قصر اللين بين الحبس وترك المطّ أو الزيادة حركتين في المدّ (4)

إنضم
10/08/2010
المشاركات
295
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
شبه المجيزين لحركتي المدّ في اللين :
1) التقاء الساكنين : يقولون لأنّه يمتنع التقاء الساكنين فلا بدّ من الزيادة في مدّ ومطّ حرف اللين للتخلّص من التقاء الساكنين أو للتوصّل إلى النطق بهما معا .... وهذا باطل لأنّ اجتماع الساكنين جائز في الوقف ولا محضور فيه وانظر مثلا الوقف على : خبْءْ , ملْءْ وفي اللغة نحو بكْرْ وعمْرْ ... يقول ابن يالوشة عليه رحمة الله :" ووجه القصر (يقصد في اللين) أنّ الوقف يجوز فيه التقاء الساكنين"20 ويقول الإمام النويري :" الثالث : القصر لأنّ الوقف يجوز فيه التقاء الساكنين مطلقا فاستغني عنه (أي عن المدّ) " 22 ويقول الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله :" والقصر لجواز التقاء الساكنين في الوقف فاستغني بالسكون عن المدّ " ولا داعي للإكثار من النقول ها هنا لأنه ما من كتاب في التجويد أو القراءات أو اللغة إلاّ وتجد هذه المسألة مذكورة ومضبوطة
2) إلحاقهما وقياسهما بحرفي المدّ : يقول سيبويه : "لا يدغمان وإن انفتح ما قبلهما مع شيء من مقاربها لأنّ فيهما لينا ومدّا " وقال أيضا : "وذكر أنّ العرب الذين ينقلون الحركة في الوقف في نحو بكر لا تنقل الحركة إلى الساكن قبل في الوقف على مثل زيد و عون لوجود المدّ واللين في هاذين الحرفين " فانظر كيف جعل فيهما المدّ واللين تماما كما في حروف المدّ الثلاث وقد جاءت الياء المفتوح ما قبلها مع حرفي المدّ واللين ردفاً في الشعر كما قال عمرو بن كلثوم : كأنّ غصونهنّ متون غدرٍ تصَفِّقُها الرياحُ إذا جريْنا والقصيدة مبنية على الياء المكسور ما قبلها ويقول الأستاذ المارغني : فوجه جواز الأوجه الثلاثة في حرفي اللين الواقع بعدهما سكون عارض للوقف أنهما أشبها حروف المدّ في السكون وفي شيء من المدّ واللين كما تقدم , فحملا على حروف المدّ فجاز فيهما ما جاز في حروف المدّ الواقع بعدها ذلك " 23 وللردّ على هذه الشبهة نقول إنّ الإلحاق والقياس المطلق لا نسلم به ابتداء بل الفرق بين حرفيّ اللين وبين حروف المدّ واللين ظاهر , إنْ في الصفة أو القوة , وحتى الذين يعتمدون هذا القياس لاحظوا هذه الفروق وذكروا أنهما ليسا في نفس المرتبة من حيث القوة ومن حيث المدّ والمطّ يقول ابن الجزري عليه رحمة الله : "وقد اختلف في إلحاق حرفي اللين بها (أي بحروف المدّ) وهما الياء والواو المفتوح ما قبلهما فوردت زيادة المدّ فيهما بسببي الهمزة والسكون إذا كانا قويين24 . وإنما اعتبر شرط المدّ فيهما مع ضعفه بتغير حركة ما قبله لأنّ فيهما شيئا من الخفاء وشيئا من المدّ وإن كان أنقص في الرتبة ممّا في حروف المدّ ."25 ولهذا ذكر في "فصل في قواعد مهمة في المدود" 26 :" مسائل : الأولى لا يجوز مدّ نحو خلَوْا إلى و ابنَيْ ءادم كما تقدم وذلك لضعف الشرط باختلاف حركة ما قبله والسبب بالانفصال...."27 ولو كان حرف اللين كحرف المدّ واللين لجاز في خلوا إلى المدّ كما جاز في بما أنزل ولجاز في شَيْء ما يجوز في سِيء ولجاز في العين من كهيعص ما يجوز في صادها وكافها ... فلماذا تختلف حروف اللين عن حروف المدّ واللين في جميع أحكام المدّ ثمّ ندعي اتفاقهما في اللين العارض أليس من القياس الصحيح والمنطق الصريح أن يقال باختلافهما هنا كذلك
3) ثقل النطق باللين دون مدّ : قال الشيخ محمود علي بسّة28 : " وأما القصر إلى حركتين مع أنه لا يمدّ عند الوصل أبداً بخلاف المطلق الذي يمدّ عند الوصل حركتين , فعلّته هي إجراء اللين العارض للسكون مجرى المدّ العارض للسكون المطلق واعتبار حرف اللين كحرف المدّ عند الوقف على ما بعده تسهيلا للنطق , وإلاّ فلو أعطي اللين عند الوقف على ما بعده حكمه في الوصل فلم يمد أبداً لكان ثقيل النطق لشبهه إذ ذاك وبعده السكون العارض بالساكنين الأصليين الصحيحين المتلاقين اللذين يتعذّر النطق بهما , غير أنّ هذا أحد سكونيه المتلاقين لين والآخر عارض . ولهذا يكون تقبّل النطق فقط لا متعذراً , ولا يزول هذا الثقل إلاّ بفضل سكون اللين عن السكون العارض بعده بالمدّ حركتين ...."29 والردّ على هذه الشبهة من وجهين : ـ الأوّل شبهة تعذر النطق بالساكنين حالة اجتماعهما تقدم الحديث عنها باستفاضة وإسهاب والجميع يقرأ القدْسْ وجنْسْ وبكْرْ وعمْرْ ـ الثاني ؛ إذا كانت الزيادة في مطّ حروف اللين من أجل السكون العارض فلم تُرِكتْ من أجل ما هو أقوى من السكون العارض , السكون الأصلي في العين من كهيعص والهمز المتصل في نحو شيء......
4) شبهة الرواية والمشافهة : يقولون : إنّ الرواية والمشافهة والسند الصحيح المتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم على مدّ حروف اللين في الوقف مقدار حركتين .... والجواب : إنّ رواية أخرى ومشافهة أخرى وسند متصل برسول الله صلى الله عليه وسلم على عدم مدّ حروف اللين حالة الوقف مقدار حركتين ..... فليس هذا السند بأولى من ذاك .... ولأنّ الرواية ـ كما تقدم ـ قد يطرأ عليها ما يغيّرها ويشينها فلا بدّ حينها من العودة إلى أصول هذه الرواية والوقوف على بعض ما ألّفه رجالها كابن الجزري والشاطبي والداني إذْ كيف تدعي هذا الحكم وتنسبه إلى سندك وأحد رجال هذا السند ينكره ـ خاصة وأنّ هذا المنكر أعلى رتبة من المثبت سندا وعلما ـ فلا بدّ أنّه قد وقع خلل وأنّ أحد رجالات السند بعد هذا الشيخ (المنكر) قد أدخل فيه ما ليس منه . ولهذا قال الإمام المرعشي : "لما طالت سلسلة الأداء تخلل أشياء من التحريفات في أداء كثير من شيوخ الأداء ..... فوجب علينا أن لا نعتمد على أداء شيوخنا كلّ الاعتماد , بل نتأمّل فيما أودعه العلماء في كتبهم من بيان مسائل هذا الفنّ , ونقيس ما سمعنا من الشيوخ على ما أودع في الكتب فما وافقه فهو الحقّ وما خالفه فالحقّ ما في الكتب " 30
5) نصوص كثيرة دلّت على جواز مدّ اللين مقدار حركتين : والردّ عليها من وجهين كذلك أولا: ليس في نصوص المتقدمين ما يدلّ على ذلك دلالة صريحة . ثانيا: قولهم "إجراؤها مجرى حروف المدّ " لا يقتضي ذلك لأنّ الإلحاق والإجراء هنا باعتبار جواز ثلاثة أوجه المدّ ؛ القصر التوسط والطول ولا أحد ينكر ذلك , فالخلاف إنما هو واقع في طبيعة وحقيقة القصر المنصوص عليه هل هو كحروف المدّ حركتين وهذا الذي يقول به كثير من المعاصرين ويعوزهم النقل الصحيح الصريح على ذلك , أم هو عدم المدّ البتّة والذي يقول به إمام المعاصرين بلا منازع الشيخ خليل الحصري رحمه الله وإمام المحققين ابن الجزري عليه رحمة الله وبعض الأئمة المتقدمين كالسخاوي والجعبري وغيرهم ....

الهوامش :

20 الصفحة 46 من شرحه
21 الجزء 2 الصفحة 140
22 شرحه على الجزرية ص 111 ونفس الكلام قاله ابن الناظم انظر الصفحة 256 من شرحه
23 النجوم الطوالع للأستاذ إبراهيم المارغني , مركز التراث الثقافي المغربي الدار البيضاء بالاشتراك مع دار الحديث بالقاهرة , تحقيق عبد السلام البكاري 1429 هـ 2008 ش , الصفحة 91
24 أي إذا كان السبب (الهمز والسكون) قويا ويكون كذلك إذا كان متصلا في الهمز أصليا في السكون ….. وهذا وصف لم يشترطه أحد في السبب إذا كان مع حروف المدّ واللين
25 النشر في القراءات العشر , دار الفكر 1/346
26 المرجع السابق 1/350
27 المرجع نفسه 1/351
28 مدرس بقسم القراءات بكلية اللغة العربية بمصر
29 العميد في علم التجويد , دار العقيدة مصر 1425 هـ 2004 ش الصفحة 103
30 الحواشي المفهمة لابن الناظم , من مقدمة المحقق فرغلي ص: 13
 
عودة
أعلى