بودفلة فتحي
New member
- إنضم
- 10/08/2010
- المشاركات
- 295
- مستوى التفاعل
- 1
- النقاط
- 18
قراءة في كتاب مذكرات القنصل الأمريكي وليام شالر
أوتحليل عام لوضعية الجزائر قُبيْل الاحتلال الفرنسي
1816م ـ 1824م
الفصل الأوّل : الإطار التاريخي والجغرافي الذي صدر فيه كتاب شالر
أوتحليل عام لوضعية الجزائر قُبيْل الاحتلال الفرنسي
1816م ـ 1824م
الفصل الأوّل : الإطار التاريخي والجغرافي الذي صدر فيه كتاب شالر
قبل الحديث عن مذكرات شالر سواء بتحليلها أو نقدها لا بدّ أن نضعها في إطارها الجغرافي والتاريخي المناسب حتى نتمكّن من الوقوف على الظروف والملابسات التي صدرت فيها وكذا الأهداف التي كتبت من أجلها ...لأنّ مثل هذا الصنيع من شانه أن يساعدنا أولا على الفهم الجيّد لمحتواها ومراد صاحبها ... وثانيا على اكتشاف وقراءة ما لم يصرح به كذلك .
والمقصود بالإطار الجغرافي والتاريخي الحديث عن دولتي الجزائر والولايات المتحدة نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر ...
والمقصود بالإطار الجغرافي والتاريخي الحديث عن دولتي الجزائر والولايات المتحدة نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر ...
1. الجزائر قبل وأثناء كتابة مذكرات شالر :[1]
كانت الجزائر خلال هذه الفترة تابعة للخلافة العثماني تبعية إدارية في أوّل الأمر ثمّ ما فتئت أن تحولت إلى تبعية صورية اسمية وتفصيل ذلك أنّ التواجد العثماني في الجزائر مرّ بمراحل أربعة هي :
ü ابتداء من استنجاد سكان الجزائر بخير الدين بربروس سنة 1516 م ثمّ تعيينه بعد ذلك حاكما للجزائر أو واليا عليها باسم بيلر باي (باي البايات) من طرف الخليفة العثماني (سنة 1518م) إلى غاية 1588 حيث ألغت الخلافة نظام البيلربايات خوفا من انفصال البايات , وتعدّ هذه المرحلة من أخصب المراحل التي عرفها تاريخ الجزائر الحديث من حيث الإزدهار والقوة ...
ü مرحلة البشاوات 1588 م إلى غاية 1659 / وهي مرحلة البشاوات والباشا حاكم إداري يعينه الخليفة لمدة ثلاث سنوات , ولمحدودية مدة حكمه لم يهتم البشاوات بشؤون البلاد والرعية بل كان كلّ همهم منصبا على جمع أكبر قدر ممكن من الثروة والمال ... ولهذا عدّت هذه المرحلة أسوء مرحلة في الحكم العثماني بالجزائر
ü مرحلة الأغوات 1659م إلى 1671م والأغا رتبة في الجيش وخلال هذه المرحلة كثرت التحرشات والمكيدات بين ضباط وقادة الجيش الجزائري من أجل الحصول على هذه المرتبة أو غيرها من الامتيازات والمناصب الحكومية ...ولهذا السبب عرفت هذه المرحلة انتشار الرشوة والفساد والاغتيالات السياسية
ü المرحلة الأخيرة مرحلة الدايات أو رياس البحر (1671م ـ 1830م ) الذين اعتمدوا نظاما جديدا منفصلا عن الباب العالي إلاّ من حيث الصورة والاسم أو الولاء وتقديم الهدايا والمساعدات ... وقد عرفت هذه المرحلة الطويلة استقرارا كبيرا ومفيدا في أوّل الأمر سمح للدولة الجزائرية بتقوية أسطولها الذي أصبح مرهوب الجانب يعمل له ألف حساب قبل دخول البحر المتوسط هذا الأسطول الذي كان يجني من أعماله القتالية الجهادية أموالا طائلة .... لكن سرعان ما ضعُف هذا الأسطول وضعفت الدولة نتيجة ملابسات وأسباب سنذكر بعضها ...ممّا سهّل مهمّة احتلال الجزائر
كانت حكومة الداي (وكلـّها من الأتراك) منظمة على الشكل التالي :
ü ابتداء من استنجاد سكان الجزائر بخير الدين بربروس سنة 1516 م ثمّ تعيينه بعد ذلك حاكما للجزائر أو واليا عليها باسم بيلر باي (باي البايات) من طرف الخليفة العثماني (سنة 1518م) إلى غاية 1588 حيث ألغت الخلافة نظام البيلربايات خوفا من انفصال البايات , وتعدّ هذه المرحلة من أخصب المراحل التي عرفها تاريخ الجزائر الحديث من حيث الإزدهار والقوة ...
