قراءة شحرور للقصص القرآني بين التحريف والتخريف ( 2)

إنضم
31/08/2004
المشاركات
112
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
العمر
63
الإقامة
فلسطين
الموقع الالكتروني
http
قراءة شحرور للقصص القرآني بين التحريف والتخريف (2)
قراءته لقصة نوح عليه السلام (أ)
طارق مصطفى حميدة
مركز نون للدراسات القرآنية/ فلسطين​


ويستمر شحرور في التحريف والتخريف، لكنه وهو يفعل ذلك ربما تكلم بالقليل من الكلام المقبول ليدس السم في الدسم، مرة بليّ أعناق النصوص وتحميلها ما لا تحتمل، ومرة بجعل كلام المؤرخين وعلماء الآثار كأنه حقائق علمية فيُكره الآيات القرآنية على النزول عند أحكامها، وثالثة باختراع معان لا تدل من قريب ولا من بعيد على مراده.

أولاً: القراءة بالمقلوب
من أوائل ما يفاجؤنا به بل يفجعنا به الشحرور وهو يقرأ قصة نوح عليه السلام قراءة معاصرة، استخلاصه عدداً من العبر والعظات، ومنها بحسب قوله:" وجود عبادة ظواهر الطبيعة بدلالة قول نوح لقومه:﴿ ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقاً وجعل القمر فيهم نوراً وجعل الشمس سراجاً﴾[ نوح: 15-16] "[1].
فهل هاتان الآيتان الكريمتان تدلان أو تشيران من قريب أو بعيد لعبادة ظواهر الطبيعة؟ وكل ما في الأمر أن نوحاً عليه السلام يلفت نظر قومه إلى بديع خلق الله وعظيم آلائه ونعمائه، كي يعبدوه ولا يعبدوا أحداً سواه.

ثانياً: لماذا غرق قوم نوح؟
ومن العبر والدروس التي استنتجها الدكتور المهندس الشحرور من قصة نوح، أنه:" لم تكن السباحة في الماء معروفة في عصر نوح، على الأقل تلك التي تختص بمواجهة حالة طوفان كبير، بدلالة قوله تعالى:﴿ مما خطيئاتهم أُغرقوا فأُدخلوا نارا﴾[ نوح: 25]"[2]!!
أهذا كلام شخص يؤمن بالله تعالى وآياته؟ أولو كان قوم نوح يتقنون السباحة أكانوا سينجون من الغرق؟ وهل المشكلة أن القوم كانوا " بدائيين" ولم يكن قد تطورت لديهم فنون العوم والسباحة، فضلاً عن أنهم لم يكونوا يعرفون صناعة السفن كذلك بدلالة أن الله تعالى قد أوحى إلى نوح صناعة الفلك، ولو كانت لديهم تلك الخبرة لما حصل ما حصل؟
يكرر الشحرور بأكثر من طريقة كلام عدد من المؤرخين والجيولوجيين والأنثروبولوجيين وغيرهم، بأن الموضوع بالنسبة لقوم نوح لا يعدو كونه طوفاناً اعتيادياً[3]، وكارثة طبيعية، ومن أسبابها أن قوم نوح كانوا يعيشون في منطقة غنية بالينابيع تحيط بها جبال غزيرة الأمطار، والمعروف أن العواصف المطرية في الجبال تسبب سيولاً مدمرة تجتاح المناطق المنخفضة والسهول والوديان[4]، ثم يستدل على كلامه بقوله تعالى على لسان ولد نوح:﴿ قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء﴾[ هود: 43].
من الواضح أن الشحرور يريد أن يدلس على القراء ويستغفلهم، فمن جهة يكرر استخدام عبارة ( التنزيل الحكيم)، ثم يحتال ليدخل الشك في قلوبهم من خلال تأويلاته المريضة، بأن الأمر لا يعدو كونه كارثة طبيعية اعتيادية اجتاحت قوماً بدائيين، ولم يكن لديهم الخبرات ولا التقنيات لمواجهة هذه الكارثة ففعلت فعلها المدمر فيهم، وليس للأمر علاقة بعقاب رباني ولا غيره.
وهذه القصة القرآنية كما يريد أن يقنعنا الشحرور، تسللت من ثقافات بلاد ما بين النهرين حيث إن " رواية الطوفان السومرية ( الرافدية) والتي تعتبر الرواية الأولى تاريخياً، قد جرى تطويرها في الرواية البابلية، ثم تم نقلها إلى التوراة حيث جرت إضافات عليها بما يلائم الشخصية اليهودية، ومن ثم نجدها قد وردت في القرآن الكريم بشكلها النهائي، متبعة الخطوط العامة للرواية المشرقية، غير أنها منزلة من الله إلى البشر في حين أن رواية الطوفان المشرقية كانت بشرية المصدر"!!!.
وهنا يستمر الشحرور في المخادعة والمراوغة، ولا يهمه أن يقول الشيء ونقيضه في جملة واحدة، فالرواية القرآنية حسب قوله، اتبعت الخطوط العامة للرواية المشرقية، وهذا يعني أن القصة القرآنية ليست أكثر من نسخة معدلة ومطورة وامتداد لما سبقها وأنها بالتالي ليست وحياً إلهياً، ثم يستدرك الشحرور ويقرر أن هذه الرواية التي اتبعت الخطوط العامة للرواية المشرقية تتميز عنها بأنها منزلة من الله إلى البشر!
وكيف يمكن أن تكون الرواية القرآنية متبعة للروايات البشرية ومنزلة من الله في آن، وما هذا الرب الذي يحتاج أن يقتبس من غيره، وأين علم الله المحيط، وهيمنة القرآن على كل ما سواه إذن، إن الشحرور بمثل هذا القول إما أنه مجنون أو يظن بأن قراءه حمقى ومغفلون.

