قراءة في التضمين النحوي في القرآن الكريم والحديث النبوي

إنضم
08/08/2004
المشاركات
48
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
العراق - الأنبار
[ALIGN=CENTER]بسم الله الرحمن الرحيم[/ALIGN]

[ALIGN=CENTER]قراءة في التضمين النحوي
في القرآن الكريم والحديث النبوي
[/ALIGN]


[ALIGN=CENTER]التضمين[/ALIGN]
هو أن يقصد بلفظ فعل معناه الحقيقي ويلاحظ معه معنى فعلٍ أخر يناسبه ويدل عليه بذكر شيءٍ من متعلقاته ((1)) ، ويتم بتعدية الفعل بحرفٍ لا يتعدى به عادةً .

[ALIGN=CENTER]ومذهب الكوفيين فيه :[/ALIGN]
هو النيابة أي إنّ الحرف قد ناب عن حرفٍ أخر ((2)) يُعدى به الفعل المذكور ، وقد غُلط هذا المذهب ، والتحقيق ما قاله نحاة البصرة من التضمين ((3)) .

[ALIGN=CENTER]مذهب البصريين[/ALIGN]

إبقاء الحرف على موضوعه الأول إما بتأويلٍ يقبله اللفظ أو تضمين الفعل معنى فعلٍ أخر يتعدى بذلك الحرف ... ((4)) .
[ALIGN=CENTER]عمل المفسرين[/ALIGN]المفسرون في تفاسيرهم ( قديماً وحديثاً ) أسرى هذا الخلاف على الأغلب فهم ينقلون الرأيين دونما مفاضلةٍ بينهما ((5)) .

[ALIGN=CENTER]أساس الخلاف[/ALIGN]

والذي جعل أغلب مؤيدي المذهب البصري ينقلون تفسيراتٍ متعددةٍ هو ما وقع البلاغيون فيه من خلافٍ حول القصدية في مثل هذا الأسلوب فهل المذكور هو المراد أم المؤول مراد ، وهل تراد الحقيقة هنا أو هو على إرادة المجاز .

[ALIGN=CENTER]ثمرة الخلاف[/ALIGN]

قد يظن أن هذا خلاف لا ثمرة منه على عكس ما عليه الأمر ، وما كان أغنى المختلفين عن مواصلة اختلافهم دون التنبيه على ثمرته إذ التضمين دون بيان ثمرته لا يخرج عن مجرد الجدال النظري ، لاسيما أن من علمائنا ( قدماء ومحدثين ) من ذهب إلى القول بالجمع ما بين المعنيين المفترضين في التضمين ، يقول الأشموني : ( التضمين إشراب اللفظ معنى لفظٍ أخر وإعطاؤه حكمه لتصير الكلمة تؤدي مؤدى كلمتين ... ) ((6))
ويقول الشيخ ( يس ) في حاشيته على التصريح ( إن المعنيين مرادان على طريق الكناية فُيراد المعنى الأصلي توصلاً إلى المعنى المقصود أو أن المعنيين مرادان على طريق عموم المجاز أو إرادة المعنيين عن طريق الملزوم ... ) ((7)) وعدّه ابن جني من التوسع في كلام العرب ((8)) فالفائدة كبيرة في التضمين وهي ( إعطاء مجموع المعنيين ، فالفعلان مقصودان معاً قصداً وتبعاً ) ((9)) .
وبهذا يكون للتضمين غرض بلاغي لطيف وهو الجمع بين معنيين بأخصر أسلوب وذلك بذكر فعلٍ وذكر حرف جر يستعمل مع فعلٍ أخر فنكسب بذلك معنيين :
معنى الفعل الأول ومعنى الفعل الثاني الذي ذُكر شيء من متعلقاته((10)) .

[ALIGN=CENTER]شروط التضمين[/ALIGN]

وضع الشيخ محمد الخضر حسين شروطاً للتضمين وهـي :
1.وجـود مناسبة بين الفعلين
2.وأن يكون الكاتب من أهل العلم بوضع الألفاظ العربية ومعرفة طرق استعمالها((11))
3.في حين اشترط مجمع القاهرة ألا يلجأ إلى التضمين إلا لغرض بلاغي ((12)) .