ü مرحلة البشاوات 1588 م إلى غاية 1659 / وهي مرحلة البشاوات والباشا حاكم إداري يعينه الخليفة لمدة ثلاث سنوات , ولمحدودية مدة حكمه لم يهتم البشاوات بشؤون البلاد والرعية بل كان كلّ همهم منصبا على جمع أكبر قدر ممكن من الثروة والمال ... ولهذا عدّت هذه المرحلة أسوء مرحلة في الحكم العثماني بالجزائر
ü مرحلة الأغوات 1659م إلى 1671م والأغا رتبة في الجيش وخلال هذه المرحلة كثرت التحرشات والمكيدات بين ضباط وقادة الجيش الجزائري من أجل الحصول على هذه المرتبة أو غيرها من الامتيازات والمناصب الحكومية ...ولهذا السبب عرفت هذه المرحلة انتشار الرشوة والفساد والاغتيالات السياسية
ü المرحلة الأخيرة مرحلة الدايات أو رياس البحر (1671م ـ 1830م ) الذين اعتمدوا نظاما جديدا منفصلا عن الباب العالي إلاّ من حيث الصورة والاسم أو الولاء وتقديم الهدايا والمساعدات ... وقد عرفت هذه المرحلة الطويلة استقرارا كبيرا ومفيدا في أوّل الأمر سمح للدولة الجزائرية بتقوية أسطولها الذي أصبح مرهوب الجانب يعمل له ألف حساب قبل دخول البحر المتوسط هذا الأسطول الذي كان يجني من أعماله القتالية الجهادية أموالا طائلة .... لكن سرعان ما ضعُف هذا الأسطول وضعفت الدولة نتيجة ملابسات وأسباب سنذكر بعضها ...ممّا سهّل مهمّة احتلال الجزائر
كانت حكومة الداي (وكلـّها من الأتراك) منظمة على الشكل التالي :
- الديوان : يضم قادة الجيش الانكشاري وهم قادة الجزائر الحقيقيين السلطة الفعلية للبلاد
- مجلس النواب : (مجلس الحكومة أو الوزراء بالتعبير العصري) يتكون من خمسة أتراك
1) الخزناجي : بمثابة وزير المالية يساعده باشكاتب أو الخوجة
2) الآغا : قائد الجيش الانكشاري
3) وكيل الخرج : قائد الأسطول البحري ومسؤول الشؤون الخارجية
4) البيتمالجي : مكلف بالعقود والمواريث
2) الآغا : قائد الجيش الانكشاري
3) وكيل الخرج : قائد الأسطول البحري ومسؤول الشؤون الخارجية
4) البيتمالجي : مكلف بالعقود والمواريث
- كبار الموظفين وهم :
1) خوجا السير : الكاتب الخاص بالداي
2) خوجا الباب : صاحب قصر الداي
3) خوجا الرحبة : يسيّر سوق الحبوب
4) قائد المرسى : يراقب المبادلات التجارية
أما عن المقاطعات الإدارية للجزائر آنذاك فهي أربعة :
ü دار السلطان : القصبة , مدينة الجزائر وضواحيها
ü بيلك الغرب : عاصمته في أوّل الأمر كانت مازونة ثم انتقلت إلى معسكر ثم استقرت بوهران بعد تحريرها من الإسبان سنة 1792 م
ü بيلك التيطري عاصمته المدية ويضم الوسط والجنوب الجزائري
ü بيلك الشرق : عاصمته قسنطينة وهو أكبر الأقاليم
هذا عن الوضع السياسي والإداري في تلك الفترة أما البنية الاجتماعية للجزائر يومئذ فيمكننا تلخيصها فيما يلي :
ü كان الأتراك يمثلون على قلـّتهم الجنس الغالب لاستيلائه على جهاز الحكم بجلّ هيئاته وروافده قيل عن عددهم أنّه بين 10 و30 ألف والبعض يرى أنّ هذا العدد إنّما هو بتعداد الكراغلة معهم
ü الكراغلة : بسبب التزاوج بين الأتراك الجند الانكشاري على وجه الخصوص والجزائريات
ü الحضر أو البَلـْدِية : الموركسيون الأندلسيون
ü الدخلاء : اليهود والنصارى
ü العرب : بعضهم سكن المدن وهم قلـّة وأكثرهم بقيت قبائلهم في المناطق الداخلية مشتغلين بالرعي والزراعة
ü الأمازيغ : وهم أغلبية السكان وكانوا يمثلون إلى جانب العرب أكثر من 95% من مجموع السكان بعيدين عن مسائل السياسة والحكم ...
أما عن العلاقة التي تربط بين القبائل العربية والأمازيغية وبين السلطة فيمكننا تلخيصها في التصنيف التالي:
1. قبائل تابعة مباشرة للبايلك وهي التي تسكن بجوار المدن الرئيسية , كانت تسمى بقائل الرعية
2. قبائل المخزن هي أعوان للسلطة تقوم بمهام جمع الزكاة والضرائب والغرامات
3. القبائل المتحالفة مع السلطة أو المسماة بالأحلاف , تستوطن مناطق متوسطة عازلة بين قبائل الرعية والقبائل المستقلة , وكانت هذه القبائل تتبادل مع السلطة الخدمات والمصالح
4. القبائل المستقلة موجودة في المناطق العميقة كالصحراء والمناطق الجبلية ...
أما عن الحياة الاقتصادية للجزائر آنذاك فقد كانت داخليا يغلب عليها الطابع الزراعي الرعوي يغلب عليها الطابع الإقطاعي , منعدمة الصناعات إلاّ حرف يسيرة وقليلة اشتغل بها على الخصوص المركسيون والأندلسيون والدخلاء (اليهود والنصارى) وقد احتكرت السلطة التركية الصناعات الكبرى (على ضعفها) كصناعة المدافع والسفن والمطاحن والمحاجر
الموارد المالية للخزينة الجزائرية تمثلت فيما يلي :
ü على المستوى الخارجي : الصادرات الجزائرية المتمثلة في الحبوب على وجه الخصوص (كانت تنطلق من موانئ عدّة كجيجل , القالة , شرشال , وهران... ) النشاط البحري , الرسوم الجمركية , الإتاوات المفروضة على الشركات الأجنبية , جزية أهل الدمة , الفدية , الضرائب المفروضة على مختلف الدول والمماليك ...
ü على المستوى الداخلي : الضرائب المفروضة على الجزائريين : اللزمة , الغرامة , الزكاة , الضيفة , المعونة , الإتاوة أو العادة , أملاك من لا ميراث له ...
لم تعرف الخزينة الجزائرية ضعفا أو نقصا إلاّ خلال السنوات الأخيرة وقد كان في مخزونها ما يغطي هذا العجز
تميّزت الحياة الثقافية بالضعف والركود مقارنة مع التطور والنشاط الذي عرفته في أوروبا آنذاك وقد اتّسمت بالانتشار الفظيع للخرافات والبدع ...ولكن رغم ذلك فأنّه يسجل للمجتمع الجزائري انعدام الأمية تماما في الحواضر والمدن وتكاد تكون معدومة في الأرياف والقرى نتيجة انتشار المعاهد والمدارس فقد كان في قسنطينة لوحدها أكثر من 86 مدرسة ويذكر " أحمد بوضربة" الذي عاصر الاحتلال أنّه في كلّ قرية جزائرية كانت توجد مدرستان على الأقلّ
كان التعليم يتمّ باللغة العربية وحدها وكان يموّل من طرف الأهالي بفضل صدقات الأوقاف المتعددة والمختلفة...
علاقات الجزائر الخارجية
ü أولا مع المسلمين : أما الخلافة العثمانية فكانت علاقة مساندة ومساعدة وعلاقة طاعة روحية وتبعية اسمية وأما باقي الدول العربية والإسلامية فقد كان الأسطول الجزائري يدافع عن السواحل المغربية والتونسية ضدّ الهجمات الصليبية الإسبانية والبرتغالية كما دافع عن مصر خلال الحملة الفرنسية وقد خصّت الجزائر أوقافا عظيمة للمقدسات الإسلامية في فلسطين والحجاز
ü ثانيا مع الدول الأوروبية : تراوحت علاقات الجزائر مع الدول الأوروبية بين العداء الشديد مع البعض كإسبانيا البرتغال والنمسا والصداقة مع بريطانيا والاضطراب مع فرنسا ... كانت الدول الأوروبية في أوّل جميعها تدفع ضرائب للخزينة الجزائرية وكانت جميعها تحترمها وتقرّ لها بالقوة والسيطرة على البحر المتوسط ولكن ببداية ضعف الأسطول الجزائري بدأت هذه العلاقة تتدهور وبدأت أطماع أوروبا في الجزائر وخيراتها تظهر شيئا فشيئا ....
2) خوجا الباب : صاحب قصر الداي
3) خوجا الرحبة : يسيّر سوق الحبوب
4) قائد المرسى : يراقب المبادلات التجارية
أما عن المقاطعات الإدارية للجزائر آنذاك فهي أربعة :
ü دار السلطان : القصبة , مدينة الجزائر وضواحيها
ü بيلك الغرب : عاصمته في أوّل الأمر كانت مازونة ثم انتقلت إلى معسكر ثم استقرت بوهران بعد تحريرها من الإسبان سنة 1792 م
ü بيلك التيطري عاصمته المدية ويضم الوسط والجنوب الجزائري
ü بيلك الشرق : عاصمته قسنطينة وهو أكبر الأقاليم
هذا عن الوضع السياسي والإداري في تلك الفترة أما البنية الاجتماعية للجزائر يومئذ فيمكننا تلخيصها فيما يلي :
ü كان الأتراك يمثلون على قلـّتهم الجنس الغالب لاستيلائه على جهاز الحكم بجلّ هيئاته وروافده قيل عن عددهم أنّه بين 10 و30 ألف والبعض يرى أنّ هذا العدد إنّما هو بتعداد الكراغلة معهم
ü الكراغلة : بسبب التزاوج بين الأتراك الجند الانكشاري على وجه الخصوص والجزائريات
ü الحضر أو البَلـْدِية : الموركسيون الأندلسيون
ü الدخلاء : اليهود والنصارى
ü العرب : بعضهم سكن المدن وهم قلـّة وأكثرهم بقيت قبائلهم في المناطق الداخلية مشتغلين بالرعي والزراعة
ü الأمازيغ : وهم أغلبية السكان وكانوا يمثلون إلى جانب العرب أكثر من 95% من مجموع السكان بعيدين عن مسائل السياسة والحكم ...
أما عن العلاقة التي تربط بين القبائل العربية والأمازيغية وبين السلطة فيمكننا تلخيصها في التصنيف التالي:
1. قبائل تابعة مباشرة للبايلك وهي التي تسكن بجوار المدن الرئيسية , كانت تسمى بقائل الرعية
2. قبائل المخزن هي أعوان للسلطة تقوم بمهام جمع الزكاة والضرائب والغرامات
3. القبائل المتحالفة مع السلطة أو المسماة بالأحلاف , تستوطن مناطق متوسطة عازلة بين قبائل الرعية والقبائل المستقلة , وكانت هذه القبائل تتبادل مع السلطة الخدمات والمصالح
4. القبائل المستقلة موجودة في المناطق العميقة كالصحراء والمناطق الجبلية ...
أما عن الحياة الاقتصادية للجزائر آنذاك فقد كانت داخليا يغلب عليها الطابع الزراعي الرعوي يغلب عليها الطابع الإقطاعي , منعدمة الصناعات إلاّ حرف يسيرة وقليلة اشتغل بها على الخصوص المركسيون والأندلسيون والدخلاء (اليهود والنصارى) وقد احتكرت السلطة التركية الصناعات الكبرى (على ضعفها) كصناعة المدافع والسفن والمطاحن والمحاجر
الموارد المالية للخزينة الجزائرية تمثلت فيما يلي :
ü على المستوى الخارجي : الصادرات الجزائرية المتمثلة في الحبوب على وجه الخصوص (كانت تنطلق من موانئ عدّة كجيجل , القالة , شرشال , وهران... ) النشاط البحري , الرسوم الجمركية , الإتاوات المفروضة على الشركات الأجنبية , جزية أهل الدمة , الفدية , الضرائب المفروضة على مختلف الدول والمماليك ...
ü على المستوى الداخلي : الضرائب المفروضة على الجزائريين : اللزمة , الغرامة , الزكاة , الضيفة , المعونة , الإتاوة أو العادة , أملاك من لا ميراث له ...
لم تعرف الخزينة الجزائرية ضعفا أو نقصا إلاّ خلال السنوات الأخيرة وقد كان في مخزونها ما يغطي هذا العجز
تميّزت الحياة الثقافية بالضعف والركود مقارنة مع التطور والنشاط الذي عرفته في أوروبا آنذاك وقد اتّسمت بالانتشار الفظيع للخرافات والبدع ...ولكن رغم ذلك فأنّه يسجل للمجتمع الجزائري انعدام الأمية تماما في الحواضر والمدن وتكاد تكون معدومة في الأرياف والقرى نتيجة انتشار المعاهد والمدارس فقد كان في قسنطينة لوحدها أكثر من 86 مدرسة ويذكر " أحمد بوضربة" الذي عاصر الاحتلال أنّه في كلّ قرية جزائرية كانت توجد مدرستان على الأقلّ
كان التعليم يتمّ باللغة العربية وحدها وكان يموّل من طرف الأهالي بفضل صدقات الأوقاف المتعددة والمختلفة...
علاقات الجزائر الخارجية
ü أولا مع المسلمين : أما الخلافة العثمانية فكانت علاقة مساندة ومساعدة وعلاقة طاعة روحية وتبعية اسمية وأما باقي الدول العربية والإسلامية فقد كان الأسطول الجزائري يدافع عن السواحل المغربية والتونسية ضدّ الهجمات الصليبية الإسبانية والبرتغالية كما دافع عن مصر خلال الحملة الفرنسية وقد خصّت الجزائر أوقافا عظيمة للمقدسات الإسلامية في فلسطين والحجاز
ü ثانيا مع الدول الأوروبية : تراوحت علاقات الجزائر مع الدول الأوروبية بين العداء الشديد مع البعض كإسبانيا البرتغال والنمسا والصداقة مع بريطانيا والاضطراب مع فرنسا ... كانت الدول الأوروبية في أوّل جميعها تدفع ضرائب للخزينة الجزائرية وكانت جميعها تحترمها وتقرّ لها بالقوة والسيطرة على البحر المتوسط ولكن ببداية ضعف الأسطول الجزائري بدأت هذه العلاقة تتدهور وبدأت أطماع أوروبا في الجزائر وخيراتها تظهر شيئا فشيئا ....