ثالثاً: الرسل الملائكة!!
ففي التمهيد للكتاب يتحدث الشحرور عن أن الهدى الرباني الذي ورد في قصة آدم ﴿ قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾[ البقرة: 38]، " هذا الهدى جاء بداية على شكل نذر من الملائكة كان الله يبعثهم في قوله تعالى: ﴿ وإن من أمة إلا خلا فيها نذير﴾[ فاطر: 24]، وقد استمرت النذر مع نوح ﴿ ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين﴾[ المؤمنون:24]، ومع هود ﴿ واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه﴾[ الأحقاف: 21]، وإلى إبراهيم وإلى لوط وإلى صالح؟، وكانت النذر تأتي على شكل مشخص يعرفون أنها ليست منهم وإنما هي مرسلة من السماء، ونحن نرى" - والكلام لا يزال للشحرور -:" في الأطروحة القديمة أن الحكام جاؤوا من السماء، وأنهم من دم آخر رواية أسطورية، لمفهوم النذر الواردة في التنزيل الحكيم"[5].
ويعود ليؤكد الأمر بقوله نقلاً عن إحدى الوثائق!، حسب تعبيره، بأن:" الطوفان قضى على الجميع، وبعد الطوفان نزل الحكم الملكي من السماء من جديد، وأصبحت مدينة كيش مقر حكم الملوك، وقبل الطوفان كان الحكم الملكي قد هبط من السماء لأول مرة في مدينة اريدو" ويتابع شحرور بالقول:" ونؤكد هنا أيضاً أنه قبل نوح كانت النذر من الملائكة فقط، وقد تم التعبير عنه بأن الحكم هبط من السماء، ثم صار مشتركاً بشراً وملائكة ( نوح حتى إبراهيم)، ثم بشر فقط وهو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم"[6].
أما كيف استنتج هذا المفكر الإسلامي!! أن الرسل الأوائل من لدن آدم وحتى صالح كان يرافقهم إلى الناس الملائكة، فإنه استشهد بقول قوم نوح له: ﴿ ولو شاء الله لأنزل ملائكة﴾، وكل ما في الأمر أن القوم تذرعوا بأن نوحاً من البشر، كي يرفضوا الإيمان به، لا أنهم يقررون قاعدة في أن الله تعالى يبعث الملائكة مباشرة إلى الأقوام.
وليس في القرآن الكريم من البدء وحتى الختام ما يشير إلى أن الله تعالى كان يبعث الملائكة إلى الناس، بل النصوص تتضافر في تأكيد أن كل الرسل كانوا من البشر لا من غيرهم، بصيغة الحصر والقصر، في مثل قوله تعالى: ﴿ وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ﴾[يوسف: 109]، وقوله سبحانه: ﴿ وما أرسلنا قبلك إلا رجالا يوحى إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾[ الأنبياء: 7]، فكل رسل الله تعالى إلى الناس كانوا بشراً لا ملائكة، وقد لفت الله سبحانه بني آدم إلى أنه تعالى سيبعث لهم رسلاً منهم: ﴿ يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ﴾[ الأعراف: 35].
ثم يستند الشحرور لتأييد مزاعمه إلى معتقدات الشعوب القديمة في أن الحكام جاؤوا من السماء، وأن بعض الوثائق تحدثت عن حكم ملكي نازل من السماء، فيجعلها دليلا على أن الرسل الأوائل كانوا من الملائكة أو كان يرافقهم ملائكة، ونسي أن يقول إن الشعوب القديمة كان فيها من يعتقد بأن الحكام من نسل الإله وأن الملائكة بنات الله، فهل نجاريهم ونقول بأن معتقداتهم هذه حقيقية؟!
وهل يجوز أن نجعل الوثائق التي تتحدث عن معتقدات الشعوب القديمة حاكمة على النص القرآني ومهيمنة عليه؟ إن النصوص القرآنية لا تؤيد مزاعمه، بل إن فيها ما يرد هذه الأباطيل جملة وتفصيلاً.
وإلى الملتقى في المقالة التالية متابعة لقصة نوح عليه السلام، حسب قراءت شحرور، بإذنه تعالى.



