عبدالرحمن السديس
New member
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على الهادي الأمين أما بعد :
فهذه حكاية غريبة في بداية أمر الإمام إسحاق بن راهويه في العلم ، وكونه من أصحاب الرأي ثم ترك ذلك ...
قال الإمام أبو بكر المروذي (1) في كتابه الورع ص 122: وحدثنا القاسم بن محمد (2) قال: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: كنت صاحب رأي فلما أردت أن أخرج إلى الحج عمدت إلى كتب عبد الله بن المبارك ، واستخرجت منها ما يوافق رأي أبي حنيفة من الأحاديث ، فبلغت نحو من ثلاثمائة حديث ، فقلت: أسأل عنها مشايخ عبد الله الذين هم بالحجاز والعراق ، و أنا أظن أن ليس يجترئ أحد أن يخالف أبا حنيفة ، فلما قدمت البصرة جلست إلى عبد الرحمن بن مهدي ، فقال لي: من أين أنت ؟
فقلت: من أهل مرو ، قال: فترحم على ابن المبارك ـ وكان شديد الحب له ـ ، فقال: هل معك مرثية رثي بها عبد الله ؟
فقلت: نعم ، فأنشدته قول أبي تميلة يحيى بن واضح الأنصاري :
فقلت: إن بعد هذا أبياتا حسانا .
فقال: دعها، تذكر رواية عبد الله عن أبي حنيفة في مناقبة ! ما تعرف له زلة بأرض العراق إلا روايته عن أبي حنيفة ، ولوددت أنه لم يرو عنه ، وأني كنت أفتدي ذلك بعظم مالي .
فقلت: يا أبا سعيد لم تحمل على أبي حنيفة كل هذا ؟! لأجل هذا القول أنه كان يتكلم بالرأي ، فقد كان مالك بن أنس ، والأوزاعي ، وسفيان يتكلمون بالرأي !
فقال: تقرن أبا حنيفة إلى هؤلاء !
ما أشبه أبا حنيفة في العلم إلا بناقة شاردة فاردة ترعى في وادي خصب ، والإبل كلها في واد آخر .
قال إسحاق: ثم نظرت بعد فإذا الناس في أمر أبي حنيفة على خلاف ما كنا عليه بخرسان . اهـ
هذه القصة صحيحة الإسناد ، ولم أر من ذكرها في ترجمة إسحاق ولا من أشار إليها مع أنها تلقي الضوء على بداية أمره، وهل لهذا تأثير في فقه واختياره !
وهذا الموقف الظاهر أنه بداية تحول الإمام إسحاق إلى مذهب أهل الحديث خصوصا لما رأى أمر أهل الحديث على ما قال شيخه الإمام عبد الرحمن بن مهدي رحم الله الجميع.
وفي كتاب أبي بكر الخطيب «تاريخ بغداد» 6/347: أنه رحل إلى العراق سنة 184 وهو ابن 23 سنة .
----------------------
(1) المروّذي نسبة إلى مرو الروذ ، ويخطئ بعض الناس فيقول: المروزي بالزاي ، أو: الـمَرْوَذِي .
قال ياقوت في معجم البلدان 5/112: مَرُّوْذ بالفتح ثم التشديد والضم وسكون الواو وذال معجمة ، وهو مدغم من مرو الروذ هكذا يتلفظ به جميع أهل خراسان ـ إلى أن قال ـ مرو الروذ: المرو: الحجارة البيض تقتدح بها النار ، ولا يكون أسود ولا أحمر ، ولا تقتدح بالحجر الأحمر ، ولا يسمى مروا .
والروذ بالذال المعجمة هو بالفارسية: النهر فكأنه مرو النهر ، وهي مدينة قريبة من مرو الشاهجان بينهما خمسة أيام ، وهي على نهر عظيم فلهذا سميت بذلك ، وهي صغيرة بالنسبة إلى مرو الأخرى خرج منها خلق من أهل الفضل ينسبون:
مروروذي ، ومَرُّوْذي .. ـ وذكر منهم ـ أبا بكر أحمد بن محمد بن صالح بن حجاج المروذي صاحب أحمد بن حنبل قيل: كان خوارزميا ، وأمه مروذية.
(2) أظنه المترجم في «طبقات الحنابلة» 2/208ـ وقال عنه ـ: ذكره أبو بكر الخلال فقال: من أصحاب أبي عبدالله المتقدمين سمع من أبي عبدالله "التاريخ" قديما ، وقد كان قدم ههنا ، وحدث عنه أبو بكر المروذي . والله أعلم .
ثم لما طبع كتاب «أخبار الشيوخ وأخلاقهم » للمؤلف وجدت القصة ص160 ، ونسب شيخه فقال: القاسم بن محمد بن الحارث .
وهو مترجم في «الجرح والتعديل» 7/120قال عنه أبو حاتم : صدوق ، وذكره الخطيب في «تاريخ بغداد» 12/341: وقال عنه : ثقة ، ونقل ما ذكره ابن أبي يعلى «طبقات الحنابلة» في عن الخلال.
فهذه حكاية غريبة في بداية أمر الإمام إسحاق بن راهويه في العلم ، وكونه من أصحاب الرأي ثم ترك ذلك ...
قال الإمام أبو بكر المروذي (1) في كتابه الورع ص 122: وحدثنا القاسم بن محمد (2) قال: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: كنت صاحب رأي فلما أردت أن أخرج إلى الحج عمدت إلى كتب عبد الله بن المبارك ، واستخرجت منها ما يوافق رأي أبي حنيفة من الأحاديث ، فبلغت نحو من ثلاثمائة حديث ، فقلت: أسأل عنها مشايخ عبد الله الذين هم بالحجاز والعراق ، و أنا أظن أن ليس يجترئ أحد أن يخالف أبا حنيفة ، فلما قدمت البصرة جلست إلى عبد الرحمن بن مهدي ، فقال لي: من أين أنت ؟
فقلت: من أهل مرو ، قال: فترحم على ابن المبارك ـ وكان شديد الحب له ـ ، فقال: هل معك مرثية رثي بها عبد الله ؟
فقلت: نعم ، فأنشدته قول أبي تميلة يحيى بن واضح الأنصاري :
طرق الناعيان إذ نبهاني * بقطيع من قادح الحدثان
قلت للناعيات من تنعيا * قالا أبا عبد ربِّنا الرحمن
فأثار الذي أتاني حزني * وفؤاد المصاب ذو أحزان
ثم فاضت عيناي وجدا وشجوا * بدموع تحادر الهطلان
فلئن كانت القلوب تبكي * لقلوب الثقات من إخوان
قد تبكيه بالدماء وفي الأجـ * ـواف لذع كحرقة النيران
لتقي مضى فريدا حميدا * ماله في الرجال إن عد ثاني
يا خليلي يا ابن المبارك عبد الـ * ـله خليتنا لهذا الزمان
حين ودعتنا فأصبحت محمو * دا حليف الحنوط والأكفان
قدس الله مضجعا أنت فيه * وتلقاك فيه بالـرضـوان
أرض هيت فازت بك الدهر إذ * صرت غريبا بها عن الإخوان
لا قريب بها ولا مؤنس يؤ * نس إلا التقى مع الإيمان
ولمرو قد كنت فخرا فصارت * أرض مرو كسائر البلدان
أوحشت بعدكم مجالس علم * حين غاب المغيث للهفان
لهف نفسي عليك لهفا بك الـ * ـدهر وفجعا لفاجع لهفان
يا قريع القراء والسابق الأو * ل يوم الرهان عند الرهان
ومقيم الصلاة والقائم الليـ * ـل إذا نام راهب الرهبان
ومؤاتي الزكاة والصدقات الـ * ـدهر في السر منك والإعلان
صائم في هواجر الصيف يوما * قد يضر الصيام بالضمان
دائبا في الجهاد والحج والعمـ * ـرة يتلو منزل القرآن
دائما لا يمله يطلب الفوز * وليس المُجد كالمتوان
عين فابكيه حين غاب بواكيـ * ـه بهاطل وساكب السيلان
إن ذكرناك ساعة قط إلا * هاج حزني وضاق عني مكاني
ولعمري لئن جزعت على فقـ * ـدك إني لموجع ذو استكان
خافق القلب ذاهب الذهن عبـ * ـدالله اهذي كالواله الحيران
أتلوى مثل السليم لديغ الـ * ـرقش قد مس جلده النابان
بدلا كنت من أخي العلم سفيـ * ـان ويوم الوداع من سفيان
كنت للسر موضعا ليس يخشى * منك إظهار سره الكتمان
و برأي النعمان كنت بصيرا * حين تبغى مقايس النعمان
قال: فما زال ابن مهدي يبكي وأنا أنشده حتى إذا ما قلت: وبرأي النعمان كنت بصيرا ... ، قال لي: اسكت قد أفسدت القصيدة . قلت للناعيات من تنعيا * قالا أبا عبد ربِّنا الرحمن
فأثار الذي أتاني حزني * وفؤاد المصاب ذو أحزان
ثم فاضت عيناي وجدا وشجوا * بدموع تحادر الهطلان
فلئن كانت القلوب تبكي * لقلوب الثقات من إخوان
قد تبكيه بالدماء وفي الأجـ * ـواف لذع كحرقة النيران
لتقي مضى فريدا حميدا * ماله في الرجال إن عد ثاني
يا خليلي يا ابن المبارك عبد الـ * ـله خليتنا لهذا الزمان
حين ودعتنا فأصبحت محمو * دا حليف الحنوط والأكفان
قدس الله مضجعا أنت فيه * وتلقاك فيه بالـرضـوان
أرض هيت فازت بك الدهر إذ * صرت غريبا بها عن الإخوان
لا قريب بها ولا مؤنس يؤ * نس إلا التقى مع الإيمان
ولمرو قد كنت فخرا فصارت * أرض مرو كسائر البلدان
أوحشت بعدكم مجالس علم * حين غاب المغيث للهفان
لهف نفسي عليك لهفا بك الـ * ـدهر وفجعا لفاجع لهفان
يا قريع القراء والسابق الأو * ل يوم الرهان عند الرهان
ومقيم الصلاة والقائم الليـ * ـل إذا نام راهب الرهبان
ومؤاتي الزكاة والصدقات الـ * ـدهر في السر منك والإعلان
صائم في هواجر الصيف يوما * قد يضر الصيام بالضمان
دائبا في الجهاد والحج والعمـ * ـرة يتلو منزل القرآن
دائما لا يمله يطلب الفوز * وليس المُجد كالمتوان
عين فابكيه حين غاب بواكيـ * ـه بهاطل وساكب السيلان
إن ذكرناك ساعة قط إلا * هاج حزني وضاق عني مكاني
ولعمري لئن جزعت على فقـ * ـدك إني لموجع ذو استكان
خافق القلب ذاهب الذهن عبـ * ـدالله اهذي كالواله الحيران
أتلوى مثل السليم لديغ الـ * ـرقش قد مس جلده النابان
بدلا كنت من أخي العلم سفيـ * ـان ويوم الوداع من سفيان
كنت للسر موضعا ليس يخشى * منك إظهار سره الكتمان
و برأي النعمان كنت بصيرا * حين تبغى مقايس النعمان
فقلت: إن بعد هذا أبياتا حسانا .
فقال: دعها، تذكر رواية عبد الله عن أبي حنيفة في مناقبة ! ما تعرف له زلة بأرض العراق إلا روايته عن أبي حنيفة ، ولوددت أنه لم يرو عنه ، وأني كنت أفتدي ذلك بعظم مالي .
فقلت: يا أبا سعيد لم تحمل على أبي حنيفة كل هذا ؟! لأجل هذا القول أنه كان يتكلم بالرأي ، فقد كان مالك بن أنس ، والأوزاعي ، وسفيان يتكلمون بالرأي !
فقال: تقرن أبا حنيفة إلى هؤلاء !
ما أشبه أبا حنيفة في العلم إلا بناقة شاردة فاردة ترعى في وادي خصب ، والإبل كلها في واد آخر .
قال إسحاق: ثم نظرت بعد فإذا الناس في أمر أبي حنيفة على خلاف ما كنا عليه بخرسان . اهـ
هذه القصة صحيحة الإسناد ، ولم أر من ذكرها في ترجمة إسحاق ولا من أشار إليها مع أنها تلقي الضوء على بداية أمره، وهل لهذا تأثير في فقه واختياره !
وهذا الموقف الظاهر أنه بداية تحول الإمام إسحاق إلى مذهب أهل الحديث خصوصا لما رأى أمر أهل الحديث على ما قال شيخه الإمام عبد الرحمن بن مهدي رحم الله الجميع.
وفي كتاب أبي بكر الخطيب «تاريخ بغداد» 6/347: أنه رحل إلى العراق سنة 184 وهو ابن 23 سنة .
----------------------
(1) المروّذي نسبة إلى مرو الروذ ، ويخطئ بعض الناس فيقول: المروزي بالزاي ، أو: الـمَرْوَذِي .
قال ياقوت في معجم البلدان 5/112: مَرُّوْذ بالفتح ثم التشديد والضم وسكون الواو وذال معجمة ، وهو مدغم من مرو الروذ هكذا يتلفظ به جميع أهل خراسان ـ إلى أن قال ـ مرو الروذ: المرو: الحجارة البيض تقتدح بها النار ، ولا يكون أسود ولا أحمر ، ولا تقتدح بالحجر الأحمر ، ولا يسمى مروا .
والروذ بالذال المعجمة هو بالفارسية: النهر فكأنه مرو النهر ، وهي مدينة قريبة من مرو الشاهجان بينهما خمسة أيام ، وهي على نهر عظيم فلهذا سميت بذلك ، وهي صغيرة بالنسبة إلى مرو الأخرى خرج منها خلق من أهل الفضل ينسبون:
مروروذي ، ومَرُّوْذي .. ـ وذكر منهم ـ أبا بكر أحمد بن محمد بن صالح بن حجاج المروذي صاحب أحمد بن حنبل قيل: كان خوارزميا ، وأمه مروذية.
(2) أظنه المترجم في «طبقات الحنابلة» 2/208ـ وقال عنه ـ: ذكره أبو بكر الخلال فقال: من أصحاب أبي عبدالله المتقدمين سمع من أبي عبدالله "التاريخ" قديما ، وقد كان قدم ههنا ، وحدث عنه أبو بكر المروذي . والله أعلم .
ثم لما طبع كتاب «أخبار الشيوخ وأخلاقهم » للمؤلف وجدت القصة ص160 ، ونسب شيخه فقال: القاسم بن محمد بن الحارث .
وهو مترجم في «الجرح والتعديل» 7/120قال عنه أبو حاتم : صدوق ، وذكره الخطيب في «تاريخ بغداد» 12/341: وقال عنه : ثقة ، ونقل ما ذكره ابن أبي يعلى «طبقات الحنابلة» في عن الخلال.