قصة تائبة من البرج

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
قصة تائبة من التبرج
هذه قصة تائبة من التبرج كما حكتها هي في كتابها ، تقول الأستاذة الفاضلة نعمت صدقي في كتابها ( التبرج ) : ولقد منَّ الله علي بالشفاء من هذا الوباء ( التبرج ) الذي سرى إلي من البيئة والغفلة عدواه ؛ فداواني منه ربي سبحانه بمرض أليم في بدني ، أعاد إلي الصحة والعافية في روحي وقلبي ؛ فغن الرسول e يقول : " إذا أراد الله بعبد الخير عجل له العقوبة في الدنيا " ، مرضت مرضًا شديدًا بعد خلع ضرس قاسيت منه آلامًا مبرحة ، حرمتني طعم النوم والأكل شهرًا كاملا ، إذ لم يكن يكف الألم لحظة ليلا ولا نهارا ؛ وزاد الورم حتى كاد خدي ينفجر ، وامتد إلى عنقي ورأسي ، وأغلق جفني عيني ، فحار في أمري الجراحون والأطباء ، وعجز الطب وعز الدواء ، وقطع الأمل بتاتًا من الشفاء .
وإذا بيد الله الكريم تمتد وتمسح المرض والورم ، وتمحو على مهل الجرح وتصرف الألم ؛ فوقف الأطباء مدهوشين من هذه المعجزة ، وقالوا خاشعين : حقًا إن الله القدير الرحيم يحيي العظام وهي رميم .
فعانيت تفاهة الخلق ، وعجز من ادعى العلم والسلطان ، وأدركت أن الخالق سبحانه أبر وأرحم بعبده من كل إنسان .
وفي أثناء مرضي عادتني سيدة ، وقالت لي مجاملة : إنك لا تستحقين كل هذا العذاب ، أنت السيدة المؤمنة المصلية الحاجة بيت الله الحرام ، فماذا اقترفت من الآثام حتى يعاقبك الله بهذه الآلام ؟ فصرخت قائلة : لا تقولي هذا ! فإن الله لا يظلم الناس شيئًا ولكن الناس أنفسهم يظلمون ! إني آثمة أستحق هذا العقاب وزيادة : هذا الفم الذي أدبه الله بالمرض والألم كان يصبغ بالأحمر ، وكان لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر ؛ وهذا الوجه الوارم كان يتجمل بالمساحيق ، وهذا الجسم الطريح كان يتبرج بالثوب الأنيق ؛ وهذه الرأس المتألمة المتأججة بنار الحمى ، كانت لا تحتجب بالخمار كما أمر الله ؛ وهي الآن تحجب قهرًا باللفائف الطبية ، تحيط بها كالخمار تمامًا ؛ لم أختمر بخمار الاحتشام ، فخمرني الله بخمار الآلام ؛ جملت فمي ووجهي بالأصباغ والأدهان ، فصفعهما الله صفعة العذاب والهوان .
أجابتني السيدة قائلة : إنك لم تفعلي غلا ما يفعله غيرك ، بل وأقل مما يفعله غيرك ؛ فكل النساء يتبرجن ويتجملن أكثر منك ، وها هنَّ يرتعن في بحبوحة الصحة ؛ ويرفلن في حلل السعادة !!
فقلت : هذا من فضل ربي علي ، وحبه لي ، ورحمته بي ؛ فإن الله إذا أحب عبدا ابتلاه وطهره بعذابه ورباه ؛ ثم إذا أراد ساق له العافية ونجَّاه وهذا الألم الشافي الناجع ، وهذا العقاب المؤدب الرادع ، وهذا المرض المهذِّب اللاذع .
إن الله سبحانه يأمرني بفعله عندما رآني لم أأتمر بقوله ، فكيف لا أشكره على هذه العناية ؟ وكيف لا أطيع من يرعاني هذه الرعاية ؟
وهكذا شُفيت من مرضي ضعيفة الجسم قوية الإرادة، ضعيفة الهوى قوية الصبر والجلادة ، وفهمت ما قاله الله لي بهذا المرض ؛ وما سكبه في قلبي بلا ألفاظ ، وما صوره لعيني فرآه قلبي جلِّيًا واضحًا .
فهمت كيف يجب أن تحاط رأسي ووجهي بالخمار كما مثَّله لي الله تعالى ؛ وأن يدعو فمي ولساني شكرًا وخوفًا وطمعًا ؛ فكنت بعد مرضي غير ما كنت قبله ، وكان أعظم نعمة عليَّ جعلتني أقهر هوى نفسي ، وصيرت يومي أغنى وأقنى من أمسي .
ولم تقتصر هذه النعمة عليَّ وحدي ، بل عمت أهل بيتي ، وانتشرت من حولي ، وأنقذت بناتي وكثيرا من معارفي وأهلي.
والحمد لله علي أني تبت إلى الله من قريب ، ولم أصر على ما فعلت وأنا أعلم ؛ واحتشمت قبل فوات الوقت ، لا كما تفعل بعض النساء اللاتي يحتشمن ويختمرن في وقت لا جناح عليهن فيه أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة ، فلا يكون تركهن المعصية إلا من عجز ، لا عن توبة صادقة .
ومنذ ذلك اليوم عزمت على أن أحارب الفسق ، وأن أجاهد في سبيل الله بلساني وقلمي ، كرست لذلك كل ما أستطيع من قوتي ووقتي وفهمي ..ا.هـ ( 1 ) .
_______
( 1 )
انظر ( التبرج ) لنعمت صدقي ص 9 : 14 .
 
عودة
أعلى