[ALIGN=CENTER]الراجح في مسألة التضمين [/ALIGN]

الجمع بين معنيي التضمين بالشروط السابقة هو الصحيح لأن من أنكر الجمع بين الحقيقة والمجاز من البلاغيين كان يعتمد على خلافٍ افتراضي مع الأصوليين حول قرينة المجاز فـ ( الجمع بين الحقيقة والمجاز إنما يتأتى على قول الأصوليين أن قرينة المجاز لا يشترط أن تكون مانعة أما على قولِ البيانيين يشترط أن تكون القرينة مانعةً فقيل : التضمين حقيقة ملوحة لغيرها ) ((13)) .وبهذا يصبح للعلم الجديد الذي يأتي من امتزاج النحو والمعاني - كما يقول الدكتور تمام حسان - مضمون لأنه يصبح شديد الارتباط بمعاني الجمل ومواطن استعمالها وما يُناط بكل جملة منها من معنى ((14)) .
في الوقت نفسه الذي سيجوز لنا هذا أن نتوسع في الموضوع ونُدخِلَ التضمين في اللغة الأدبية والأسلوب الفني المعتمد على توليد الصور الأدبية ، التي يرى الدكتور إبراهيم السامرائي ، أنها تستمد عناصر فنيتها من الخيال الذاتي للأديب ، ومما توحيه إليه بيئته ومجتمعه ((15)) على أن يقيد ذلك بالتأكيد بالشروط التي سبقت .

[ALIGN=CENTER]أمثلة على مسألة التضمين[/ALIGN]

