفاضل، فالمسألة في حاجة إلى علمهم، وهي من أهم شبه المستشرقين في باب جمع القرآن، ونسأل الله العصمة في القول والعمل.
جزى الله خيراً أخي الكريم ايت عمران على هذه الإضافة المفيدة الماتعة وأحب أن أضيف قائلاً :
كنتُ قبل سنة قد سألتُ أحد مشايخي قائلاً : ما الدليل على أنَّ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قد رجع إلى مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه ووافق بقية الصحابة ؟! فأجابني قائلاً : بأنَّ أسانيدنا في رواية حفص عن عاصم تمرُّ على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، وكلُّ راوٍ في السند أقرأ بما قرأ ، وقراءتنا لا تخرج عن مصحف عثمان بن عفَّان رضي الله عنه ، فعُلم بهذا أنَّ ابن مسعود قد رجع عن قراءته . فقلتُ سائلاً : ما زال بعض طلبة ابن مسعود رضي الله عنه يقرأون بقراءته ، فكيف نقول بأنه رجع ؟! كما ذكر ذلك الإمام ابن الجزري - رحمه الله - عن الأعمش أنه كان يجود حرف ابن مسعود ( غاية النهاية 1/262 ) وعن سعيد بن جبير أنه كان يؤم النَّاس في شهر رمضان فيقرأ ليلة بقراءة ابن مسعود وليلة بقراءة زيد بن ثابت ( غاية النهاية 1/305 ) فقال لي : يُحتملُ أن ابن مسعود رضي الله عنه أقرأ الناس بعضهم بمصحفه وبعضهم بما يوافق مصحف عثمان رضي الله عنه أو نحو بما أجابني به شيخي قبل سنة أو زيادة ، أرجو من مشايخي الكرام تصحيح ما كان فيه من زلل [FONT="][/FONT]
ومِمَّا يدل على أن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قد رجع إلى رأي الجماعة أن قراءته قد رواها عاصم وحمزة والكسائي، وغيرهم، كما مرَّ بنا، وقراءة هؤلاء الأئمة موافقة للمصاحف العثمانية -بلا شكٍّ.
ولا شك أيضًا أن قراءة ابن مسعود كانت موافقة لِمصحفه، فدل ذلك على أنه رجع إلى ما اتفقت عليه جماعة المسلمين، بعد أن ظهر له صوابُهم في ذلك.
قال أبو محمد بن حزم: وأما قولُهم إن مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه خلاف مصحفنا فباطلٌ وكذبٌ وإفكٌ. مصحف عبد الله بن مسعود إنَّما فيه قراءته بلا شكٍّ، وقراءتُه هي قراءة عاصمٍ المشهورة عند جميع أهل الإسلام في شرق الأرض وغربِها، نقرأ بِها كما ذكرنا، كما نقرأ بغيرها مما صحَّ أنه كل منَزلٌ من عند الله تعالى.
قال البلاقلاني: ولو كان في قراءة ابن مسعود ما يُخالف مصحف عثمان لظهر ذلك في قراءة حمزة خاصةً … إلى أن قال: ولو لقي أحدٌ من أصحاب عبد الله أحدًا مِمَّن قرأ عليه خلاف قراءة الجماعة، لوجب أن ينقل ذلك نقلاً ظاهرًا مشهورًا، وفي عدم ذلك دليلٌ على فساد هذا.
منقول من بحث بعنوان (جمع القرآن في مراحله التاريخية من العصر النبوي إلى العصر الحديث) لمحمد شرعي أبو زيد (رسالة ماجستير) كلية الشريعة- جامعة الكويت .
بسم1
هذه أول مشاركة لي في هذا المنتدى المبارك رغم أني مُتَابِعٌ من قَبْلُ.
وفي الحقيقة أنَّ الموضوع شدَّني للتعليق، لاسيما وأنّ لي ملاحظات على بعض الكلام الذي طرحه الإخوة بارك الله فيهم رغم بُعد الزمن، إلا أن مدارسة العلم لا تنضبط بمدة زمنية. أولا:مسألة تراجع الصحابي الحبر القدوة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فيها نظر، سيما وأنّ الذين يحكون التراجع كلهم من المتأخرين، أما المتقدمون فقد قرروا غير ذلك.