[1] ) شحرور، القصص القرآني، 2/16.

[2] ) شحرور، القصص القرآني، 2/ 17.

[3] ) شحرور، القصص القرآني، 2/47.

[4] ) شحرور، القصص القرآني، 2/ 55.

[5] ) شحرور، القصص القرآني، ج2/ ص 11.

[6] ) شحرور، القصص القرآني، 2/ 51.
 
رأيت فجر اليوم تعليقا على هذه المقالة، ولما عدت إلى الموقع لأرد عليها لم أجدها، ولا أعلم هل رفعها كاتبها أو إدارة الموقع؟
 
لم أرفعها أنا أخي طارق، بل قام بتعديلها أستاذي الدكتور الشريف وأضاف تعليقا من عنده قبل أن يحذف تعليقي وتعليقه. ربما رأى أن الأصلح هو حذف تعليقي وتعليقه، لما قد يثيره من جدال لا نفع فيه، وهو أعلم مني بمثل هذه القضايا وما أنا إلا تلميذ من تلاميذه في مبحث الإنتصار للقرآن العظيم.
 
أعتذر عن الخطأ غير المقصود
كان المقصود (الاقتباس) لكن بدلا من ذلك صار (التعديل)

وحاولت كثيرا - بالتعاون مع خبراء منتديات - إعادة المشاركتين،
وكانت آخر محاولة اليوم من جهاز حاسوب آخر لكن للأسف لم أفلح!

لذا أرجو من الأخ شايب إعادة مشاركته لأعيد مشاركتي.

وما يكتبه الله فيه الخير الكبير
ولنتحمل معاً ضريبة التقنيات الحديثة
 
{وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم}. ثم لا أرى فائدة في إعادة كتابة المشاركة، خاصة أن الأخ طارق قال: "وأنا أزعم أن الأستاذ شايب هو ممن لبّس عليهم الشحرور". إن كان هذا زعمه، فأظن أن التعليق قد يؤدي إلى جدال، والجدال لا خير فيه، ما دام هناك ما هو أفضل وأولى: الإنتصار للقرآن العظيم. وجزاكما الله خيرا.
 
كتب استاذ شايب:
(((...والجدال لا خير فيه، ما دام هناك ما هو أفضل وأولى: الإنتصار للقرآن العظيم.)))
 
الأخ شايب نحن هنا يهمنا الوصول إلى الحق والحقيقة وليس التصنيف وإلقاء التهم، وقد كنت أردتُ الفصل بين كلامك وشخصك كيلا أحملك أوزار الشحرور، لا أن أمنعك من الكلام وإبداء رأيك وما يجول في عقلك وصدرك، والكلام الذي طرحته في مداخلتك يستحق أن يناقش سواء قبلناه أم عارضناه، وأنا أيضاً لستُ فيما أقول معصوما، وكلامي قابل للرد قبل الموافقة من أهل العلم أمثالكم، مع تحياتي لكل الأساتذة والقراء
 
أشكر الأخ طارق حفظه الله في هذا البحث الرائع الموفق، ويعجبني أسلوبه وتسلسل أفكاره وربطها وأنا معه بأن مكانها المناسب هنا؛ فما يقوم به شحرور وأضرابه يشبه إلى حد بعيد ما قام به أركون وأضرابه،
لذا أخالف الأحبة الذين يعدون ما يقوم به المهندس شحرور (هنا أتكلم عن " شحرور المنهج ") مجرد خلاف رأي في التفسير، كخلافنا أحيانا مع الرازي وغيره.
فهذا المنهج (منهج شحرور) يشبه الذي يفسر العسعس في آية: " والليل إذا عسعس " بأنه نوع من النباتات يعيش في مكة، مع أن اللغة والسياق وعادات العرب لا ترى في " عسعس " إلا أنه إقبال الليل أو إدباره.
إن سماحي وتسامحي للقول بأن " عسعس " نوع من النباتات على اعتبار أنه مجرد خلاف رأي، فهذا من الإلحاد في القرآن الكريم.
المسألة جد خطيرة، فبعد أن أكرم اللهُ الناسَ بإنزال كلامه إليهم، تعبَّدهم بضرورة فهم الكلام ثم تطبيقه: خوَّف الذين يُلحِدون فيه فقال: " إنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ". [فصلت: 40]. ومعنى الإلحاد في كلامه جلال جلاله، كما بيَّنه ترجمان القرآن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ،: " أن يوضَع الكلام على غير مَوضِعِه ".

المسألة - بكل بساطة -: شحرور المهندس لا يمتلك أدوات التفسير، ولا يسير على منهج وطريق الوصول إلى الحقيقة العلمية بسلوك مسالكها، فلا هو يفسر بحسب اللغة ولا السياق ولا عادات العرب ولا سبب النزول، بل يقتحم قضايا التفسير اقتحاماً.

لك أن تتخيل خبازاً لم يخرج من مخبزه منذ بلوغه، دخل فجأة إلى مستشفى على حين غفلة من حراسه واقتحم غرفة عمليات قلب مفتوح، فشمر عن أكمامه - ولكونه لا يمتلك أي أداة - أخذ يعجن القلب بيديه العاريتين...
إن وفاة المريض تحت يديه وخطأ الخباز في العملية الجراحية شيء، وخطأ جراح ماهر في عملية مشابهة لمريض آخر شيء آخر.
نعم، كلاهما أخطأ، ولكن أين خطأ الخباز من خطأ الجراح الذي يغلب على عملياته الصواب؟
أليس ما قام به الخباز جريمة كبرى؟!

نحن نحاكم منهج شحرور وليس خطأه الفردي، ولعل نظرة موضوعية لتأويلات شحرور تجعلك تصل إلى نتيجة: هل أكثر تأويلاته مقبولة لغةً وسياقاً؟
انظر مثلا:
http://vb.tafsir.net/tafsir39681/#.VMEPJfmUeSo

الخلاصة:
إن من الظلم أن نقول بأن الخلاف مع شحرور مجرد (خلاف رأي) مجال البحث فيه: الملتقى العلمي وليس ملتقى الانتصار للقرآن الكريم.
 