أكثرت عمداً من نصوص التي جاء فيها التضمين للتأكيد على التعامل مع كل يذكر في السياق على أنه مقصودٌ بالاختيار لوظيفةٍ سياقيةٍ لا يؤديها غيره مثله حتى وإن كان أصحّ قياساً منه :
-ففي قوله تعالى :  عيناً يشرب بها عباد الله ( الإنسان : 6 )
و عيناً يشرب بها المقربون  ( المطففين : 28 ) فقد كان القياس أن يشرب منها لا يشرب بها ، وقد ذهب الكثير من مفسرينا إلى هذا المعنى ونقلوه وكأنه لا فرق بين ( يشرب منها ويشرب بها ) ((16)) وللتخلص من هذا قالوا بأن ( من ) زائدة هنا ((17)) ، وعلى ما قُرِّر قبل هذا فإن الفعل يشرب قد عُدّيَ بحرف الجر ( الباء ) دون ( من ) لتضمينه معنى فعلٍ أخر يُراد معه من حيث المعنى دون أن يلغي أحدهما الأخر ، ولكن ما هو هذا الفعل ؟
إنّ استقراءً لما استشعره المفسرون لهذا الفعل سيجعلنا أمام اختلافٍ أخر ، وهو أنّ الفعل المُتَضَمنَ مع المذكور في النص سيكون قراءةً غير مقطوعٍ بها ، وإن اعتمدت أساساً لغوياً صحيحاً على أن هذا لا يعني سوى أدبيةً وفنيةً عاليةً للنص القرآني فهو نص قابل لقراءاتٍ تفسيرية متعددة لا تعارض بينها ما دامت تعتمد الأساس اللغوي معياراً للقراءة ، وإلى هذا تنبه القدماء فوصفوا القرآن الكريم بأنه حمّالُ أوجهٍ ((18)) ، من ذلك اختلاف المفسرين في الفعل الذي يتضمنه الفعل ( يشرب ) في الآية :
فقد ذكر الماوردي أنه متضمنٌ معنى الانتفاع أي ينتفع بها ((19)) وأغلب ما ذُكر عند البقية داخلٌ تحت معنى الانتفاع ، فقد ضُمنَ ( يشرب ) معنى التلذذ أي يتلذذ بها ((20)) وبهذا يتحقق لدينا تكامل في الدلالة إذ ليس كل ما يشرب يُتلذّذ
بشربه فجُمع هنا بين إثبات الشرب لهم من جهة وإثبات التلذذ بهذا الشرب من جهةٍ أخرى ، وقيل ضُمنَ الفعلُ معنى الارتواء ((21)) ليفيد الشرب والري جميعاً ((22)) ، وبهذا الفهم يتحقق تكامل دلالي أخر فقد يكون ما يُشرب مُتلَذَّذاً بشربه غير أنه لا يروي شاربه ، وليس من مانعٍ أبداً من إرادة هذه المعاني على العكس فإنّ أي ذوقٍ أدبي يصرُّ على فهم هذه المعاني سوياً لما تحققه من صورة متكاملة بدليل هذا العدول إلى ( الباء ) عن ( من ) التي استخدمت مع الفعل نفسه في قوله تعالى :  إنّ الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافوراً  ( الإنسان : 5 ) مع أن السياق يقتضي هنا أن يكون النظم ( إن الأبرار يشربون بكأسٍ ) لأن المألوف أن ( يقال شربت بالكأس وبالكوب ) ((23)) .
-والحقيقة أن الرأي المقابل القائل بنيابة حروف الجر عن بعضها لم يلقَ الاهتمام الكبير من قبل المحدثين كما كان عند كثير من القدماء مثل السهيلي الذي نقل عنه ابن القيم تفرقته بين استخدام حرفي الجر ( على ) والباء في قوله تعالى:
 تجري باعيننا ( القمر : 14 ) ، وقوله تعالى :  ولتصنع على عيني ( طه : 39 ) والفرق أن الآية ( ولتصنع على عيني ) وردت في إظهار أمرٍ كان خفياً وإبداءه ما كان مكتوماً لأن الأطفال إذ ذاك كانوا يُغذّون ويصنعون سراً فلما أراد أن يصنع موسى ويغذى ويربى على حال أمنٍ وظهور لا تحت خوفٍ واستتارٍ دخلت ( على ) في اللفظ تنبيهاً على المعنى لأن على تدل على الاستعلاء ، والاستعلاء ظهور وإبداء فكأنه سبحانه يقول ( ولتصنع على أمنٍ لا تحت خوف .. أما قوله تعالى : ( تجري بأعيننا ) و ( اصنع الفلك بأعيننا ) فأنه إنما يريد برعاية منا وحفظ ولا يريد إبداء شيءٍ ولا إظهاره بعد كتمٍ فلم يحتج في الكلام إلى
( على ) بخلاف ما تقدّم ((24)) .-وكذلك فرّق ابن القيم بين تعدية الفعل ( أوحى ) بالباء و ( عن ) كما في قوله تعالى :  وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يُوحى ( النجم : 3 - 4 ) وهذا التعبير أبلغ مما لو قيل : وما ينطق بالهوى كما يقول ؛ لأن نطقه عن الهوى يتضمن أن نطقَه لا يصدر عن هوى وإذا لم يصدر عن هوى فكيف ينطق به ، فتضمن بذلك نفي الأمرين :
نفيُ الهوى عن مصدر النطق ونفيه عن نفسه ((25)) ، وهذا أبلغ التنزيه وأشمله فقد نزه القرآن بهذا التعبير عن الهوى سواء كان من المصدر في الإيحاء أم في كيفية التبليغ ، وليس من اتهام يمكن أن يخيل إلا ومرجعه إلى هذين الأمرين.
-وكذلك تفرقة الدكتور فاضل السامرائي لتعدية ( أغرقوا ) بـ ( من ) وبـ( الباء ) في قوله تعالى :  ممّا خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا ناراً  ( نوح : 25 ) إذ يقول ( المعنى أنّ الماء دخل عليهم من خطيئاتهم أي جاءهم من هذا المكان كأن الخطيئات ثغرة دخل منها الماء فهي للإبتداء ، ولو قلت : ( بخطيئاتهم أغرقوا ) لكان المعنى أن الغرق مقابلٌ للخطيئات كأنهم أدّوا ثمن الخطيئات ، وهو الغرق ) ((26)) .-وكذلك التفرقة الدقيقة بين تعدية الفعل ( أوحى ) ( باللام ) و ( إلى ) ، حيث ذهب أبو حيان إلى أن التعدية في قوله تعالى :  يومئذٍ تُحدِّث أخبارها بأن ربّك أوحى لها ) جاءت لأجل الفاصلة يقول : ( وعَدَّى أوحى باللام ، وإن كان المشهور تعديتها بإلى لمراعاة الفواصل ) ((27)) وليس الأمر كذلك فعند استقراء مواضع فعل الإيحاء في القرآن كله لا نراه يتعدى بـ ( إلى ) إلا حين يكون الموحى إليه من الأحياء يطرد ذلك في القرآن كله ، كما تقول بنت الشاطئ ، فآيات الإيحاء المعداة بـ ( إلى ) وعددها سبع وستون آية ، يقابلها آيات الإيحاء المعداة باللام حين يكون الموحى إليه جماداً فالفعل يتعدى باللام كآية الزلزلة أو بحرف في كما في آية فصلت ( وأوحى في كل سماءٍ أمرها ) .فدلالة ( اللام ) الإيحاء المباشر على وجه التسخير ودلالة ( في ) البث والملابسة أما الإيحاء بـ ( إلى ) فيأخذ دلالته الخاصة في المصطلح الديني للوحي إذا كان الموحى إليه من الأنبياء ((28)) وهذا أولى مما قاله أبو حيان .

