آداب مشتركة
وهذه آداب مشتركة بين قضاء الحاجة في الفضاء وفي البنيان ، يستكمل بها المسلم تلكم الآداب
1 - أن لا يستصحب ما فيه اسم الله
،إلا إن خيف عليه الضياع ؛ فقد استحب العلماء لمن أراد دخول الخلاء ومعه شيء فيه ذكر الله تعالى أن يضعه ، تعظيمًا لله تعالى وتأدبًا مع اسمه العظيم ( [1] ) ؛ لحديث أَنَسٍ t قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ e إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ ( [2] ) ، ذلك لأن نقشه كان محمد رسول الله ( [3] ) ؛ فلا ينبغي للإنسان إذا دخل الخلاء أن يكون معه شيء فيه ذكر الله ، لأن ذلك من تعظيم شعائر الله ، ] وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [ [ الحج : 32 ] ، وقد روى ابن أبي شيبة عن عكرمة قال : كان ابن عباس - رضي الله عنهما - إذا دخل الخلاء ناولني خاتمه ( [4] ) ؛ وروى - أيضًا - عن مجاهد أنه كان يكره للإنسان أن يدخل الكنيف وعليه خاتم فيه اسم الله ( [5] ) .
فإذا دخل ونسي أن ينزع الخاتم ؛ فإن أمكن نزعه وإخراجه وهو قريب من الباب بعيد عن الأقذار فعل ؛ وإن لم يمكن أن ينزعه أو خشي عليه السرقة أو الضياع إن نزعه جعله في حرز وأدخله معه ، أو جعل فصه مما يلي كفه وقبض عليه ؛ فقد روى ابن أبي شيبة عن عكرمة أنه كان يقول : إذا دخل الرجل الخلاء وعليه خاتم فيه ذكر الله تعالى ، جعل الخاتم مما يلي كفه ثم عقد عليه بإصبعه ([6]).
2 - يُستحب له أن يُقدم رجله اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج ؛ فمن المقرر في شرع الله المطهر إكرام اليمنى وتنزيهها ، ففي صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ
e يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ ( [7] ) ، أي : كل عمل من الأعمال المستحسنة لا الأعمال الخبيثة المستقذرة ، فإنه يستعمل لها اليسار ، كالاستنجاء ودخول بيت الخلاء ؛ وروى أحمد وأبو داود عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ : كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ e الْيُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ ، وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلاَئِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى ( [8] ) ؛ وعن حَفْصَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ e أَنَّ النَّبِيَّ e كَانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ لِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَثِيَابِهِ ، وَيَجْعَلُ شِمَالَهُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ ( [9] ) .
3 - الجهر بالبسملة والاستعاذة عند الدخول في البنيان ، وعند رفع الثياب في الفضاء ؛ لما في الصحيحين عن أنسٍ
t قَالَ : كَان رَسُولُ اللهِ e إذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ قَالَ : " اللَّهُمَّ إنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ
"([10])،وعند البخاري في ( الأدب المفرد ) : كان النبي e إذا أراد أن يدخل الخلاء قال : فذكره ([11])، ورواهابنأبي شيبة بلفظ : كان إذا دخل الخلاء قال : " بسم الله ، اللَّهُمَّ إنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ " ( [12] ) ، فزاد البسملة ؛ وروى أحمد وأبو داودوالنسائي وابن ماجة عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e:" إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ ، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَدْخُلَ فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ
" ( [13] ) .
الحشوش : جمع حش ، وهوالكنيف ؛ وأصله جماعة النخل الكثيف ، وكانوا يقضون حوائجهم إليها قبل اتخاذ الكنف في البيوت ؛ وقوله e : " مُحْتَضَرَةٌ " أي : يحضرها الشياطين ؛ وقوله : " أَعُوذُ بِكَ " أي : أعتصم وأحتمي بك ، لأنه لا يعيذ الإنسان منها إلا الله ، فبالاستعاذة بالله يُكفى شرها ؛ وقول أنس t : ( إذَا دَخَلَ ) تفسرها رواية ( الأدب المفرد ) : كان إذا أراد الدخول ، وكذلك حديث زيد t : " فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَدْخُلَ " ، فأفاد ذلك أن قول هذا الدعاء قبل الدخول لا بعده ؛ وهذا إن كان المكان معدًّا لذلك كما في البيوت الآن، فإن كان في الفضاء قال ذلك عند الشروع في تشمير ثيابه .
