الاستاذ محمد احمد محمود
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة في بعض معاني سورة الفاتحة
(القسم الثالث والاخير)
متعلق بما قبله:
وقرن تعالى قوله(الرحمن الرحيم) بوحدانية الوهيته فقال في سورة البقرة الأية(163): والهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم)). وخص (الرحمن) مقترننا مرة بلسان عرشه. فقال في سورة طه الأيتين( 5و6): الرحمن على العرش استوى. له ما في السموات وما في الارض وما بينهما وما تحث الثرى)), ومقترننا مرة اخرى بيوم القيامة فقال في سورة طه ايضا الأية(108): يومئذ يتبعون الداعي لاعوج له وخشعت الاصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا)), وقال في الآيتين(25و26) من سورة الفرقان : ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا. الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا)).
وورود اسم (الرحمن) مقرونا بالعرش فيه مناسبة مع لطفه بعباده والاحسان اليهم ورقته بسائر مخلوقاته وهو تعالى يدبر الامر في السموات والأرض وما بينهما من حال استوائه على عرشه سبحانه وتعالى في ابتداء الخلق,كما ان ورود اسم (الرحمن) مقترنا بيوم القيامة حيث يقوم الناس من قبورهم فزعين من هول المشاهد والموقف,تأكيدا لصفة الرحمة بهم حيث يقف الجميع بين يديه تعالى للحساب عن اعمالهم في حياتهم الدنيا بميزان الحق والعدل فلا يظلم احد شيئا وقد ارسل اليهم رسله بالوحي والكتب ودعاهم لطاعته وعبادته والدخول في رحمته. قال تعالى في سورة الأعراف الآيات(6 وحتى 9): فلنسئلن الذين ارسل اليهم ولنسئلن المرسلين. فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين. والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسورا انفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون)). وقال في سورة الأنبياء الآية(47): ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة من خردل اتينا بها وكفى بنا حاسبين )). فرحمة الله في الدنيا ورحمته في الآخرة ولهذا جاء في الأثر( رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما).
(ملك يوم الدين)
المالك هو المتصرف في ملكه والصفة به تقتضي القوة على تصريف ما ملك والآية الكريمة هي صفة ثالثة لله تعالى.( ويوم الدين) هو يوم الجزاء والدينونة بعد البعث من القبور حيث يدان فيه الناس بأعمالهم خيرها وشرها. وروي عن مجاهد انه قال: الدين والجزاء معناهما واحد.لان يوم القيامة هو يوم الحساب ويوم الجزاء.ويقول الأمام ابن كثير الدمشقي(رحمه الله): الدين هو الجزاء والحساب كما قال( يومئذ يوفيهم دينهم الحق) وقال( ائنا لمدينون) اي مجزيون محاسبون.اه
وكلمة الدين في كلام العرب تجيئ في معاني اخرى غير يوم الجزاء والقيامة هنا وقد وردت في اكثر من آية في القرآن الكريم وذكرتها كتب التفسير ومصنفات الوجوه والاشباه والنظائر وكتب المعاني.
(اياك نعبد واياك نستعين)
وفي هذه الآية يدخل العبد المسلم وهو يصلي في مخاطبة الله تعالى متبرئا من الشرك متذللا اليه فيقول( اياك نعبد),ومتبرئا كذلك من اي حول او قوة او تفويض لغير الله تعالى طالبا عونه ومساعدته وحده.وكلمة (اياك) ضمير الخطاب الذي يفيد الأختصاص وحصر العبادة به ثم طلب العون والمساعدة منه تعالى في كل ما يقتضي من امر العبادة وكل ما يهم من امور الدين والدنيا.
وفي الآية(اياك نعبد واياك نستعين) تحول في مناجاة العبد المسلم لربه من الغيبة في الآيات قبلها الى الخطاب المباشر وهو من المحسنات البديعية في العربية فضلا عن ان كلمتي (نعبد) و(نستعين) تفيدان خطاب الجمع وهو الاصل في اداء المسلمين للصلاة في جماعة خلف الامام في المسجد.