[ALIGN=CENTER]خلاصة القول[/ALIGN]

خلاصة باب التضمين ما قاله الدكتور الجواري من أنه لا يُعقل أن يُعدل عن المعنى الأصلي في أي لفظٍ تراد دلالته المجازية ، وإنما يكون المعنى الآخر مجاوراً للمعنى الأصلي ، وهذا هو المراد بالعلاقة ، مدلولاً على المعنى الجديد من خلال ذلك المعنى الأصلي ووافق ما ذهب إليه ابن هشام والعز بن عبد السلام وإن يكن غير موافق للصناعة البلاغية على حدِّ قوله ، فهو مطابق لواقع المعنى وللمراد حقاً بهذه الأساليب وهو توكيدٌ لما يُراد بلفظ المجاز ، وهو الممر الواصل بين معنيين : المعنى الأصلي ومعنى مجاور له لعلاقة التجاور بين المعنيين ((29)) .

وكما أفاد التعبير القرآني من التضمين وما يحققه من إثراء دلالي ، أفاد الحديث النبوي منه ، وقد وجدت أن شراح الحديث وجهوا مثل هذه التعابير على :

1.التضمين بأن يقدروا في الفعل معنى فعل ٍ آخر يصلح أن يكون للمفعولين المذكورين .
2.أو أن يقدروا بعد العاطف فعلا خاصاً مناسباً للمفعول الثاني .

من ذلك رواية الأكثر في البخاري : ( فأبردوا بالصلاة ) بمعنى : أخِّروا الصلاة على سبيل التضمين ، وإن قيل بزيادة الباء (( 30 ))
وقوله ( فانطلقت معه فأسقاني سويقا وأطعمني تمرا ) ورد بلفظ " ألا تجيء فأطعمك سويقا وتمرا " ومعلوم أن السويق يسقى لا يطعم لذلك جاء في عون المعبود ( كأنه استعمل الإطعام بالمعنى الأعم وليس هذا من قبيل علفتها تبنا وماء ، لأنه إما من الاكتفاء وإما من التضمين ، ولا يحتاج لذلك هنا لأن الطعام يستعمل في الأكل والشرب ، وقد بين في الرواية الأخرى أنه أسقاه السويق ) (( 31 )) .وقد استدل ابن حجر رحمه الله في دفاعه عن التضمين بقول ابن مالك عن حديث : ( وَمَا عَسَيْتهمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي ) ( قَالَ اِبْن مَالِك : فِي هَذَا شَاهِد عَلَى صِحَّة تَضْمِين بَعْضِ الْأَفْعَالِ مَعْنَى فِعْل آخَر وَإِجْرَائِهِ مَجْرَاهُ فِي التَّعْدِيَةِ ، فَإِنَّ ( عَسَيْت ) فِي هَذَا الْكَلَام بِمَعْنَى ( حَسِبْت ) وَأَجْرَيْت مَجْرَاهَا فَنَصَبْت ضَمِير الْغَائِبَيْنِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُول ثَانٍ ، وَكَانَ حَقّه أَنْ يَكُون عَارِيًا مِنْ " أَنْ " لَكِنْ جِيءَ بِهَا لِئَلَّا تَخْرُج " عَسَى " عَنْ مُقْتَضَاهَا بِالْكُلِّيَّةِ . وَأَيْضًا فَإِنَّ " أَنْ " قَدْ تَسُدّ بِصِلَتِهَا مَسَدّ مَفْعُولَيْ ( حَسِبْت ) ، فَلَا يُسْتَبْعَد مَجِيئُهَا بَعْد الْمَفْعُولِ الْأُولَى بَدَلًا مِنْهُ . قَالَ : وَيَجُوز حَمْل " مَا عَسَيْتهمْ " حَرْف خِطَاب وَالْهَاء وَالْمِيم اِسْم عَسَى ، وَالتَّقْدِير مَا عَسَاهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي ، وَهُوَ وَجْه حَسَن ) (( 32))
وتضمين الفعل معنى فعل آخر لا يقتصر في تفسير الحديث عند شراحه على تعدية الفعل بحرف جر لا يتعدى به عادة فقط بل يشيع في شروحهم تضمين الفعل فعلاً آخر في المعنى في المفعول المنصوب بغير فعله كما في علفتها تبناً وماءً باردا كما رواية ( رأيته يأمر بمكارم الأخلاق ، وكلاما ما هو بالشعر ) ، فـ ( كلاما ) منصوب بالعطف على الضمير المنصوب في ( رأيته ) ، وفيه إشكال لأن الكلام لا يُرى ، فهو من قبيل " علفتها تبنا وماء باردا "
إما على الإضمار أي وسقيتها ، أو على تضمين العلف معنى الإعطاء . والتقدير هنا : رأيته يأمر بمكارم الأخلاق ، وسمعته يقول كلاما ما هو بالشعر .
أو تضمين فعل الرؤية معنى الأخذ عنه . ووقع في رواية أبي قتيبة " رأيته يأمر بالخير وينهى عن الشر " ولا إشكال فيها (( 33)) .
ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث تغيير المنكر ( فبقلبه )
فيكون تقدير الحديث : فإن لم يستطع فليغيره بقلبه ، و ( غيَّر ) مما يتعدى لمفعوله بنفسه ، وإذا عُدِّي بالباء كان مدخول الباء هو أداة التغيير ووسيلته كما في ( فليغيره بيده ) ، فلما تعدِّى الفعل هنا بالباء وكان ( القلب ) مما لا يكون أداة لتغيير أو وسيلةً له وجب إما حمل معنى التغيير على التغيير المعنوي لا الحسي كما في اليد أو على تضمين فعل التغيير معنى فعل ٍ آخر كالإنكار ، و : ( التقدير فلينكره بقلبه لأن التغيير لا يتصور بالقلب فيكون التركيب من باب علفتها تبنا وماء باردا ) ومنه قوله تعالى : ( والذين تبوءوا الدار والإيمان ) (( 34)) ، أوفليكرهه بقلبه على حد علفتها تبنا
وماء (( 35)) وفي حاشية السندي أن ذلك محمول أيضاً على قوله صلى الله عليه وسلم : ( فبلسانه ) فقد قيل : ( لَيْسَ الْمُرَاد فَلْيُغَيِّرْهُ بِلِسَانِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ أَمَّا فِي الْقَلْب فَظَاهِر وَأَمَّا فِي اللِّسَان فَلِأَنَّ الْمَفْرُوض أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيع أَنْ يُغَيِّر بِالْيَدِ فَكَيْفَ يُغَيِّرهُ بِاللِّسَانِ إِلَّا أَنْ يُقَال قَدْ يُمْكِن التَّغْيِير بِطِيبِ الْكَلَام مَعَ عَدَم اِسْتِطَاعَة التَّغْيِير بِالْيَدِ لَكِنَّ ذَلِكَ نَادِر قَلِيل جِدًّا وَلَيْسَ
الْكَلَام فِيهِ لِأَنَّ مِثْله يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَدَّم عَلَى التَّغْيِير بِالْيَدِ إِنْ أَمْكَنَ التَّغْيِير بِهِ ) (( 36))
ومن التضمين ما ورد فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي ( بَاب مَا يَقْرَأُ ) بَدَلَ ( مَا يَقُولُ ) وَعَلَيْهَا اِقْتَصَرَ الْإِسْمَاعِيلِيّ . وَاسْتَشْكَلَ إِيرَاد حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة إِذْ لَا ذِكْرَ لِلْقِرَاءَةِ فِيهِ لذلك قال َ الزَّيْن بْن الْمُنِيرِ : ضَمَّنَ قَوْلَهُ ( مَا يَقْرَأُ ) مَا يَقُولُ مِنْ اَلدُّعَاءِ قَوْلًا مُتَّصِلًا بِالْقِرَاءَةِ ويمكن أن يكونا من باب ( عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا ) لَمَّا كَانَ الدُّعَاء وَالْقِرَاءَة يُقْصَدُ بِهِمَا التَّقَرُّب إِلَى اللَّهِ تَعَالَى استغناءً بأحدهما عن الآخر (( 37 ))
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( من أتى حائضا أو امرأة ... أو كاهنا )
( قال القاري الأولى أن يكون التقدير أو صدق كاهنا . فيصير من قبيل علفتها تبنا وماء باردا أو يقال من أتى حائضا أو امرأة بالجماع أو كاهنا بالتصديق انتهى ) (( 38)) .
ومن ذلك حديث : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضحى بأعضب القرن والأذن ) ( أي مكسورة القرن ومقطوع الأذن ، قاله ابن الملك فيكون من باب علفتها تبنا وماء بارد ) (( 39))
قوله : ( كان إذا سمع صوت الرعد والصواعقَ ) بنصب الصواعق ، والصواعق إنما تُرى لا تسمع ، وإنما عطفت على ( صوت الرعد ) إما على إضمار فعل بعد واو العطف والتقدير : إذا سمع صوت الرعد ورأى الصواعق ، والله أعلم ، أو على تقدير أحس الصواعق كما قال القاري رحمه الله ، وإن كان تقدير فعل الرؤية أليق بالمقام .
أو على تضمين فعل سمع معنى فعل آخر وهنا لا بد من فعل الحس الذي قدره القاري دون الرؤية ليصح أن يكون جامعاً لمفعوليه عند التقدير ، والقاري رحمه الله قدَّر فعل الحس ليكون من باب إطلاق الجزء بالسمع وإرادة الكل . (( 40 ))
ومن ذلك ( يا بني آدم كلوا ما شئتم واشتهيتم ) عند من حمل ( اشتهيتم ) على الاسترسال مع الشهوات والإكباب على اللذات كما في فيض القدير فيكون العطف من قبيل علفتها تبنا وماءا باردا (( 41))
ومن ذلك ( إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاع تمر ) ففي رواية مالك ( وصاعا من تمر ) والواو عاطفة للصاع على الضمير في ردها ، فإن قيل التعبير بالرد في المصراة واضح فما معنى التعبير بالرد في الصاع ؟ فالجواب أنه مثل قول الشاعر علفتها تبنا وماء باردا أي علفتها تبنا وسقيتها ماء باردا ، ويجعل علفتها مجازا عن فعل شامل للأمرين أي ناولتها ، فيحمل الرد في الحديث على نحو هذا التأويل (( 42))
من ذلك َقَوْله ( رَغْبَة وَرَهْبَة إِلَيْك ) قَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ : أَسْقَطَ ( مِنْ ) مَعَ ذِكْر الرَّهْبَة وَأَعْمَلَ ( إِلَى ) مَعَ ذِكْر الرَّغْبَة وَهُوَ عَلَى طَرِيق الِاكْتِفَاء كَقَوْلِ الشَّاعِر ( وَزَجَّجْنَ الْحَوَاجِب وَالْعَيُونَا ) وَالْعُيُون لَا تُزَجَّج ، لَكِنْ لَمَّا جَمَعَهُمَا فِي نَظْم حَمَلَ أَحَدهمَا عَلَى الْآخَر فِي اللَّفْظ ، وَكَذَا قَالَ الطِّيبِيُّ ، وَمَثَّلَ بِقَوْلِهِ ( مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا ) . قُلْت : وَلَكِنْ وَرَدَ فِي بَعْض طُرُقه بِإِثْبَاتِ ( مِنْ ) وَلَفْظه ( رَهْبَة مِنْك وَرَغْبَة إِلَيْك ) (( 43)) .



[ALIGN=CENTER]هوامش البحث :[/ALIGN]


1.ينظر : حاشية الجرجاني 1 / 126 ، والتحرير والتنوير 1 / 123 .
2.ينظر : الجنى الداني 46 ، وشرح التصريح 2 / 4 .
3.ينظر : الخصائص 2 / 306 ، ومغني اللبيب 861 ، ومقدمة في التفسير 51 .
4.ينظر : الجنى الداني 46 ، وشرح التصريح 2 / 4 .
5.ينظر : مثلاً البيضاوي والخازن والنسفي ، مجمع التفاسير 6 / 420 ، والقاسمي 17 / 6102 .
6.حاشية الصبان 2 / 95 .
7.حاشية يس 2 / 4 – 7 .
8.ينظر : الخصائص 2 / 306 ، وينظر الأشباه والنظائر 1 / 104 .
9.حاشية الجرجاني 1 / 97 .
10.ينظر : معاني النحو 3 / 14 ، والتحرير والتنوير 1 / 123 .
11.ينظر : دراسات في العربية 205 – 207 .
12.ينظر : النحو الوافي 2 / 463 ، ومعاني النحو 3 / 15 .
13.النحو الوفي 3 / 568 .
14.ينظر : اللغة العربية ( مبناها ومعناها ) 337 .
15.ينظر : من وحي القرآن 117 .
16.ينظر : تفسير أبي السعود 5 / 800 ، ( والتنوير والبيضاوي والخازن ) مجمع التفاسير 6 / 420 والشهاب 8 / 288 ، والقاسمي 17 / 611 ..
17.ينظر : تفسير الماوردي 4 / 369 ، وأبي السعود 5 / 800 ، والبيضاوي ( المجمع ) 6 / 420 والقاسمي 17 / 611 .
18.أي : قابل لعدة تفسيرات .
19.تفسير الماوردي 4 / 369 .
20.ينظر : البيضاوي والنسفي ( المجمع ) 6 / 420 ، وأبي السعود 5 / 800 ، وحاشية الشهاب 8 / 288
21.ينظر : معاني القرآن 3 / 215 ، والنسفي ( المجمع ) 6 / 420 ، والقاسمي 17 / 6102 .
22.ينظر : الإشارة إلى الإيجاز 54 .
23.التفسير القرآني للقرآن 8 / 1358 ، وفيه توجيه لطيف لهذا الاستخدام .
24.ينظر : بدائع الفوائد 2 / 5 – 6 .
25.ينظر : التبيان في أقسام القرآن 155 .
26.المعاني المشتركة 248 .
27.البحر المحيط 8 / 501 .
28.ينظر : الإعجاز البياني 257 .
29.ينظر : حقيقة التضمين ووظيفة حروف الجر 159 – 160 .
30.ينظر : فتح الباري لابن حجر 2 / 304 ، و تحفة الأحوذي 1 / 187
31.فتح الباري لابن حجر 20/400
32.ينظر : فتح الباري لابن حجر 12 / 55 .
33.ينظر : فتح الباري لابن حجر 11 / 182 .
34.تحفة الأحوذي 5 / 464 ، وعون المعبود 9/374 .
35.ينظر : الديباج على مسلم 1 / 64
36.حاشية السندي على ابن ماجه 7 / 380
37.ينظر : فتح الباري لابن حجر 3/ 104
38.تحفة الأحوذي 1 / 162 .
39.تحفة الأحوذي 4 / 185 .
40.ينظر : تحفة الأحوذي 8 / 347
41.ينظر : فيض القدير 2 / 407
42.ينظر : فتح الباري لابن حجر 6/ 475 .
43.ينظر : فتح الباري لابن حجر 18 / 69 ، وفيض القدير 2 / 154
 
