قضية للنقاش: اشتراط الترجيح للتفسير المقارن، ما رأيك؟

روضة

New member
إنضم
06/01/2006
المشاركات
205
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الأردن
بسم الله الرحمن الرحيم
من المعلوم أن التأصيل النظري لـ(التفسير المقارن) لما يستوِ على سوقه بعد، وقد حاولت في أطروحتي الدكتوراة التي هي بعنوان (التفسير المقارن: دراسة نظرية وتطبيقية على سورة الفاتحة) أن أصل إلى تعريف مقبول للتفسير المقارن، فتناولت التعريفات التي مرّت في كتب العلماء والباحثين بالنقاش، ثم عرضتُ التعريف الذي أرتضيه.
وقلتُ فيه إن التفسير المقارن ينبغي أن ينتهي بالترجيح، فجعلت الترجيح شرطاً للتفسير المقارن.
وقد اعتمدت في هذا على ثلاثة أمور:
1. أن التفسير المقارن يبحث في الأقوال التفسيرية المختلفة، فإذا لم تنته المقارنة بين هذه الأقوال بالترجيح، فستبقى الآية بحاجة إلى بيان.
2. تعريفات السابقين كلها ذكرت بأن الهدف من التفسير المقارن هو الوصول إلى قول راجح.
3. الترجيح هو علامة فارقة بين (التفسير المقارن) و(التفسير المطلق) كما ذكر د. عبد الغفور جعفر في كتابه (التفسير والمفسرون في ثوبه الجديد)، وفي حال أن الآية احتملت وجوهاً عدة، فإن تقوية قول على قول لا يعني إهمال بقية الوجوه، ولكنه إظهار للقول الأقوى، مع الإبقاء على احتمال الآية، ونبّه على أن بيان الراجح والأرجح مقام، والأخذ بالمعنيين ـ ما دام ذلك ممكناً ـ مقام آخر.

وأنوي الآن نشر هذه الأطروحة في كتاب، لكن وقوف أحد المناقشين الأفاضل على اشتراطي الترجيح ـ معترضاً ـ جعلني أعرض الأمر عليكم؛ لأستنير بآرائكم.

أ.د. محمد المجالي يقول بأن الترجيح يتعارض مع تكثير المعاني في الآية القرآنية، وهذا أمر مطلوب، كما أن الترجيح يغلق الباب أمام أي نظر واجتهاد في الآية القرآنية فيما بعد.

لكني أرى أن الترجيح لا يتعارض مع تكثير المعاني، لأنه في حالة احتمال الآية أكثر من معنى ليس الترجيح أكثر من إبراز للقول الأقوى، مع الإبقاء على الوجوه الأخرى محتملة، كما قلت.
كما أن الترجيح من شأنه أن يظهر القول الأقوى من بين الأقوال التي قيلت في الآية الكريمة، وإذا جدّ نظرٌ في الآية فظهر معنى جديد، يعاد النظر في الأقوال كلها مرة أخرى، فليس هناك إغلاق لباب النظر والتدبر.
فالترجيح ليس تحديداً لمراد الله، حتى يغلق باب النظر في الآيات القرآنية الكريمة، ولكنه إبراز للقول الأقوى، واستبعاد للقول الضعيف، بالدليل، وهذا كله اجتهاد.
فما رأي السادة الأفاضل؟
 
الترجيح بين الأقوال المختلفة في تفسير كلام الله عمل كثير من المفسرين وكان هذا من منهج بعضهم مثل الطبري وابن عطية وابن كثير وابن عاشور وغيرهم.
لكن ينبغي أن يُعرف وجه الخلاف بين الأقوال ، هل هو من باب التنوع أو التضاد، وهل هو مما يقبل الترجيح فيه أم لا.
وقد تحدث الشاطبي - رحمه الله - عن هذا في الموافقات " 5/210" تحقيق مشهور آل سلمان. وكلامه نفيس.
ومما يفيد في هذا أيضاً كتاب الدكتور حسين الحربي: قواعد الترجيح عند المفسرين" 1/34" حيث ذكر -حفظه الله- المواضع التي يكون الترجيح فيها. وفقك الله .
 