2. أمريكا قبل وأثناء كتابة مذكرات شالر[2]
يبدأ تاريخ الولايات المتحدة الفعلي سنة 1783م أي مباشرة بعد نهاية حرب الاستقلال التي خاضتها مع مستعمرتها وغريمتها بريطانيا العظمى والتي دامت حوالي ثمان سنوات (1775م ـ 1783م) وانتهت بتوقيع معاهدة فرساي
وفي سنة 1787م وقع المندوبون من جميع الولايات المتحدة على اتفاقيات دستور البلاد والتي تمّ التصديق عليها في سنة 1788م ... لتنطلق بذلك مسيرة دولة بدأت بنواة صغيرة ورقعة بسيطة لا تتعدى 13 ولاية ومقاطعة على شواطئ الأطلسي وبتعداد سكاني لا يتجاوز الأربعة ملايين نسمة (4000000ن)
ثم ما لبثت هذه الدويلة أن تقوت وتوسّعت ...فانطلقت باتجاه المحيط الهادي غربا على حساب السكان الأصليين لأمريكا الهنود الحمر ليعرف العالم ولتشهد البشرية جمعاء ارتكاب أعظم جريمة عرفها تاريخ الإنسان كلـّه جريمة إبادة شعب بأكمله والقضاء على حضارة قارة برمّتها ...
ثمّ استولت واحتلّت شبه جزيرة فلوريدا على حساب إسبانيا سنة 1819 ومقاطعة تكساس وغيرها على حساب المكسيك سنة 1848م وأمريكا ومؤرخوها إلى يومنا هذا يستعملون اصطلاحات مثل الضمّ بدل التوسع والاحتلال والاستيلاء ...
كما اشترت مقاطعة لويزيانا من فرنسا سنة 1803م
وبقيت هكذا تقتل بلا هوادة وتشتري بأيّ ثمن وتحتل ما أمكن إلى أن وصلت إلى حدودها القارّية الحالية ...
خرجت أمريكا من حروب الاستقلال ضعيفة اقتصاديا ومنهكة ماليا ولكنّها على خلاف الجزائر العثمانية اتّخذت جميع الوسائل وانتهجت جميع السبل الممكنة والمتاحة للتّخلـّص من هذا الضعف وعلى رأس هذه الوسائل اعتماد الأساليب العلمية الجديدة فطوّرت زراعتها وأنشأت صناعة راقية قويت شيئا فشيئا حتى أصبحت تنافس غريمتها الأوروبية
كما طوّرت وركّزت على النشاط التجاري فأنشأت أسطولا بحريا تجاريا يجوب مختلف المحيطات والبحار وإلى جانبه أسطولا بحريا عسكريا يتولى فيما يتولاه من المهام حماية الأسطول التجاري من ما كانوا يسمونه آنذاك بظاهرة القرصنة...
ولم يكد القرن التاسع عشر ينتصف حتى صارت أمريكا من أقوى الدول في العالم سياسيا واقتصاديا وتجاريا وعسكريا...
وفي سنة 1787م وقع المندوبون من جميع الولايات المتحدة على اتفاقيات دستور البلاد والتي تمّ التصديق عليها في سنة 1788م ... لتنطلق بذلك مسيرة دولة بدأت بنواة صغيرة ورقعة بسيطة لا تتعدى 13 ولاية ومقاطعة على شواطئ الأطلسي وبتعداد سكاني لا يتجاوز الأربعة ملايين نسمة (4000000ن)
ثم ما لبثت هذه الدويلة أن تقوت وتوسّعت ...فانطلقت باتجاه المحيط الهادي غربا على حساب السكان الأصليين لأمريكا الهنود الحمر ليعرف العالم ولتشهد البشرية جمعاء ارتكاب أعظم جريمة عرفها تاريخ الإنسان كلـّه جريمة إبادة شعب بأكمله والقضاء على حضارة قارة برمّتها ...
ثمّ استولت واحتلّت شبه جزيرة فلوريدا على حساب إسبانيا سنة 1819 ومقاطعة تكساس وغيرها على حساب المكسيك سنة 1848م وأمريكا ومؤرخوها إلى يومنا هذا يستعملون اصطلاحات مثل الضمّ بدل التوسع والاحتلال والاستيلاء ...
كما اشترت مقاطعة لويزيانا من فرنسا سنة 1803م
وبقيت هكذا تقتل بلا هوادة وتشتري بأيّ ثمن وتحتل ما أمكن إلى أن وصلت إلى حدودها القارّية الحالية ...
خرجت أمريكا من حروب الاستقلال ضعيفة اقتصاديا ومنهكة ماليا ولكنّها على خلاف الجزائر العثمانية اتّخذت جميع الوسائل وانتهجت جميع السبل الممكنة والمتاحة للتّخلـّص من هذا الضعف وعلى رأس هذه الوسائل اعتماد الأساليب العلمية الجديدة فطوّرت زراعتها وأنشأت صناعة راقية قويت شيئا فشيئا حتى أصبحت تنافس غريمتها الأوروبية
كما طوّرت وركّزت على النشاط التجاري فأنشأت أسطولا بحريا تجاريا يجوب مختلف المحيطات والبحار وإلى جانبه أسطولا بحريا عسكريا يتولى فيما يتولاه من المهام حماية الأسطول التجاري من ما كانوا يسمونه آنذاك بظاهرة القرصنة...
ولم يكد القرن التاسع عشر ينتصف حتى صارت أمريكا من أقوى الدول في العالم سياسيا واقتصاديا وتجاريا وعسكريا...
3. العلاقات الجزائرية الأمريكية قبل وأثناء كتابة المذكرات :[3]
بمجرد انطلاق المسيرة التنموية الأمريكية والتي جعلت من التجارة الخارجية إحدى ركائزها الأولى والكبرى وجدت أمامها دولة قوية تسيطر على أهم الطرق البحرية وعلى رأسها مركز التجارة العالمية آنذاك وشَرْيانها وركنها الركين البحر الأبيض المتوسط ...هذه الدولة هي الجزائر العثمانية بأسطولها العسكري القوي فاضطرت أمريكا إلى أن تهادن هذه الدولة تماما كما كانت تفعل مثيلاتها من الدول الغربية ...لكن بمجرد ضعف هذا الأسطول عادت العلاقات للتوتر وسارعت أمريكا للتملص والتخلـّص من التزاماتها المالية والضريبية ...هذه هي العلاقة بالإجمال والعموم لكن لتفصيلها والوقوف على مسارها وتاريخها لا بدّ من تقسيمها إلى مراحل كلّ مرحلة لها حيثياتها وملابساتها الخاصة ....