وهذا أحد الأدلة على أن المتقدمين لم يروا أن عبد الله رضي الله عنه تراجع:
قال الإمام أحمد في مسنده (21189): حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدةَ، وَعَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، قَالَ: قُلْتُ لِأُبَيٍّ: إِنَّ أَخَاكَ يَحُكُّهُمَا مِنَ الْمُصْحَفِ، قِيلَ لِسُفْيَانَ: ابْنِ مَسْعُودٍ؟ فَلَمْ يُنْكِرْ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "قِيلَ لِي، فَقُلْتُ " فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَاَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ سُفْيَانُ: يَحُكُّهُمَا: الْمُعَوِّذَتَيْنِ، وَلَيْسَا فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ يَرَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ بِهِمَا الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ يَقْرَؤُهُمَا فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ، فَظَنَّ أَنَّهُمَا عُوذَتَانِ، وَأَصَرَّ عَلَى ظَنِّهِ، وَتَحَقَّقَ الْبَاقُونَ كَوْنَهُمَا مِنَ الْقُرْآنِ، فَأَوْدَعُوهُمَا إِيَّاهُ. قلت: هذا أول دليل من كلام سفيان بن عيينة رحمه الله، وكونه رضي الله عنه لم يثبت المعوذتين في مصحفه فمن باب أولى أن لا ينزل عن الحرف الذي كان يقرأ به.
ويعضد هذا أشياء كثيرة، منها: أن أصحابه لم ينقلوا ذلك عنه كما نقلوا خبره في عدم إعطائه مصحفه لعثمان بن عفان لكيلا يُحرق. بل لا أظن أصحابه حكوا قصة امتناعه من تسليم مصحفه إلا ليستدلوا على صحة قراءتهم التي أخذوها عنه!
وأيضا تهديد المبير الحجاج بن يوسف لمن يقرأ بقراءة ابن مسعود( وهذا خبر صحيح مشهور عن الأعمش وعاصم) يدل على استمرار الناس على قراءته، وقد عُرف الأعمش بهذا، وهو من أعلم الناس بعبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ لذلك اتهم الأعمشَ بعضُ العلماء بأنه كان يقرأ بحرف شاذ. يضاف إلى هذا: أنّ بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كأبي الدرداء رضي الله عنه حين سأل علقمة كيف قرأ عبد الله: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾؟ فلما قال: ﴿وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى﴾ قال أبو الدرداء رضي الله عنه: وَاللَّهِ لَقَدْ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ فمَا زَالَ بِي هَؤُلاَءِ حَتَّى كَادُوا يَسْتَنْزِلُونِي عَنْ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. دليل على استمرارية إقراء عبد الله رضي الله عنه بهذا الحرف الذي تميّز به؛ فإذا ذُكِرَتْ قراءةُ عبد الله وهي التي يقال لها: الأُولى، إنما يعنون بها حرفه المميز؛ لذلك لا أظن أنه رضي الله عنه نَزَلَ على حرف غيره أبدا؛ لأنه قاتل دون حرفه وبيّن أنه أعلم من زيد بن ثابت رضي الله عنه وَأَقَرَّهُ ولم ينكر عليه أحد من الصحابة الذين حضروه حينئذ كما أخبر بذلك أبو وائل وغيرُه.
فمسألة أنه رَجَعَ فيها مغالطات تاريخية.
ثانيا: وأما كون أسانيد حفص وغيره فيها ابن مسعود رضي الله عنه فليست صريحة بأن الحرف الذي وصلنا هو حرف عبد الله؛ لأن أسانيد القرآن مجملة، ولم أقف على صريح من ذلك، فعاصم أخذ عن زر وغيرِه قراءةَ عبد الله، ولكن لا تجد في أسانيد القراءات (في حد علمي) أن هذا الحرف الذي بين أيدينا هو ما أخذه عاصم عن زر عن عبد الله، إنما تجد إجمالا، فيحتمل أن يكون الذي بين أيدينا إنما هو مما أخذه عاصم من قراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثلًا. ثالثا:أما مسألة الحكم على قراءته بالشذوذ لأنها لم تنقل إلينا إلا بطريق الآحاد: فهذه من المسائل التي – والله أعلم – فيها ظلم لهذا السيد الحبر؛ لأنّه في الحقيقة أكثر من يفرحون بهذه القاعدة هم أهل البدع الذين لا يعتدون بأخبار الآحاد في العقائد، غير أنّ مسألة ضبط تواتر القراءات مسألة تحتاج إلى الخوض في جزئيات معنى التواتر وأقسامه، هل يُقصد بالتواتر مثلا ما كان نسبيا، وهل يدخل في التواتر ما تواتر في فترة ولم يتواتر في التي قبلها مثلا...