الأخت روضة بداية أبارك لك حصولك على الدرجة العلمية نفع الله بك ،وأنا سعيدة أن اكرمني الله بحضور مناقشة رسالتك فالمناقشة فتحت لي آفاق معرفية بما أثارته في النفس من تساؤلات ،وكنت أتمنى ان أتعرف على خطة البحث وفهرس المحتويات.
ما طرحته أختي للنقاش هو إحدى هذه التساؤلات التي حملناها معنا من المناقشة ،وأنا وإن كان علمي ضحلاً فيما يختص بالتفسير المقارن ،ولا أجد لي موقع قدم مع علماء الملتقى الذين سيفيدونك في تساؤلك إن شاء الله إلا أني قررت أن أكتب ما جال في نفسي من خواطر أثناء مناقشتك:
-اشتراطك أختي الترجيح جعلك تستبعدين الأقوال التفسيرية الناتجة عن توجيه القراءات لعلمك أن ثبوت القراءات يمنع ترجيح إحداها على الأخرى في التوجيه،فكل قراءة بمنزلة الآية ،وهذا كما قيل سابقاً ضيق مفهوم التفسير المقارن.
-كما فهمت منك أنك استبعدت الأقوال التفسيرية التي لا يعتد بها ،إذا التفسير المقارن عندك مختص بالأقوال المعتبرة والمعتد بها عند المفسرين ،ونحن نعلم أن من فصاحة القول أن يتم التعبير عن أكبر عدد من المعاني بأقل عدد من الألفاظ وكتاب الله هو الأفصح فما أمكن حمله على عدة معاني لا أضيقه بالترجيح ،و أخالك توافقينني الرأي ان من كتب في قواعد التفسير استحضر هذا ولا يحضرني الآن إلا قاعدة (جعل الاسمين لمعنيين أولى من أن يكونا لمعنى واحد)
وقد مثل صاحب كتاب قواعد التفسير بسورة البلد(لاأقسم بهذا البلد،وأنت حل بهذا البلد)تحمل البلد الأولى على مكة ،والثانية على المدينة لما في هذا من إثراء للمعنى ،وحماية كتاب الله من القول بالتكرار،وهذا ما قصدته من قولي أن تعدد المعاني هو مقصود للشارع .
-قلت أختي روضة أن الترجيح لا يعني أن المعاني الأخرى غير مقصودة،وهذا وضعني أمام إشكالية: الترجيح قائم على الأدلة الأقوى وهذا يستتبعه إقصاءضمني أو علني للمعنى الآخر وإن لم تقصدي هذا .
-التفسير المقارن يختلف عن الفقه المقارن ،فالثاني مرتبط بالأحكام العملية ،وهذا يجعل داعي الترجيح أوجب.
-اللغة العربية لغة غنية تحمل في طياتها القابلية لتعدد المعنى لهذا اختارها الله لتكون لغة كتابه ،لهذا قد يحمل الترجيح تعسفاً بيناً.
-ما سبق لا يعني إلغاء الترجيح ،فالترجيح يعد قضية ضرورية في الآراء المتضاربة ،وأنا أزعم أننا قد لا نجد آراء متضاربة فيما يعتد به من آراء المفسرين .
-وعلى ما سبق يمكن أن يكون الترجيح ممكناً في التفسير المقارن ،و لا ينبغي بحال من الأحوال أن يكون شرطاً من شروط التفسير المقارن.
-بقيت أختي قضية أخيرة لا علاقة لها بتساؤلك إلا أنها مما خلفته المناقشة في النفس ،قضية استبعادك للخلافات الفقهية من التفسير المقارن ،وأنا حقيقة أوافقك الرأي جزئياً في استبعاد الخلافات الفقهية عندما تكون هذه الخلافات نتيجة؛ أي أنها نتجت عن الاختلاف في فهم النص،أما عندما تكون الخلافات الفقهية ناشئة عن أصول المذهب الفقهي فلا بد من إدراجها في التفسير المقارن وجزاكم الله خيراً.
 