ü مرحلة الاحتلال البريطاني لأمريكا : خلال هذه المرحلة كانت أمريكا مستعمرة بريطانية تابعة سياسيا واقتصاديا للتاج الإنجليزي وبالتالي كانت العلاقة مع أمريكا منطوية تحت العلاقات الجزائرية البريطانية تتمّ بواسطتها ومن خلالها
ü مرحلة حروب الاستقلال : خلال هذه المرحلة وقفت الجزائر إلى جانب بريطانيا حسب بعض المؤرخين[4] منهم الأستاذ إسماعيل العربي ويرى آخرون أنّ الجزائر لم تتخذ قرارا في هذا الشأن ولم تتحيز لجانب دون آخر لأنّ المسألة لم تكن تعنيها فهي مسألة بريطانية داخلية أو مسألة بين دولتين صليبيتين لا تعنيها في شيء أو لبعدها الشديد عن حدودها السياسية وهذا هو ظاهر ما يجنح إليه القنصل الأمريكي من خلال مذكراته هاته فهو يعتبر العلاقات الأمريكية الجزائرية حديثة عهد ولم تبدأ الاتصالات فيما بين الدولتين إلاّ بعد 1783 م كما يؤيّد هذا الاتجاه مسارعة الجزائر إلى الاعتراف باستقلال الولايات المتحدة
وعلى فرضية صحّة ما ذهب إليه الأستاذ إسماعيل العربي فإنّ وقوف الجزائر إلى جانب بريطانيا في حربها ضدّ أمريكا لم يكن أحد يلومها أو يخطّئها عليه لأنّ كلّ القرائن والظروف كانت تشير وتدفع لاتخاذ ذلك الموقف وعلى رأسها علاقتها مع بريطانيا كانت قائمة وحميمة بخلاف أمؤكا التي لم تكن قد وجدت بعدُ
قوة بريطانيا وتفوقها العسكري كان يوحي أو يشير إلى أنّ المعركة ستنتهي لصالحها
البعد الجغرافي بين أمريكا والجزائر كان يستدعي بدوره عدم الاهتمام بهذه الدولة على حساب دولة قريبة منها هي بريطانيا ....
ü مرحلة استقلال الولايات المتحدة : سارعت الجزائر إلى الاعتراف بها كدولة مستقلة كاملة السيادة والحقوق بل تعتبر الجزائر أوّل الدول اعترافا بها
ü مرحلة ما بعد الاستقلال مباشرة 1783م : استولت الجزائر على سفينتين أمريكيتين في عرض المحيط الأطلسي وأسرت ركابها [5], وأصبحت التجارة الأمريكية في البحر المتوسط مستحيلة كما اعتبر الأمريكيون مشكلة الأسطول الجزائري كارثة وطنية وقامت حملة كبيرة في الرأي العام الأمريكي من أجل تحرير أسراهم المتواجدين في الجزائر ...وإذا كانت السفن الأمريكية تجد نوعا من المساعدة والحماية من طرف الأسطول البرتغالي الذي كان في حرب مع الجزائر بفضل مراقبته لمضيق طارق ومنعه مرور السفن الجزائرية فإنّ توسط بريطانيا بين الجزائر والبرتغال لعقد هدنة بين الطرفين سنة 1793م تسمح للأسطول الجزائري بالمرور إلى الأطلسي قد عقـّد مشكلة الولايات المتحدة ما اضطرها للدخول في مفاوضات مباشرة مع الجزائر يقول السفير الأمريكي وليام شالر [6]: "... وهكذا ظهر أنّ التفاوض مع الجزائر لتحرير الأسرى الأمريكيين المحتجزين عبيدا هنا في الجزائر , ومنع أعمال أخرى للقرصنة , هو الوسيلة الوحيدة أمام حكومتهم وقد اتخذت إجراءات طبقا لذلك ولهذه الغاية , كلّف الكولونيل هامفري , الوزير الأمريكي في لشبونة من قبل رئيس الولايات المتحدة بالدخول في مفاوطات مع الجزائر , وتبعا لذلك كلـّف جوزيف دونالدصون بالذهاب إلى الإيالة لعقد معاهدة الصلح تعهدت الولايات المتحدة بموجبها بأن تدفع للجزائر مبلغ 725 ألف دولار في مقابل فدية الأسرى الأمريكيين وغرامة سنوية مقدارها 12000 سيكون[7] و تدفع كذلك ما جرى عليه عرف الديبلوماسية الجزائرية من أموال ومقتنيات ثمينة على سبيل الهدايا والمنح وكذلك وعد داي الجزائر من جانبه بأن يساعد الولايات المتحدة على الوصول إلى عقد معاهدات صلح مع كلّ من إيالة طرابلس وإيالة تونس."[8] ولقد كانت التكلفة الحقيقية لمعاهدة الصلح هذه بالنسبة للولايات المتحدة تعادل أو تفوق المليون دولار وهي قيمة في غاية الارتفاع إذا نظرنا إلى حالتها المالية الكارثية بسبب الديون الخارجية ووضعها الاقتصادي المزري بسبب حرب الاستقلال وضعف الدولة الحديثة النشأة تنظيميا وإداريا الراجح أنّ هذه المعاهدة تمّت سنة 1795م وأنّ أمريكا وجدت صعوبة في جمع هذه الأموال ولكنّها دفعتها بواسطة مفوضها جويل بارلو سنة 1796م , وبقيت مطالب الجزائر تزداد وتتفاقم كلـّما تطوّرت التجارة الأمريكية وازدهرت إلى أن وصلت في حسّ الأمريكيين إلى درجة لا تطاق ولكن لم يكن لهم مفرّا ولا بديلا من دفع هذه الضرائب والغرامات ...
ü مرحلة بداية التوتر 1810 م : خلال حروب نابوليون تغيّرت أوضاع الدول الأوروبية سواء من حيث سياساتها أو من حيث اقتصادها ... فقد تغيّر ميزان القوة بشكل مفاجئ وكبير (تصاعد قوة فرنسا روسيا وبريطانيا وأفول نجم بعض الدول القديمة مثل النمسا هولندا إسبانيا والبرتغال ) كما عرفت الدول الأوروبية ضعفا اقتصاديا وعجزا ماليا نتيجة تكاليف الحروب النابوليونية ممّا دفع جلّ هذه الدول إلى التوقّف عن دفع ضرائبها وغراماتها للجزائر , أمريكا بدورها دخلت خلال هذه الفترة في حرب مع بريطانيا ما جعلها تعرف نفس الظروف المالية والاقتصادية التي عرفتها أوروبا فتوقفت عن دفع ضريبتها المستحقّة , بعد ذلك مباشرة أعلن داي الجزائر الحرب على الولايات المتحدة , وقد اعتبر الأمريكيون هذا الإعلان بمثابة العدوان السافر والمتعمّد وزعموا أنّ من وراء هذا القرار يهود الجزائر هم الذين نصحوا الداي به يقول وليام شالر [9]: "لقد اتخذت السلطات الجزائرية هذا الإجراء بناء على نصيحة بعض اليهود الذين كانوا يتمتعون بحظوة كبيرة لدى الداي في تلك الآونة والذين كانوا على رأس شركة تجارية خطيرة الشأن . فقد أخبر اليهود الداي بمدى اتساع نطاق التجارة الأمريكية وكيف أنّ الأمريكيين يتحملون بدون امتعاض أعمال القرصنة التي تقوم بها سفن الدول المتحاربة ضدهم , واستنتجوا من ذلك , بطبيعة الحال , أنّ الجزائر تستطيع أن تقوم بنفس الأعمال , بحيث سينتهي الأمر بخضوع الولايات المتحدة, وبحصول الايالة على مبلغ كبير من المال, في مقابل تجديد معاهدة السلام."