فقراءة عبد الله كانت متواترة في فترة ثم نَقَلَ إلينا بعضَها الآحادُ الذين اهتموا بها، وأهملها المهملون؛ فمسألة أنها غير متواترة أصلا تحتاج إلى نقاش.
فعدم ضبط اصطلاح التواتر مشكل؛ لأنه يوجد من يدعي أن قراءة حفص عن عاصم ليست متواترة، وهذا الادعاء له أدلة قوية.
وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه ممن يُنزل على رأيه، ومسألة البلبلة عليه ظهرت متأخرة! بعد وفاة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكيف يقال بأن قراءته نُسخت؟؟ وعمر بن الخطاب كان قد أرسله ليعلم الناس في الأمصار، ولم يعترض عليه كما اعترض على أبيٍّ رضي الله عنه؛ فهذا يؤخذ بعين الاعتبار.
وأما عمل أغلبية الناس على عدم الأخذ بقراءته قديما وحديثا فلا يدل على الحكم الصحيح في المسألة كما يقول أهل البدع الذين يعتبرون الحق مع السواد الأعظم. ومما يدل على ذلك قول عبد الله بن مسعود نفسه فيما رواه الإمام أحمد (3549): حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُدْرِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ لَبَّى حِينَ أَفَاضَ مِنْ جَمْعٍ، فَقِيلَ: أَعْرَابِيٌّ هَذَا، فَقَالَ: عَبْدُ اللهِ: أَنَسِيَ النَّاسُ أَمْ ضَلُّوا؟ سَمِعْتُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، يَقُولُ: فِي هَذَا الْمَكَانِ: لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْكَ. وأخرجه البخاري مختصرا.
وأيضا ما صح من قوله: الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك. ولاسيما أنّ القراءات كثيرة، ولا يستبعد أن يشتهر شيء منها في زمن معين بسبب جهالات سياسية.
ومصيبةٌ أنْ يوجَد مصحفُ عبد الله رضي الله عنه فيُحرق، كأنَّ الحارِقَ يقتدي بعثمان رضي الله عنه، ولا يدري هذا المسكين أن عثمان رضي الله عنه لم يحرق مصحفَ ابنِ مسعود، إنما عَمَّمَ الحُكم بذلك، فرفض عبدُ الله بن مسعود وتُرِِكَ.
وليُتنبه أني لا أقول أن المعوذتين ليستا من القرآن، لا؛ فهذه مسألة ظنية ظنها عبد الله رضي الله عنه ولم يقاتل دونها، ولا يضر إن قلنا أنه أخطأ فيها لوجود الأدلة القطعية في ذلك مع الاعتراف له بالفضل والأعلمية، فالفرق بين هذا وذاك بيّن.
وأضع هذا الخبر بين أيديكم للتأمل، وهو في المسند (3591)، وقد رواه البخاري (5001) أيضا:
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ بِحِمْصَ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ فَدَنَا مِنْهُ عَبْدُ اللهِ، فَوَجَدَ مِنْهُ رِيحَ الْخَمْرِ، فَقَالَ: أَتُكَذِّبُ بِالْحَقِّ، وَتَشْرَبُ الرِّجْسَ؟ لَا أَدَعُكَ حَتَّى أَجْلِدَكَ حَدًّا، قَالَ: فَضَرَبَهُ الْحَدَّ، وَقَالَ: وَاللهِ، لَهَكَذَا أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الرجل الذي اعترض لم يجحد وجود السورة، إنما نفى أن تكون نزلت هكذا، فيحتمل أن يكون أنكر على حرف ابن مسعود خاصة! فَاعْتَبَرَ ابنُ مسعود أنّ هذا من تكذيب الحق.