بارك الله فيكم ، وتحقيقاً لرغبتكم هذه بعض الأفكار المبعثرة حول المسألة ...
هذه تعبيرات يُراد لها أن تكون اصطلاحات ولم تأخذ صفة المصطلحات بعدُ ، فــ (التفسير المقارن) و (التفسير المطلق) لا وجود لها كمصطلحات حسب علمي في كتب علوم القرآن أو أصول التفسير حتى الآن.
ووصف التفسير بالمقارن تحتاج إلى تحرير وانطلاق من الدلالة اللغوية للمقارنة ، ومدى صحة إطلاقها على الموازنة بين الأقوال والاختيار منها، أو الترجيح بينها وهو المقصود من إطلاقها عند الباحثين فيه. حيث بدأ استخدام (الفقه المقارن) وأريد لهذا التعبير الشيوع كما هو اليوم ، مع كثرة النقد الموجه للتعبير لغوياً ، والمطالبة باستبدالها بعبارة (الموازن)، وسمعتُ بعضهم يقول يوماً في مناقشة رسالة علمية ليبرر هذا الخطأ : خطأٌ شائعٌ خيرٌ من صوابٍ مهجور ! ودلالة المقارنة على الموازنة دلالة غير فصيحة، وهي حادثة ذكرها المعجم الوسيط مؤخراً .
واشتراط الترجيح لتسمية التفسير مقارناً غير ممتنع لو أردنا أن نحدد المقصود بالمصطلح الآن ثم نضع شروطاً له ثم نبدأ في إشاعته، ولكن السؤال : ما السَّببُ الذي أدى إلى اشتراط الترجيح لتسميته تفسيراً مقارناً ؟ سواء عند د. عبدالغفور جعفر أو عند الباحثة د. روضة ، أو حتى عند د. السيد أحمد الكومي قبل ذلك فهو من أول من أشار إلى التفسير المقارن ووضع له تعريفاً .
فدلالة لفظ (المقارن) في اللغة لا توحي بهذه الدلالة، ولا يوجد من صنيع المفسرين ما يدفع إلى تقييده بهذا القيد ، ونحن نريد الحديث عن مصطلح يفترض أن يكون عليه عمل أهل التفسير ، فكيف يكون مصطلحاً إذن وليس عليه عملهم، ولم يعرفه أحدهم تعريفاً يوافقه عليه الجميع، إلا إذا قلنا : هذا مصطلح نقوم الآن بنحته، وسوف نصوغ عليه تفسيراً كاملاً ينطبق عليه تعريفنا له فذاك شأن آخر .
والذي يبدو لي أنه اشتراط غير منطقي ، فالتفسير المقارن يقصد به التفسير الذي يوازن فيه المفسر بين الأقوال المختلفة في التفسير وبين أدلتها ، وتقليب النظر في تلك الأقوال أمام القارئ ، سواء خرج في نهاية المطاف بالاختيار منها أو الترجيح بينها أو لم يفعل ذلك فإنه يصح لغةً أنه قد وازن بينها ، أو (قارن بينها) كما في عنوان الرسالة . وكثير من الأقوال في التفسير لا حاجة إلى الترجيح بينها لكونها اختلافات تنوع أو يجوز حمل الآية عليها جميعاً ، فتبقى مادة (التفسير المقارن) محصورةً في الأقوال المختارة بعد الموازنة والترجيح ، وهي متفاوتة من مفسر إلى آخر ، فيكون التفسير المقارن عند فلانٍ مختلفاً عنه عند فلان من المفسرين ، فقد يرجح أحدهم في تفسير آيةٍ قولاً ويرجح غيره قولاً آخر ، وقد يتوقف أحدهم ويرجح الآخر وهكذا ، فهل سوف نعتبر كل هذا من التفسير المقارن بصفة عامة أم سنعتبره من التفسير المقارن عند فلانٍ الذي رجح واختار ، ونهمله عند من توقف ولم يرجح .. وغيرها من الأسئلة التي أظن الباحثة قد أجابت عنها في بحثها إن شاء الله .
ولستُ أدري هل الحاجة إلى بحث التفسير المقارن نظرياً وتطبيقياً نَبَعَتْ من حاجةٍ فعليةٍ ؟ أم هو عنوان جديدٌ لمنهج قديمٍ متداولٍ ؟