قراءة شحرور للقصص القرآني بين التحريف والتخريف ( 2)

مع ذلك فلست مع مصادرة جهد الرجل أو الحكم عليه بطريقة جارفة ومع احترامي لردود الأخ طارق عليه وتأييد الدكتور الشريف واستحسان كثير من الإخوة القراء فيبدو لي أن في طريقة الأخ طارق اندفاعا لكيلا أقول تحاملا على السيد شحرور. إذ لا بدّ أن تكون لاجتهادات شحرور فوائد وددت أن يسعف الوقت أحد الإخوة فيسرد لنا بعض حسنات شحرور لكي تتّزن المعادلة. أقول ذلك رغم اعترافي بأن لدى شحرور نقاط ضعف ظاهرة واجتهادات مضحكة
 
قراءة شحرور للقصص القرآني بين التحريف والتخريف ( 2)

سبب ضلال شحرور في الأماكن التي جانف فيها الصواب جراءته وإخلاصه لفكرة صلوح الإسلام لكل زمان ومكان ولأنّ الاجتهاد قد توقف منذ أزمان وأنّ كتابات المجددين ظلت بعيدة عن الواقع مع تفلّت الواقع على التغيّر فهو يجرف ولا ينجرف بدا شحرور متطرفا في منهجه. ما أردت أن أقوله بدخولي في حلقتكم هو أنّ جوانب من شحرور ينبغي أن تؤخذ في الحسبان ونفس المنطق المستخدم ضد شحرور أعني عدم أهليته العلمية للدخول في مواضيع دينية عميقة يمكن أن يستخدمه شحرور ضد بعض منتقديه في الجانب الآخر. هذا ما بدا لي والله أعلم
 
فلنتفق أولاً أن أخطاء شحرور مع القرآن العظيم ليست مجرد اجتهادات ووجهات نظر معتبرة ! بل هو تجني وافتراء على قدسية القرآن ..
ثم هل يلزم من وجود بضعة حسنات في مثاني أبحاثه وكتاباته التنصيص عليها لنوجد التوازن في الطرح ؟
في اعتقادي أنه لا يلزم، وربما اختلف هذا بحسب سياق كل حديث..
وحسناته في أبحاثه - إنْ وجدت - لا ننكرها جملة وتفصيلا؛ بل نحفظ الحق لأهله ولو اختلفنا معهم في الأصول والمنطلقات، وإنما هي من قبيل حسنات المعتزلة في ردودهم على اليهود والنصارى، ومن قبيل حسنات الأشاعرة في ردودهم على المعتزلة والجهمية...
وهي في ذاتها - أعني الحسنات- لا يسلم بصحتها مطلقاً، فقد تكون نتيجتها صحيحة في ظاهرها، وفيها مخالفة في منطلقاتها ومشربها وإنْ وافقت في الحق وجهاً ما..
 
لو أن أحد أساطين دعاة الحداثة في فهم القرآن ممن رضعوا الحداثة في مهدها -ولا أتكلم عن الأقزام- حكم (بتشديد الكاف)في انشائيات شحرور فلن يجد لوصف المشهد أفضل من قول الناظم:
"لقد هزلت حتى بدا من هزالها
كلاها وسامها كل مفلس"
اذا كان أمثال هذا الصحفي (من تجار الصحف والورق) يشغلون الناس بما هو أحقر من الغثاء ماذا يبقى من عمر المرء للالتفات لأولئك الذين يشتغلون في مراكز ومختبرات تعمل ليلا ونهارا في مشاريع صناعة فهم للقرآن موجه للأجيال القادمة من الأمة...
خذوا مثالا صغيرا جدا مركز الاسماعيلية في قلب دبي،يشتغل في دولة بها جالية أسيوية بالملايين مسلموها من العجم الذين لا يفهمون العربية ولا يقرؤون لشحرور ولا الجابري ولا جعيط ولا حاج حمد...لكن هذا المركز يستقطبهم الى نحلة باطنية في صمت مريب...ويأتي امام الاسماعيلية التاسع والأربعون فيحتفل به اعلاميا بـ"اسمه الخاص"الذي يحمله جواز سفره... ...مع أن هذا "الامام" المدعى له مؤسسة كبيرة في لندن تنظر وتروج لفهم باطني للقرآن لا أحد يدري عنها شيئا لأن القوم مشغولون عن ذلك بأمثال بالنكرات أمثال شحرور...والله المستعان
 