والخُبُث بضم الباء : جمع خبيث ، وهم ذكران الشياطين ، والخبائث : جمع خبيثة ، وهن إناث الشياطين ؛ وقيل : الخُبْث بإسكان الباء : الشر ، والخبائث : الذوات الشريرة ، فكأنه استعاذ من الشر وأهله ؛ والأحاديث تدل على مشروعية البسملة والاستعاذة عند دخول المكان المعد لقضاء الحاجة ، وإن كان في حديث زيد بن أرقم علة الاستعاذة في قوله e : " إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ
" فقد جاءت علة البسملة في حديث عَليٍّ t أن رسول الله e قال : " سِتْرُ مَابَيْنَ أَعْيُنِ الجّنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إذا دَخَلَ أَحَدُهُمْ الخَلاَءَ أَنْ يَقُولَ : بِسْمِ الله " ( [14] ) .
4 - أن يكف عن الكلام مطلقًا ، سواء كان ذكرًا أو غيره ، فلا يرد سلامًا ، ولا يجيب مؤذنًا ؛ فإن عطس أثناء ذلك حمد الله في نفسه ، ولا يحرك به لسانه ، لحديث ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَجُلاً مَرَّ
وَرَسُولُ اللَّهِ e يَبُولُ فَسَلَّمَ ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ ( [15] ) ؛ وفي سنن ابن ماجه عَنْ جَابِرٍ t أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ e وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ e : " إِذَا رَأَيْتَنِي عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيَّ ، فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَمْ أَرُدَّ عَلَيْكَ " ( [16] ) ؛ وروى أحمد وأبو داود وابن ماجه عن أَبِي سَعِيدٍ t قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ e يَقُولُ : " لاَ يَخْرُجُ الرَّجُلاَنِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ ، فَإِنَّ اللَّهَ U يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ
" ( [17] ) ، يقال : ضربت الأرض ، إذا أتيت الخلاء ؛ وضربت في الأرض ، إذا سافرت ( [18] ) ؛ والمقت : أشد البغض . وَعَن جَابرٍ t قَالَ : قَالَ رَسُول الله e : " إِذا تغوط الرّجلَانِ فليتوار كل وَاحِد مِنْهُمَا عَن صَاحبه ، وَلَا يتحدثان عَلَى طَوْفِهِمَا ، فَإِن الله يمقت عَلَى ذَلِك " ( [19] ) ، والطوف : الْغَائِط ؛ قَالَه الْجَوْهَرِي .
5 - لا يمسكن ذكره بيمينه ؛ ففي الصحيحين عَنْ أَبي قَتَادَةَ
t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ e : " لاَ يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ ، وَلاَ يَتَمَسّحْ مِنَ الخَلاَءِ بِيَمِينِهِ " الحديث ( [20] ) .
فهنا مسألتان مختلفتان : الأولى أن لا يمس ذكره حال بوله بيمينه ، والثانية : أن لا يزيل النجاسة من القبل أو الدبر بيمينه ؛ وسبب النهي إكرام اليمين وصيانتها عن الأقذار ، وهو أدب راقٍ ، وتقدم حديث عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ : كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ e الْيُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ ، وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلاَئِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى .
ومحل النهي عن مس الذكر باليمين إذا لم تكن ضرورة ، فإن كان ثَمَّت ضرورة جاز من غير كراهة .
6 - أن يزيل ما على السبيلين من النجاسة وجوبًا ؛ بالماء ، أو بالحجر وما في معناه من كل جامد طاهر قالع للنجاسة ليس له حرمة ؛ وهو ما يسمى بالاستنجاء أو الاستطابة أو الاستجمار ، والاستنجاء : إزالة النجو ، وهو العذرة ؛ وأكثر ما يستعمل في الإزالة بالماء ، ويستعمل
- أيضًا - في الإزالة بالحجارة ؛ والاستطابة : طلب الطيب ، والمراد بها هنا : تطهير القبل والدبر من أثر البول أو الغائط بحجر أو ماء ؛ لأنه طيَّب المحل من الخبث الطارئ عليه ؛ وهي تستعمل في الإزالة بالماء والحجر أيضًا ؛ ويختص الاستجمار في إزالة الأثر بالحجر .
روى أحمد وأبو داود والنسائي عن عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ لِحَاجَتِهِ فَلْيَسْتَطِبْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ " ( [21] ) ؛ وتقدم حديث أنَسٍ t قَالَ : كَانَ رَسول e الله يَدْخُلُ الخلاء ، فَأحْمِلُ أنَا وَغُلام نَحوِى إدَاوَةً مِنْ ماءٍ وَعَنَزَةَ فَيَسْتَنْجِي بِاْلمَاء .
7 - أن لا يستنجي بيمينه تنزيهًا لها عن مباشرة الأقذار ؛ وتقدم حديث سلمان
t : نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو ببول ، أو نستنجي باليمين ؛ وحديث حفصة - رضي الله عنها - أَنَّ النَّبِيَّ e كَانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ لِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَثِيَابِهِ ، وَيَجْعَلُ شِمَالَهُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ ؛ وحديث عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ : كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ e الْيُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ ، وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلاَئِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى ؛ وحديث أبي قتادة t : " وَلاَ يَتَمَسّحْ مِنَ الخَلاَءِ بِيَمِينِهِ " .
فيستحب أن لا يستعين باليد اليمنى في شيء من أحوال الاستنجاء إلا لعذر .
8 - يُشترط ثلاث مسحات مُنَقِّيات ، ولو بحجرٍ ذي شُعَب :
لحديث سلمان المتقدم ، وفيه : ( أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ ) ؛ لأَنَّهُ لَا يُفِيد الِانْتِقَاء الْمَطْلُوب عَادَة ؛ وَعنِ ابْنِ مَسْعُودٍ t قَالَ: أَتى النَّبيُّeالْغَائِطَ، فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ ، وَلَمْ أَجِدْ ثَالثًا ، فَأَتَيْتُهُ بِرَوْثَةٍ ، فَأَخَذَهُمَا وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ ، وَقَالَ : " هَذَا رِكْسٌ " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ( [22] ) ، زَادَ أَحْمَدُ : " إِنَّهَا رِكْسٌ ائْتِنِي بِحَجَرٍ " ( [23] ) ؛ الروثة : بفتح الراء وسكون الواو ، هي فضلة ذات الحافر ؛ والركس والرجس : كل مستقذر ، وهو النجس .
والأحاديث تدل على أن الاستنجاء لا يكون بأقل من ثلاثة أحجار ؛ لأنه e طلب من ابن مسعود t أن يأتيه بثلاثة أحجار ، ونهى – كما في حديث سلمان – عن الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار ، وتقدم حديث عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ لِحَاجَتِهِ فَلْيَسْتَطِبْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ " ، فاجتمعت الأدلة على أن العدد مراد ، والعلم عند الله تعالى .
فإن لم يحصل الإنقاء بالثلاث زاد حتى يحصل ، فإذا أنقى بأربع زاد مسحة خامسة ، لحديث أبي هريرة t وفيه : " وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ " ( [24] ) .
وجمهور العلماء على أن كل ما قام مقام الحجارة في الإنقاء فإنه يجزئ ، كالخرق ، أو المناديل الورقية ، ونحو ذلك ؛ لأن المقصود التطهير ، وإنما نص الشرع على الأحجار لأنها أيسر وأسهل ؛ قالوا : ويدل على عدم تعيين الحجر نهيه e عن العظام والرجيع ، فلو كان الحجر متعيناً لنهى عما سواه مطلقًا ، فلما خُصّ النهي بالعظام والرجيع دل على أن ما سوى ذلك من المباحات يجوز الاستنجاء به ؛ والعلم عند الله تعالى .
وكذلك ذهب الجمهور إلى أن المراد ثلاث مسحات ، قالوا : فلا يلزم ثلاثة أحجار، فلو استنجى بحجر له ثلاثة أحرف فمسح بكل حرف مسحة أجزأه ؛ والأحجار الثلاثة أفضل من حجر واحد ؛ لأن القصد الإنقاء وتطهير المحل ، فإذا كان الحجر له ثلاث شعب غير متداخلة واستجمر بكل جهة منه أجزأ ( [25] ) .