موضوعات سابقة نوقش فيها الموضوع :
- بحث للدكتور مصطفى المشني بعنوان (التفسير المقارن : دراسة تأصيلية) .
- علم التفسير المقارن.
- التفسير المقارن ؟ شارك بعلم
 
أشكركم جميعاً على ردودكم النافعة، وبارك الله في الأخت الفاضلة سهاد، وقد شرفت بحضورها في المناقشة، وسعدت بالتعرف عليها.

عندي بعض النقاط أرغب بتوضيحها أكثر.

- الاختلاف في حقيقته ثلاثة أنواع، يمكن ردّها إلى نوعين رئيسين:
- الأول: أن ترجع الأقوال فيه إلى معنى واحد.، وهذا هو اختلاف التنوع.
- الثاني: أن ترجع الأقوال فيه إلى أكثر من معنى، ويندرج تحته نوعان من الاختلاف، أحدهما: أن لا يكون بينها تضادّ، والآية تحتملها جميعاً.
والثاني: أن يكون بين هذه المعاني تضادّ.
وقد ذكر هذه الأنواع د. مساعد الطيار، في كتابه التفسير اللغوي.

- أما اختلاف التنوع، فهو في الحقيقة اختلاف ظاهري، لا نحتاج للبحث فيه؛ لأن الأقوال فيه ترجع إلى معنى واحد.

وأما اختلاف التضاد، فقد اتّفق العلماء على وجوب تعيين أحد المعنيين المتضادّين اللذين يدلّ عليهما اللفظ؛ لاستحالة الجمع بينهما، فينبغي التوصّل إلى المعنى المراد المتعيّن بطريق قوي.

يبقى الاختلاف الذي ترجع فيه الأقوال إلى أكثر من معنى، لكنها غير متضادة، فما ذهبت إليه هو أن الآية تحمل على جميع الوجوه التي تحتملها ما لم يمنع مانع، ولا يمنع هذا من القول بأن أحد هذه الوجوه أظهر، فإنْ ظهر أحدُ هذه الوجوه وكان أرجحَ من غيره، فهذا لا يعني إلغاء بقية المعاني، بل تكون جميعُها مرادة، ويكون هذا من باب تكثير المعاني مع إيجاز اللفظ، والإيجازُ من أروع مظاهر الإعجاز القرآني.

وهذا هو الترجيح الذي أقصده، فليس هناك إلغاء لوجوه محتَمَلة في الآية، ولكنه إبراز للوجه الأنسب، مع الإبقاء على بقية الوجوه.
أما بالنسبة للأقوال المتهافتة التي لا تقوم على دليل ألبتة، هي مستبعدة من البحث والدراسة، ومثال الأقوال المتهافتة ما قيل في قوله تعالى: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) أنهم الذين أسقطوا فرض سورة الفاتحة في الصلاة.

وفي هذا توضيح لما جاء في مشاركة الأخت الفاضلة سهاد.، فأنا لم أستبعد إلا الأقوال المتهافتة التي لا تستحق النظر، أو التي خالفت مقطوعاً به في الشريعة، أما ما كان يستند إلى دليل، وله وجه، فهو داخل في الدراسة.

وأظن أن الأمر اختلط على الأخت الفاضلة، فكيف يكون قولاً لا يعتد به، ويكون مما تحتمله الآية، ونقول إن هذا من باب تكثير المعاني في الآية؟

الوجوه التي تعد من باب تكثير المعاني للآية لا بد أن يكون لها وجه، لا كل ما قيل في التفسير يقبل ويقال إنه من باب تكثير المعاني والإعجاز، وإلا فإننا سنقبل الضعيف والمردود ونفتح الباب على مصراعيه لكل قول، وهذا لا يجوز بحال.