يبدو الأخ الدكتور عبد الرحمن الصالح مصراً على الانتصار لشحرور، حالفه الصواب أو خالفه وجانفه، والعجب أنه لا يزداد مع سطوع الأدلة والبراهين وتكررها إلا تمسكاً بموقفه، تبريراً وتسويغاً للرجل دون بينة ولا دليل، سوى كلمات عامة واعتذارات واهية، ثم لا يكتفي بذلك فإذا به يصف كاتب هذه السلسلة بأنه مندفع في مهاجمة شحرور إلى حد التهور، ثم يحذف كلمة التهور ويستبدلها بالتحامل، غفر الله لي وله، إذ لا ينبغي أن يهمني شخصي ولا أن أستدرج إلى الذاتية والشخصنة في موطن الحوار العلمي، وبالأخص حين يتعلق الأمر بكتاب الله تعالى.
يقول الدكتور عبد الرحمن صالح في دفاعه عن صاحبه:" إذ لا بدّ أن تكون لاجتهادات شحرور فوائد وددت أن يسعف الوقت أحد الإخوة فيسرد لنا بعض حسنات شحرور لكي تتّزن المعادلة. أقول ذلك رغم اعترافي بأن لدى شحرور نقاط ضعف ظاهرة واجتهادات مضحكة".
هذا الكلام تراجع واعتراف مهم عند الدكتور عبد الرحمن أنه يمكن أن يكون هناك بعض اجتهادات من باب الاحتمال حيث لم يضع الدكتور يده عليها بعد كما يبدو، وإلا لكان أطلعنا عليها واستشهد بها في دفاعه، ولما ود أن يسعف الوقت شخصاً غيره يسرد بعض حسنات شحرور، ولماذا لا يقوم هو ذاته بتلك المهمة، ألأنه متشكك في وجودها؟ أم لأنه يعلم أن ما يراه حسنات عند شحرور لا يعتبره كذلك أهل العلم الشرعي فآثر السلامة وخشي المواجهة، وبالأخص أن الدكتور عبد الرحمن كما فهمت من بطاقته التعريفية، صاحب وجهة نظر هي محل نظر في الميزان الشرعي.
إن من حق الدكتور عبد الرحمن أن يحب الشحرور وطروحاته، ما دام أنه يراها متوافقة مع مزاجه وعواطفه وطريقة تفكيره وظروف حياته، كما فعل ذاك الشاعر الذي أحبها شمطاء قد شاب شعرها، ولكن لا يحق له أن يكرهنا على أن نقتنع بأن مذهبه في العشق هو مثال الحسن والجمال.
ولست مع الأخ حاتم القرشي في تشبيه حسنات الشحرور المحتملة ب "حسنات المعتزلة في ردودهم على اليهود والنصارى أو حسنات الأشاعرة في ردودهم على المعتزلة والجهمية"، وليس من أراد الحق فأخطأه كمن أراد الباطل فأصابه، ويكفينا من المعتزلة الإمام الزمخشري، ويكفي أن الأشاعرة هم الذين كانوا يمثلون أهل السنة ردحا من الزمن، دون أن يعني ذلك الموافقة على الخطأ أيا كان صاحبه.
وأما زعم الدكتور عبد الرحمن بأن "سبب ضلال شحرور في الأماكن التي جانف فيها الصواب جراءته وإخلاصه لفكرة صلوح الإسلام لكل زمان ومكان ولأنّ الاجتهاد قد توقف منذ أزمان وأنّ كتابات المجددين ظلت بعيدة عن الواقع "، فليس للرجل تلك الجراءة ولا هو بالمخلص لصلوح الإسلام لكل زمان ومكان، بل هو داعية تفلت من الدين أحكامه وعقائده وأخلاقه، وإن كان يدعو إلى دين فغير دين الله الذي نزل في كتابه وجاء به رسوله، وعلى فرض توقف الاجتهاد عن مسايرة الواقع فليست اجتهادات الشحرور وتجديداته هي المعبرة عن الاجتهاد الموافق للحق.
 