يأتي بعد ذلك دعاء المسلم الى الله تعالى بطلب الهداية الى الطريق المستقيم في الحياة وهو المتمثل بشريعته ومنهاجه وهو غاية الدعاء ومقاصده في كل صلاة وفي سائر الاوقات.
وهكذا وبجميع آيات سورة الفاتحة نصا وتفسيرا ومعاني تتضح اهمية السورة كما وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثة لابي بن كعب رضي الله عنه: لم تنزل لافي التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها.وبيًن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك صيغة المناجاة بين العبد المسلم وربه تعالى في السورة فقال فيما نقله ابو هريرة رضي الله عنه ورواه لنا رسول الله صلى الله عليه وسم عن ربه تعالى حيث يقول: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي, ولعبدي ما سأل.فاذا ما قال العبد(الحمد لله رب العالمين) يقول الله تبارك وتعالى حمدني عبدي.وحين يقول العبد(الرحمن الرحيم) يقول الله اثنى علي عبدي وحين يقول العبد (اياك نعبد واياك نستعين) يقول الله تعالى فهذه الآية بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فاذا قال( اهدنا الصراط المستقيم صراط اللذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل.
وتصدق اقوال السلف الصالح في السورة كابن عباس (رضي الله عنه) الذي سماها( اساس القرآن) وسماها من جاء بعدهم بالراقية والكافية وسورة الصلاة والكنز.
وتظل تسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم لها بأم القرآن هي التسمية الجامعة والمنهل الذي يستقي منه علماء الأمة معانيها .وكما يقول الامام ابن جرير الطبري: ان العرب تسمي كل جامع امر او مقدم لامر اذا كانت له توابع تتبعه هو لها امام جامع.ومثلما سميت مكة المكرمة ام القرى لتقدمها امام جميعها وجمعها ماسواها.انتهى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قراءة في بعض معاني سورة الفاتحة
(القسم الثالث والاخير)
متعلق بما قبله:
وقرن تعالى قوله(الرحمن الرحيم) بوحدانية الوهيته فقال في سورة البقرة الأية(163): والهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم)). وخص (الرحمن) مقترننا مرة بلسان عرشه. فقال في سورة طه الأيتين( 5و6): الرحمن على العرش استوى. له ما في السموات وما في الارض وما بينهما وما تحث الثرى)), ومقترننا مرة اخرى بيوم القيامة فقال في سورة طه ايضا الأية(108): يومئذ يتبعون الداعي لاعوج له وخشعت الاصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا)), وقال في الآيتين(25و26) من سورة الفرقان : ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا. الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا)).
وورود اسم (الرحمن) مقرونا بالعرش فيه مناسبة مع لطفه بعباده والاحسان اليهم ورقته بسائر مخلوقاته وهو تعالى يدبر الامر في السموات والأرض وما بينهما من حال استوائه على عرشه سبحانه وتعالى في ابتداء الخلق,كما ان ورود اسم (الرحمن) مقترنا بيوم القيامة حيث يقوم الناس من قبورهم فزعين من هول المشاهد والموقف,تأكيدا لصفة الرحمة بهم حيث يقف الجميع بين يديه تعالى للحساب عن اعمالهم في حياتهم الدنيا بميزان الحق والعدل فلا يظلم احد شيئا وقد ارسل اليهم رسله بالوحي والكتب ودعاهم لطاعته وعبادته والدخول في رحمته. قال تعالى في سورة الأعراف الآيات(6 وحتى 9): فلنسئلن الذين ارسل اليهم ولنسئلن المرسلين. فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين. والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسورا انفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون)). وقال في سورة الأنبياء الآية(47): ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة من خردل اتينا بها وكفى بنا حاسبين )). فرحمة الله في الدنيا ورحمته في الآخرة ولهذا جاء في الأثر( رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما).