كما أن تقوية قول على قول آخر محتمل من لفظ الآية لا يعني استقصاءه، لأنني أقول: هذا الوجه أقوى من غيره؛ لأسباب هي كذا وكذا، لكنني لا أستطيع استبعاد الأقوال الأخرى المحتملة لأنه لا يوجد ما يردّها، كما أن اللفظ يحتملها، وقد يكون التعامل المباشر مع الأقوال المفسرين خير موضح لهذه النقطة، ولكن أرجو أن يكون قد اتضح مرادي.

أما بالنسبة للقراءات، فإبقاؤها ضمن حدود التفسير المقارن، إو إخراجها عن حدوده يتبع ما سنصل إليه من اشتراط الترجيح للتفسير المقارن، أو عدم اشتراطه.

وما قيل من أنني استبعدت الخلافات الفقهية من التفسير المقارن، وهو ما سمعته الأخت الفاضلة سهاد في المناقشة، فغير صحيح، ولا أساس له، والدكتور الذي وجّه لي هذا الكلام، لم يأت بدليل واحد من الرسالة، ولا قال لي: افتحي صفحة كذا .. لأثبت لك صحة ما أقول .. ولم يترك لي فرصة للتوضيح والرد.

على كل حال، لا أريد أن أعطي الحوار هنا طابعاً شخصياً، ويهمني أن يبقى بصبغته العلمية، وما أجزم به أنني لم أخرج الخلافات المذهبية من حدود التفسير المقارن، وهذا واضح جلي في الرسالة، ولست مسؤولة عما فهمه ذلك الدكتور، أو ما أراد فهمه.

يتبع بإذن الله ..
 
بارك الله في الدكتور الفاضل عبد الرحمن الشهري على إضاءاته القيمة، ونقاشه البناء.

أما التسمية، فلا مشاحة في الاصطلاح، بعدما اتفق على المعنى، والعلماء يفسرون الموازنة بالمقارنة والمقارنة بالموازنة، وقد ناقشت هذه التسمية في رسالتي.

لكن الحاجة إلى الترجيح في الحقيقة ظهرت من كوننا نتعامل مع أقوال تفسيرية بينها اختلاف، "فلمّا كثُرت وجوه التأويل وتعدّدت الروايات، وجد طالبُ التفسير نفسَه أمام سبل متفرقة لا يدري أيّها يسلك، ولا تكون محصّلته بعد الاطلاع على هذه الأقوال الكثيرة إلا كما كانت قبلُ، وهنا تبرز الحاجة للتفسير المقارن، في كونه المرشدَ إلى القولِ الأصوب؛ ليعتمده من لا يملك التمييز بين القوي والضعيف من الأقوال".

فاشتراط الترجيح جاء من الحاجة إلى الوقوف على معنى مناسب للآية من بين أقوال كثيرة مختلفة، وهذا الاختلاف أوحت به كلمة (المقارنة) أو (الموازنة).

وما أراه هو أننا لا نريد أن نفصل علماً ليناسب المصطلح، لكننا نريد أن يكون لهذا العلم (إن صحّت التسمية)، أو لهذا اللون من ألوان التفسير أثر في خدمة علم التفسير، ثم تأتي التسمية تابعة لهذا الأثر الذي يتركه هذا العلم، أو لطبيعة المنهج المتبع فيه، فليست التسمية هي الهمّ الأول.

الحاجة إلى الترجيح إذن ظهرت من وجود الاختلاف، أما إن اختلفت الأنظار في الترجيح، فرجّح مفسر قولاً، ورجّح غيره قولاً آخر، فلا حرج، فهذه اجتهادات، وكلٌّ له طريقته في الاستدلال.

أما الحاجة إلا التأصيل النظري للتفسير المقارن، فكانت بسبب أن هذا اللون ليس له قواعد نظرية متفق عليها، ولا حتى تعريف متفق عليه، بخلاف بقية ألوان التفسير، التي استقرت حقيقتها نوعاً ما.