لم تكن أمريكا تستطيع خوض حرب مع الجزائر فاضطرت إلى محاولة مهادنتها وأرسلت سفينة (اللغاني) محمّلة بالذخيرة والعتاد الحربي , أرست هذه السفينة في ميناء الجزائر يوم 17 جوان 1812م ولكن حمولتها كانت ناقصة عن القيمة المتفق عليها بين الطرفين , أبدى الداي غضبا شديدا وانزعاجا كبيرا بسبب هذا النقص الذي اعتبره عدم وفاء بالعهود والمواثيق وممّا زاد غضب الداي أن علم أنّ نفس السفينة قد أنزلت شحنة مماثلة لملك المغرب وأنّها كانت محمّلة ببعض الأغراض الأخرى لأفراد وشركات خاصة
رأى الداي في هذا التصرف إهانة لشخصه ولدولة الجزائر فأمر القنصل الأمريكي بمغادرة الأراضي الجزائرية رفقة عائلته وجميع الرعايا الأمريكيين وأمهلهم حوالي أسبوعا واحدا إلى غاية 25جوان 1812م
وفي منتصف سبتمبر 1812 ألقى الأسطول الجزائري القبض على سفينة أمريكية وأسرّ جميع من عليها
في 1813م حاولت الحكومة الأمريكية فدية أسراها ولكن المحاولة باءت بالفشل ... يزعم القنصل شالر أنّ الداي رفض فديتهم وقال أنّهم أهمّ عنده من أي مبلغ مالي مهما عظم ...
ü مرحلة التفوق الأمريكي 1815م : الملاحظ أنّ هذه الفترة عرفت فتح الأسطول الجزائري في الوقت نفسه عدّة جبهات وفي شتّى المناطق والجهات وضدّ عدد غير قليل من البلدان على رأسها هولندا السويد ودول الشمال إسبانيا الدويلات الإيطالية ...ولعلّ الذي ساعد الأسطول الجزائري على مجابهة جميع هذه الدول في آنٍ واحد ــ دون أن يتأثر كبير تأثير ــ هو اشتغالهم بحرب نابوليون التي كلّفتهم إنسانيا وماليا الشيء الكثير , ولكن بانتهاء هذه الحروب ابتداء من سنة 1814م بدأت المواقف الغربية (الأوروبية و الأمريكية ) تغيّر من اتجاهها ومن شكلها وحدّتها ...وبدأ التخطيط الفعلي والعلني لمحاربة الجزائر وتحطيم أسطولها
ففي مؤثمر فينا 1815م استطاعت أوروبا أن تمنع الرقّ الأسود كما حاولت جاهدتا أن تحرّم ظاهرة القرصنة ولكن بريطانيا بقوّتها ونفوذها ومحافظة على مصالحها حالت دون ذلك
وفي سنة 1815م وبتوصية من الرئيس الأمريكي ماديصون قرّر الجنجرس (مجلس الشيوخ) العمل على إلغاء معاهدة الجزائر والتوقف نهائيا عن دفع أيّ ضريبة , كما قرر إعلان الحرب على الجزائر وإرسال قطع بحرية للمتوسط لترغم الداي على توقيع معاهدة الصلح وفق الشروط الأمريكية
عيّن الرئيس الأمريكي ماديصون لهذه المهمّة كلٌ من القبطان بينبريج Bainbridje والقبطان ديكاتور Decature قائدين للأسطول المتكون من عشر قطع [10] وكذا القنصل العام ولسام شالر لأجل خوض المفاوضات مع إيالة الجزائر
انطلق الأسطول الأمريكي من ميناء نيو يورك يوم 15ماي 1815م ودخل المتوسط شهر جوان وفي 16 من ذات الشهر التقى بالبارجة الجزائري(مشهودة) قرب رأس جات Cap jet والتي كان يقودها القائد الجزائري المشهور الرئيس حميدو وبسبب عامل المباغتة وبعد مقاومة شديدة قتل على إثرها الرئيس حميدو و ألقت القوات الأمريكية القبض على السفينة وأسرت جميع طاقمها
وفي يوم 20 جوان وصل الأسطول الأمريكي إلى عرض البحر المقابل للجزائر العاصمة التي كانت يومها شبه فارغة من جلّ سكانها وحاميتها (بسبب انتقال أغلب سكان العاصمة إلى مساكن البوادي وتنقل حاميتها للمناطق الداخلية لجمع الزكاة والضرائب والإتاوات وكذا غياب جلّ قطع الأسطول الجزائري الذي كان في مهام عرض المتوسط والأطلسي ) كلّ ذلك دفع الداي إلى المسارعة للتوقيع على معاهدة الصلح وفق الشروط والبنود التي وضعها المفوضون الأمريكيون
يقول القنصل شالر[11] : "لقد أخِذَ الأسطول الجزائري على غرة بهذه الأحداث , ونظرا لأنّ أسطولهم كان يتجول في عرض البحر في تلك الأثناء ,فقد قبلوا , تقريبا جميع الشروط التي أمليناها عليهم , وبدون مناقشة ..."