9 - ألا يُستنجى بعظم أو روث ؛ لما في صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
t قَالَ : اتَّبَعْتُ النَّبِيَّ e وَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ فَكَانَ لَا يَلْتَفِتُ ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ ، فَقَالَ : " ابْغِنِي أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا
"أَوْنَحْوَهُ" وَلَا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلَا رَوْثٍ
"فَأَتَيْتُهُبِأَحْجَارٍ بِطَرَفِ ثِيَابِي ، فَوَضَعْتُهَا إِلَى جَنْبِهِ ، وَأَعْرَضْتُ عَنْهُ ، فَلَمَّا قَضَى أَتْبَعَهُ بِهِنَّ ( [26] ) ؛ وقوله e : " أَسْتَنْفِضْ " : أستنج ؛ وأصل النفض هز الشيء ليطير غباره ، والاستنفاض: الاستخراج والاستبراء ، ويكنى به عن الاستنجاء ؛ وقوله ( فَلَمَّا قَضَى أَتْبَعَهُ بِهِنَّ ) أي : فلما انتهى من حدثه استنجى بالأحجار .
وعَنْ عَبْد اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ e : " لاَ تَسْتَنْجُوا بِالرَّوْثِ ، وَلاَ بِالْعِظَامِ ، فَإِنَّهُ زَادُ إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْجِنِّ " ( [27] ) ؛ وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ t أنّ رَسُولَ اللهِ e نَهى أَنْ يُسْتَنْجَى بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثٍ ، وَقَالَ : " إِنّهُمَا لاَ تُطَهِّرَانِ " رَوَاه الدّارَقُطْنِيُّ وَصَحّحَهُ ( [28] ) ؛ وفي صحيح مسلم عن جَابِرٍ t قال : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ e أَنْ يُتَمَسَّحَ بِعَظْمٍ أَوْ بِبَعْرٍ ( [29] ) ؛ وعن رويفع بن ثابت t قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ e : " يَا رُوَيْفِعُ ، لَعَلَّ الْحَيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ بَعْدِى ، فَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّهُ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ ، أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا ، أَوِ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ أَوْ عَظْمٍ ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا مِنْهُ بَرِيءٌ " ( [30] ) .
دلت الأحاديث على النهي عن الاستنجاء بالعظم والروْث ، وقد علل في حديث أبي هريرة t بأنهما لا يطهران ، وفي حديث ابن مسعود t بأنهما طعام الجن ، وتقدم تعليل الروْثة - أيضًا - بأنها ركس .
فالتعليل بعدم التطهير في الروثة عائد إلى كونها نجسة ، وأما في العظم فلأنه أملس لا ينقي ولا يقطع البِلَّةَ ؛ وقيل : إن العظم إذا كان من حيوان مذكى فهو طعام الجن ؛ ففي صحيح مسلم من حديث ابن مسعود t في قصة ليلة الجن أن رسول الله e قال : " أَتَانِى دَاعِيَ الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ " ؛ قَالَ : فَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ ، وَسَأَلُوهُ الزَّادَ فَقَالَ : " لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا ، وَكُلُّ بَعَرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ " ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " فَلاَ تَسْتَنْجُوا بِهِمَا ، فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ " ( [31] ) ؛ وإن كان العظم عظم ميتة فهو نجس ، فلا يكون مطهِّرًا ، وكذا الروث ، فإن كان طاهرًا [ أي : روث ما يؤكل لحمه ]فهو علف لدوابهم ، وإن كان نجسًا فليس بمطهر ، والعلم عند الله تعالى .
10 - أن ينضح فرجه وسراويله بالماء إذا بال ليدفع عن نفسه الوسوسة ، فمتى وجد بللا قال : هذا أثر النضح (
[32] ) ، فعَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ سُفْيَانَ أَوْ سُفْيَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّ النَّبِيَّ
e بَالَ ثُمَّ نَضَحَ فَرْجَهُ ( [33] ) ؛ وفي ( الموطأ ) عن الصلت بن زييد أنه قال : سألت سليمان بن يسار عن البلل أجده ؛ فقال : انضح ما تحت ثوبك بالماء ، واله عنه ( [34] ) ؛ قال أبو الوليد الباجي في ( المنتقى شرح الموطأ ) : قوله : ( انضح ما تحت ثوبك واله عنه ) دليل على أن المراد به رفع ما يقع في النفس من الوسواس من احتباس البول وتوقع نجاسة ؛ فأمره أن ينضح ما تحت ثوبه وهو الفرج وما قرب منه ، ثم يلهو عن ذلك البلل ، ويعتقد أنه من الماء الذي نضحه .ا.هـ .
[1]- انظر المجموع للنووي : 2 / 80 ، 81 ، والمغني لابن قدامة : 1 / 167 .