والحاجة العملية التطبيقية لهذا اللون تنبع كما قلت من وجود الاختلاف، وقد كانت المقارنة والترجيح عملَ كثير من المفسرين كما تفضل الأخ الفجر الباسم، فهو من الناحية التطبيقية موجود في التفاسير منذ القدم، وإن كان المطلوب من التفسير المقارن، بالصورة الجديدة التي نسعى لتثبيتها ـ هو المقارنة والدراسة بشكل مفصل، بأن تعرض الأقوال وأدلتها، ووجوهها، وتناقَش ... ثم نخلص إلى القول الأنسب للآية.

والله أعلم بالصواب، وهو الهادي إلى سواء السبيل
 
بسم الله الرحمن الرحيم
أ.د. محمد المجالي يقول بأن الترجيح يتعارض مع تكثير المعاني في الآية القرآنية، وهذا أمر مطلوب، كما أن الترجيح يغلق الباب أمام أي نظر واجتهاد في الآية القرآنية فيما بعد.

هذا هو رأيى المتواضع فى المسألة المطروحة :

أولا : الترجيح الذى يُخشى منه على الآراء الأخرى إنما هو الترجيح الذى يَدّعى أن الرأى الذى ترجّح قد أصاب الحقيقة المطلقة ( مراد الله من كلامه ) وبالتالى فإنه يصادر باقى الآراء ويجعلها بلا أدنى قيمة ، وأعتقد أنه لا وجود لمثل هذا النوع من الترجيح ، هذا أولاً


ثانياً :كما أن الترجيح الذى يُخشى منه على الأراء الأخرى هو ذلك الذى يزعم صاحبه أنه قد التزم فيه بالموضوعية التامة والمطلقة ، نافياً عن نفسه أى تأثر بالعوامل الذاتية على الإطلاق فى إختياره لهذا الرأى أو ذاك

ذلك أن دعوى الموضوعية المطلقة فى ترجيح رأى بعينه يستحيل تحققها بالفعل ، لأنه لا يمكن التحرر أو التجرد التام من تأثير العوامل الذاتية فى عملية الترجيح ، والتى قد لا يشعر بها احيانا ولا يعيها القائم بالموازنة والترجيح

ثالثا : لن يتسنى لناقد أياً كانت نزاهته وحياده أن يحقق الموضوعية المطلقة فى موازنته بين كافة الآراء ، وإنما سيبقى ترجيحه وميله نحو رأى بعينه رهين بقناعاته الشخصية ، وكذلك بميوله وعقيدته المذهبية ، ولعل أوضح مثال على هذا يتجلى فى الموقف النقدى للباحث المقارن - أياً كان - من التفاسير ذات الصبغة المذهبية التى تخالف مذهبه الشخصى ، حيث نجد ترجيحات السلفيين مثلا تختلف فى كثير من الأحيان عن ترجيحات العصريين ، كما نجد ترجيحات الصوفيين والباطنيين غير ترجيحات الظاهريين ، هذا فضلا عن أن هناك من ينكر المجاز فى القرآن وهناك من يثبته ، كما أن ترجيحات أهل السنة بوجه عام كثيرا ما تختلف عن ترجيحات الشيعة ،... الى آخره ، وهكذا تتنوع وجهات النظر وتختلف بحيث يمكن لسائل أن يسأل : أى تلك الترجيحات هى الأرجح بالفعل ؟

وخلاصة الأمر أنه لا فكاك ولا مناص من تأثير العوامل الذاتية والميول المذهبية فى الإختيار والترجيح بوجه عام
ومن كان يظن أنه يتحرى الموضوعية المطلقة فى إختياره فهو فى الحقيقة واهم أو ملتبَس عليه ، على الأقل هذا ما أراه ، فإن كان للأستاذة الباحثة رأى آخر فلتتفضل مشكورة ببيانه لنفيد منه

رابعاً: تُفيد البحوث العلمية الحديثة أن العقل البشرى بطبيعة تكوينه يقصد دوماً إلى إختيار يؤثره عما عداه ، فالترجيح أو الإختيار هو أمر لا مناص منه للإنسان العاقل ، وبمصطلح الفلسفة الكانطية يمكن القول أن الإختيار يمثل أحد مقولات العقل الخالص ، حيث لا مناص من وجود قصد أو ميل نحو إختيار بعينه يكون هو الأنسب والأثير لمن يختاره ، ولمن أراد معرفة المزيد عن هذا الموضوع فليطالع بحوث المدرسة الشكلية فى علم النفس ، أو ما يُسمى بمدرسة الجشتالت Gestalt وهى كلمة ألمانية معناها (الشكل )وسميت بذلك لقولها أن العقل البشرى يدرك الشكل العام أو الصورة الكلية أولا، قبل أن يدرك التفاصيل والأجزاء المكونة لها ( وكمثال فإدراك الوجه ككل يسبق إدراك أعضاءه )، وقد أثبتت البحوث التجريبية لرواد هذه المدرسة فى مجال الإدراك البصرى أن الوعى الإنسانى
يختار ما يراه ( وكمثال قديم وشهير فالبعض ينظر إلى الكوب على أن نصفه فارغ ، بينما يراه البعض الآخر ممتلئاً حتى منتصفه )
فالترجيح - أو الإختيار - أمر لا بد منه ، حتى على المستوى الحسى الصرف

خامساً : أحترم وأقدّر بشدة الدوافع التى حدت بالأستاذ المناقش أن يعترض على مسألة الترجيح فى مناقشته للرسالة ، فهى دوافع تصب فى صالح التدبر والإجتهاد فى مقابل الجمود الفكرى والمذهبى ، ولكنى أرى أنه يمكن لفضيلته أن يغير موقفه إذا اتفق معنا على أن عملية الترجيح بحد ذاتها تُعد عملية مفتوحة ومتجددة ولا نهائية ، بمعنى أنها تقبل الإضافة باستمرار ، وليس لها طابع نهائى ومطلق ، بل إنها تنسخ نفسها بنفسها كلما جدّ جديد ، وأعتقد أن هذا المعنى هو ما أرادت الدكتورة روضة إبرازه وتوضيحه ، وهى مُحقة فى هذا تماماً فيما أرى

زبدة القول وخلاصته : لا بد من الترجيح والإختيار شئنا ذلك أم أبينا ، فتلك هى طبيعة العقل البشرى ذاته المجبول على الإختيار بين البدائل ، ولكن إدعاء أن إختياراتنا تتسم بالموضوعية المطلقة يبقى أمراً بعيد المنال ، إن لم يك مستحيلاً
أما خلاصة الخلاصة فهى : لا يوجد فى عملية الترجيح خطر حقيقى يؤثر بالسلب على ثراء معانى النص القرآنى ، فالترجيح هو مجرد توجيه واستحسان ( شخصى إلى حد ما) وليس فيه إلزام أو فرض للرأى ، أو هكذا يجب أن يكون
هذا والله أعلى وأعلم
 
هناك فرق بين أهمية الترجيح في التفسير المقارن فيما يترجح للمفسر والباحث وبين أن يكون الترجيح شرطا فيه وما كان خاليا من الترجيح لا يعد مقارنا فهذا ضابط غير سليم في حصر المقارن فيه .
فقد يصل المفسر إلى عدم القدرة على الترجيح لقوة الرأيين المتضادين فهل هنا لا يكون تفسيره مقارنا فهذا يحتاج لضابط مكين لقبوله وإلا لا يقبل.
 
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
الدراسة التفسيرية المقارنة ، هي منهج علمي يعتمد على المقارنة التي تمكن الباحث من دراسة التشابهات والتماثلات أو الفوارق والاختلافات ومعرفة العوامل المسئولة عن ذلك ، وكشف الصلات وإبراز تأثير أحدها في الآخر .
من هنا نؤكد أن اشتراط الترجيح هو إخلال بقواعد هذا المنهج . فالباحث المقارن لا يرجح ، بل يدرس أصول الأقوال ، والعوامل التي ساعدت على ظهور هذه الأقوال . مع العلم أن كل الأقوال هي محط اهتمام الدارس المقارن ، وحتى الأقوال المتهافتة ، التي بدورها قابلة للدراسة .
 
عودة
أعلى