بحث جميل وجيد، وجزاك الله خيرا ..
وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمته إلى هذه المسألة، وذكر الرأيين ...
ورجح القول بالتضمين ...
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته/
أبحث كثيرا عن مبحث هل التضمين حقيقة أم مجاز؟
فلم أجد كتابا شافيا وافيا بحث هذه المسألة بتوسع بعني مثلا أجدهم يذكرون الاقوال الثمانية الموجودة في حاشية ياسين على التصريح ثم يرجح منهم من رجح أنه مجاز ومنهم قال إنه جمع بين الحقيقة والمجاز من غير أن يردوا على الأقوال الأخرى ويحققوها؟
فهل هناك مرجعا شافيا يمكن الرجوع له ؟
وجزاكم الله خيرا.
 
نعم

نعم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته/
أبحث كثيرا عن مبحث هل التضمين حقيقة أم مجاز؟
فلم أجد كتابا شافيا وافيا بحث هذه المسألة بتوسع بعني مثلا أجدهم يذكرون الاقوال الثمانية الموجودة في حاشية ياسين على التصريح ثم يرجح منهم من رجح أنه مجاز ومنهم قال إنه جمع بين الحقيقة والمجاز من غير أن يردوا على الأقوال الأخرى ويحققوها؟
فهل هناك مرجعا شافيا يمكن الرجوع له ؟وجزاكم الله خيرا.

نعم
وهنا رابط كتاب الدكتور محمد نديم فاضل ( التضمين النحوي في القرآن الكريم ) :

http://www.archive.org/download/waq67033waq/67033.pdf
 
أنا أبحث عن بحثا في مجلة للباحث عمر بن زيد العيص عن التضمين وبحثت عنه في الإنترنت فلم أجده وأيضا كتاب من أسرار التضمين للدكتور شاكر الصباغ, فهل من متكرم علي برفعه هنا وجزاه الله عني خير الجزاء, أويدلني عن مكانهما.
وشكر الله لكم
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته/
مامقصود الدكتور عبدالستار الجواري بقوله( أنه لا يُعقل أن يُعدل عن المعنى الأصلي في أي لفظٍ تراد دلالته المجازية ، وإنما يكون المعنى الآخر مجاوراً للمعنى الأصلي ، وهذا هو المراد بالعلاقة ، مدلولاً على المعنى الجديد من خلال ذلك المعنى الأصلي ووافق ما ذهب إليه ابن هشام والعز بن عبد السلام وإن يكن غير موافق للصناعة البلاغية على حدِّ قوله ، فهو مطابق لواقع المعنى وللمراد حقاً بهذه الأساليب وهو توكيدٌ لما يُراد بلفظ المجاز ، وهو الممر الواصل بين معنيين : المعنى الأصلي ومعنى مجاور له لعلاقة التجاور بين المعنيين ((29))
هل يقصد بذلك أن التضمين مجاز؟ أم أنه جمع بين الحقيقة والمجاز.
فهلا من متكرم يشرح هذه العبارة وجزاكم الله خيرا.
 
عودة
أعلى