تمّ التوقيع على المعاهدة يوم 30 جوان , وبعدها مباشرة تمّ تعيين وليام شالر قنصلا عاما للولايات المتحدة الأمريكية في الجزائر
وجدّدت هذه المعاهدة وبنفس الشروط تقريبا في 23 ديسمبر 1815م ومثّل شالر بلاده في المفاوضات التي سبقت هذه المعاهدة إلى جانب [اليهودي] إسحاق تشونسي I.chauncey القائد الأعلى للقوات الأمريكية في المتوسط ...ü مرحلة الاحتلال البريطاني لأمريكا : خلال هذه المرحلة كانت أمريكا مستعمرة بريطانية تابعة سياسيا واقتصاديا للتاج الإنجليزي وبالتالي كانت العلاقة مع أمريكا منطوية تحت العلاقات الجزائرية البريطانية تتمّ بواسطتها ومن خلالها
ü مرحلة حروب الاستقلال : خلال هذه المرحلة وقفت الجزائر إلى جانب بريطانيا حسب بعض المؤرخين[4] منهم الأستاذ إسماعيل العربي ويرى آخرون أنّ الجزائر لم تتخذ قرارا في هذا الشأن ولم تتحيز لجانب دون آخر لأنّ المسألة لم تكن تعنيها فهي مسألة بريطانية داخلية أو مسألة بين دولتين صليبيتين لا تعنيها في شيء أو لبعدها الشديد عن حدودها السياسية وهذا هو ظاهر ما يجنح إليه القنصل الأمريكي من خلال مذكراته هاته فهو يعتبر العلاقات الأمريكية الجزائرية حديثة عهد ولم تبدأ الاتصالات فيما بين الدولتين إلاّ بعد 1783 م كما يؤيّد هذا الاتجاه مسارعة الجزائر إلى الاعتراف باستقلال الولايات المتحدة
وعلى فرضية صحّة ما ذهب إليه الأستاذ إسماعيل العربي فإنّ وقوف الجزائر إلى جانب بريطانيا في حربها ضدّ أمريكا لم يكن أحد يلومها أو يخطّئها عليه لأنّ كلّ القرائن والظروف كانت تشير وتدفع لاتخاذ ذلك الموقف وعلى رأسها علاقتها مع بريطانيا كانت قائمة وحميمة بخلاف أمؤكا التي لم تكن قد وجدت بعدُ
قوة بريطانيا وتفوقها العسكري كان يوحي أو يشير إلى أنّ المعركة ستنتهي لصالحها
البعد الجغرافي بين أمريكا والجزائر كان يستدعي بدوره عدم الاهتمام بهذه الدولة على حساب دولة قريبة منها هي بريطانيا ....
ü مرحلة استقلال الولايات المتحدة : سارعت الجزائر إلى الاعتراف بها كدولة مستقلة كاملة السيادة والحقوق بل تعتبر الجزائر أوّل الدول اعترافا بها
ü مرحلة ما بعد الاستقلال مباشرة 1783م : استولت الجزائر على سفينتين أمريكيتين في عرض المحيط الأطلسي وأسرت ركابها [5], وأصبحت التجارة الأمريكية في البحر المتوسط مستحيلة كما اعتبر الأمريكيون مشكلة الأسطول الجزائري كارثة وطنية وقامت حملة كبيرة في الرأي العام الأمريكي من أجل تحرير أسراهم المتواجدين في الجزائر ...وإذا كانت السفن الأمريكية تجد نوعا من المساعدة والحماية من طرف الأسطول البرتغالي الذي كان في حرب مع الجزائر بفضل مراقبته لمضيق طارق ومنعه مرور السفن الجزائرية فإنّ توسط بريطانيا بين الجزائر والبرتغال لعقد هدنة بين الطرفين سنة 1793م تسمح للأسطول الجزائري بالمرور إلى الأطلسي قد عقـّد مشكلة الولايات المتحدة ما اضطرها للدخول في مفاوضات مباشرة مع الجزائر يقول السفير الأمريكي وليام شالر [6]: "... وهكذا ظهر أنّ التفاوض مع الجزائر لتحرير الأسرى الأمريكيين المحتجزين عبيدا هنا في الجزائر , ومنع أعمال أخرى للقرصنة , هو الوسيلة الوحيدة أمام حكومتهم وقد اتخذت إجراءات طبقا لذلك ولهذه الغاية , كلّف الكولونيل هامفري , الوزير الأمريكي في لشبونة من قبل رئيس الولايات المتحدة بالدخول في مفاوطات مع الجزائر , وتبعا لذلك كلـّف جوزيف دونالدصون بالذهاب إلى الإيالة لعقد معاهدة الصلح تعهدت الولايات المتحدة بموجبها بأن تدفع للجزائر مبلغ 725 ألف دولار في مقابل فدية الأسرى الأمريكيين وغرامة سنوية مقدارها 12000 سيكون[7] و تدفع كذلك ما جرى عليه عرف الديبلوماسية الجزائرية من أموال ومقتنيات ثمينة على سبيل الهدايا والمنح وكذلك وعد داي الجزائر من جانبه بأن يساعد الولايات المتحدة على الوصول إلى عقد معاهدات صلح مع كلّ من إيالة طرابلس وإيالة تونس."[8] ولقد كانت التكلفة الحقيقية لمعاهدة الصلح هذه بالنسبة للولايات المتحدة تعادل أو تفوق المليون دولار وهي قيمة في غاية الارتفاع إذا نظرنا إلى حالتها المالية الكارثية بسبب الديون الخارجية ووضعها الاقتصادي المزري بسبب حرب الاستقلال وضعف الدولة الحديثة النشأة تنظيميا وإداريا الراجح أنّ هذه المعاهدة تمّت سنة 1795م وأنّ أمريكا وجدت صعوبة في جمع هذه الأموال ولكنّها دفعتها بواسطة مفوضها جويل بارلو سنة 1796م , وبقيت مطالب الجزائر تزداد وتتفاقم كلـّما تطوّرت التجارة الأمريكية وازدهرت إلى أن وصلت في حسّ الأمريكيين إلى درجة لا تطاق ولكن لم يكن لهم مفرّا ولا بديلا من دفع هذه الضرائب والغرامات ...
ü مرحلة بداية التوتر 1810 م : خلال حروب نابوليون تغيّرت أوضاع الدول الأوروبية سواء من حيث سياساتها أو من حيث اقتصادها ... فقد تغيّر ميزان القوة بشكل مفاجئ وكبير (تصاعد قوة فرنسا روسيا وبريطانيا وأفول نجم بعض الدول القديمة مثل النمسا هولندا إسبانيا والبرتغال ) كما عرفت الدول الأوروبية ضعفا اقتصاديا وعجزا ماليا نتيجة تكاليف الحروب النابوليونية ممّا دفع جلّ هذه الدول إلى التوقّف عن دفع ضرائبها وغراماتها للجزائر , أمريكا بدورها دخلت خلال هذه الفترة في حرب مع بريطانيا ما جعلها تعرف نفس الظروف المالية والاقتصادية التي عرفتها أوروبا فتوقفت عن دفع ضريبتها المستحقّة , بعد ذلك مباشرة أعلن داي الجزائر الحرب على الولايات المتحدة , وقد اعتبر الأمريكيون هذا الإعلان بمثابة العدوان السافر والمتعمّد وزعموا أنّ من وراء هذا القرار يهود الجزائر هم الذين نصحوا الداي به يقول وليام شالر [9]: "لقد اتخذت السلطات الجزائرية هذا الإجراء بناء على نصيحة بعض اليهود الذين كانوا يتمتعون بحظوة كبيرة لدى الداي في تلك الآونة والذين كانوا على رأس شركة تجارية خطيرة الشأن . فقد أخبر اليهود الداي بمدى اتساع نطاق التجارة الأمريكية وكيف أنّ الأمريكيين يتحملون بدون امتعاض أعمال القرصنة التي تقوم بها سفن الدول المتحاربة ضدهم , واستنتجوا من ذلك , بطبيعة الحال , أنّ الجزائر تستطيع أن تقوم بنفس الأعمال , بحيث سينتهي الأمر بخضوع الولايات المتحدة, وبحصول الايالة على مبلغ كبير من المال, في مقابل تجديد معاهدة السلام."