صدقتم أحي هرماس ، فمن الواجب التنبه لأعداء الدين والتحذير منهم ومواجهتهم، وإنهم لمن الكثرة بحيث يحار المرء أين يصوب سهامه، وأي سهام الأعداء يرد، وفي أية ثغرة يقف، والمحظوظ من وفقه الله وسدده وأخلصه، وأكرمه باتباع خطوات الرسول صلى الله عليه وسلم في مجاهدة الكفار والمنافقين والغلظة عليهم
 
الأخ طارق المحترم:
ما اختلفت فيه مع حضرتك-باحترام- هو شيءٌ آخر تماماً.
فأنا لم أقرأ لشحرور حرفا واحدا وليس من عادتي ولا من حقي تلخيص أقوال شخص لم أقرأ له. وتمنيت أن يتمكن أحد الإخوة ممن يسعفه وقته فلكلٍّ منا مشاغله واهتماماته.
وأما سبب دخولي في حلقتكم بوجهة نظر متحفظة فهو اليوتيوبات التي شاهدتها لشحرور والتي لخص فيها أفكاره فبدا لي كما وصفته مما لم توافقني عليه.
فشحرور بدا لي كجمال البنا مصلحا عقلانيا مفرطا في عقلانيته محاولا إخضاع الخطاب الديني والنص الديني لثوابته التي حددها له العلم الحديث والتجربة الغربية المادية مع المعرفة. وهذا لا يخرج به في فهمي المتواضع من الدين ولا سيما أنه يعلن إيمانه ويصرّح به ويقدّم نفسه مدافعا عن الإسلام لا محاربا له، ومن حقه في أن تناقَشَ أفكارُه بطريقة تختلف عن طريقتكم التي بدت لي - وقد أكون مخطئاً طبعاً- مفرطة في استئصالها.
أرجو أن لا يغضبكم أن أخالفكم الرأي في الرجل.
فشحرور متسق مع مصطلحاته التي حددها بنفسه وبمنطلقاته القابلة كلها للنقد والتفنيد ولو كان انتقادك له موجها إلى خطئه في تحديد المصطلحات أو إلى منطلقاته مثل قوله (إني أنطلق من أن لا ترادف على الإطلاق في القرآن) أو إلى تعميماته الكبرى مثل عده سورة التوبة من السيرة النبوية والقصص القرآني الذي لا ينبغي أن يوضع في حقل علوم الشرع والأحكام لما اعترضت عليكم.
وأتمنى أن يشرع طالب دراسات عليا فيكتب باحترام عن مشروع شحرور الجريء جدا أو يقارن بينه وبين سواه، وينتقده ويكشف مزالقه العلمية انتقادا علميا كانطيا يبين العيوب والمزايا على السواء.
ولمحاولتكم الحق في الوجود طبعا. ولكنكم حين وضعتم رأيكم في الملتقى فلا تتوقعوا أن يوافقكم عليه كل قرائكم.

في هذا الرابط يلخص لنا شحرور مواقفه
أجوبة شحرور على محاضرة جنيف

وفي هذا الرابط يشرح شحرور افكاره ومشروعه
شحرور يشرح أفكاره ومشروعه

وقبل أن أختم أقول للأخ طارق إني لم أعارض عنادا ولا مراءً ولكن للسبب الي ذكرته لك فقط
* توجد ملاحظة صغيرة بشأن ما قلته عن ما وجدته في بروفايلي وأظن أنك تقصد مصطلح "العلمانية الإسلامية" وهي فكرة تبلورت لديّ حين ذهب ظني إلى أن واجب الدولة الطبيعي هو تنظيم علاقة الإنسان بالإنسان (أي فقه المعاملات) لا تنظيم علاقة العبد بالله عز وجلّ (أي فقه العبادات) وأن ترجمة "علمانية" لو تمت على أنها (معاملاتية) في مقابل العباداتية لما ولّدت كل هذا النفور من المصطلح إلى حد أن يطعن في دين المسلم.
وأوافقك الرأي أنّ علينا أن نحذر من استخدام المصطلحات الملغومة ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لهجرت هذا المصطلح