[2]- أبو داود ( 19 ) ، والترمذي ( 1746 ) ، والنسائي ( 5213 ) ، وابن ماجة ( 303 ) ، والحديث أعله غير واحد من العلماء ، وانظر تلخيص الحبير : 1 / 314 ، 315 .
[3]- رواه البخاري ( 5539 ) ، ومسلم ( 2092 ) ، والنسائي ( 5196 ) وابن ماجة ، ( 3641 ) عن أنس .
[4]- ابن أبي شيبة ( 1204 ) .
[5]- ابن أبي شيبة ( 1208 ) .
[6]- ابن أبي شيبة ( 1206 ) .
[7] - البخاري ( 166 ) ، ومسلم ( 268 ) .
[8] - أحمد : 6 / 265 ، وأبو داود ( 33 ) ، وصححه الألباني .
[9] - أحمد : 6 / 287 ، وأبو داود ( 32 ) ، وصححه الألباني .
[10] - البخاري ( 142 ) ، ومسلم ( 375 ) .
[11] - الأدب المفرد ( 692 ) .
[12]- ابن أبي شيبة ( 29902 ) .
[13] - أحمد : 4 / 369 ، 373 ، وأبو داود ( 6 ) ، والنسائي في الكبرى ( 9903 ) ، وابن ماجة ( 296 ) ، وصححه ابن خزيمة ( 69 ) ، وابن حبان ( 1406 ) .
[14]- رواه الترمذي ( 606 ) ، وابن ماجة ( 297 ) عن علي t ، وصححه الألباني ، ورواه الطبراني في الأوسط ( 2504 ، 7066 ) عن أنس t .
[15] - مسلم ( 370 ) .
[16] - ابن ماجة ( 352 ) ، قال البوصيرى في ( مصباح الزجاجة : 1 / 102 ) : هذا إسناد حسن ا.هـ . وصححه الألباني في الصحيحة ( 197 ) .
[17] - حديث أبى سعيد : أخرجه أحمد : 3 / 36 ، وأبو داود ( 15 ) ، والنسائي في الكبرى ( 33 ) ، وابن ماجه ( 342 ) ، وصححه ابن خزيمة ( 71 ) ، وابن حبان ( 1422 ) ، والحاكم : ( 560 ) وصححه ووافقه الذهبي ؛ وحسنه النووي في المجموع : 2 / 88 ؛ ورواه النسائي في الكبرى ( 31 ) ، والطبراني في الأوسط ( 1264 ) عن أبى هريرة t ، وقال الهيثمي في ( مجمع الزوائد : 1 / 488 ) : رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون .ا.هـ . وصححه الألباني لغيره في صحيح الترغيب ( 155 ، 156 ) ، والصحيحة ( 3120 ) .
[18]- انظر ( شرح السنة ) للبغوي : 1 / 382 .
[19]- عزاه ابن القطان في الوهم والإيهام : 5 / 260 ، لابن السكن وصححه ؛ وصححه الألباني ( 3120 ) ، وصحح به حديثا أبي سعيد وأبي هريرة المتقدمين .
[20]- رواه البخاري ( 153 ) ، ومسلم ( 267 ) ، واللفظ لمسلم .
[21]- أحمد : 6 / 108 ، وأبو داود ( 40 ) ، والنسائي ( 44 ) ، وصححه الألباني .
[22]- البخاري ( 155 ) .
[23]- أحمد : 1 / 450 .
[24] - البخاري ( 159 ، 160 ) ، ومسلم ( 237 ) .
[25] - انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 3 / 156 ، 157.
[26] - البخاري ( 154 ) .
[27]- التِّرمِذي ( 18 ) وصححه الألباني ، والنَّسائي في الكبرى ( 39 ) .
[28]- الدارقطني : 1 / 56 ( 9 ) .
[29]- مسلم ( 263 ) .
[30] - أبو داود ( 36 ) ، والنسائي ( 5067 ) ، وصححه الألباني .
[31]- رواه مسلم ( 450 ) .
[32] - انظر ( إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ) لابن القيم : 1 / 143 .
[33]- أحمد : 5 / 408 ، 409، وأبو داود ( 167 ) ، وصححه الألباني ، ورواه الحاكم ( 609 ) وصححه ووافقه الذهبي .
[34]- الموطأ رواية يحيى الليثي : 1 / 41 ( 88 ) .