لم تكن أمريكا تستطيع خوض حرب مع الجزائر فاضطرت إلى محاولة مهادنتها وأرسلت سفينة (اللغاني) محمّلة بالذخيرة والعتاد الحربي , أرست هذه السفينة في ميناء الجزائر يوم 17 جوان 1812م ولكن حمولتها كانت ناقصة عن القيمة المتفق عليها بين الطرفين , أبدى الداي غضبا شديدا وانزعاجا كبيرا بسبب هذا النقص الذي اعتبره عدم وفاء بالعهود والمواثيق وممّا زاد غضب الداي أن علم أنّ نفس السفينة قد أنزلت شحنة مماثلة لملك المغرب وأنّها كانت محمّلة ببعض الأغراض الأخرى لأفراد وشركات خاصة
رأى الداي في هذا التصرف إهانة لشخصه ولدولة الجزائر فأمر القنصل الأمريكي بمغادرة الأراضي الجزائرية رفقة عائلته وجميع الرعايا الأمريكيين وأمهلهم حوالي أسبوعا واحدا إلى غاية 25جوان 1812م
وفي منتصف سبتمبر 1812 ألقى الأسطول الجزائري القبض على سفينة أمريكية وأسرّ جميع من عليها
في 1813م حاولت الحكومة الأمريكية فدية أسراها ولكن المحاولة باءت بالفشل ... يزعم القنصل شالر أنّ الداي رفض فديتهم وقال أنّهم أهمّ عنده من أي مبلغ مالي مهما عظم ...
ü مرحلة التفوق الأمريكي 1815م : الملاحظ أنّ هذه الفترة عرفت فتح الأسطول الجزائري في الوقت نفسه عدّة جبهات وفي شتّى المناطق والجهات وضدّ عدد غير قليل من البلدان على رأسها هولندا السويد ودول الشمال إسبانيا الدويلات الإيطالية ...ولعلّ الذي ساعد الأسطول الجزائري على مجابهة جميع هذه الدول في آنٍ واحد ــ دون أن يتأثر كبير تأثير ــ هو اشتغالهم بحرب نابوليون التي كلّفتهم إنسانيا وماليا الشيء الكثير , ولكن بانتهاء هذه الحروب ابتداء من سنة 1814م بدأت المواقف الغربية (الأوروبية و الأمريكية ) تغيّر من اتجاهها ومن شكلها وحدّتها ...وبدأ التخطيط الفعلي والعلني لمحاربة الجزائر وتحطيم أسطولها
ففي مؤثمر فينا 1815م استطاعت أوروبا أن تمنع الرقّ الأسود كما حاولت جاهدتا أن تحرّم ظاهرة القرصنة ولكن بريطانيا بقوّتها ونفوذها ومحافظة على مصالحها حالت دون ذلك
وفي سنة 1815م وبتوصية من الرئيس الأمريكي ماديصون قرّر الجنجرس (مجلس الشيوخ) العمل على إلغاء معاهدة الجزائر والتوقف نهائيا عن دفع أيّ ضريبة , كما قرر إعلان الحرب على الجزائر وإرسال قطع بحرية للمتوسط لترغم الداي على توقيع معاهدة الصلح وفق الشروط الأمريكية
عيّن الرئيس الأمريكي ماديصون لهذه المهمّة كلٌ من القبطان بينبريج Bainbridje والقبطان ديكاتور Decature قائدين للأسطول المتكون من عشر قطع [10] وكذا القنصل العام ولسام شالر لأجل خوض المفاوضات مع إيالة الجزائر
انطلق الأسطول الأمريكي من ميناء نيو يورك يوم 15ماي 1815م ودخل المتوسط شهر جوان وفي 16 من ذات الشهر التقى بالبارجة الجزائري(مشهودة) قرب رأس جات Cap jet والتي كان يقودها القائد الجزائري المشهور الرئيس حميدو وبسبب عامل المباغتة وبعد مقاومة شديدة قتل على إثرها الرئيس حميدو و ألقت القوات الأمريكية القبض على السفينة وأسرت جميع طاقمها
وفي يوم 20 جوان وصل الأسطول الأمريكي إلى عرض البحر المقابل للجزائر العاصمة التي كانت يومها شبه فارغة من جلّ سكانها وحاميتها (بسبب انتقال أغلب سكان العاصمة إلى مساكن البوادي وتنقل حاميتها للمناطق الداخلية لجمع الزكاة والضرائب والإتاوات وكذا غياب جلّ قطع الأسطول الجزائري الذي كان في مهام عرض المتوسط والأطلسي ) كلّ ذلك دفع الداي إلى المسارعة للتوقيع على معاهدة الصلح وفق الشروط والبنود التي وضعها المفوضون الأمريكيون
يقول القنصل شالر[11] : "لقد أخِذَ الأسطول الجزائري على غرة بهذه الأحداث , ونظرا لأنّ أسطولهم كان يتجول في عرض البحر في تلك الأثناء ,فقد قبلوا , تقريبا جميع الشروط التي أمليناها عليهم , وبدون مناقشة ..."
تمّ التوقيع على المعاهدة يوم 30 جوان , وبعدها مباشرة تمّ تعيين وليام شالر قنصلا عاما للولايات المتحدة الأمريكية في الجزائر
يتبع ...
[1] مختصر تاريخ الجزائر بين1707 و 1827 م , للأستاذ دحداح عبد الحفيظ , نقلا من موقع الأستاذ : www.dahdah1.webs.com/index.html (منتديات الموقع)
[2] تاريخ الولايات المتحدة , الموسوعة الحرة ويكيبيديا
[3] مذكرات وليام شالر , مقدمة المترجم إسماعيل العربي , موقع الأستاذ دحداح عبد الحفيظ
[4] مذكرات وليام شالر القنصل الأمريكي في الجزائر 1816 ـ 1824م تعريب إسماعيل العربي , الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر 1982م. مقدمة المترجم ص5
[5] المصدر السابق ص128
[6]نفسه ص129
[7] السيكون (Sequin) عملة ذهبية غير ثابتة القيمة كانت متداولة في الجزائر وتركيا ودويلات إيطاليا , كانت قيمتها خلال تلك الفترة تعادل دولارين إسبانيين
[8] المصدر السابق ص129
[9] المصدرنفسه ص141
[10] أو ثمان قطع بحسب رواية القنصل شالر ص146 , 147
[11] المصدر نفسه ص 147