والسلام عليكم
 
الأخ الدكتور عبد الرحمن الصالح والإخوة أعضاء الملتقى المكرمون / السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد؛
فما كنت أحب أن يبدو الأمر وكأنه مساجلة أو مراء أو انتصار للذات، ولكن مشكلة الدكتور عبد الرحمن معي أو مشكلتي معه، أن كلاً منا يتحدث عن شيء غير الذي يقصده صاحبه، فأنا أخذت عينة من قراءات الشحرور للقصص القرآني وأخضعتها لمبضع النقد والتمحيص، وهو يدافع عن انطباعات إيجابية تحصلت لديه مما سمعه من أشرطة الشحرور، فعذري أنني أجادل عما بين يدي مما عرضته على القراء في الملتقى، وهو مصمم على أن الأمر بخلاف ما أدعي، وكان يمكن أن أوافقه لو صوب لي فهمي أو نقدي لما كتب شحرور، ولكنه لم يفعل.

وأما قول الدكتور عبد الرحمن:
فأنا لم أقرأ لشحرور حرفا واحدا وليس من عادتي ولا من حقي تلخيص أقوال شخص لم أقرأ له

فهو مقبول لو لم يتخذ موقفا دفاعيا عن الرجل وهجومياً على كاتب هذه السطور، أما وقد فعل، فهو مطالب بالبينة، إما بالرد على ما كتبت، أو بتعريفنا على بعض ما كتب الشحرور مما يتفق معه، وحيث إنه لم يفعل، فلا أقل من إيراد بعض ما أعجبه من مشروع شحرور الفكري كما شاهده في اليوتيوب، لنوافقه أو نعارضه.
وأنا مع الأخ عبد الرحمن أنني ما دمت أوردت رأيي في الملتقى فعليّ ألا أتوقع من الجميع موافقتي، وكذلك فعليه أن يتوقع من يناقشه حين يطرح موقفه، ولكن من حقي أن أزعم بأنني على صواب وصوابي يحتمل التصويب، ويجب أن أنصاع للحق المؤيد بالدليل والبرهان.
وأما قول شحرور: (إني أنطلق من أن لا ترادف على الإطلاق في القرآن) ، فالشحرور لم يأت بجديد، فهذا هو قول المحققين من علماء اللغة والتفسير، وأذكر أن أستاذنا الدكتور فضل حسن عباس رحمه الله قد درسنا ذلك مطلع الثمانينات من القرن المنصرم في الجامعة الأردنية، ومن يطلع على مفردات الراغب، أو فقه اللغة للثعالبي، أو الفروق اللغوية للعسكري، والكثيرين غيرهم من القدامى والمحدثين، يجدهم يؤكدون ألا ترادف في القرآن الكريم، وثمة رسائل وكتابات عديدة في هذا المجال، والمشكلة مع الشحرور ليست في القول بالترادف من عدمه، ولكن في سوء توظيف الفكرة وفي القفز من خلالها إلى فهوم لا سند لها.
وبالنسبة لموقف شحرور من سورة التوبة، فقد عرجت عليه سريعا في المقالة التي جعلتها عن القصص المحمدي، وهي الخامسة في السلسلة كما أذكر.
وحتى لا أطيل فإنني إكراما للدكتور عبد الرحمن سأغالب نفسي لقراءة المزيد مما كتب الشحرور وأستمع لما قاله، بالرغم من أنني وصلت حالة من الغثيان من تهالك ما قرأت، ولعلني أيضا أقف على ما كتب جمال البنا وغيره، حيث كنت نويت من زمن أن أقرأ لعدد من هذه الأسماء وأعرض ما قرأت في ملتقانا الكريم.
 
بارك الله فيكم أخي الدكتور القرشي، لكنني للعلم لست بدكتور، وأعتبر وصفكم من الفأل الحسن، زادنا الله وإياكم علما، ونفعنا ونفع بنا، آمين.
 
عودة
أعلى