(ملك يوم الدين)
المالك هو المتصرف في ملكه والصفة به تقتضي القوة على تصريف ما ملك والآية الكريمة هي صفة ثالثة لله تعالى.( ويوم الدين) هو يوم الجزاء والدينونة بعد البعث من القبور حيث يدان فيه الناس بأعمالهم خيرها وشرها. وروي عن مجاهد انه قال: الدين والجزاء معناهما واحد.لان يوم القيامة هو يوم الحساب ويوم الجزاء.ويقول الأمام ابن كثير الدمشقي(رحمه الله): الدين هو الجزاء والحساب كما قال( يومئذ يوفيهم دينهم الحق) وقال( ائنا لمدينون) اي مجزيون محاسبون.اه
وكلمة الدين في كلام العرب تجيئ في معاني اخرى غير يوم الجزاء والقيامة هنا وقد وردت في اكثر من آية في القرآن الكريم وذكرتها كتب التفسير ومصنفات الوجوه والاشباه والنظائر وكتب المعاني.
(اياك نعبد واياك نستعين)
وفي هذه الآية يدخل العبد المسلم وهو يصلي في مخاطبة الله تعالى متبرئا من الشرك متذللا اليه فيقول( اياك نعبد),ومتبرئا كذلك من اي حول او قوة او تفويض لغير الله تعالى طالبا عونه ومساعدته وحده.وكلمة (اياك) ضمير الخطاب الذي يفيد الأختصاص وحصر العبادة به ثم طلب العون والمساعدة منه تعالى في كل ما يقتضي من امر العبادة وكل ما يهم من امور الدين والدنيا.
وفي الآية(اياك نعبد واياك نستعين) تحول في مناجاة العبد المسلم لربه من الغيبة في الآيات قبلها الى الخطاب المباشر وهو من المحسنات البديعية في العربية فضلا عن ان كلمتي (نعبد) و(نستعين) تفيدان خطاب الجمع وهو الاصل في اداء المسلمين للصلاة في جماعة خلف الامام في المسجد.
يأتي بعد ذلك دعاء المسلم الى الله تعالى بطلب الهداية الى الطريق المستقيم في الحياة وهو المتمثل بشريعته ومنهاجه وهو غاية الدعاء ومقاصده في كل صلاة وفي سائر الاوقات.
وهكذا وبجميع آيات سورة الفاتحة نصا وتفسيرا ومعاني تتضح اهمية السورة كما وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثة لابي بن كعب رضي الله عنه: لم تنزل لافي التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها.وبيًن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك صيغة المناجاة بين العبد المسلم وربه تعالى في السورة فقال فيما نقله ابو هريرة رضي الله عنه ورواه لنا رسول الله صلى الله عليه وسم عن ربه تعالى حيث يقول: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي, ولعبدي ما سأل.فاذا ما قال العبد(الحمد لله رب العالمين) يقول الله تبارك وتعالى حمدني عبدي.وحين يقول العبد(الرحمن الرحيم) يقول الله اثنى علي عبدي وحين يقول العبد (اياك نعبد واياك نستعين) يقول الله تعالى فهذه الآية بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فاذا قال( اهدنا الصراط المستقيم صراط اللذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل.
وتصدق اقوال السلف الصالح في السورة كابن عباس (رضي الله عنه) الذي سماها( اساس القرآن) وسماها من جاء بعدهم بالراقية والكافية وسورة الصلاة والكنز.
وتظل تسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم لها بأم القرآن هي التسمية الجامعة والمنهل الذي يستقي منه علماء الأمة معانيها .وكما يقول الامام ابن جرير الطبري: ان العرب تسمي كل جامع امر او مقدم لامر اذا كانت له توابع تتبعه هو لها امام جامع.ومثلما سميت مكة المكرمة ام القرى لتقدمها امام جميعها وجمعها ماسواها.انتهى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته