قصر اللين بين الحبس وترك المطّ أو الزيادة حركتين في المدّ (3)

إنضم
10/08/2010
المشاركات
295
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
موطن الخلل وأصل اللحن عند القائلين بأنّ القصر في اللين يقصد به حركتان :
وقبل ذلك لا بدّ من تمهيد ببيان عوامل وأسباب منشأ هذا الخلاف وغيره عند المتأخرين والمعاصرين منهم على وجه الخصوص
 أوّلا: جهد القراء قديما وحديثا انصبّ على الجانب العملي التطبيقي وهو الأخذ والسماع والقراءة والإقراء وذلك لأهميته ولأنه هو الأصل في نقل أحكام التلاوة ومبادئ القراءة ... ولم يهتموا كثيرا بجانب التقعيد والتنظير لهذه الأحكام وتفصيل حدودها وتعريفاتها ... وليس أدلّ على ذلك ممّا يلي :
 قلّة ما ألفوه من الكتب مقارنة مع باقي العلوم : العقيدة , الفقه , التفسير , الحديث ...
 صياغة كتب المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين جلّها وأغلبها تكاد تكون كلّها قائمة على طريقتهم العملية في القراءة والإقراء أي البداية من أوّل الفاتحة إلى آخر الناس متتبعين أحرف الخلاف واحدا واحدا وليس على طريقة المصنفين (كما هو الحال عند المحدثين في المصطلح) ولا على طريقة المنهج الترتيبي (أبواب وفصول ومباحث ومطالب كما هو الشأن عند الفقهاء والنحاة) ولا على طريقة المناطقة (القائمة على التعريفات والحدود )
 كثرة الخلاف بين مدارس القراء في الاصطلاحات (مصر الشام الحجاز العراق الأندلس والمغرب...) فلا تكاد تجد مصطلحا إلاّ والخلاف فيه مشهور ثم إنّ هذا الخلاف في الأسماء والمصطلحات سرعان ما أصبح عند المتأخرين والمعاصرين خلافا في الأحكام ذاتها
 يقابل هذا العامل زهدهم في الجانب النظري
 ما يصيب المشافهة من آفات الزيادة والنقصان والنسيان وغيرها من العلل بسبب بعد السند وطول المدّة بين أوّله وآخره وكثرة رجاله ....
 ما أحدثه المعاصرون من اصطلاحات حادثة واجتهادات خاطئة وقياسات غير صائبة
 عدم العودة والاستعانة بالأمهات والأصول من الكتب التي ألفت قديما في هذه الصناعة
يقول الداني عليه رحمة الله : " وقراء القرآن متفاضلون في العلم بالتجويد والمعرفة بالتحقيق فمنهم من يعلم ذلك قياسا وتميّزا وهو الحاذق النبيه ومنهم من يعلمه سماعا وتقليدا وهو الغبي الفهيه15 , والعلم فطنة ودراية آكد منه سماعا ورواية , وللدراية ضبطها ونظمها وللرواية نقلها وتعلمها , والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ..."16
ويقول الأستاذ فرغلي سيد عرباوي17 متحدثا عن الزهد في أمهات كتب القراءات والتجويد وخطر المختصرات والموجزات المعاصرة وما قد يطرأ على الرواية والمشافهة من التغيير والتبديل وأنّه لا بدّ من عرضها على الأصول .... "إنّ كتب علم التجويد القديمة تكاد تكون مجهولة لدى معظم المشتغلين بالدراسات التجويدية في الوقت المعاصر , وهي تكاد تكون مجهولة أيضا لدى بعض المشتغلين بعلوم القرآن , ولا يزال معظمها مخطوطا بعيدا عن متناول أيدي الباحثين ولعل ذلك هو أحد الأسباب التي حالت بين الباحثين المعاصرين والاستفادة من المادة التجويدية الدقيقة التي تضمنتها تلك الكتب , ولعل البعض يشاركني الرأي أنّ الرسائل الموجزة المختصرة جدّا التي كتبها المتأخرون وبعض المعاصرين المحدثين, كانت من بين الأسباب التي صرفت الدارسين عن تتبع كتب علم التجويد القديمة ودراستها والاعتماد عليها , وذلك لما غلب على تلك الكُتَيِّبات من الإيجاز الذي يؤدي بدوره إلى غموض بعض العبارات في كثير من الأحيان18 .... وقد دخلت بعض الاجتهادات الشخصية في صلب هذه الكتب , ممّا وقعت به المخافة للأصول المقررة عند الأئمة المعتبرين الأوائل و وأصبحت هذه الكتب في عرف الناس صالحة للاحتجاج لإثبات إيّ قضية من قضايا التجويد , والحقّ الذي لا ريب فيه أنّ ثبوت قضايا التجويد الاحتجاجية تؤخذ ممّا سطّره علماء السلف الأوائل . وتنوعت في وقتنا المعاصر , وسائل تعليم التلاوة , ومنها كتب علم التجويد ومنها حلقات التعليم على يد المشايخ والمعلمين , ومنها الأشرطة الصوتية ومنها الأشرطة المرئية والمسموعة ومنها الحاسوب بتقنياته العالية ... والمتأمل في كتب تعليم قواعد التلاوة المؤلفة في السنين الأخيرة خاصة , المتناثرة في السوق المحلية للتجويد والمستمع لأداء المرتلين من جيل الشباب على وجه الخصوص , تستوقفه ملاحظات وظواهر أدائية تتعلق بتلاوة القرآن , وبأحكام التلاوة المدوّنة في تلك الكُتيبات والأسباب هي أنّ الأداء المنطوق أصابه تلوث العاميات المعاصرة , والمكتوب أصابه الخلل بسبب التقعيد لهذه اللهجة العامية , ونلحظ كذلك تباينا ظاهرا بين أداء بعض الأحكام وطريقة وصفها في كتب التلاوة و كما أنّ هناك اختلافا بين نطق عدد من الأحرف الفصيحة التي نزل بها القرآن وبين طريقة أدائها ووصفها في الكتب المعاصرة . وكان ذلك قد لفت نظري منذ سنوات وكتبت عدة أبحاث في فترات متتابعة تعالج بعضا من تلك الظواهر الأدائية في التلاوة وصارت عندي قناعة بضرورة اعتناء القائمين على أمر تعليم تلاوة القرآن بتلك القضايا حتى تلتقي كلمتهم على رأيٍ موحّد فيها وحتى تتوحد صور الأداء فالمصريّ يقرأ وحدات القرآن الصوتية بلهجته العامية والشاميّ يغلب على أدائه الإمالة في بعض الحروف وكذلك أهل الخليج غلب عليهم بعض الظواهر البدوية النّبطية , وأهل المغرب العربيّ لهم ظواهر خاصة في الأداء ويستطيع المستمع المدقق أن يحكم على القارئ من أيّ الديار هو بسبب لهجته العامية فمثلا استمع لقارئ من افريقيا أو السودان أو من العراق ستجد تباينا بين لهجة هؤلاء وهؤلاء والكلّ يدّعي أنه بلغ ذروة سنام الإتقان ويرمي غيره بالجهل بالأداء وحنكته . وأنادي إلى صياغة كتب التجويد الحديثة بالاعتماد الكليّ على ما سطّره الأوائل في مصنّفاتهم , فهم أقرب لعصر السلف والأحرى بنا التمسك بما نقلوه لأنهم قوّة علمية لا قبل لنا بها ... ولا شكّ في أنّ قراءة القرآن سنة يأخذها الآخر عن الأوّل وتعتمد على المشافهة والتلقي لكن قد يصيب التلقي تلوث اللهجات العامية بسبب طول سلسلة الأسانيد أو بسبب تغير المشافهة كما يقول محمد المرعشي ( 1150 هـ) : "لمّا طالت سلسلة الأداء تخلل أشياء من التحريفات في أداء كثير من شيوخ الأداء , والشيخ الماهر الجامع بين الرواية والدراية , المتفطّن لدقائق الخلل في المخارج والصفات , أعزّ من الكبريت الأحمر ... فوجب علينا أن لا نعتمد على أداء شيوخنا كلّ الاعتماد بل نتأمل فيما أودعه العلماء في كتبهم من بيان مسائل هذا الفنّ ونقيس ما سمعنا من الشيوخ على ما أودِعَ في الكتب فما وافقه فهو الحقّ وما خالفه فالحقّ ما في الكتب ..." 19

الهوامش :

15 الفهيه هو الجاهل العييّ
16 شرح المقدمة الجزرية لعصام الدين أحمد بن مصطفى بن خليل المعروف بطاش كبرى زادة (968 هـ) بتحقيق الأستاذ فرغلي سيد عرباوي ص16 من مقدمة المحقق
17 باحث في علم الصوتيات التجويد والقراءات والمدرس سابقا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية له عدة بحوث في غاية الأهمية وتحقيقات تراثية في غاية الصحة والتدقيق
18 كلام الأستاذ غانم قدوري الحمد في "الدراسات الصوتية" ص11 بتصرف من الناقل
19 الحواشي المفهمة لابن الناظم , من مقدمة الدراسة , الصفحة : 11-12-13
 
عودة
أعلى